أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين صالح - الهوية الثقافية والفكرية















المزيد.....

الهوية الثقافية والفكرية


حسين صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4456 - 2014 / 5 / 17 - 10:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



في العام 1815خسر نابليون معركة واترلو , وكانت نهاية العنفوان والمجد الفرنسي الطاغي على كل اوروبا ,وعاشت فرنسا صراعا سياسيا و كتب الفرنسيون عن الازمة النفسية والضياع الذي يعيشه الشباب الفرنسي في تلك الحقبة واليأس الذي بدأ يأكل مفاصل المجتمع الذي حمل في يوم قريب شعلة الثورة التي أنارت العالم الحر(حيث لم يصل نورها بعد لزوايا كثيرة في العالم مازالت غارقة في العتمة) وسطر اعظم الانتصارات في ساحات اوروبا ,كل هذا المجد الرفيع تلاشى امام اعينهم , اطلقوا اسم مرض العصر في ذلك الوقت على الكأبة والاحباط الذي اصاب الشباب الفرنسي, ولكن, نحن نتحدث عن امة لا تتباكى على الاطلال والماضي التليد ,انها امة تعرف كيف تصنع مستقبلها . بعد الانكسار ثار المجتمع الفرنسي مرة ثانية ولكن هذه المرة ثورة ثقافية عالمية , ففي القرن التاسع عشر انجبت هذه الامة اعلام الانسانية في الادب والرسم والموسيقى وحتى العلم ,انه جيل مابعد الهزيمة الذي قاد العالم في ميادين الجمال والرقي فأنجب في ميدان الرسم مبدعين مثل كلود مونيه مؤسس الانطباعية ورينوار وادغار ديغا, وسيزان في مابعد الانطباعية, وديلاكروا رائد المدرسة الرومانسية ,وغوستاف كوربيه رائد الواقعية, وغوغان, وماتيس وهو من كبار المدرسة الوحشية ,وهنري تولوز من مؤسسي فن الاعلان والعظيم جورج براك من مؤسسي الحركة التكعيبية , ولم يخلوا ميدان الموسيقى من فرسان فرنسا فكان موريس رافيل مؤلف( بوليرو) وبيرليوز بقوة حسه الدراماتيكي وديبيوسي الذي صقل اسلوبا فرنسيا متميزا به ,وبيزيه مؤلف (كارمن) , كذلك على ساحة الادب والرواية والشعر انجبت فترة مابعد الهزيمة فرسان مثل الكسندر دوما والعظيم اميل زولا الذي يعتبر من مؤسسي المذهب الطبيعي في الرواية ,وجورج ساند وجول فيرن, وفلوبير مع بلزاك اللذان يعتبران مؤسسي الادب الواقعي, والشاعر المرهف الحس بودلير, وجان كوكتو رغم انه ولد في نهاية القرن التاسع عشر, والفيلسوف برغسون, والروائي العظيم فيكتور هوغو الذي يقول( انا الذي البست الادب الفرنسي القبعة الحمراء) , اضافة الى كوكبة من العلماء في تلك الحقبة مثل بيار كوري واندريه امبير وغايلوساك صاحب قانون تمدد الغازات , والغني عن التعريف لويس باستور , لنقف عند هذه النقطة من انجازات امة رفضت الخضوع لثقافة الهزيمة والتمسك بالتراث واعادة انتاجه, بل انها صنعت ثقافة جديدة وهوية جديدة لم يكن سلفهم الصالح يفهمونها وأسسوا لثقافة وهوية جديدة قادت العالم مرة اخرى في ثورة جديدة ثورة الجمال والادب الرفيع, هذه امة تحب الحياة تصنع المستقبل تعيش لغدها , وبعد ان تحول المجتمع الفرنسي الى مجتمع صناعي نرى اليوم الناتج المحلي له بملايينه ال65 هو 2.2 تريليون دولار,وهو يعادل الانتاج المحلي لكل الدول العربية مجتمعة بملايينها ال350 ونفطها وغازها, وهكذا كل الامم الحية تحمل هوية متجددة مع العصور وثقافة تنمو وتتغير وتورق وتثمر عن انجازاتها .

ان هوية الشعوب (الحية) لايرسمها جيل معين وفي فترة معينة من الزمان والمكان ثم تتجمد وتكون شعارا لكل الاجيال القادمة وبذلك لاتخرج عن تقاليد ذلك الجيل الاول التي تصبح تابوهات لايمكن نقدها, ولكن بحكم التطور فان الاشكال والافكار والمفاهيم وبالتالي الهوية الثقافية لاتبقى على حالها , فلكل عصر له هويته التي يصنعها جيل ذلك العصر لان انجازات كل جيل العلمية والفكرية والثقافية مختلفة عن سابقه وهي غير منقطعة عنه ايضا وهذه نتائج حتمية لتراكمية الانجازات وتطورها بل انها سنة الله في خلقه .

بعكس مجتمعاتنا الخاملة التي تعيش الماضي بكل تفاصيله والملتصقة بالهوية الثقافية للسلف حتى اصبحنا سجناء تلك الهوية , فكل المفاهيم الاجتماعية والثقافية وكل تفاصيل الحياة الانسانية التي كانت حية في الماضي نحن نعيد استهلاكها وانتاجها بلا ملل نحن نمضغ ونعيد مضغ ما أنتجته مجتمعات القرون الوسطى ,فكل شخوص تلك المجتمعات بكل افعالهم وما تحمله من فضائل ورذائل صارت من المقدسات من خرج عليها فقد خرج عن الملة!! هذه الكوميديا السوداء تعبر عن الكثير من الحقيقة , ولكن لماذا هذا الالتصاق بالموروث البالي بكل مفرداته الذي صار من المقدسات التي تلجم عقولنا وتعطلها عن العمل ,هل هو فعلا لانه قدم افضل الحلول لخلاص الانسانية التي يعجز بعدها العقل البشري من تجاوز تلك الحدود النهائية التي وصل اليها الاجداد , بالتأكيد كلا,فالثقافة والفكر المتجددين هما انعكاس لحاجة وانتاج المجتمع المتطور دائما , ان مجتمعاتنا ذهبت الى ماهو ابعد من ذلك حتى عاشت وهم ان كل انجازات الغرب الثقافية هدفها محاصرة والنيل من هويتنا الثقافية الهوية القرون اوسطية وما علينا الا ان نذود عنها بمنع دخول الثقافة الغربية الى فنائنا الداخلي!! نحن نعيش حالة متطورة من البارانويا , وهذا واضح حتى في اعلامنا فكلما زادت الفجوة المعرفية بيننا وبين المجتمعات المتطورة كلما رفعنا رايه التراث والهوية عاليا! لماذا كل هذا الوله بالماضي بينما الامم تتسابق لصنع المستقبل ؟فبالاضافة الى ان الدين ورجاله قد عطلوا عقول المجتمعات عن العمل ووضعوها في حالة من السبات العميق فان الجواب نجده عند مدرسة التحليل النفسي بزعامة كارل غوستاف يونغ , يقول يونغ عندما تشعر الشخصية بأنها في حالة صراع نتيجة عجزها عن تحقيق هدف مرغوب فيه فأنها تبحث لنفسها عن اهداف اخرى لها نفس الجاذبية ويترتب على تحقيقها ازالة هذا الصراع , وبالتأكيد يجب ان تكون الاهداف من نفس الجنس , وبما ان مجتمعاتنا بعيدة كل البعد عن انتاج حركة فلسفية معاصرة او مذهب فكري جديد فاننا نلجأ لحماية انفسنا بالنكوص الى الوراء والتشبث بالتراث والتغني به , وهذا المبدأ اسماه يونغ بمبدأ التعويض ,فنحن نعوض مانخسره هناك بربحه هنا,وبالتأكيد لايكون للفعل الرمزي نفس تأثير الفعل الحقيقي بمعنى ان الاحلام لايمكنها ازالة ذلك الصراع . ومبدأ التعويض مرتبط بمبدأ اخر ليونغ هو التعادل والذي يقول ان انخفاض اي قيمة نفسية يعني بالضرورة ارتفاع قيمة اخرى , هذا بالدقة يفسر حرصنا الشديد حد المرض بالتراث والحرص الشديدعلى الماضي يدل على الفشل الشديد في انتاج الجديد. كما يؤيد هذا الاستنتاج مذهب عالم النفس الاخر الفريد ادلر ,الذي يقول ان الفرد او المجتمع يسعى لأكتشاف اهداف سهلة يمكن تحقيقها لتقلل من مشاعر الانسان بالدونية . ان مجتمعاتنا في عقلها الباطن لاشك تشعر بالدونية امام انجازات المجتمعات المتطورة ولكن بالتأكيد العقل الجمعي في مستوى ادراكه لايعترف بهذه الحقيقة بل انه لايشعر بوجودها ولكنه يتصرف ازاءها ويحاول ان يخلق اهداف لعمل الانحراف اللازم عن الاهداف الصعبة التحقيق وبذلك يشعر بالامان. وينام قرير العين بعدما حقق كل اهدافه ولكن ليست الاهداف الحقيقية المرغوب بها اصلا اذ انها مجرد حيل دفاعية نفسية كما يسميها يونغ وهي عملية لاشعورية ترمي الى تخفيف التوتر النفسي التي تنشأ عن استمرار حالة الاحباط بسبب عجز الانسان عن التغلب على العوائق التي تعترض اشباع دوافعه وهذا يسميه الاستبدال ,استبدال حالة رئيسية باخرى وهمية او ثانوية وجعلها رئيسية.ثم يبدأ العقل باعطاء الاهداف الثانوية اسمى الصفات واتهام الاهداف الرئيسية التي صعب عليه تحقيقها باقبح الصفات ( الذي لا ينال العنب يقول عنه حامض) .

نحن مجتمعات عجزت عن المشاركة في مسيرة الانسان العلمية والمعرفية , نحن شعوب متفرجة وليست مشاركة في الانجاز وللخلاص من هذا المأزق لجئنا الى التراث فهو البديل الاسهل والمتوفر دون عناء , ولأننا غير مشاركين في الانجاز نقع ضحية وهم بارانويا اننا مستهدفون في هويتنا .
هذه المقالة لاتهدف للتقليل من شأن التراث فكل مجتمعات الارض تفتخر بتراثها بكل ميادينه ,لكن ان نعطيه كل هذه المساحة من عقولنا الى الدرجة التي لايبقى شاغرا في تلك العقول مايمكن استعماله لانجاز شيء جديد هذه النوستالجيا المرضية المستعصية يجب اعادة النظر بها. وتبقى عبارات مثل الاستلهام من التراث قد ثقبت ادمغتنا , لماذا الاستلهام من التراث؟الذين صنعوا التراث هم رجال ونحن رجال مثلهم على رأ ي الامام ابو حنيفة , لماذا لانبتكر الشيء الجديد ونخلق فلسفةً وفكرا جديدا نباهي به الامم ,وليبقى الدين في قلوبنا يملأ ارواحنا نتصل من خلاله بخالقنا, وهكذا التطور يأخذ مجراه الطبيعي, نحن لانزال نخاف من مفردات مثل خلق وابتكار وابتداع وتستهوينا مفردات اقل جرأة وأقل كفاءة مثل استلهام ومحاكاة وتقليد, ان اجدادنا قد صنعوا هويتهم الثقافية التي نرفع القبعة لهم ولدورهم الريادي ولكن جاء دورنا لتأخذ الهوية طابع شخصيتنا المعاصرة وهذا درب لامحالة صعب وشائك ويحتاج الى جهد وصبر وابداع.ان الاجيال المبدعة هي التي تصنع هويتها والاجيال الفاشلة تبحث في اوراق التأريخ عن هوية.

الواضح نحن ننتظر من عباقرة ومفكري العالم ان يبتكروا لنا الاساليب الجديدة في الفكر والفلسفة وماعلينا الا ان نبقى حذرين ومتيقظين من كل شيء جديد ثم نحاول ان "نحاكي"هذه الافكار ب "استلهام " بعض من مفردات تراث القرون الوسطى المقدس والصاقها بتلك الافكار المبتكرة , وهكذا نكون قد أدينا رسالتنا مرتاحوا الضمير .
اخيرا هي رسالة متواضعة علينا احترام تراثنا, وبنفس الوقت علينا دخول عصر الابتكار والخلق لكل ماهو جديد عصر تقنيات النانو لنفتخر بصنع هوية جديدة من انتاج قدراتنا الابداعية وندخل حلبة السباق كمتسابقين وليس كمتفرجين .



#حسين_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا العرب متخلفون بالعلم والمعرفة -الجزء 2/2
- لماذا العرب متخافون بالعلم والمعرفة
- الصراع الدموي بين المذاهب الاسلامية
- امتهان العربان لكرامة الشعوب في احتلال البلدان
- احتلال العراق ومثلث النار
- هل الاسراء والمعراج حقيقة ام خيال
- منجز العرب في الحضارة الاسلامية


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين صالح - الهوية الثقافية والفكرية