أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الصناعة الاشتراكية















المزيد.....


الصناعة الاشتراكية


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1262 - 2005 / 7 / 21 - 12:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الصناعة الاشتراكية
في كتاب "ستالين، نظرة اخرى" خصص فصل كامل عن موضوع الصناعة السوفييتية واوحى لي هذا الفصل كتابة هذا المقال عن التصنيع الاشتراكي الذي جرى في الاتحاد السوفييتي.
من الاتهامات الموجهة الى ستالين تركيزه على الصناعة الثقيلة واهمال الصناعات الخفيفة وصناعات المواد الاستهلاكية. وهذه التهمة في الواقع تهمة موجهة الى الحزب الشيوعي البلشفي تحت قيادة ستالين اذ ان ستالين، مهما كانت عبقريته او "دكتاتوريته" كما يحلو لمنتقديه ان يقولوا، لم يكن يستطيع وحده ان يوجه ويدير المشروع الصناعي السوفييتي العظيم الذي رفع الاتحاد السوفييتي من دولة زراعية متأخرة الى ثاني دولة صناعية في العالم خلال خمسة عشر عاما. ولكن السؤال هو هل كان امام ستالين او امام الحزب الشيوعي البلشفي خيار في البرنامج الصناعي ام كان مضطرا الى سلوك هذا الطريق دون غيره؟
للاجابة على هذا السؤال علينا اولا ان نرى ان كان الخيار قائما في النظام الراسمالي. هل الراسمالي مخير في طريقة عمله كراسمالي ؟ ان الراسمالي عبد لراسماله يعمل على زيادة الراسمال اي الى زيادة الربح الذي يشكل اساس الراسمال. فليست كل ثروة او كل نقود راسمالا. انما الراسمال هو نقود تولد نقودا اكبر. والراسمالي لا يستطيع بخدمة راسماله ان يواصل انتاج اية سلعة وانما يجب ان ينتج السلعة التي تجني لراسماله المزيد من الارباح. لذلك عليه اولا ان ينافس اضرابه في اختيار الانتاج الذي يجلب له ارباحا اكبر من ارباح زملائه الراسماليين وثانيا عليه ان يجد طريقة لانتاج سلعته بصورة تخفض من تكاليف الانتاج لكي ينافس اضرابه في الارباح الناجمة عن انتاج نفس السلعة، وبيعها باسعار منافسة للراسماليين الاخرين. لذا فان على الراسمالي اولا ان ينقل راسماله من انتاج بضاعة لا تدر ارباحا كافية الى انتاج البضاعة التي تعد بالمزيد من الارباح وثانيا ان يطور وسائل انتاجه بحيث ينافس الراسماليين الذين يعملون في انتاج نفس البضاعة. وهذا الامر يصدق على جميع الراسماليين بدون استثناء. هذا ما يسمى في الاقتصاد السياسي قانون المنافسة وفوضى الانتاج.
ان المنافسة وفوضى الانتاج قانون طبيعي يسيطر على تطور النظام الراسمالي ليس للراسماليين سيطرة عليه ولا يستطيعون تغييره او تجاوزه. يشهد على ذلك تاريخ تطور النظام الراسمالي منذ نشوء المانيفكتورا وحتى يومنا هذا. في الفترة الاولى من تاريخ النظام الراسمالي، التي تسمى فترة المنافسة الحرة، كان هذا القانون هو القوة المسيطرة على تطور النظام الراسمالي حيث كان الراسماليون ينافسون بعضهم البعض على شكل افراد راسماليين او على اساس شركات. وفي الفترة التي تسمى المرحلة الامبريالية بقيت هذه المنافسة وفوضى الانتاج ولكنها ارتفعت الى مستوى المنافسة بين الاحتكارات الراسمالية الكبرى والى تصدير الراسمال الى حيث الايدي العاملة الرخيصة ومصادر المواد الخام الوافرة. والمنافسة وفوضى الانتاج اليوم، في عصر العولمة، ارتفعت الى مستوى اعلى بحيث نراها قائمة على مستوى عالمي وخصوصا بين الدول الصناعية الكبرى الثمان التي تتنافس على الاستيلاء على الاقتصاد العالمي واعادة اقتسامه وفقا لما تستطيع كل دولة منها ان تحصل عليه "سلميا" في المؤتمرات ومؤتمرات القمة حاليا وبقوة السلاح في المستقبل. وللولايات المتحدة في هذا المضمار اليد الطولى التي تعمل على الاستيلاء على كل امتيازات حليفاتها من الدول الكبرى الثمان. فكما ان العامل اصبح في النظام الراسمالي عبدا لانتاجه، يضطر الى انتاج السلع للراسمالي طلبا للعيش، وكلما ازداد انتاجه ازداد فقره. كذلك اصبح الراسماليون عبيد راسمالهم يضطرون الى خدمة الراسمال بكل الوسائل، بما فيها الحروب وسفك الدماء والمؤامرات وابادة شعوب بكاملها، لكي يزيدوا ارباح راسمالهم. والراسمال يزيح كل راسمالي لا يخدمه باخلاص ويحقق له الارباح الطائلة لكي ينتقل الى عبد اخر يقوم بالمهمة خيرا منه. وما ابتلاع الشركات الصغيرة من قبل الشركات الكبيرة والاستيلاء عليها خصوصا في الازمات الاقتصادية الا احدى صور تحول الراسمال من قبضة عبد ضعيف الى قبضة عبد افضل منه خدمة.
نرى من كل هذا ان الراسمالي ليس مخيرا في سلوكه في خدمة راسماله وانما هو خاضع لقانون طبيعي خارج عن ارادته يسيطر على انتاج وتطور النظام الراسمالي كله هو قانون المنافسة وفوضى الانتاج.
فما الذي حدث في الثورة الاشتراكية، ثورة اكتوبر؟ في هذه الثورة تحولت الطبقة العاملة من طبقة مسودة الى طبقة سائدة. فالطبقة العاملة بقيادة الحزب البلشفي اسقطت النظام الراسمالي واستولت على السلطة السياسية واصبحت الطبقة العاملة لاول مرة طبقة حاكمة بصورة ناجحة. كان هذا الاستيلاء على السلطة سياسيا في المرحلة الاولى فاصبحت الدولة دولة العمال والكادحين. ولكن الاستيلاء على الجانب الاقتصادي كان اصعب من ذلك. فقد جاءت الدولة العمالية على انقاض دولة راسمالية اقطاعية ذات انتاج محطم نتيجة الحرب العالمية الاولى. كان على الدولة الجديدة ان تحول هذا المجتمع البرجوازي الاقطاعي الى مجتمع اشتراكي. وقد عملت الدولة الجديدة منذ اليوم الاول في هذا الاتجاه فاستولت على الارض وجعلتها ملكا للدولة لا يجوز بيعها او رهنها او امتلاكها. واستولت على المصانع والمعامل الكبيرة العائدة للراسماليين الروس وللاجانب بدون تعويض واستولت على البنوك واحتكرت التجارة الخارجية ووزعت الاراضي على الفلاحين ولكنها لم تستطع في الفترة الاولى ان تقضي على جميع المشاريع الراسمالية فأبقت على المشاريع الصناعية الصغيرة وخصوصا على المشاريع الراسمالية الزراعية ومشاريع التجارة الداخلية بين الريف والمدينة مدة الى ان اصبح في مقدورها الاستغناء عنها والقضاء عليها. ولم تكن لدى الطبقة العاملة والكادحين خبرة في ادارة المشاريع الصناعية فاضطرت الدولة العمالية ان تستفيد من خبرات العناصر الراسمالية في هذا الصدد رغم علمها بعدم اخلاص هؤلاء في العمل وبرغبتهم في التخريب واستعادة سلطتهم المنهارة. وقد استغرق هذا الوضع عدة سنوات الى ان نجحت الدولة في تدريب ابنائها واعدادهم لادارة المشاريع الصناعية بانفسهم وقضت على المشاريع الراسمالية المتبقية في المدينة والريف.
ما معنى هذا التغير الذي حصل بعد ثورة اكتوبر؟ معناه ان المجتمع الذي كان قائما على راسه في النظام الراسمالي اصبح مجتمعا قائما على رجليه في المجتمع الاشتراكي. معناه ان الطبقة العاملة والكادحين اصبحوا المالكين لكافة المشاريع الانتاجية في البلاد. معناه ان الانتاج الذي كان هدفه الربح في النظام الراسمالي اصبح هدفه تلبية حاجات المجتمع في النظام الاشتراكي. معناه ان زيادة الانتاج التي كانت في النظام الراسمالي سببا في شقاء العمال وبطالتهم وجوعهم اصبحت في الانتاج الاشتراكي سببا في زيادة رفاههم ومتعتهم. فبدلا من ان يكون العامل عبدا لما ينتجه اصبح انتاجه عبدا له يوفر له الراحة والثقافة والرفاه.
ولكن السؤال يبقى قائما. هل كان هذا المجتمع مخيرا في توجيه انتاجه ام كان هناك قانون طبيعي يتحكم في تطور هذا المجتمع ينبغي على المجتمع السير في اتجاهه؟ لا شك ان هناك قانون طبيعي خارج عن ارادة المجتمع يتحكم في تطور الانتاج الاقتصادي الاشتراكي كما كان هناك قانون كهذا في المجتمع الراسمالي. كان هذا القانون في المجتمع الراسمالي قانون المنافسة وفوضى الانتاج. وكان هذا القانون قد اختفى في النظام الاشتراكي. ولكن قانونا طبيعيا جديدا نشأ يتحكم في التطور الاقتصادي في المجتمع الاشتراكي، وهو قانون طبيعي مستقل عن ارادة الانسان الاشتراكي لا يستطيع الانسان المخلص حقا في بناء وتطوير المجتمع الاشتراكي تغييره او تجاوزه او مخالفته. هذا القانون هو قانون التطور المتوازن (او النسبي) للاقتصاد الوطني. فما معنى قانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني؟ يمكننا فهم هذا القانون عن طريق شرح احد الامثلة في الانتاج.
لو فرضنا ان الدولة العمالية تريد ان تنتج المزيد من الملابس لتغطية حاجات المجتمع منها. فطبيعي انها يجب اولا ان تؤسس المصانع التي تنتج النسيج والملابس. وهذا يعني بالضرورة ايجاد المصانع اللازمة لانتاج المكائن اللازمة لهذه المصانع. اي على الدولة ان تنتج المصانع التي تنتج المكائن اللازمة لمصانع النسيج. ولكن انتاج الملابس يتطلب الكميات الكافية من المواد الخام اللازمة للنسيج كالقطن والكتان والصوف ومصانع النسيج لا تستطيع انتاج الملابس ما لم يتوفر لها انتاج كاف من هذه المواد. ولذلك تدعو الضرورة الى تطوير الزراعة وتربية الحيوانات من اجل الحصول على كميات كافية من هذه المواد الاولية الضرورية. وتطوير الزراعة يتطلب جعل الزراعة واسعة النطاق ويتطلب تزويدها بالمكائن الحديثة وبالطرق العلمية الحديثة لكي تستطيع ان توفر للصناعة كميات كافية من المواد الزراعية الخام لانتاج الملابس. وهذا يعني ان على الدولة ان توفر المزيد من المكائن الزراعية الحديثة ويعني وجوب انشاء مصانع لانتاج هذه المكائن الزراعية الحديثة ومصانع تنتج المكائن المناسبة التي تستطيع انتاج المكائن الزراعية الحديثة. ولكن انتاج المواد الزراعية الخام للصناعة لا يكفي بحد ذاته لتزويد المصانع بهذه المواد. يجب ان تتوفر وسائل المواصلات الكافية لنقل هذه المواد من الريف الى المدينة وهذا يتطلب تطوير وسائل النقل كالسكك الحديدية والقطارات والشاحنات والسفن الى اخره. كذلك يتطلب انشاء كل هذه المصانع المختلفة التي يتطلبها تطوير صناعة الملابس انتاج كميات كافية من الطاقة والوقود تستطيع ان تشغل كل هذه المصانع. نرى من كل ذلك ان تطوير مصانع الملابس مرتبط ارتباطا وثيقا بتطوير جميع هذه الصناعات والمرافق الزراعية. وهذا يصح على اي مثال اخر من الانتاج. وهذا هو معنى قانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني. ان هذا القانون يحتم تطوير جميع فروع الانتاج بصورة متوازنة بحيث ان انتاج كل فرع من فروع الانتاج يكون بالضبط الكمية الكافية لسد جميع حاجات تطوير الاقتصاد الاشتراكي.
وعبقرية القيادة السوفييتية المتمثلة بالحزب الشيوعي البلشفي بقيادة ستالين كانت ادراكها لهذا القانون الطبيعي ادراكا تاما. وقد حاولت هذه القيادة الالتزام بمستلزمات هذا القانون. فكان الاقتصاد المبرمج في مشاريع السنوات الخمس الثلاثة التي حصلت قبل الحرب العالمية الثانية. ولم يكن نجاح الاتحاد السوفييتي في التقدم الهائل الذي لم يشهد العالم مثيله الا لان القيادة السوفييتية استطاعت ان تجعل برامجها الاقتصادية اقرب ما يكون الى تحقيق مستلزمات هذا القانون الطبيعي الذي يسيطر على تطور المجتمع الاشتراكي، قانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني. ولم يكن وضع البرامج كافيا وحده لتحقيق هذا التقدم السريع. كان من الضروري ان يقتنع العمال والفلاحون بفائدة هذه البرامج وان يتفانوا في انجازها. وهذا ما حصل في الاتحاد السوفييتي اذ تحمس العمال والفلاحون في انجاز برامج السنوات الخمس بحيث انها انجزت قبل موعدها.
رأينا من مثال تطوير صناعة النسيج والملابس انها تتطلب زيادة في انتاج وسائل الانتاج، المصانع اللازمة لتطوير المجتمع من جميع النواحي لتلبية متطلبات زيادة انتاج النسيج والملابس. وزيادة انتاج وسائل الانتاج هو الصناعة الثقيلة. كان على الدولة الاشتراكية ان تخصص الجزء الاكبر من مواردها لتطوير الصناعة الثقيلة بحيث تكفي لتزويد كافة مصانع الصناعة الخفيفة بالمصانع والمعامل اللازمة لتطورها تطورا متوازنا.
قبل ان نتطرق الى تطوير الصناعات الثقيلة في الدولة الاشتراكية من الجدير اولا ان نتحدث عن تطوير الصناعات الثقيلة في الدول الراسمالية. فالدول الراسمالية الكبرى طورت هي ايضا صناعاتها الثقيلة، صناعة انتاج وسائل الانتاج. ولكن كيف نجحت الدول الراسمالية في تحقيق ذلك في ظل قانون المنافسة وفوضى الانتاج؟ نجحت الراسمالية في تحقيق ذلك عن طريق الحاق افظع الاضرار بشتى شعوب العالم. فمن ناحية كان نهب ذهب وفضة الهنود الحمر عن طريق ابادتهم احد المصادر الهامة لتحقيق تطوير صناعة انتاج وسائل الانتاج وكان نهب المستعمرات هو الطريق الاخر وكانت القرصنة وتجارة العبيد من مصادر تجميع الراسمال المطلوب لتطوير الصناعة الثقيلة وكانت تعويضات الحروب وسيلة اخرى لتطوير الصناعات الثقيلة في البلدان الراسمالية الكبرى كتعويضات الحرب الالمانية الفرنسية في ١٨٧٠. وما زال نهب المستعمرات احد الوسائل الكبرى لتطوير الصناعات الثقيلة اليوم كما كان في الماضي حيث ان تطوير صناعات الاسلحة المدمرة الحديثة وصناعات غزو الفضاء لا يمكن تحقيقها الا عن طريق نهب ثروات الشعوب وتجويعها وتدميرها.
ثم ان الدول الراسمالية الكبرى لا تسمح للدول الصغرى بان تطور هي الاخرى صناعات انتاج وسائل الانتاج. ان تصدير رؤوس الاموال اليوم هو احد الوسائل الكبرى لزيادة ارباح عمالقة الراسمالية العالمية. نرى اليوم ان دولا مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان اصبحت دولا متقدمة في صناعاتها الفنية الى درجة عظمى بحيث يجري تسمية ذلك اليوم بالثورة التكنولوجية. ولكن الدول الراسمالية تبقي هذه الدول تابعة لها وتحقق الارباح من تطوير صناعات واسعة في مثل هذه البلدان. فكيف تبقي الدول الراسمالية الكبرى سيطرتها على هذه الدول بالسبل الاقتصادية؟ تسيطر عليها بمنعها من تطوير صناعاتها الثقيلة، صناعات انتاج وسائل الانتاج، اي ان الدول الصناعية الكبرى لا تقيم مصانع لانتاج وسائل الانتاج في هذه البلدان، رغم ان اقامة مثل هذه المصانع في البلدان التي يطلقون عليها العالم الثالث يعني زيادة ارباح الراسماليين اضعافا. وهذا يعني ان اي تمرد تبديه احدى هذه الدول تجاه الدول الراسمالية الكبرى طلبا لاستقلالها يمكن تدميره اقتصاديا بعدم تزويدها بادوات الانتاج التي تحتاجها او حتى بقطع الغيار اللازمة لمواصلة الانتاج في المصانع القائمة. ان تطوير صناعة انتاج وسائل الانتاح هو اهم ما يحقق الاستقلال الاقتصادي لاي بلد يريد ان يستقل اقتصاديا عن سيطرة الدول الراسمالية الكبرى.
منذ يوم الثورة ادرك لينين وستالين ان الاستقلال الاقتصادي للدولة الاشتراكية لا يمكن تحقيقه الا بتطوير الصناعات الثقيلة، اي بانتاج وسائل الانتاج بحيث تتخلص الدولة من ضرورة الاعتماد على الدول الصناعية الاخرى.
هل كان بامكان الدولة الاشتراكية ان تستخدم نفس الوسائل التي استخدمتها الراسمالية لتحقيق تقدمها الاقتصادي بتطوير صناعاتها الثقيلة؟ بالطبع لا. فالطبقة العاملة لا تستطيع تحرير نفسها ما لم تحرر جميع الشعوب والقوميات التابعة لها. فلم يكن بمستطاع الدولة الاشتراكية ان تستغل مستعمرات روسيا السابقة التي اصبحت جزءا من الاتحاد السوفييتي بل كان عليها ان ترفع من مستوى شعوب هذه المستعمرات الى مستوى الشعب الروسي. ولم يكن باستطاعة الدولة السوفييتية ان تستولي على مستعمرات جديدة لكي تنهبها لتحقيق تمويل صناعاتها الثقيلة. ولم يكن نطاق القروض الاجنبية متاحا للدولة السوفييتية لان الدول الراسمالية احاطت بها وفرضت عليها حصارا اقتصاديا وكانت تستعد للهجوم عليها في اللحظة المناسبة. كان على الدولة السوفييتية ان تحقق تطوير صناعاتها الثقيلة بمواردها الخاصة وهذا ما قامت بتحقيقه رغم الصعوبات الجمة التي واجهها الاقتصاد الاشتراكي لهذا السبب. وقد انجزت الدولة الاشتراكية هذه المهمة بنجاح اذهل الدول الراسمالية الاخرى بحيث انها لم تؤمن بتحقيق ذلك بحيث ان وسائل اعلامهم كانت تشيع ان الدبابات التي تظهر في الساحة الحمراء في الاحتفالات كانت مموهة لانها دبابات خشبية وليست دبابات حقيقية. وقد صدق حتى اكبر الساسة الراسماليين مثل ترتشل كذبهم الى درجة الاقتناع به. ودام هذا الى ان اظهر الاتحاد السوفييتي قدراته الدفاعية في الدفاع عن وطن الاشتراكية ضد جحافل النازية.
ان انتاج الاسلحة ليس من طبيعة النظام الاشتراكي ولا من ضرورات الاقتصاد الاشتراكي. ولكن تطوير وسائل الدفاع كان ضرورة بالنسبة لهذه الدولة نظرا للاحاطة الراسمالية وخطر شن حرب عليها في اية لحظة. كان انتاج الاسلحة ووسائل الدفاع عن الاتحاد السوفييتي عبءا اضافيا كان الاتحاد السوفييتي في غنى عنه لو لم تكن هناك احاطة راسمالية ولم تكن الدولة مهددة كل يوم بالهجوم الراسمالي من اجل تحطيمها. وقد اثبت التاريخ مدى صحة سياسة الدولة الاشتراكية في تطوير صناعاتها الثقيلة وصناعة انتاج وسائل الدفاع اثناء اجتياح جحافل النازية للاتحاد السوفييتي. فلولا تقدم الاتحاد السوفييتي في صناعته وقدرته على انتاج كل ما يحتاجه الجيش الاحمر من سلاح وعتاد لما امكن دحر العدوان النازي ولما امكن انقاذ العالم من العبودية النازية.
حين استولت القيادة الانتهازية التحريفية، قيادة خروشوف، على قيادة الحزب والدولة في الاتحاد السوفييتي لم تلتزم هذه القيادة بمستلزمات قانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني. زعم الخروشوفيون ان ستالين احتفظ بمشاريع كبيرة غير مربحة. وفعلا كانت في الاقتصاد السوفييتي مشاريع كبيرة غير مربحة بالمفهوم الراسمالي للربح. ولكن هذه المشاريع كانت ضرورية وحيوية من وجهة نظر تطور الاقتصاد الاشتراكي ولذلك كانت مربحة بالمفهوم الاشتراكي للربح، اي مفهوم مساعدة هذه المشاريع على تطوير الاقتصاد الاشتراكي كله. وصمم الخروشوفيون على اغلاق مثل هذه المشاريع باعتبارها مشاريع خاسرة. كذلك اعلن الخروشوفيون ان ستالين بالغ في تطوير الصناعات الثقيلة وقصر في تطوير صناعات المواد الاستهلاكية لابناء الشعب فقرروا تحويل بعض الصناعات الثقيلة الى صناعات خفيفة بحجة زيادة المواد الاستهلاكية للشعب. واعتبر الخروشوفيون ان المزارع التعاونية اصبحت غنية بحيث تستطيع شراء المكائن الزراعية والتخفيف عن عبء الدولة في حيازة هذه المكائن. فباعوا المكائن الزراعية الى المزارع التعاونية وحولوا هذه المكائن الى سلع تباع وتشترى وكان هذا سببا في تدهور الزراعة التعاونية لان هذه المزارع لم تكن قادرة على الاستغناء عن المكائن القديمة وشراء مكائن حديثة بدلا عنها كما كانت الدولة الاشتراكية تفعل. وباع الخروشوفيون المصانع فحولوها الى مشاريع خاصة بحجة خلق الحافز للعمال والمنافسة بين مختلف المصانع. بكل هذه الاجراءات تخلى الخروشوفيون عن مستلزمات قانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني وخلقوا من جديد قانون المنافسة وفوضى الانتاج. ولم تكن النتيجة زيادة رفاه الشعوب السوفييتية او زيادة المواد الاستهلاكية على حساب الانتاج الصناعي. بل كانت النتيجة عودة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي وتدهور حياة العمال والفلاحين الى المستوى الذي نشاهده اليوم في روسيا والدول الاخرى التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي.
نرى من كل هذا ان الحكومة السوفييتية بقيادة الحزب البلشفي وستالين لم تكن مخيرة في تطويرها للانتاج الاشتراكي وانما كانت مقيدة بمستلزمات قانون طبيعي خارج عن ارادة الانسان ولا يستطيع الانسان تجاوزه او تغييره كما كان وما زال الحال في الانظمة الراسمالية. فميزة الماركسيين هي انهم يستطيعون تمييز القوانين الطبيعية التي تتحكم في المجتمع في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي وقيادة الشعوب في الاتجاه الذي تحتمه هذه القوانين. هذا هو المعنى الوحيد الصحيح للماركسية.
قد يقول البعض ان كل هذا اصبح في ملفات التاريخ ولم تعد له فائدة في ايامنا حيث يعاني شعبنا العراقي مثلا من الازمات التي هو فيها. فالعراق اليوم اصبح مستعمرة مباشرة لا يمكن مقارنتها بالاستعمار المباشر الذي ساد العالم في النصف الاول من القرن العشرين. ان الاستعمار الاميركي اليوم ابشع وافظع واشد قسوة من اي استعمار اخر. وان قسوته لا يمكن مقارنتها بقسوة الاستعمارين البريطاني والفرنسي السابقين لان هذا الاستعمار الجديد مجهز باسلحة الدمار الشامل يستعملها على السكان المدنيين بدون تمييز من اجل فرض سيطرته الاستعمارية على الشعوب. والشعب العراقي عليه الان ان يجد مخرجا من هذه الازمة شأنه في ذلك شأن جميع شعوب العالم التي تريد الولايات المتحدة فرض عولمتها عليها بدون استثناء. لذا فان من مضيعة الوقت الان ان نتحدث عن مواضيع مثل تطوير الصناعة في الاتحاد السوفييتي الاشتراكي.
ولكن الواقع هو ان هذا الموضوع والمواضيع الاخرى المتعلقة بهذا التاريخ العظيم لها كل الارتباط بما يحصل في العالم اليوم. ففي العراق اليوم تتحدث الكثير من الاحزاب والجماعات عن الاشتراكية كحل للاوضاع الماساوية التي يعاني منها الشعب العراقي تحت الاحتلال الانكلو- أميركي والارهاب الاسلامي والتشقق الطائفي والقومي القائم في العراق. وقد تكون الاشتراكية الحل الافضل لهذه الازمات. واعتقد ان الكثير من المتحدثين عن الاشتراكية كمستقبل للعراق هم شباب متحمسون ثوريون مخلصون مستعدون للنضال والتضحية في سبيل تحقيق الحل الذي يرونه منقذا للشعب العراقي من محنته. ولكننا لا نجد بين هذه الاحزاب والجماعات من يضع برنامجا واضحا عن طرق تحقيق مثل هذا الحل والخطط الاستراتيجية والتكتيكية لتحقيقه وكيفية تحقيق وحدة الطبقة العاملة والكادحين من اجل تحقيقه. وهذا يجعل الحديث عن الاشتراكية مجرد لغط على صفحات الجرائد وفي البرامج الالتكرونية لا اكثر. فالكثير يتحدث عن اشتراكية بدون دكتاتورية البروليتاريا واشتراكية بدون الاخطاء التي وقع بها الاتحاد السوفييتي بابقاء نظام الاجور والنقود والتبادل السلعي وحتى اشتراكية بدون دولة. وهناك من يزعم ان بالامكان تحقيق الشيوعية مباشرة بعد الثورة الاشتراكية حيث تلغى الدولة ويوزع ما هو متوفر في المجتمع على السكان بالتساوي توزيعا شيوعيا عادلا ربما بطريق بطاقات التموين. ومن المعروف ان الثورة الاشتراكية تتطلب توحيد الطبقة العاملة واقناع الفلاحين بالسير تحت قيادتها. ومع ذلك يدعو جميع المتحدثين باسم الطبقة العاملة الى التعددية في صفوف الطبقة العاملة ويهاجمون مبدأ الحزب الواحد للطبقة العاملة. يبدو ان من الممكن في راي هؤلاء توحيد الطبقة العاملة تحت العديد من القيادات. كل هذه المواضيع يجب دراستها والتوصل الى الحلول الصحيحة بصددها قبل ان يستطيع اي حزب او اية منظمة التفكير في الاعداد لثورة اشتراكية او حتى ما هو اقل منها. لان المستعمرين واذنابهم ليسوا مكتوفي الايدي في تحطيم كل حركة يبدو منها اي خطر على الوضع الاستعماري القائم في العراق وفي اي مكان اخر.
ان من يريد حقا ان يقود الطبقة العاملة والكادحين الى ثورة اشتراكية او الى ثورة ضد الاستعمار مهما كان شكلها لا يمكن ان يستغني عن دراسة التجربة الاشتراكية السوفييتية بكل ايجابياتها الكثيرة وحتى بسلبياتها اذا وجدت. فالتجربة السوفييتية تجربة تاريخية عظيمة يجب على كل انسان مخلص في خدمة شعبه ان يدرسها دراسة علمية حقيقية لاستخلاص الدروس منها. لذا فان مثل هذه المواضيع غير منفصلة عن صلب المواضيع التي ينبغي دراستها من اجل ايجاد الحلول اللازمة لتحرير الشعب العراقي او الشعوب الاخرى من نير الاستعمار الجديد والعولمة والسيطرة الاقتصادية على كل موارد البلاد الضعيفة عن طريق الخصخصة وغير ذلك.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرى ثورة 14 تموز
- رسالة تهنئة الى الاخ نجم الدليمي
- ظروف اليهود العراقيين في اسرائيل
- ملكية العمال الاشتراكية وراسمالية الدولة
- الدعوة الى الحوار لحل الازمة العراقية
- الماركسية نظرية للطبقة العاملة
- هل الماركسية تمر في ازمة ام المنظمات التي تبنتها
- الهجوم على ستالين هجوم على الماركسية
- البحث عن الطبقة الوسطى
- هل تستطيع الطبقة العاملة قيادة الحركات الثورية؟
- عيد العمال العالمي
- حول مقولة لينين -الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية-.
- أزمة اليسار- التكوين الطبقي لحزب الطبقة العاملة.
- أزمة اليسار (من هو الشعب؟) الجزء الثاني
- أزمة اليسار (من هو الشعب ) في جزأين
- الاخ العزيز سلامه كيله
- ازمة اليسار - صنعة ماركسية عربية
- أزمة اليسار - تعاريف
- جواب سريع الى الاخ سلامة كيله
- من كراس ستالين حول القضايا الاقتصادية للاشتراكية - القسم الا ...


المزيد.....




- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الصناعة الاشتراكية