أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - مهند البراك - هناك . . عند الحدود (9)















المزيد.....



هناك . . عند الحدود (9)


مهند البراك

الحوار المتمدن-العدد: 4453 - 2014 / 5 / 14 - 15:16
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


الفصل الخامس
في غمار تكوين طبابة بيشمركة

في ذلك الربيع كانت الأخبار القادمة من مهاباد تشير الى نجاح الحركة الكوردية في كوردستان ايران في التوصل الى طريق سلمي مع الحكومة المركزية لحل المشاكل العالقة بينهما، والى سيادة وضع شبه ليبرالي هناك، يعكس حالة من توازن او هدنة . . البيشمركة يحفظون الأمن والأستقرار في المدينة والجيش الحكومي مستقر في مواقعه وابنيته المحيطة بها، اضافة الى رباياه العسكرية المقامة على الجبال والمرتفعات المحيطة بمهاباد، والتي كان قسم منها مكوّن من دبابات حملتها سمتيات عملاقة الى تلك المرتفعات وكونت بها ربايا .
اخبر ابوحكمت الذي كان ممثل هيئة هندرين القيادية التي بحماية قوة انصار توزلة، اخبر صاحب بأنه يستطيع الذهاب لعلاج اسنانه بشرط ان يكون على حسابه الخاص، بعد ان اشتد المها عليه الى رضائية، و للحصول على ادوية من الأطباء المتعاطفين مع البيشمركةالأنصار هناك، وترتيب امر ارسال من يحتاج من الأنصار الى علاج لايتوفر في الجبل. مع تاكيده على ان يكون العدد اقل ما يمكن والاّ سيفشل تنظيم ذلك، لأن الأمر يحتاج الى اوراق عدم تعرض موقعة من جهات معترف برسميتها . . في ظروف كانت انظمة دول المنطقة كلّها تضع تحرّك الكورد تحت رقابة مشددة.
و فعلاً سافر صاحب لعلاج اسنانه مع ابو نصير(1) و عدد من المرضى المرسلين الى رضائية ـ اورمية (2) ـ و نزلوا في فندق متواضع هناك لصديق يعرفه عدد من كوادر البيشمركةالأنصار المسيحيين . . كانت رضائية مدينة جميلة فرحة، تثير البهجة بخضرتها و اشجارها الجميلة . و هي المدينة التي تذكرها الكتب المقدسة، وتذكر خيراتها بأنها الجنة بنسائها الجميلات ذوات الحواجب المتعاقدة.
و دعاهم اصدقاء ابو نصير الى سفرة في المحيط الجميل للمدينة و حيث تنتصب " قلعة العاشق" لتناول الطعام، و كان الحاضرون مثقفين و اصحاب مهن و رجال اعمال شباب . . يقومون بسفرات و رحلات و يحيون امسيات للعوائل المسيحية هناك للتعارف و الصداقة و احياء الاعياد، بينهم مهندسين و اطباء، حيث تعرف صاحب على طبيب بينهم ابدى كل الإستعداد لدعم طبابة البيشمركة في نضالهم ضد دكتاتورية صدام في العراق، و على طبيب أسنان عالج اسنانه بعدئذ.
كانت الجاليات المسيحية في المدينة خائفة آنذاك، في اعقاب هجوم قامت به مجموعة متطرفة على عائلة مسيحية كانت تحتفل في بيتها في ليلة رأس السنة، وقذفتهم بقذيفة ار. بي . جي مضادة للدروع و تسببت بسقوط قتلى و جرحى من العوائل و الاطفال، بدعوى انهم يشربون مشروبات كحولية و يحتفلون بها علناً ؟!
كان القلق واضحاً على ابناء و بنات الطائفة، من ان يتعرضوا لهجوم مماثل بدعوى تطهير المجتمع، خاصة و انهم لايستطيعون التكهن بالأحداث و القوانين المقبلة . . و في الواقع فإن التشدد حد القتل على تناول المشروبات الكحولية في البيوت، في عموم البلدان الإسلامية لا يمارس بتلك الحدة التي مورس بها آنذاك هناك، و انما يُمنع في العادة تناول المشروبات الكحولية فيها علناً في الأشهر الحُرُم . و المضحك المبكي ان تحريم تناول الخمور ذلك، ادىّ الى حصول ازمة سكّر و رز، بسبب قيام الكثير من المسلمين بعمل الكحول في البيوت من السكّر و الرز، رغم ان ذلك مضر بالصحة لأنه غير خاضع للتدقيق و للفحص الطبي .
بعد ان رتب امور المرضى و الأدوية مع الدكتور في رضائية التي يوجد فيها اطباء اخصائيون اكثر تنوعاً مما في مهاباد . . ذهب صاحب مع ابو نصير و ابو جنان (3) الى مهاباد الجميلة، التي زادتها زينة النوروز جمالاً مضاعفاً . . من الإشجار المضاءة بألوان متنوعة، الى اغاني النوروز التي تصدح في زواياها . .
حيث كانت السلطة المحلية فيها بيد البيشمركة، فيما كانت الدبابات متموضعة و تنقل بالهيليكوبترات الكبيرة على قمم الجبال في رابعة النهار كربايا سريعة الإقامة، في دلالة بارزة على ان العسكريين الذين يقودون العمليات ضد الكورد، هم انفسهم الذين عملوا لصالح الحكومة الشاهنشاهية التي اسقطتها الثورة، كما كان يتناقل الناس ؟!
و كان الرائي يشاهد بوضوح حرية العمل التي تتمتع بها الأحزاب التقدمية و اليسارية المتنوعة، اضافة الى الأحزاب الإسلامية . . من خلال مكتبات و مراكز اعلام و تثقيف اضافة الى الصحافة العلنية، وسط حزازات و توتيرات متنوعة بدأت تطفو على السطح لعناصر اكثر تعصباً من غيرها بعضها تجاه البعض الآخر، التي كان تخفف منها ادارة المدينة التي كانت بيد بيشمركة الديمقراطي الكوردستاني الإيراني ـ حدكا.
و قد اقام صاحب في بيت دكتور شاد الذي دعاه للإقامة لديه، حيث لقى عنده كل احترام و عناية منه ومن زوجته الشابة التي كانت مسؤولة عن ادارة و تنظيم مالية العيادة الطبية العائدة لزوجها، و تنسيق جداول الضمان الصحيّ في غرفة في بيته الجميل. و كانت فرصة هامة لدكتور صاحب للإطلاع و مناقشة المستجدات الطبية و خاصة من خلال المجلة الطبية البريطانية الشهرية المعروفة (B.M.J) التي كان د. شاد مشتركاً بها .
بعد يومين اخبر مام قادر صاحب بان ابو حكمت ينتظره في بيت يعود لأحدى العوائل الصديقة هناك وانه سيرافقه الى هناك، فذهب معه الى ابو حكمت . . الذي اخبره بانه ينتظر ابو جوزيف الذي سافر الى رضائية و سيعود ذلك اليوم ، و اضاف :
ـ نحن مدعوون مساء اليوم لدى د. قاسملو في بيت المطرب الكوردي الشهير " محمدي مام لي " بمناسبة اعياد النوروز.
عند الغروب وبعد اكثر من دست للشطرنج الذي كان يجيد لعبه ابو حكمت بشكل مذهل، جاء ابو جوزيف بادياً عليه التعب . بعد ان اغتسل وارتاح قليلاً، تحرك الجميع مشياً الى بيت المطرب " محمدي مام لي " الذي لم يكن بعيداً . . كان البيت هادئاً من الخارج رغم الحراسة المشددة عليه من وحدة من بيشمركة حدكا بشكل لايثير ضجة. .
دخلوا الى شبه قاعة واسعة برفقة المطرب الكبير وولديه، الذين استقبلوهم عند الباب، و كان د. قاسملو، غني بلوريان، وثلاثة رجال اخرين واقفين، سلّموا عليهم وصافحوهم وطلبوا منهم الجلوس الى ثلاثة مقاعد وثيرة من مجموعة مقاعد صفّت بعناية حول صفوف من مائدة عامرة بانواع متعددة من المأكولات والفواكه والشراب . .
وكان قاسملو جالساً على مقعد محاط بعدد من الهواتف واجهزة اتصال وامامه راديو ترانزستور صغير حديث من نوع سوني، كان يفتحه على مواعيد الأخبار، و يجيب على الهاتف بلغات متعددة من الكوردية والفارسية الى الفرنسية والأنكليزية . . و يشارك في جو الفرح المقام ايضاً .
وبعد احاديث مملحة ونكات رطّبت الجو و اثارت جواً من المرح . . بدأ موسيقيان اثنان يدندنان بآلتيهما ويضبّطانها . . وانطلق صوت "محمدي مام لي" الساحر الذي يحلّق بالسامع بعيداً في اجواء مفرحة مضيفة ابعاداً خلاّبة على جو الربيع السائد وعطوره الفواّحة، اضافة الى غناء ولديه لللازمات التي كانت تتكرر بعد فواصل توقفه . .
صوت ساحر صادح قوي كان يخرج ساكني الزقاق على طوله، نساءً ورجالاً الى شرفات منازلهم و هم يرددون معه باصوات متناسبة منسّقة وكأنها فرق انشاد عديدة قضت وقتاً طويلاً في التدريب على الأنشاد والفواصل والوقفات . كان صاحب يشاهدهم من الشباك الكبير المطل على الحديقة الأمامية المرتفعة عن الارض قليلاً ، بعد ان ازاح د. قاسملو الستارة عنه ودعاه للمشاهدة اثر تساؤلاته، هل هي فرق انشاد ام ماذا ؟
ثم تفاجأ بسؤال د. قاسملو له جاداً حين قال :
" نحن ممتنون كثيراً لما قدمته لجرحى البيشمركة، واقول ابق مع بيشمركتنا لمدة سنة واضمن لك دراسة دكتوراه تخصصية في الجراحة في فرنسا او بريطانيا ، ماذا تقول ؟ "
بنظرة خاطفة الى وجوه رفاقه لأستطلاع طبيعة السؤال . . شاهد صاحب ابو جوزيف جامداً شاحباً !! فشكر د. قاسملو على تقديره وكرمه وعبّر له عن استعداده الدائم لمعالجة جرحى المدنيين العزّل و البيشمركة في سبيل قضيتهم العادلة ولكن " قضيتي كما تعرفون في العراق . . ! "
و لاحظ صاحب عودة الحيوية الى وجه ابو جوزيف، فيما مرّ الوقت بشكل مرح لايوصف . . و بخروجهم الى الشارع و فيما صافحه ابو جوزيف بقوة و ابتسامة عريضة، قال ابو حكمت : ان كل حركات الأنصار تحتاج الى الطبيب حاجة ماسة دائماً، وارجو ان لاتتكدّر من السؤال فهو سؤال طبيعي ويدلّ على تقدير رفيع .
كان التعب واضحاً على ابو جوزيف، بعد سفره المتعب ضمن جهود كانت تبذل للقضية الكوردية و قضايا الاقليات القومية و الدينية و للم الصفوف، من اجل تحقيق مطاليبهم العادلة، وكان من ثمار تلك السفرة، حصول منظمة البيشمركةالأنصار على دعم واستعدادات متنوعة من تبرعات ادوية ومعالجة مرضى الى غيرها الكثير . .


و مع عودتهم من مهاباد الى مقراتهم . . كانت القوة تنتقل الى مواقعها الصيفية وفق خطة مكتب القوة . . فعادت الطبابة الى موقعها في توزلة، جنب خيمة مكتب القوة الذي بدأ بالبحث عن مكان صيفي جديد له . . لتحقيق انتشار افضل للمواقع، اثر برقية القيادة العامة للمنظمة التي تشكلت في الشام ثم انتقلت الى بهدنان و التي أكّدت على التحوّط من مخاطر عمليات القصف الجوي التي تتوقع تزايدها في ذلك الصيف . .
و فيما تحسّن وضع الطبابة و ادويتها قليلاً عن السابق، تواصل و تزايد عدد المرضى المراجعين من الرجال و العوائل، اضافة الى الجرحى من كل القوى . . و الجديد عن الصيف السابق، ان كثيرون صاروا يأتون الى الطبابة من قرى و اماكن ابعد مما سبق، حيث صاروا يأتون من القرى الكبيرة مثل : بيوران، بنوخليف ، كاني زرد، ميراوه . . اضافة الى المرضى القادمين من مركز قضاء سردشت ذاته .




اخبار عن اعتقال اهله . .

و بعد ايام و بينما كانوا ينتظرون توزيع الغداء . . تفاجأ بخبر نقلته جريدة الحزب السرية التي كان يقرأها ، افاد باعتقال كل اهله في دارهم . . والده و والدته و اختيه !! دارت به الدنيا و حاول الذهاب بعيداً عن ساحة تجمع البيشمركة للطعام، و كان لايسمع نداءات البيشمركة عليه لتناول الطعام
حيث انه و رغم توقعه لمثل ذلك كما حصل لعدد من رفاقه . . الاّ انه كان صدمة كبيرة له لأنه لم يتصور ان يكون انتقام الدكتاتورية من العوائل الديمقراطية الى ذلك الحد، ماذا فعلوا ؟ صفقوا ؟ ارتادوا ندوة حضروا افلاما عن التحرر ؟ تكلموا عن الحرية بين اهلهم و اصدقائهم، هل هو حقد على الأهل لأن ابنائهم صاروا كوادر علمية يُفتخر بها و يحبون وطنهم.
لم يكونوا متامرين و كانوا دائماً مع السلام و ضد العنف و الحرب، و من والده تعلم ان العراق فيه مختلف القوميات و الأديان و لها حقوق متساوية لأن الجميع بشر و مواطني بلد واحد . . ومن والدته تعلم الصبر و المحبة و معنى العائلة . .
ماذا سيفعلون بهم هل سيقتادوهم كما تقتاد الحيوانات ؟؟ الله يستر فالدكتاتورية من الوحشية و الشر بما لايصدقه العقل، تذكر استشهاد ابن عمه زهرة العائلة عدنان و هو في ذروة شبابه، تذكر والدته الطيبة بامانيها المسالمة و بعواطفها الجياشة . .
و بقي يقلّب ذهنه و يبحث عن الأسباب المباشرة لذلك. و تلفّت و لفّته الحيرة . . لم يكن هناك من يستطيع ان يسأله، حيث كان هناك الكثير من الأسباب التي قد لم تكن كلها سياسية . . و احتاج لمن يشكي و يبث له همومه و معاناته، و لم يجد افضل من ابو جوزيف و الجار ابو شاكر اللذان لعبا دورا كبيرا في تهدئته.

. . . في حزيران 1980 ، وفي حدود العاشرة صباحاً أغارت سبعُ طائرات حربية من نوع توبوليف على المنطقة ، وقد بدأت الغارة غير المنتظرة ابداً بسقوط صواريخ على مقرات بيشمركةانصار حشع ، حيث كان عدد من الأنصار يتمددون تحت شمس الصيف الدافئة ، وكان آخرون يغتسلون بعد ان سخّنوا الماء لذلك ولغسل الملابس ، فيما انشغل الأنصار الخفراء بأعداد طعام الغداء . . وكان عموم الموقع بمقراته قد اتسع وصار لديه مع بقية القوى المتواجدة بما يمكن اعتباره بمظلة دوشكا ضد الجو .
لقد شملت الغارة تلك، مقراّت كل القوى المتواجدة في المنطقة، اضافة الى سوق "نوزنك" والقرى المحيطة بمنطقة المقرات، فاضافة الى قرى : "سوني" ، "سنه" في الجانب العراقي من الحدود . . شملت قرى "كونه مشكان" ، "بنوخليف" ، "قاسم ره ش" ، "ميراوه"، وحتى "بيوران" في العمق الأيراني . .
اضافة الى مواقع الرشمالات (4) المتناثرة المواقع في المنطقة، ودمّرت مواقع عيون الماء الكبيرة في تلك المنطقة، وحطّمت بعض اجزاء الممر الجبلي العالي الذي كان يربط بين " قلعة دزة " و" بيوران" والذي كان صالحاً لمرور السيارات في الستينات .
كَمَنَ الجميع على الأرض و في حُفًرها واطفئوا نيران الطبخ والأغتسال لأيقاف تصاعد الدخان ، وهرع اعداد الدوشكا الى سلاحهم وابتدأوا برشق الطائرات المغيرة التي اخذت تركّز نيرانها على رماة الدوشكا من كل القوى الذين ثبتوا في مواقعهم يرشقوها بقذائفهم ، وكان المنظر مريعاً فقد انفردت بعض الطائرات و هي تغير بشكل مستقيم ومباشر على رماة الدوشكا ، وكأن المعركة تدور بين المقاتلة ورامي الدوشكا فقط . .
ثبت الرماة في مواقعهم المتعددة ، رغم ان احدهم ترك موقع دوشكته لأرتباكه، و استمروا يصلون الطائرات المغيرة التي كانت تقذف حمماً من الصواريخ والقنابل على مواقع الدوشكا بشكل مباشر ووحيد هذه المرة .

صاح رامي الدوشكا "حمه امين" من فصيل "بتوين" في " زلي" :
ـ اصبتها ، اصصصصببببتتتتهههها ها ها ها !!
فيما لاحظ عدد من الأنصار المجاورين له ، احدى الطائرات تطير مبتعدة مخلفة وراءها خيطاً اسوداً من الدخان . . و لم يكن من السهل تحديد الرامي الذي اصاب الطائرة ، في خضم انفجارات الصواريخ والقنابل والدوشكات الخمسة لكل القوى و المتوزّعة على رقعة المنطقة ، اضافة الى الرمي المستمر بمختلف البنادق سواء البرنو او الأوتوماتيكية وعدد من رماة الـ RBG فوق الجبال ، الذين كانوا يرمون لأبعاد الطائرات وبأمل اسقاطها ايضاً فيما لو انفعل الطيار وزاد اقترابه من الأرض، كما تفيد تجارب البيشمركةالأنصار، اضافة لمن كان يرمي كرد فعل لاأرادي على القصف .
في خضم دوي الأنفجارات وآلاف الأطلاقات في كل لحظة الذي كان يصم الأذان ، والتحسّب لأنزال قد تقوم به طائرات أخرى ، بعد ان مهّدت الطائرات الأولى الأرض لذلك، سمع انصار توزله هدير متنوع يقترب ويبتعد ويدور، تبين فيما بعد ان عملية قصف وتدمير أخرى بنفس الوقت كانت تقوم بها اربع سمتيات مقاتلة ، كانت تحوم على منطقة "دولي تو" ،"سنه " و "سوني" واطرافها ، وقد سُمع دويّ مكتوم يشبه رش سوائل ، ثم تصاعدت أدخنة من نوع غير مألوف ، تبيّن فيما بعد ، انهم رشوّا حوامض تسببت في حرق الأشجار دون اشتعال نار ، على موقع قرية "سنه" السفلى التي تحاذي الجدول الصغير مقابل "زلي" .
بعد استمرار القصف ، لأكثر من الساعة ونصف الساعة، انسحبت الطائرات وتوقع البعض ان الغارة نتهت . الاّ ان خمسة طائرات "توبوليف" عادت تقصف المواقع مجدداً بعد حوالي النصف الساعة وبشكل اكثر وحشية من السابق ، واخذت ترمي صواريخها وقنابلها على طول طيرانها وهي تتجه نحو العمق الأيراني، ثم و هي عائدة من نفس ذلك الإتجاه . .
الأمر الذي لم يكن مفهوماً ابداً، هل تطارد احداً بعينه ام ماذا ؟ أم هو استهتار بضعف السيطرة الأيرانية على الحدود آنذاك اثر انتصار الثورة الأيرانية ؟ الا يخافون من رد القوات الأيرانية عليهم ؟ الا يخافون من اشعال حرب مع ايران ؟ بل و سمعت اصوات انفجارات جديدة اخرى قادمة من جهة العمق الأيراني حيث حلّقت طائرات مقاتلة اخرى بعد ان حرثت المنطقة مجدداً بقنابلها و هي قادمة من جهة أخرى، قبل ان تتوجه الى هناك، وعُلم بعدئذ انها قصفت عدداً من القرى الواقعة في اطراف قضاء "سردشت " من الجهة الأخرى في العمق الإيراني، وقصفت حاميته العسكرية بشدة ؟ !
كان القصف من الشدّة و تنوع القذائف و الصواريخ ومن جهات متنوعة مختلفة، ان حوّل المنطقة الى كتل من نيران و دخان و دمار . . ضاعت فيه الكثير من خطط تدابير الوقاية من مخاطر القصف الجويّ، حيث ان الأماكن المعروفة بكونها الأكثر امناً، اصابها القصف قبل غيرها !! و بقي الجميع حائرون . . الى اي الأماكن يمكن الإلتجاء و ايّها اكثر امناً، هل هي تلك الواقعة في عمق الوديان وصخورها ؟ ام هي تلك الواقعة على اطرافها ام هي القمم ؟؟ في مواقع افتقرت الى مقاومة ارضية حقيقية ضد الجو . .
وفي الوقت الذي أثارالقصف الجويّ الوحشي، همة البيشمركةالأنصار وحماسهم لمحاولة اسقاط الطائرات والتصدي لها، فانه تسبب بتسلل و هروب بعض المسؤولين من قوى صغيرة الاّ انها كانت غنية جداً وتتحكم بقوى اكبر منها ، بتمويلها . .
اذ تسلل بعضهم صحبة حقائب دبلوماسية صغيرة الاّ انها كانت تبدو ثقيلة من طريقة حملها، وعندما عرض احدهم دفع نقودٍ لأحد البيشمركه مقابل شراء حصانه ، وفتح احدى الحقائب ، ظهر انها كانت مملوءة بكمية هائلة من النقود الورقية الثمينة بهيئة رزم . . الأمر الذي جرح مشاعر البيشمركةالأنصار الذين استرخصوا كلّ شيء في سبيل قضية الشعب وحلّقوا عالياً بمثلهم النبيلة واذا بهم يشاهدون انساناً مرعوباً بملابس البيشمركة المخاطة من اقمشة غالية الثمن غير معهودة، ويتكلّم بلهجة غريبة هي مزيج من الأمر والتوجع ، مبدياً استعداده للدفع مهما كان المبلغ مقابل انقاذ حياته بابعاده بسرعة مع امواله في حين كان مسدسه الثمين يتدلى الى جانبه .
اثار ذلك الحدث فوراً، مشاعر مختلطة لدى مجموعة من البيشمركه كانت قربه مصادفة في اطراف قرية "توزلة" ، عندما كان افرادها يبحثون عن مواضع افضل مستغلّين انقطاع القصف ريثما تتم الطائرات دورتها لتنقض من جديد. بصق البعض على الأرض ، و بقي الآخر صامتاً بينما ساد هرج ومرج ، وصاح آخرون :
ـ ياربي هل كتب على الفقير، ان يبقى فقيراً والغني يشتري حتى هنا في هذا الجحيم حياته بالنقود !
ـ لااعتقد انه قائد .
ـ بل قائد !! الأغنياء خلقوا للقيادة والفقراء حطب نيران الحروب !
ـ اصمت ماهذا الكلام ، انه لايعرف الكوردية اصلاً ! نعتقله ونسلّمه لقيادتنا !
و قطعت النقاش مجموعة من حرس مقر احد الأحزاب، وتوجهت نحو اولئك (المنسولين) (5) وحملت حقائبهم وساعدتهم على الأنسلال بسرعة بعيداً عن المنطقة، وسط ذهول المتجمعين، واخذ بعضهم يرمي سلاحه على الأرض ويسبّ القسمة السيئة لحياته التي تتأرجح بين ظلم دكتاتور بغداد وانانية متنفذين .
وبدا ان عددَاً من البيشمركة اخذ يرمي سلاحه ويهم بالأبتعاد عن منطقة البيشمركة و انضم اليه آخرون بشكل صار يتزايد، حين انطلق صاروخ جديد وضرب وانفجر محطماً الصخور المحيطة بالمكان واجبر الجميع على الأنبطاح . .
انطلق فجأة صوت "باكيزة خان" وهي تحمل الكلاشنكوف . . كانت تصيح بذلك الصوت النسائي المحرّض المترجيّ بحنان وبحزم :
ـ بيشمركة !! . . . والله عيب عليكم تتركون الميدان ، ويلكم !! هذا الميدان ميدان الشرف والرجولة ، لاتكونوا عاراً على الكورد و على البيشمركة، الكورد اشرف من الجبناء ، اخواني أحملوا سلاحكم ! ! امهاتكم وزوجاتكم وخواتكم تفتخر بالبيشمركة !!
و قد فعلت كلمات وصيحات "باكيزة خان" فعل السحر واستعاد اغلب المترددين اسلحتهم وشدواّ انطقتهم وعتادهم وثبتوا في المنطقة التي كان يتهددها الأنزال كما قدّر الأكثر خبرة حينها ، فيما انسحب البعض مصراً على ترك السلاح .
كانت "باكيزة خان " أمرأة جميلة في اواخر العقد الثالث من العمر، وكانت من نشيطات العمل السري في المدينة وزوجة أحد الكوادر المتقدمة للإتحاد، الذي واجه الموت في سجون الدكتاتورية ، وكانت قد اصيبت بصدمة كبيرة للمقتل البشع لأخيها، في معارك اقتتال الأخوة التي دارت في مدينة سرد شت ذاتها في وقت سابق. وبعد نقاهة قصيرة عادت و هي اكثر قوة من السابق.
استمر القصف المتواصل الذي شاركت فيه اعداد كبيرة من المقاتلات بشكل متناوب الى حدود الساعة الرابعة بعد الظهر، حيث انتهى وسكت زئير الطائرات ولعلعة الرشاشات واصوات الأنفجارات ، وخيّم سكون عميق اثار مشاعر مختلطة، هي مزيج من الطمأنينة والراحة والترقّب والحذر . .
كان السكون سيد الموقف . . لاصوت لطير ولا خشخشة لسنجاب، لاشيء يمكن الإحساس به مما يمتّ بصلة للحياة في تلك البقاع الجبلية ولأشجارها الخضر . . الاّ ان الصمت كان يُقطع بين فينة وأخرى بصراخ رضيع او بنشيج او عويل ما ينبعث من القرى التي كانت اعمدة الدخان تتصاعد منها و التي تميّز من بينها عمود دخان كثيف هائل ينبعث من الفروشكاه "سوق نوزنك" حيث استمرت النيران والدخان الكثيف متصاعداً منه اياماً عدة .
و قد تسبب القصف بمقتل ثمانية من اهالي قرية "سنه" واستشهاد اثنين من البيشمركة كانا متواجدَين في القرية ، وقٌتل ثلاثة من المدنيين في سوق "نوزنك" اضافة الى استشهاد اثنين آخرين من البيشمركة في دولي سارد القريب ، واصيب العشرات من البيشمركة والأهالي بجراح كانت غالبيتها غير خطيرة عدا ثلاثة بيشمركة كانت جروحهم خطيرة، استطاع د. صاحب و د. خضر من الإتحاد من ايقاف نزفهم وتضميدهم ، ونقلوا بعدئذ الى مستشفى سردشت على الحيوانات .
وقد تدمّر واحترق سوق نوزنك وبضائعه الثمينة بالكامل، اضافة الى مقتل العديد من البغال والخيل واصابة اعداد اخرى منها بجراح متنوعة . و قُدّرت الخسائر بملايين الدولارات، وفق اخصائيي السوق في سردشت. و كان ذلك يعني نجاح الدكتاتورية في توجيه ضربة كبيرة غير متوقعة لكل منظمات البيشمركةالأنصار في المنطقة، اصابت مركز تمويلها الأساسي . . الكمارك. فالكمارك هي اهم موارد الثورة الكوردية تأريخياً، لأنها تقيها من الإعتماد على الخارج . . و بالتالي تقيها الى درجة كبيرة من الضغوط الخارجية.
و بدأ البيشمركة والسياسيون يحاولون تفسير أسباب ذلك القصف وغاراته الطويلة غير المعهودة في ذلك الوقت المليء بالأحداث . هل هو بسبب فشل السلطة في التفاهم مع الحركة الكردية آنذاك ؟ بعد ان اعلنت عفواً، و فتحت باباً للحوار استجاب له احد الأطراف الكردية بل ونقل احد ابرز وجوهه بطائرة على عجل الى القصر الجمهوري في بغداد لغرض التباحث، حيث أُبلغ بأن (السلطة قائمة وقوية وتستعد لأحداث جسام (6) وهي مستعدة للصفح عن المتمردين ان اعلنوا ندمهم وعودتهم للصف الوطني، على ان يعودوا جميعاً !! )، وقد رفضت كلّ الأطراف ذلك .
ام هو بسبب تصاعد المعارضة وتزايد عمليات البيشمركةالأنصار في الريف المحيط بالمدن في كردستان العراق ؟ حيث كانت في العادة تقصف مقرات القيادة البعيدة ؟ ولكن لماذا استمر القصف طويلاً في ذلك اليوم وبدون انزال جويّ او انزالات ؟

بعد بضعة ايام اذاعت اذاعة بي بي سي البريطانية ملفاً عن القصف بعنوان (محاولة انقلابية ضد نظام "آية الله خميني") ، تضمّن عدة تقارير لمراسلها الشهير "ديفيد هيرست" ، وكانت الأذاعة قد تناولت القصف في نشراتها الأخبارية منذ اليوم الأول لوقوعه. و قد افادت الإذاعة بالتالي :
" . . . كشفت السلطات الثورية في ايران محاولة لقلب نظام "آية الله خميني" شارك فيها عدد من كبار ضباط الجيش يساندهم آمرو وضباط قاعدة "همدان" الجوية في شمال غرب البلاد . تضمّنت الخطة ، قيام طائرات حربية عراقية بقصف مواقع لمتمردين اكراد في شمال العراق ، يتخذون من الحدود الشمالية الغربية للبلاد، مواقعاً لأنطلاق عملياتهم المسلحة ضد نظام الرئيس العراقي صدام حسين، ويقود قسماً من الطائرات تلك، طيارون من ضباط القوة الجوية الشاهنشاهية ممن التجأوا للعراق .
وكان من ضمن المخطط ان تقلع طائرات مقاتلة ايرانية من قاعدة "همدان" الجوية ، لصد هجمات الطائرات العراقية آنفة الذكر، الاّ انها بدلاً من ذلك تتوجه لضرب وتدمير المواقع العسكرية الأساسية التي تحمي نظام آية الله الخميني في طهران، خلال ذاك تتوجه وحدات من الدروع والمظليين للسيطرة على مواقع الرئاسة في طهران.
الاّ ان الخطة كُشفت وتم القاء القبض على قائد وضباط القاعدة وُمنعت الطائرات من الأقلاع . الأمر الذي ادىّ الى استمرار الطائرات الحربية العراقية بقصفها القاسي على مواقع المتمردين الأكراد طويلاً بقصد توفير فرصة اطول لطائرات قاعدة همدان الجوية كي تطير و لكن بلا جدوى . . فتوجهّت الى اختراق الأجواء الأيرانية وقصفت حامية "سردشت " . . ويفيد مراسلنا ان المقاومات الأرضية للمتمردين استطاعت اسقاط احدى الطائرات وكانت من نوع توبوليف " .
صاح "حمه امين "بفرح :
ـ الم اقل لكم . . اني اسقطتها !!
كان "حمه امين" الشاب الأشقر، ذو الندبة في عينه العسلية اليسرى بتأثير نقرة طير، طير نقر عينه وهو طفل صغير . . . كان " حمه امين " يكرر ويحلف اغلظ الأيمان ان المعركة كانت بينه وبين الطائرة بحيث انه كان يميّز حتى وجه الطيار من شدة تركيزه على الهدف . . و قال انه كان ناسيا نظرات امه الحزينة ودموعها وهي تودعه وتباركه بعد ان زارته للتأكد من سلامته، فكان يضحك قائلاً :
ـ لأول مرة اكتشف ان عاهتي مفيدة، لقد ساعدتني على اصابة الطائرة التي اخذت تدخّن بعد اصابتي ايّاها . . والله وبالله وتالله هي نفسها الطائرة التي اسقطت حسب اخبار لندن.
كان افراد فصيل "بتوين" الفلاحون الذين اشتهروا بالشجاعة والطيبة والسخرية يضحكون من الفرح لسقوط الطائرة، ويضحكون ويتغامزون على "حمه امين" قائلين :
ـ قال الراديو ان المقاومات الأرضية اسقطتها ونحن لانملك مقاومات ارضية ، لدينا دوشكا ضد الجو ، ليس الاّ .
و كان "حمه امين " يصمت غير لاوي على شيء . في الوقت الذي اكّد فيه بيشمركة اوك ممن كانوا في اعالي جبل "ممنده" انهم شاهدوا الطائرة تغير عدة مراّت وبشكل مستقيم مستهدفة رامي الدوشكا في موقع " زلي" الذي كان يرمي بثبات نحوها حتى اصابها . ولم يكن رامي "زلي" سوى ّ "حمه امين "نفسه، الذي حيّوه بكل احترام وعانقوه عند نزولهم من الجبل، وسط صمت رفاقه الذي تحوّل بذلك الى صيحات فرح واعجاب وانهالوا على حمه امين بالقبل والعناق ، وقد احمّر وجهه من شدة التأثر .
في اليوم التالي للقصف وردت اخبار مع المهربين و الكروانجية القادمين من "مجمّع بستستين" ان احدى الطائرات المقاتلة التي قصفت، اصيبت و كانت تحترق حتى سقطت في مياه بحيرة "دوكان"، وقد تمكّن الطياّر من القفز بالمظلة في منطقة البحيرة، و قامت قوة من القوات الخاصة العراقية بعملية بحث عن الطيّار لأنقاذه، بمساعدة عدد من صيادي البحيرة حتى وجدوه . . وقد كان الطيار في الحقيقة أمرأة حيث كانت تتكلّم الفارسية !!
و قد انتشرت اخبار بعد القصف مصادرها عدد من الجاش المقربين للقيادة العسكرية الحكومية . . ( ان الطائرات قصفت ودمّرت مواقع للأسلحة والذخيرة كانت مخفية بعناية وبكل سريّة، و كان دليلها في ذلك "عبد الله آغا" الذي تعتبر منطقة المقرات من المناطق العائدة له و يسكن فيها . . ) .
و قد اكّد تلك الأخبار وغيرها، اخبارية مُخابر اوك الذي سمع اتصالا عبر مجسّ جويّ كان يجري اثناء القصف بين موقع رشمالات "عبد الله آغا" والطائرات المغيرة ، حيث كان يزوّدها بمواقع الأهداف المهمة كي تقصفها الطائرات في المنطقة.
فقامت مفرزة من بيشمركة الإتحاد بتجريد "عبد الله آغا" ونسيبيه من السلاح ومن ثم اجراء التحقيق معهم . . و أُبعد "عبد الله آغا" والنساء الى قرية "مزره" حيث اقاربه، بعيداً عن المقراّت فيما سيق نسيباه الى السجن .
و فيما ارتفعت اصوات ضحك لامعقول في فصيل توزله المختلط لوجود عوائل فيه، حيث كان انصاره حائرون في تقرير اي جرو من جراء الكلبة جولي يحتفظون ؟ بعد ان ولدت الكلبة قبل شهر و حار الأنصار بكيفية توفير طعام جرائها ثم قرروا الإحتفاظ باشجعهم لحماية الفصيل . . بعد ان توصّلوا الى ان حيلة فلاحية من فلاحي بتوين تكون اساساً لتقرير ذلك، و هي ان يتعرّض الجراء الى حالة خوف، كاطلاق نار قريباً منهم و رؤية ايهم لايستطيع ضبط نفسه فيبول على نفسه جرّاء الإطلاق و ايهم لا، و الذي لايبول على نفسه هو الأشجع!
و اثر القصف، قرروا ان يسرعوا الى مغارة الكلبة جولي و جرائها ليروا نتيجة الرعب الذي حصل عليهم . . و تفاجئوا حين رأوا ان الجراء كلّها و بلا استثناء قد بالت على نفسها و تغوّطت كذلك، الأمر الذي ابقاهم حائرين لبرهة، ثم انفجروا بضحك و ضحك . . سمعت ضجته على مسافات ليست قصيرة . .
ففيما اثارت حادثة كتلك، ذلك الضحك و اثارت اخرى و اخرى مثله . . الاّ ان الواقع انبأ بحدوث ارباكٍ واضحٍ في صفوف البيشمركةالأنصار العائدين لكل القوى المتواجدة هناك . . حيث ترك المقرات قسم من البيشمركة باجازات لأهاليهم في ايران، و بعد ايّام بدأ عدد يريد التسليم للسلطة اثر اعلانها عن (عفو عن النادمين) . .
و على اثر القصف قرر مكتب القوة التقيّد اكثر من السابق بتوجيهات القيادة العامة للحركة بالحذر و الإنتشار، و تخفيف اعبائه من الكسالى و ممن لايريدون الاّ السفر الى الخارج، و قرر فسح المجال لهم للذهاب و مساعدتهم حسب الإمكانية، و قرر تخفيف المقرات من اعباء العوائل و ايجاد حلول لها، و الى غلق الباب امام تطوع و مشاركة النصيرات في وحداته في ظروف المحن العسكرية حيث يمكنهن القيام باشقّ الأعمال الاخرى الضرورية لدعم العمل المسلّح . . خاصة و ان انصار اربيل و السليمانية كانوا يؤكدون على ذلك . و استمرت الدورات العسكرية و السياسية، اضافة الى دورات التضميد التي قام بها د. صاحب و د. فارس، اضافة الى دورة تعليم اللغة الكوردية . . . و اهتم مكتب القوة بتحسين الطعام اكثر و تنويعه.
و من ناحية اخرى استمرت عملية اعادة تنظيم القوات و حركتها نحو الداخل العراقي، فتم تحويل انصار و فصائل الى مناطقها الأصلية (او قربها) . . بفعل تزايد الإلتحاقات نتيجة تزايد اعمال قمع الدكتاتورية و بفعل تحسّن وضع التسلّح عموماً، و تكونت قاعدة اخرى على جبل بيتوش الذي لايبعد كثيراً عن توزله، و ضمّت بيشمركةانصار من مناطق السليمانية . .
و باتخاذ قرارات اوضح لمواجهة الدكتاتورية بالعمل على اسقاطها، قدم كثيرون من الخارج للإلتحاق بصفوف البيشمركةالأنصار . . و قد شجّع الجميع نزول الوجه الأنصاري البارز ملازم خضر الى بهدنان، قادماً من الخارج كما مرّ . . حيث بقيادته و عمله الدؤوب، تم تثبيت اول قاعدة هناك في كلي كوماته . . ثم تمّ البدء بتكوين قواعد اخرى و عمليات استطلاع و اقامة صلات و تجديدها لتثبيت نقاط ارتكاز للوصول الى سوران . . . كما في كوستا و روستي.
و فيما قضىّ البيشمركةالأنصار لأكثر من عام يعانون من انعدام و شحة السلاح، و ان توفّر، فإنه كان شخصياً او قديماً او ذا فعالية محدودة، او لايتم الحصول على عتاد له بسهولة، و ادىّ الأمر الى قيام وحدات البيشمركةالأنصار بتضحيات و اعمال كثيرة للحصول على السلاح كإعارة او كهدايا شكر على مواقف صعبة قاموا بها، حيث لايُنسى ما قام به مكتب القوة لأقناع انصاره بحمل و استخدام بنادق البرشوت القديمة التي حصل عليها كهدية و تثمين من منظمة صديقة، اثر رفضهم حملها لأنها اشتهرت بكونها من نوع بنادق الجحوش !
بدأت تتشكل و تنشط بقيادة ملازم خضر مفارز تنقل اسلحة جديدة من الخارج و بكميات و ان كانت قليلة فانها كانت واعدة في مراحل النشوء، ليستمر الأمر بعد انتقاله من بهدنان، الأمر الذي ادىّ الى تزايد الإلتحاقات الجديدة، و اخذت الفصائل تكبر عددياً و صارت تحمل اسم " سرايا " . .
(يتبع)


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. ابو نصير؛ لازار ميخو حنا موكا كلداني من ناحية مانكيش التابعة الى محافظة دهوك، شخصية معروفة في الموصل و دهوك وبغداد خاصة، خريح الاعدادية الفرع العلمي كادر حزبي متقدم في المجال العمالي للحزب الشيوعي، واحترف العمل السري لسنوات طويلة. وكان من الأوائل في تجمّع منظمة الأنصار في نوزنك عام 1979 . آمر الفوج الأول / مراني العائد الى قاطع بهدنان، قضى عام 1993 في كمين اغتيال سياسي في مدينة دهوك كما تناقلت الصحف الرسمية حينها، و كان قد اتمّ خمس وثلاثين عاماً في حزبه.
2. اورميه، هو الأسم الإنجيلي او الإسم الآرامي التاريخي لمركز محافظة آذربيجان الغربية، و اطلق عليها اسم رضائية في زمان الشاه، و بُدّل الأسم الى أرومية، الذي يراه المسيحيون انه ليس الأسم الأصلي الذي يعتزوّن به، والذي يعني " مدينة المياه المباركة "، حيث تقع هناك بحيرة رضائية و الأنهر المحيطة بها تأريخياً .
3. ابو جنان . . كلداني من عينكاوا، كادر حزبي معروف في مناطق اربيل، عاش سنوات طويلة مع البيشمركةالأنصار، ثم في التنظيم المحلي المدني، وقد انتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني قبل سنوات .
4. جمع ره شمال ، ويعني بيت الشعر باللغة الكردية .
5. منسولين باللهجة الأربيلية العامية تعني مسؤولين .
6. لم يكن واضحاً آنذاك ماهي الأحداث الجسام ، ولكن حدة الخلافات مع الجارة ايران كانت تتصاعد ووصلت الى التراشق بالمدفعية واعدام اشخاص بتهم التجسس ، وكان قلق سلطة بغداد يزداد وضوحاً ، من تصاعد المعارضة التي تواجهها و التي شحنتها الثورة الأيرانية بطاقة جديدة .



#مهند_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هناك . . عند الحدود (8)
- هناك . . عند الحدود (7)
- اين -الدولة الجديدة- بديل الدكتاتورية ؟
- هناك . . عند الحدود (6)
- للإسراع باعلان نتائج الإنتخابات !
- هناك . . عند الحدود (5)
- هناك . . عند الحدود (4)
- هناك . . عند الحدود (3)
- ما معنى الإنتخابات و الى اين ؟
- هناك . . عند الحدود (2)
- هناك . . عند الحدود (1)
- ثمانون عاما من اجل قضيتنا الوطنية . .
- الشعب بين حقوقه و بين تقاعد الرئاسات
- 8 آذار و مخاطر مصادرة حقوق المرأة . .
- الى من يحاول تجميل جرائم 8 شباط الاسود (2)
- الى من يحاول تجميل جرائم 8 شباط الاسود (1)
- اصلاحات الكنيسة الكاثوليكية و احزابنا الثورية (2)
- اصلاحات الكنيسة الكاثوليكية و احزابنا الثورية (1)
- المالكي يراهن على موقف المرجع الأعلى / 2
- المالكي يراهن على موقف المرجع الأعلى / 1


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - مهند البراك - هناك . . عند الحدود (9)