أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد حسين يونس - في النهاية ،فساد السمكة بدأ بالرأس















المزيد.....


في النهاية ،فساد السمكة بدأ بالرأس


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 08:41
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من دفتر إنكسار أهلك يا مصر (12/12 ).
قفزت الطبقة الوسطي المصرية عن بكرة أبيها تهتف وترقص وتغني للضباط الاحرار الذين إنقلبوا علي مولانا الملك المعظم فاروق الاول ملك مصر والسودان .
لقد كانوا في اوروبا وامريكا و الاتحاد السوفيتي قد غسلوا أيديهم من حرب مات فيها 50 مليون بشرى منذ سبع سنوات (لا تزيد) وبدأ كل طرف يستعد لدور عالمي جديد .
وكانت الطبقة الوسطي الصاعدة في مصر قد إستكملت كل أستعداداتها من خلال ثورة إجتماعية وثقافية الحقتها ( اى الطبقة ) بركب المتحضرين، كما انها كانت قد إنتهت من تهميش دورشركاء النضال سواء من قيادات الفلاحين المؤيدين أو من رجال الاعمال، وأصبحت ترغب في تولي أمر نفسها وبلدها مزيحة لسيطرة الحلف غير المقدس بين (الانجليز محتلي منطقة قناة السويس والملك حفيد محمد علي والباشاوات كبار ملاك الاراضي ) فإنقلب البكباشية من صغار الضباط علي قادتهم وعمت الافراح الوادى.
كانت مصر في ذلك الوقت تنقسم الي فسطاطين أحدهما يسكنة من يمتلك الثروة والجاه والنفوذ والالقاب والبرلمان بشقيه (النواب والشيوخ) ويلبس الردينجوت والاسموكينج ويتكلم التركية او الانجليزية.. وفي مواجهته شعب لم تزل علامات كرباج السخرة واضحة علي جلده، جائع، جاهل، تفتك به الانكلستوما و البلهارسيا و الرمد وامراض سوء التغذية حافي لا يرتدى حذاءً، يساق للعمل في تراحيل ولا توجد لديه أية حقوق ومع ذلك يحمد المولي ويحرص علي أداء الفروض وزيارة بيوت الاولياء حيث يجود هناك بملاليمه عندما يطلب العون منها أو عندما يحتفل في زفة مولدها.
وكان بينهما شريحة من أبناء الطبقة الوسطي تنظر لأعلي بإعجاب وشبق و تمني ولأسفل بحزن عميق متدثر بفلسفة تعلمها حديثا وخوف من السقوط .
أبناء الطبقة الوسطي في أغلبهم كانوا من أصول ريفية (يحملون كل أمراض الريف) بعد أن استطاع أهلهم توفير فرص تعليمهم فحصلوا علي مؤهلات تسمح لهم بأن يشغلوا وظائف عامة كضباط و قضاة ومهندسين وأطباء وصحفيين ورجال أعمال وكتبة ويعيشون (هكذا ) في المدينة أو كانوا من رؤساء العمال أو صغار التجار والحرفيين والمدرسين أو إجمالا من الذين ليسوا من كبار الملاك أومن القابضين علي مفاتيح الحياة الاقتصادية وفي نفس الوقت لم يكونوا (ايضا) من المعدمين المعتمدين علي إيرادات الترحيلة .
عندما دفعت الطبقة بوجوه شابة جديدة للحكم وضعت في سلة التكليف بجوار الامنيات الطيبة مشاكل وتناقضات عديدة أيضا .. أهمها التغلب علي ذلك الفارق الحضارى بين أهل الريف (من الآباء و الاجداد ) و أهل المدن )المطعمون بالاجانب واليهود( ..التغلب علي الانفصام بين ما يتعلمه ابناء الريف في الكتاتيب و مدارس الازهر الدينية و بين ما يتعلمه ابناء الحضر في الليسيه و الانجليش سكوول و فيكتوريا كولدج ومدرسة فاروق الاول الثانوية .. بين ما يتناوله الفقير بالمدينة بسهولة إذا جاع سندوتش فول او طعمية او رغيف ابيض وبيضة مسلوقة.. وما يتناوله الريفي بجهد فعليه النهوض كل صباح مبكرا من أجل اللحاق بالحلب والخبيز .. الكهرباء في المدينة ولمبة الجاز في الريف، المياة النظيفة في المدينة و الطلمبة الحبشي في الريف، الشوارع المسفلته في المدينة والدروب الترابية في الريف، الامن المستقر في المدينة وشيخ الغفر الحرامي في الريف .. الدعاة المتعلمون في جوامع المدينة و كسر الفقهاء في زاوية او مصلية القرية.. النظافة في المدينة والذباب والناموس وباقي الحشرات والقوارض في الريف ..لذلك كان أول قرارات المنقلبون الذين مازالت أحذيتهم متربة بتراب جرن الوالد .. تدمير منظومة الزراعة منتقمين من كبار الملاك بتأميم الارض و تحديد الملكية و توزيع فدادين خمسة علي المعدمين وتوسيع مساحة الطبقة المتوسطه الريفية مع السيطرة عليها بواسطة زبانية الجمعيات التعاونية ...ولكن الذى حدث كان شيء اخر لقد نزح أهل الريف هربا من الجوع وقلة الخدمات الي المدينة وعاشوا حولها في عشوائيات يغزونها كل صباح منتشرين في طرقاتها بحثا عن اى عمل وباى اجر ناشرين معهم أسلوب حياتهم في شوارعها و حول مرافقها أو بمعني أخر ( أريفة) المدينة بدلا من( تمدين ) الريف
التكليف الاخر الذى لا يقل أهمية عن الاول كان إزاحة سيطرة الاجانب بعيدا عن مفاصل الحياةالاقتصادية فالاجانب كانوا يسيطرون علي شركات المياة و توليد وتوزيع الكهرباء والغاز و النقل و يديرون بكفاءة السكك الحديدية والتليفونات والرى .. ويمتلكون منافذ بيع عصرية عملاقة لتجارةالجملة والقطاعي ويوجهون المدارس والبنوك و مؤسسات المجتمع المدني وكانت هناك حركة سياسية بدأت مع طلعت حرب و إستمرت تدعو الي مواجهة الصناعات الاجنبية بتكتلات محلية (مثل مشروع القرش لبناء مصانع طرابيش بدلا من إستيرادها ).. لذلك كان القرار الثاني لرجال الانقلاب هو تمصيرممتلكات الاجانب و التخلص من أغلبهم بما في ذلك من يديرون قناة السويس علي أن يحل محلهم مصريون ظلوا يتخبطون في إدارتهم ولا يتقنون العمل لتتدهور كل المرافق التي تم تأميمها ،وفي مرحلة تالية تلحق بها المصانع التي تم ضمها الي القطاع العام الذى لم يصنع الابرة ولم يطلق الصاروخ .
التكليف الثالث كان الاستقلال التام او الموت الزؤام والذى ضحت من أجلة الجماهير بالعشرات بل بالمئات من الفدائيين والمتظاهرين والمقاطعين للعمل في معسكرات الانجليز .. وهكذا بدأت مفاوضات الجلاء فورا ثم إنتهت عام 1954 بفصل السودان عن مصر وتقديم ضمانات وتعهدات(مصرية ) لتنظيم حماية الملاحة في القناة جعلت الانجليز يحتفظون بمخازن معداتهم لا تمس لاستخدامها في حالة الرجوع لتأمين المنطقة و الدفاع عنها ،و هو ما حدث فعلا ففي نفس السنة التي غادرفيها الانجليز بورسعيد عادوا ومعهم فرنسا و إسرائيل لتبدأ معارك كر وفر حول المنطقة فتنقطع الملاحة بالقناة لاكثر من مرة وتحبس سيناء عن الوادى لعقود طويلة و ها هي المعارك لم تنته بعد.
التكليف الرابع كان تكوين جيش قوى حديث يعيد أمجاد ابراهيم باشا (دون هزائمه ) و يحمي ارض مصر من عدوان (عصابات الدولة المزعومة ) و لكن كان هذا يستلزم إعادة تسليح القوات المسلحة ، الذى فشلت مفاوضاته غربا فإتجهت الطبقة المتوسطة الحاكمة شرقا لتكون جيشا (شرقيا )خاض خمسة حروب (56، اليمن، 67 ثم الاستنزاف، 73 ) لم يحقق فيها نصرا حاسما أبدا .
بقي من سلسلة التكليفات إقامة حياة ديموقراطية سليمة.. وكان تصور ابناء الطبقة الوسطي الحاكمة له ( بسبب عجز كوادرهم الحزبية المدربة ومحدودية خبرتهم ) أن أفضل نماذجها هو ما طبقه (ستالين ) كمركزية ديموقراطية مسيطره بواسطة حزب واحد علي مقدرات الجميع وأن تحالف قوى الشعب العامل ستكون الأداة المناسبة للبناء وحلا يتناسب مع طبيعة شعبنا التي لا تقبل صراعات ديموقراطية الغرب. ثم اثبتت الايام والليالي ان التحالف كان بين عناصرالانتهازية غير العاملة و المتفرغة للتسلق ونهب الاموال وتسليم الشرفاء لاجهزة الامن التي لها سجون ومعتقلات أكثر من المدارس و المستشفيات.
اما العدالة الاجتماعية فقد كانت تعني في تصور الحكام إفقارالاغنياء وضرب حلفاء الماضي من رجال الصناعة والزراعة و الاستيراد والتصدير بتأميمهم ليتساوى الجميع (عدا سعداء الحظ من رجال الاتحاد الاشتراكي ) في الوقوف في طوابير الجمعية لشراء دجاجة وزجاجة زيت بالبطاقة .
لقد فشلت الطبقة الوسطي البيروقراطية في أن تحقق المهام الموكلة إليها حتي ملامح تحرر المرأة ومساواتها مع الرجل التي ظهرت في المدارس و الجامعات و مجلس الشعب و اماكن العمل نتيجة لكفاح خاضته الجدات منذ ثورة 19 تقلص وترك مكانه لميكانيكا التحرش الذى ساد بين الجميع (خصوصا بين الراقصة والسياسي ).. وسيادة قوانين المواطنة بين اصحاب الديانات المختلفة تحولت لتعصب وكوته منحطة مذلة للطرفين الطالب و المانح ، والفن الراقي الذى بني اساساته ثروت عكاشة تحول الي رقاعة لا تتم الا في الكباريهات .. والتعليم المجاني أصبح أكثر أنواع التعليم في العالم كلفة وأقلها فائدة .. هل نكمل أم نعرف جميعا ما حدث ويحدث حولنا منذ اربعة عقود حكمت فيها مصر طبقة متوسطة منفتحة.
أسباب هذا تعود الي منابع الفكر الذى إستقي منه أبناء هذه الطبقة مبادئ سلوكهم وسياستهم.
ثقافة ابناء الطبقة الوسطي وتوجهاتها وأمانيها وحلولها كانت في غالبها مستوردة ولهذا مبررات منطقية أولها ذاتي ، بمعني أن هذه الطبقة بحكم أصول نشأتها ارتبطت بالاستعمار الاوروبي وضمت العديد من المهاجرين المتمصرين الذين متــَّنوا من قوى هذا الارتباط فجاءت طبقة عقيمة غير قادرة علي الابتكار ومراكمة الخبرة (كما حدث في اليابان والهند والصين ) بل حرصت علي التقليد والنقل (فيما نسميه عقدة الخواجة) والثاني خارجي فالتغيرات التي شهدها العالم من حولها كانت جذرية وعميقة وكان من الصعب علي طبقة هشة مثلها حديثة التكوين تعتمد في الاساس علي السلطة التي يمنحها لها كرسي الوظيفة ،الفكاك من هذه التغيرات فدارت في فلكها . وهكذا عندما إنتهت الحرب العالمية كانت هناك أربعة تيارات ثقافية رئيسية تحكم فكر وتوجهات الطبقة الوسطي المصرية وكلها دون استثناء رحبت بإنقلاب الضباط .
التوجه الرئيسي والكاسح بين مثقفي الطبقة كانت الافكار القومية الاشتراكية سواء تلك (المصرية المرتبطة بتاريخ مصرى تعرفوا عليه حديثا بعد فك طلاسم اللغة القديمة ) ( او نقلا عن مثقفي الشام والعراق الذين عانوا من الاستعمار وسحق الهوية العثماني فإخترعوا القومية العربية ) أو بسبب أن الصعود المذهل لتركيا الفتاة والفاشيست الطليان والقومية الاشتراكية الالمانية (النازية ) رسب في فكر وقناعة شباب الطبقة أن مقاومة الاستعمار والتغلب علية والابحار الي المياة الدولية العميقة يرتبط بسيادة فكر وأسلوب التنظيمات الفاشيستية كاحزاب (مصر الفتاة) او (الاخوان المسلمين) وكل حزب كانت له مليشياته وتنظيماته داخل الجيش والشرطة يستعرضها ويرهب بها الآخرين .
التيار الآخر الأقل في قوته كان الماركسية أو الشيوعية الأممية المرتبطة (بستالين) الذى حقق إنتصارا ساحقا علي الالمان وظل يطاردهم حتي دخل برلين .. لقد كانت هناك أحزاب شيوعية لها خلاياها علي أرض الواقع تؤمن بان (علي عمال العالم أن يتحدوا) ورغم مطاردة الملك لهم والانجليز الا أنهم كانوا يأملون أن يبنوا وطنا علي شاكلة سوفيتات (ستالين) ويحققون مثل إنتصاراته علي الامبريالية العالمية ولكنهم للاسف لم ينجحوا الا في تقليد هيئته وزيه وأسلوبه في التعالي علي الامبرياليين وإنتهي الامر بهم بناء علي توجيهات خورشتشيف إلى الاندماج في الاتحاد الاشتراكي والتنظير له .
التيار الثالث كان تيارا سلفيا مسيحيا و اخر إسلاميا .. يرى كل منهما أنه علينا الحذر من الغرب و تبعيته وأن علينا أن نقيم مجتمعا له خصوصية (يراها كل تيار بتصوره ) المسيحيون يرون انهم اقباط وعليهم التمسك بكنيسة تضم عشرة اوعشرين مليونا و تجنب أن تبتلعهم كنايس تضم المليارات فتقوقعوا علي ذاتهم دون أى تطوير، اما المسلمون فقد كان تيارهم السلفي ضعيف الصوت مرتبط بافكار قادمة (أيضا) من الخارج يروجها المسلمون الهنود (الباكستان ) والافغان ويرعاها (ابناء عبد الوهاب ) في الجزيرة العربية ولا تجد الا الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة لينتشر بينها فكرهم مسيطرا علي أفرادها بواسطة المساعدات الاقتصادية والاجتماعية (التي كرست في النهاية انفصاما مذهبيا لا زال قائما بحدة بعد أن تدخلت اموال الخليج تدفق بكرم مشكوك في دوافعه) الاسلام السلفي حرص ان ترتبط (اى المساعدة) بأداء من ينالها لكل المهام والتكليفات الطقسية حتي يظفر بها .
اما التيار الليبرالي الذى تبناه حزب (الوفد) و رواد عظام مثل شبل شميل وسلامة موسي وطه حسين ولويس عوض .. فلقد كان الجميع ينظرون إليه بارتياب علي اساس انه (خصوصا بعد تضخيم أحداث 4 فبراير 1942 الشهيرة ) يتوافق مع الاستعمار و أعوانه و فلسفاته و حرياته المشكوك في صلاحيتها ( في تصورهم ) لمجتمع مغلق لم يشف بعد من آثار إنغلاق الفقهاء .. الوفد بليبراليته إتخذ موقفا منكمشا من الاحداث ثم إنتهي الي حزب له عنوان الوفد ولكن ينقصه قيادة آخر الزعماء الشعبيين مصطفي النحاس بدلا من المناورفؤاد باشا سراج الدين .
ومع ذلك ورغم أن الضباط بدأوا تاريخهم بتعطيل الدستور والحياة البرلمانية والسياسية وحل الاحزاب وتجريمها وشنق بعض العناصر العمالية الا أن الجميع صفقوا بشدة لقوانين الاصلاح الزراعي(الذى كان قد تم إعداده من قبل بواسطة حكومة الوفد ) و تأميم ممتلكات الاجانب و تمصير البنوك والتجارة والصناعة و الخدمات( التي كانت معدة ايضا من قبل بواسطة رجال الغرف التجارية ) وكانوا مستعدين (رغم الاخفاق المستمر في حل المشاكل المزمنة التي كلفتهم بها طبقتهم يوم تنصيبهم حكاما ) منذ 52 وحتي منتصف الستينيات لاعتبار الضباط الوجه المناسب الذى تقدمه الطبقة الوسطي للحكم .. لولا العثرات المتتالية التي اسقطت النظام .
بدأت العثرات الاولي مع الهزائم العسكرية في معارك ضد الصهاينة المحتلين فلسطين منذ 1947 ( وإعتبر الشعب أن الذى هزم هو الملك وأسلحته ) ثم هزيمة أخرى في بورسعيد عام 1956 ( وإعتبرها الشعب إنتصارا بعد تهديد بولجانين وأوامر أيزنهاور وإنسحاب العدوان ) .. ولكن مع عام 67 وهزيمتين في اليمن و سيناء إنتهت علاقة الطبقة الوسطي الطيبة بعسكر الانقلاب .. لتسقط ممثليها (من الناصريين بتوجهاتهم الفاشيستية) وتبحث عن وجوه أخرى(إنفتاحية تتوافق مع السيد الجديد الامريكي ) لديها القدرة علي أن تحتفظ للطبقة بمكاسبها منذ أيام إسماعيل حتي أيام الفاروق ،ولكن للاسف، كما تفسد السمكة من الرأس أفسد الوجه الآخرللطبقة المتوسطة المهزومة مجتمعها إفسادا كاملا كان من الصعب أن يقوم به أعدى أعداء الوطن .
حكام مصر مع بداية الستينيات كانوا علي قناعة بان رأسمالية الدولة القومية الاشتراكية (في خلط مُخِل بين النظام النازى الهتلري والنظام الستاليني ) الذي يرتدى عباءة القومية العربية والتفوق المصرى العنصرى هو نظام الحكم الثورى الذي يناسب هذا الشعب القاصر الذى لا يدرى ماهية مصالحة .
وأن هذا الفعل الثورى يستلزم كتم اى صوت يعلو علي صوت السيد الجديد (اول مصرى إبن صعيدى) يحكم مصر وأن السيد كفيل بتقديم الغذاء و الكساء و المسكن والترفيه والتعليم لكل الأبناءِ الذين اصبح في رقبته مهمة إسعادهم .. ولكي يقوم بهذا أصبحت جميع وسائل الانتاج ومصادر الدخل تحت إدارته المباشرة وفرضت السلطة رعايتها الأبوية علي الجميع بما فيهم من تم تجريدهم من ممتلكاتهم بل أحدثت تغيرا جذريا في مكونات الطبقة بحيث وسعتها وميعتها لتصير تحالف قوى الشعب العامل الذى تعيش فيه (( كل طايفة من التانية خايفة و تنزل ستاير بداير وشيش )) كما غني الشيخ إمام .
القطاع العام والقوى العاملة والاتحاد الاشتراكي تنظيمات نقلت بحذافيرها من نظام هتلر النازى بل المهرجانات والاحتفالات والاستعراضات العسكرية و أعياد الزهور ومعونة الشتاء وبث ودعاية هيئة الاستعلامات والكذب في الجرائد والاذاعة كلها هتلرية ولم يخجل السادات بعد ذلك من إرتداء أزياء الفوهرر تعبيرا عن تقديسه للشخصية المشؤومة .
فترة الستينيات كانت البداية للسقوط المدويّ للطبقة .. لقد خلطت الاوراق وأنتجت جهازا بيروقراطيا متدني الكفاءة، فاسد وأصبحت الرشوة والعمولة وإستغلال النفوذ وكل ما هو ملتوّ غير مشروع هو أسلوب الحياة في مصر قبل السقوط وبعد السقوط وقبل الانفتاح وبعد الانفتاح .
الطبقة الوسطي التي عرفناها قائدة في منتصف القرن العشرين تفسخت، تميعت، توحشت وأصبحت تضم عاهات خلـّفَها وجهين متتالين دفعت بهما للحكم كان كل ما يهم افرادهما هو الكسب خصوصا غير المشروع او المُتحَايَل عليه ..لقد ترهل وفسد الجهاز الادارى ففسد المجتمع فاصبح معرضا لهجوم أصحاب دولارات الجاز وشراء الذمم والتلاعب بالشعب باسم الدين .
الطبقة الوسطي التي نشأت مع إنفتاح إسماعيل وجده علي اوروبا إكتسبت ثقافتها و إسلوب حياتها من نماذج مجتمعات خارجية وفقدت القدرة علي الابتكار والتطور وأصبح همها الأوحد هو الحفاظ علي كراسي الحكم بين براثنها تبدل الوجوه ببساطة فعندما تجد أن الجماهير علي وشك الكفر بقياداتها تقدم عبد الناصر بدلا من فاروق الفاسد والسادات بديلا لعبد الناصر المهزوم والمبارك العسكرى البطل بعد إغتيال الخائن .. ليحافظ الأخيرعلي مصالحها بركود المجتمع وتحوله إلى بحيرة آسنة تمتلئ بالعفن والضواري، وعندما ينتهي صبر الشعب من سوء الاحوال تقدم الطبقة له طنطاوى وشلة منتفعيه كوجوه عسكرية منضبطة جديدة لتستبدل فورا بالمرشد وشلة منتفعيه على أمل أن يكون ممثل زقاق الاسلامجية في الشارع السياسي المصرى أكثر مهارة وقبولا .. وعندما يحدث العكس وتقوم القيامة ضد سياسته العميلة الرجعية المتحجرة تقدم الطبقة وجه قاضي مبتسم ورئيس وزراء من الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف .. لنعيش فترة إنتقالية أخرى تلتقط فيها الطبقة انفاسها و تعيد تفنيط اوراق اللعب لتتحفنا بتشكيلة جديدة من وجوه ذات قبول عسي أن تهدأ ثائرة المهتاجين .
و في الغالب لن تهدأ ثائرة المهتاجين فالأمر أصبح غير قابل للحلول التقليدية أى بتغيير الوجوه ،فالطبقة الوسطي بعد أن ظلت لستة عقود علي عجلة القيادة تحللت وتفككت الي ثلاث شرائح الاعلى منها تمتلك المليارات المكتسبة من عرق الجبين (في النصب والاحتيال والالتفاف علي القوانين )..وكلنا نعرف أن البعض منهم مرتبه الشهرى الرسمي يتجاوز المليونين و في بعض الأحيان أكثر مثل رؤساء مجالس إدارات جريدة الاهرام والمقاولون العرب والبنوك و البورصة والتليفونات علي سبيل المثال لا الحصر. و شريحة أخرى تقفز وتصارع بكل الوسائل لتحصل علي مكسب ما من إستغلال وظائفها وهم كثيرون تراهم في جميع مؤسسات الدولة بدون إستثناء يسعون للحصول علي درس خصوصي من طالب غني او حتي فقير اومريض لعيادته او متقاضي لمكتبه او لرحلة للشانزليزية يكون فيها مصروف اليد مناسبا ، أما الثالثة فلقد توقفت عن السعي بعد أن عجزت عن اللحاق بقطيع الذئاب فقررت تعطيل المراكب السايرة ..الشرائح الثلاث عاجزة عن إحداث تغيير فلقد فسدت (حتي لو قال البعض أن الرأسمالية العالمية بدأت بالفساد ).
ختاما لسلسة الحلقات :
كان هذا الحديث عن الشعب المبتلي منذ أن تم إحتلاله بواسطة قمبيز حتي تسلطت عليه طبقة متوسطة فاشلة ،فاسدة، متحجرة غير قادرة علي الابتكار و الفهم والتحليل وإتخاذ الاجراءات الصحيحة .. وعندما تفسد رأس السمكة ينتشر العفن في الجسد. ولقد إنتشر المرض علي هيئة جهاز بيروقراطي محدود الكفاءة مسيطر عليه بواسطة أجهزة التوجيه والأمن تضنيه التطلعات و تلهيه السرقات والعمولات فأضاع الفرص وبدد الثروة وعطل الانتاج وسلم مصر للصوص ومغامرين من الحثالة الاوروبية والامريكية (في تكرار لزمن سعيد وإسماعيل وتوفيق ) ليفتكوا بالانسان المصرى المنكسر دوما .
لقد فشلت الطبقة الوسطي في الحكم منذ أن أزاحت الملك وكبار ملاك الارض والمستثمرين الاجانب وقررت أن (طباخ السم بيدوقة) ، فأعجبه، فلهطه .
وهكذا علي الطبقة الوسطى المصرية إذا ارادت أن تصلح الامر وتحافظ علي كرسي الحكم الا تطرح حلولها من خلال أفراد تحولهم الي أنصاف آلهة وتدعي أن من تم إختياره هو وريث النبي موسي صاحب العصا السحرية .. إن العالم قد تغير حولنا عن زمن النصف الاول من القرن العشرين وكل قوانينه تم تغييرها .. فرأسمالية الدولة وتحكم الجهاز البيروقراطي أصبحتا أسلوب عمل سقيم (متحفي) والعودة الي الماضي و قوميته وإسلامه، ثبت أنها معوقات تقدم لا أساليب دفع ، والافكار الليبرالية لم تتوقف عند أطروحات الوفد بل تم تطويرها بحيث تحافظ علي أمرين، إحترام البشروضمان الحد المناسب لهم من الحياة الانسانية وفي نفس الوقت ترويض وحوش المستفيدين ليكون من أموالهم دفعا للاقتصاد وتأمينا للناس من غلواء المنافسة وألاعيب الطبيعة .
الطبقة الوسطي التي أصبح أغلب أعضاؤها موظفين يحصلون علي دخلهم من الخزينة العامة يزيدونه بشتى أنواع التحايل واللعب في الممنوع.. تحتاج لترميم بعد سقطاتها المتوالية منذ أن إغتالت السادات حتي خرج أفرادها يحملون المدافع والمفخخات يقتلون الابرياء ويزرعون الافيون .
رحلة طويلة أشكر صبركم عليها، لكننا نتكلم عن أمة لها تاريخ طويل مع الانكسار والهزيمة والفوضي التي سادت وستستمر لفترة طويلة أخرى حتي يعود المصرى لينتج وتعود رأس السمكة نقية.






#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صعود الطبقة الوسطي المصرية.
- نفارين ثم إحتلال بريطاني لسبعة عقود
- القرن التاسع عشر والاستعمار الاوروبي.
- مصر يحكمها كابوس الانكشارية
- الانجاس المناكيد يحكمون مصر لثلاثة قرون
- قرنين خارج عباءة الخلافة العباسية.
- البدو يعيثون فسادا علي ضفاف النيل
- مقدمات الغزو البدوى لمصر
- الاقباط هم اولادك المضطهدين دوما يا مصر
- يومنا في إكتيوما من دفتر إنكسار أهلك يا مصر (2)
- من دفتر إنكسار أهلك يا مصر
- خطوات علي الارض المحبوسة التي لم تقرأها بعد
- أحزان مسن ضاع عمره هباء.
- خدعة تميزنا العربي كعرق وثقافة وعقيدة .
- الخلط في اوراق علاقة مصر بجيرانها
- خطوات (اخرى ) علي الا رض المحبوسة
- ملكة القبط (دلوكة) تحمي مصر!!
- لن أقول لخطيب أمي يا عمي
- هل سقطوا علينا هؤلاء المجرمون من السماء
- من الذى يحكم او (يتحكم ) في مصر


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد حسين يونس - في النهاية ،فساد السمكة بدأ بالرأس