أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - في الباص














المزيد.....

في الباص


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 4450 - 2014 / 5 / 11 - 17:05
المحور: كتابات ساخرة
    


بعد أن أقسمتُ يميناً معظّماً بعدم الركوب في السرافيس بسبب غلاء أجورها، لم يعد أمامي للتنقّل من منطقة إلى أخرى سوى باصات النقل الداخلي. ومنذ أيام كنت في أحدها متوجّهاً إلى سوق الخضار بعد أن علمتُ من بعض الأصدقاء بأن الأسعار تنخفض كثيراً بعد الظهر. ولدى وقوف الباص عند أحد المواقف، احتشد على بابَيه جمهرة من الركاب استعداداً للصعود، وما إن فُتِحَ البابان حتى بدأ تدافع الركاب وكأنهم على كوّة لبيع الخبز دون التزام بالدور. فجأة يلعلع صوت السائق صارخاً بغضب:
- هيه! أنت! كم مرة قلت لك لا تطلع من الباب الخلفي! ما هذا العالم ياه! فعلاً بحياتنا لن نصير مثل البشر!)).
ردّ عليه أحد الركاب الذي وصل إلى جانبي صاعداً من الباب الخلفي بلا مبالاة من تعوّد، وبنبرةٍ ساخطةٍ مفعمةٍ بالتحدّي:
- ((وكم مرة أجبتك بأنني سوف أطلع على كيفي ومن أينما أريد؟ ثم ماذا ستفرق معك إذا ركبت من قدّام أو من الخلف.. طالما أنني لن أدفع أجرة؟)) وختم ردّه بصوتٍ أقلّ حدّةً: ((العمى صحيح.. والله حلّو يتعوّد عليّّ!)).
تابع السائق سيره وهو يبربر مع جواره بصوتٍ خفيض عن الأخلاق والقانون والتخلف.
التفتُّ إلى هذا الراكب المخالف متأمّلاً، ألفيته في أواخر الخمسينات من عمره. وقد استرعى انتباهي تنفّسه العميق لدرجة تسمع صفير منخريه بوضوح. وقد علق على جانبي رأسه أذنان كبيرتان منتصبتان مشعرتان. ينظر بعينين صقريتين يختلط بياضهما بحمرة تلمعان كالجمر.
دفعني فضولي للدردشة مع هذا الراكب الخمسيني ذي التجاعيد الكثيرة وكأنه في الثمانين، فقلت له معاتباً:
- ((يا عمّي والله السائق لم يخطئ معك.. والصحيح أن تطلع من قدّام وتترك مجالاً لمن يريد النزول من الباب الخلفي.. كي لا تعرقل الركاب..)).
حملق صوبي عابساً وأجاب بصوتٍ جهوري وقد ازداد صوته إصراراً وتحفّزاً:
- ((أستاذ صار لي أكثر من سنة على هذه الحالة.. أطلع وأنزل كما يحلو لي.. ولا أدفع أجرة.. أي والله حلّو يفهم!)).
قلت له بمحبّة وابتسام: ((ولكن الصحيح يا عزيزي أن تدفع قيمة التذكرة..)).
أجاب بمرارة وجرأة وكأنه ينتظر مني هذا الردّ:
- ((هذا إذا كان راتبي يكفيني حق أكل وشرب..!)) وأضاف هازئاً والضيق بلغ منه غايته: ((شو رأيك يعني، هل أتديّن، أم أصوم حتى أدفع قيمة التذكرة؟ بس تعطيني الدولة راتب يكفيني مثل الخلق والعالم.. ساعتئذٍ لكلّ حادث حديث.. مستعد أصير عبداً للدولة)).
سألته وقد أعجبتني فكرة الجدل معه على مسمعٍ من الجوار:
- (( وماذا تعمل يا أخ؟))
أجاب بحماس: ((أعمل آذناً في الفترة الصباحية في مدرسة بعد أن نقلوني من مؤسسة الإسكان العسكرية. وبعد الظهر نادلاً في مقهى.. وها أنذا متوجّه إليه..)) وتابع متحدثاً من بين شفتيه: ((بدلاً من أخذ قسطٍ من الراحة، نركض كالكلاب من عملٍ لآخر حتى أطعم أولادي وأولاد أخي اليتامى.. ولك الله يلعن هالعمر!)).
قلت له مخففاً: ((بسيطة يا أخي أعتقد أننا في خواتيم الأزمة وسيكون وضع سورية أفضل بكثير..)).
أجابني وقد أشار إلى الأنشوطة التي يمسك بها في سقف الباص لحفظ التوازن:
- ((عندما نعلّق على هذه المشانق مصّاصي دماء الشعب.. نعم، تصبح سورية أفضل)).
حتى إذا وصل مبتغاه، نزل من الباب الخلفي بهدوء وثقة. والتفت نحوي مودّعاً وقد انفرجت شفتاه عن بسمة ساخرة:
- ((ها قد وصلنا، تفضّل أستاذ، حوّلْ! نضيّفك ولا نأخذ منك أجرة وحياتك.. بالله عليك تفضّل..)).



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عذراً.. لن أترشّح!
- فوق الموتة.. عصّة قبر!
- وصيّة
- الصورة
- المرآة
- السردين
- العاشق
- دقائق بلا حياء.. ولا خوف
- القطط الضامرة
- مشوار
- روسيا تزداد تعملقاً
- أوباما.. يا بالع الموس عالحدّين!
- عالمكشوووف
- S.M.S إلى الرفيق قدري جميل
- خريف العمر
- من تحت الدلف إلى تحت المزراب
- البصلات المحروقة
- غاز.. غاز!
- حَدَثَ في -بوركينا فاسو-
- اللاءات الخمس و(النعمات) العشر


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - في الباص