أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - محمد اللوزي - نص ترجمة خطابي حول -ختان الذكور- بمناسبة -اليوم العالمي للسيادة على الأعضاء التناسلية-















المزيد.....


نص ترجمة خطابي حول -ختان الذكور- بمناسبة -اليوم العالمي للسيادة على الأعضاء التناسلية-


محمد اللوزي

الحوار المتمدن-العدد: 4448 - 2014 / 5 / 9 - 04:12
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


"اليوم العالمي للسيادة على الأعضاء التناسلية"

التظاهرة الأوربية أمام محكمة الاستئناف بكولونيا (ألمانيا) - 7 ماي 2014

ترجمة "نص الخطاب" الذي ألقيته أمام المشاركين (مع إضافات طفيفة أملتها ضرورات الترجمة)

بقلم : محمد اللوزي

سيداتي، سادتي، أيتها الأمهات، أيها الآباء، معشر الأصدقاء،

لقد أتيت من مدينة ليل، الواقعة شمال فرنسا، لأحيى معكم و بجانبكم هاته اللحظات القوية و المشحونة بمعان عميقة. هنا، في هاته المدينة و داخل مبنى هاته المحكمة، في يوم 7 ماي 2012، كتبت الأسطر الأولى من صفحة عهد حقوقي جديد يهم الأطفال ... و بدأت كتابة فصل وعد ديموقراطي مشرق. و إن ما تم اتخاذه من حكم قضائي مشرف، ليعد مكسبا إنسانيا عظيما سيفتح الطريق مستقبلا أمام تحقيق مكاسب حقوقية أخرى. و إنه لا يسعني في هذا المقام، إلا أن أحيي السادة القضاة الأفاضل على شجاعتهم، و هم الذين استوعبوا خطورة عمليات "الختان" الديني على أجساد الأطفال، و هم الذين أدانوه في حكمهم القضائي رغم حجم الضغوطات التي تمارسها بعض الطوائف و بعض الجهات النافذة هنا ... سادتي القضاة، اسمحوا لي أن أتفضل بالقول لديكم، أنكم قد دخلتم التاريخ الإنساني من بابه الواسع ... فالتاريخ لن ينسى أسماءكم ... و التاريخ لن ينسى جرأتكم ... و التاريخ لن ينسى جشاعتكم.

إن تواجدنا هنا، في هذا اليوم بالذات، في هاته اللحظات التي لا تنسى، سيسهم لا محالة في كتابة خاتمة تاريخ قديم و حزين أيضا. إنه تاريخ "الختان" ... ذلك الطقس الذي يبرر البعض وجوده و استمراره، بنصوص الأديان، فيما يبرره آخرون بالتقاليد و الثقافات ... ذلك الطقس الذي يصطنع له ممارسوه و حماته باستمرار، تبريرات خادعة و حمقاء، حتى يضمنوا بقاءه الأبدي و ترسخه في كل المجتمعات التي تخضع بالإكراه أطفالها له، بما في ذلك بعض مجتمعاتنا الأوربية الديموقراطية و الحداثية، التي تقوم أساسا على احترام الإنسان و ضمان حقوقه الأساسية كاملة دون تجاوز أو تصرف أو تطويع.

إني أضم صوتي إلى صوتكم بصفتي إنسانا حرا ... و إنسانا مؤمنا بالله ... و إنسانا يحمل في جسده بصمة "الختان" منذ سن الأربع سنوات ... و أبا لثلاثة أطفال، من بينهم ابني الحبيب، البالغ من العمر حوالي ثماني سنوات ... إني أضم صوتي إلى صوتكم لأعبر بوضوح تام عن موقف و عن قرار اتخذته، بكل وعي و بكل التزام و حرية و إخلاص، و دون طمع في أي مقابل، لا أسألكم جزاء و لا شكورا ... إنه قرار الانخراط الواعي بينكم، دفاعا عن حق كل طفل في التمتع بجسم سليم و معافى و كامل كما خلق، دون بتر أو تشويه ... إنه قرار الدفاع الواعي لضمان سيادة مطلقة لكل إنسان على جسده، و خصوصا، سيادته على أعضائه التناسلية وحق تقرير مصيرها لوحده حين يكون قادرا على ذلك و واعيا بنتائج قراراته ... إنه حق سيادة مطلقة ينبغي أن يضمن لكل إنسان، صغيرا كان أو كبيرا، ذكرا كان أو انثى، بصرف النظر عن أي تمييز بئيس، قد يتأسس على الجنسية ... أو على لون البشرة ... أو على الدين ... أو على الثقافة ... أو على الوضعية الاجتماعية.

إني أضم صوتي إلى صوتكم لأسجل بكل وضوح، و بوعي تام بخطورة القضية، موقفي من عمليات تشويه الأعضاء التناسلية عموما، و من "ختان الذكور" على وجه التخصيص. إذ "الختان" يشوه الجسد للأبد و من دون رجعة ... و يترك آثارا نفسية غائرة و دائمة على نفسية المختون و على سلوكه ... إنه يسبب آلاما ظالمة و غير مبررة، و يحدث معاناة صامتة و مكتومة و دائمة ... إنه يستغل وضعية ضعف طفل صغير أعزل، لا حول له و لا قوة، ليتيح الفرصة لمجموعات دينية قوية ومغلقة و لطوائف منطوية على ذواتها، لتفرض على الطفل الصغير البريء انتماءه القسري لها، و لتطبع على جسده خاتم ذلك الانتماء المفروض بسلاح مقص الحجام و مشرط الطبيب ... إن "الختان" ينمط الأجساد في المهد، و يوحد أشكالها بالقطع و البتر، تمهيدا لتنميط فكري و ديني عميق في الكبر، و ليسجن الناس حتى وفاتهم في خانات طوائف مغلقة ... إن "الختان" يفرض منذ الولادة قاعدة واحدة، و "اختيارا" واحدا، و عقيدة واحدة لا شريك لها : إنه يفرض على الطفل الصغير البريء "العبودية القهرية" و الولاء لجماعة عضوية قوية و مهيمنة، فرضها عليه القدر و لا يعرفها بعد، و لم يتسنى له بعد أن يقرر انتماءه لها من عدمه ... إن "الختان" يفرض بدءا الطاعة العمياء لأوامر الدين - كما وضعها و صاغها الفقهاء - و لعادات الثقافة القائمة المتوارثة باجترار و تكرارها جيلا لاحقا عن جيل سابق.

إن "الختان" يزرع الخوف و الهوان و القهر في نفوس الصغار و يكسر الإرادة الحرة في مهدها ... إذ لا يخيف الاستبداد السياسي و الديني إلا الإرادات الحرة ... فالجيل "المختون" جيل قد طوعه دين فقهاء "الختان" صغيرا، لطاعة أمراء سياسة الاستبداد عند كبره ... إن "الختان" ضمانة الصمت و وعد استمرار الاستبداد السياسي باسم الدين ... و للقارئ العربي المسلم "المختون" طبعا، أن يتأمل نص تلك "اللافتة" المدوية، التي صاغها شاعر الحرية أحمد مطر و عنونها ب "الختان" قائلا :

ألبَسـوني بُرْدَةً شَفّافـَةً
يَومَ الخِتانْ .
ثُمّ كانْ
بَـدْءُ تاريـخِ الهَـوانْ !
شَفّـتِ البُردةُ عَـنْ سِـرّي ،
وفي بِضْـعِ ثَوانْ
ذَبَحـوا سِـرّي .
وسـالَ الدّمُ في حِجْـري
فَقـامَ الصَّـوتُ مِـن كُلِّ مَكانْ :
أَلفَ مَبروكٍ
... وعُقبى لِلّسـانْ !

إني أحضر معكم اليوم، لأقدم بين أيديكم بوعي و تواضع، شهادة شخصية جدا بخصوص هذا التقليد المقدّس، الذي أعرفه و يعرفني بشكل وثيق منذ حوالي اثنان و ثلاثين سنة، منذ سنة 1982 تقريبا. نعم، إن "كذبة الختان" مطبوعة و منقوشة على جسدي ... و إن آثارها المباشرة لا تزال غائرة في نفسي و حية في سلوكي أيضا ... منذ أن كان عمري لا يتجاوز الأربع سنوات إلى يومنا هذا.

إني أسميها "كذبة الختان" لأنها بالفعل كذلك ... و لأن ختاني بالخصوص، قد تم إجراؤه تحت غطاء معتم نسج بخيوط "كذبات" ساخرة و وقحة ... و لعل أكبرها وقاحة، و أكثرها سخرية من عقلي الصغير آنذاك، كانت "كذبة" ذلك "الحجام" الغريب، الذي لم يسبق لي أن رأيته من قبل، و الذي استغفلني و استحمرني و استغباني، ليقطع على حين غرة مني، جزءا من جسدي، و من عضوي التناسلي و يشوهه بمقصه إلى الأبد ... إني أتذكر طلب ذلك "الحجام" مني - بعد أن أحكم الحاضرون من أهلي وثاقي - النظر إلى سقف و "سماء" تلك الحجرة البئيسة، زاعما أن هناك "عصفورا" مغردا يطير بجناحيه فوق رؤوسنا ... إني أذكر كيف استغل ذلك "الحجام" الكذاب الأشر سذاجتي البدائية، و براءة الصبي الصغير النحيف الضعيف المكبل أمامه، ليقطع - باسم السماء و باسم الله زعموا - جناحي "عصفوري" الآمن إلى الأبد ... نعم أيها السادة : في البدء، كانت "الكذبة" ... و "الكذبة" كانت "ختاني".

في سنة 2006، ولد ابني المحبوب ... و لقد كانت ولادته بمثابة ذلك الحدث الجلل، الذي وضعني وجها لوجه أمام مسؤوليتي كأب و أمام ضميري كذلك. لم أكن أستطيع الفرار من صحوة الضمير و من صوته أيضا. لأننا نستطيع الهروب من كل شيء، إلا الهروب من ضمائرنا ... و لأننا نستطيع التحايل على كل شيء، إلا التحايل على ضمائرنا ... حينها بدأت التساؤلات الصاعقة و العميقة تتناسل بداخلي ... و من رحم السؤال تولد أسئلة أخرى : ما عساي أفعل إذن ؟ هل ينبغي أن أعيد تكرار و إنتاج ما عانيت منه في صغري ؟ هل ينبغي أن أسلب من ابني "سيادته" على جسده و على عضوه التناسلي، تماما كما سلب "حجام قومي" سيادتي على جسدي و على عضوي التناسلي ؟ هل أنا ملزم فعلا بسوق ابني إلى "الحجام"، أو إلى "الطبيب"، ليطبع على ذكره خاتم "الختان" فيصبح "مختونا"، ناقص الخلقة و مشوه الفطرة، ضمن زمرة "المختونين" ؟ هل أنا ملزم فعلا بطبع خاتم "الختان" على جسد ابني علامة انتمائه - غير الاختياري - لأمة "الحق" ؟ لكن يا إلهي، باسم أي "حقيقة" يلزمني أن أنقش على جسد ابني - و بصفة أبدية - "كذبة الختان" الرهيبة ؟ باسم أي "حقيقة" يا ربّ ؟

سيقول لي و لكم أقوام يعلنون انتماءهم لدين الإسلام، أن "الختان" عمل و قربة و طاعة يمليها الإيمان بالله تعالى و تمليها أصول العقيدة الإسلامية. و إنني أؤكد من هذا المنبر، أن تلك الأقوام الداعمة للختان و الداعية إلى تأبيده و تكراره، لا تكاد تخرج في موقفها عن أحد الاحتمالين : إما أنهم كاذبون في دعواهم ... و إما أنهم لا يعلمون من الامر شيئا.

إنهم غير قادرين على أن يستدلوا على وجوب "الختان" و شرعيته من داخل نص القرآن الكريم المؤسِّس. لأن القرآن الكريم لم يذكر "الختان" أبدا، لا تصريحا و لا تلميحا ... و للأسف، إن تلك الأقوام المنتسبة للإسلام، لم تنتبه بعد إلى حقيقة مرّة و صاعقة : كون القرآن الكريم نفسه قد خضع لعملية "ختان" قسرية، سنوات فقط بعيد انقضاء وحيه و اكتمال تنزله و حفظه ... إن رسالة القرآن الكريم الإنسانية السامية قد تم "ختانها" في صغرها و حداثة سنها، و تم إذ داك إلجامها و إضعاف مفعولها في إحداث التغييرات في النفوس و المجتمع ... و لقد تكفلت آلاف الأحاديث و المرويات، التي نسبت للنبي الكريم بعد قرنين من الزمان عن وفاته، و التي شكلت فيما بعد المصدر التشريعي الثاني كما يزعمون، لقد تكلفت تلك الأحاديث و المرويات بمهمة "ختان" القرآن الكريم و تشويهه نصا و روحا، قلبا و قالبا ... لقد استطاعت مؤسسة "الأحاديث النبوية" ختان نص القرآن الكريم - و كذا بعض الحكم النبوية التي يسهل التعرف عليها انطلاقا من مضامينها الفاضلة و الراقية - و إغراقه وسط ملايين الأقوال الفجة و غير اللائقة و غير الانسانية، المبثوثة كالسم الزعاف في العسل المصفى، و المصنفة هنا و هناك.

إن الدعوة القرآنية السلامية البسيطة، الهادية لسبيل "السلام/الإسلام" مع النفس، كشرط تمهيدي أساسي "للسلام/الإسلام" مع الغير، إن هاته الدعوة القرآنية قد تم "ختانها" و تحييدها بالأحاديث و السنّة النبوية المزعومة ... و إن إرث النبوة نفسه قد تم "ختانه" و حجب نوره بحماقات و ضلالات جماعات الرّواة و المحدّثين و القصّاصين المقدسين ... و إن الآمال الإنسانية، المتجاوزة حدود القبيلة، و الوعود التي أخرجها القرآن الكريم من حيز الأحلام إلى أرض الواقع - تلك الآمال التي شكلت سابقة نوعية واعدة في تاريخ الناس - قد تم "ختانها" و تشويهها و إضعاف أثرها بإعادة فرض أغلال قبلية طائفية جديدة - متدثرة بعباءة الدين - للحفاظ على مصالح مادية و مكاسب سلطوية لمخلوقات هجينة، نصفها سمت و عباءة "رجل اللاهوت" و نصفها الثاني خبث و مكر "رجل السياسة" ... ظاهرها جسد خروف وديع و باطنها ذئب لا يؤمن عنفه و افتراسه.

إن الإسلام الأصلي كما أتصوره و أفهمه و أحيى معانيه، لم يشرع "الختان" و لم يوجبه أبدا. بل على العكس من ذلك، إن روح هذا الإسلام الأصلي و معنى "الختان" لا يمكن الجمع بينهما، فهما يسيران في اتجاهين متناقضين تماما ... بل إن "الختان" ينبغي النظر إليه و اعتباره أحد الركنين الأساسيين لكل تلك "الإسلامات" الهجينة الأخرى، الفاسدة في المعنى و المبنى ... تلك "الإسلامات" التي ما فتئت تطفو على صفحة التاريخ الدامي خلال الخمس عشرة قرون الأخيرة ... تلك "الإسلامات" المهيمنة العنفية التي قهرت الأجساد بالحز و القطع و الختان، و غزت الأمصار بالسيوف و الحراب و الإعدامات ... تلك "الإسلامات" السلطوية، الشمولية، الاستبدادية، السياسوية، الفارغة من كل معنى إنساني جميل، و المتشربة - حتى النخاع - بمعاني و سلوكيات العدوانية على الغير، أفرادا كانوا و جماعات ... لا تميز في ذلك بين طفل وليد أو شيخ طاعن في السن ... تلك "الإسلامات" التي لا يمكن لها أن تستتب و تحيى إلا في كنف الطاعة و العبودية المفروضين قهرا، من المهد إلى اللحد ... تلك "الإسلامات" التي لم يكن لها أن تتوغل في التاريخ و الجغرافيا إلا في جو قهر ديني و سياسي مشحون بالخوف و التخويف و التهديدات المستمرة.

إن تلك "الإسلامات" الفاسدة و المغشوشة، لا يمكن أن تقوم لها قائمة في أرض الناس، إلا عندما تستطيع على غفلة منهم أن تقيم بنيانها، متوسلة بكل أشكال العنف و الإكراه، على ركنين أساسين فقط - و ليس على خمسة أركان كما يزعم فقهاؤها - أولهما : ركن "كذبة الختان" ... و ثانيهما و آخرهما : ركن "كذبة حد الردة" المشؤوم ... إن تلك "الإسلامات" تجعل شرط الدخول إليها تأدية "فاتورة" الانتماء القسري، بقطع جزء من الجسد، متمثلا في قطع جزء من العضو التناسلي ... و تفرض على من أراد الخروج منها، تأدية "فاتورة" أخرى أغلى، لا تقبل بأقل من قطع الرأس من مكانه و إيداع الجسد قبور المغضوب عليهم ... إن تلك "الإسلامات" تقتات باستمرار من دماء و أجساد أتباعها، تارة من دماء و غلفات و قلفات أجساد البراءة ... و تارة أخرى من دماء و رؤوس أناس أحرار اتهمتهم مؤسساتها الدموية بالردّة و الخروج من حضيرة القطعان الطائعة، و قضت عليهم محاكمها بالإعدام.

و كأن التجربة الروحانية المؤمنة بالله تعالى، غير ممكنة إلا بحدوثها بين بقعتين من الدماء الزكية ... و كأن التجربة الروحانية المؤمنة بالله تعالى، غير ممكنة إلا بوقوعها بين عنفين دمويين ... و كأن التجربة الروحانية المؤمنة بالله تعالى، غير ممكنة إلا في الحيز الكئيب المتاح بين جريمتين بشعتين ... و كأن كتابة اسم الله الأعظم في القلوب، غير ممكن الحدوث، بدون دواة مداد و دماء "كذبة الختان" بدءا ... و كأن مسح اسم الله الأعظم، اختيارا، من القلوب غير ممكن بدون مسح الذات المختارة من الوجود الحي، بقطع الرؤوس انتهاءا.

نعم، أيها السادة، إني رفضت ... و أرفض ... و سأرفض دوما "ختان" ابني، و لست أعبأ بالضغوط أو التهديدات، فإنها لا تعنيني في شيء. نعم، إني أرفض "الختان" لأن كرامة ابني فوق كل اعتبار ... و لأن سيادته المصونة على جسده فوق كل اعتبار ... و لأن حفظ سلامة جسده من أي نقص أو بتر أو تشويه فوق كل اعتبار أيضا. إن ابني الحبيب له كامل الحق و كل الحرية في اتخاذ القرار، الذي قد يراه ملائما، في يوم من الأيام، بخصوص ختانه أو بخصوص اختيار انتمائه الديني - من عدمه - بناء على ما سيمليه عليه ضميره الحي و الحر حينها. و ليس من حقي بصفتي أبا له، أن أعتدي على جسده أو أن أترك آخرين يعتدوا عليه - باسم الله زعموا - بالبتر و القطع و الإكراه. فالله الرحيم تعالى لم يطلب مني و لم يفرض علي "ختان" ابني ... لم يوجب ذلك في أي نص من نصوص و آيات وحيه القرآني الخالد. و حتى إن زعم البعض أن الله قد أوجب ذلك - و الدليل على من ادعى - فإني أرفض "ختانه" متحملا في ذلك عواقب قرار فردي ساهم في صياغته حريتي و إيماني بالله ... إذ الإنسان، في اعتقادي، أقدس من النص الديني أيا كان مصدره ... بل إن هاته الفكرة ليست غريبة على القرآن الكريم، إنها خارجة أساسا من صلبه و متوافقة مع نصوصه و مع روحه السلامية.

سيداتي، سادتي، أيتها الأمهات، أيها الآباء، معشر الأصدقاء،

إن مما يرثى له اليوم، و مما يحز في النفس أيضا، ذلك الصمت المطبق الذي يصم الآذان ... صمت جمهور المثقفين المسلمين إزاء هذا الموضوع، و كأنه لا يعنيهم في شيء. و إني لآمل أن ينطق هؤلاء المثقفون، نساء و رجالا، معبرين بكل حرية و بكل مسؤولية عن مواقفهم الواضحة إزاء "الختان"، و إزاء شرعيته المزعومة و مدى توافقه مع الإسلام الأصلي، نصا و روحا ... فهلا حرروا أصواتهم من عقالها ؟ هلا تأملوا و أبصروا في أعضائهم التناسلية بكل جرأة و صدق، و بحثوا عن معنى الإيمان بالله و عن معنى الحق في ختانها و قطعها بما يغير خلق الله ؟ ...

إنه ينبغي على هؤلاء المثقفين، الملتزمين بصمت كصمت المقابر، أن يتحملوا أوزار صمتهم المتواطئ ... إنه ينبغي عليهم أن يستحضروا الأمانة التي تمليها عليهم ضمائرهم باعتبارهم حاملين لمسؤولية التنوير و الصدح بالحقائق لا يخشون في ذلك لومة لائم ... إنه ينبغي عليهم أن ينتهوا عن التصرف بخوف كخوف بعض المستثمرين أصحاب الرساميل، من تقلبات السوق و من ضياع حصصهم من المبيعات و الأرباح ... كفاهم تصرفا بخوف كخوف بعض الإعلاميين من نقص عدد المتفرجين على برامجهم و المتابعين لحلقاتها ... و ليعلم هؤلاء المثقفون الصامتون أن الإسلام ليس بضاعة يتاجر بها أو استثمارا مربحا، و هو أيضا ليس برنامجا أو منتوجا للاستهلاك الإعلامي ... و المثقف لا ينبغي أن يقوم بدور بائع الكلام المباح يزوقه حسب تقلبات السوق للإغراء، و لا أن يحول وظيفته السامية إلى مجرد معلق إعلامي سلبي مرتهن لأحداث الواقع من حوله، و طامع في الشهرة و المجد و لو على حساب الضمير ... و المسلمون ليسوا زبناء حتى يسعى المثقف لاستمالتهم، و لا ينبغي أن يعتبرهم مجرد جمهور تافه يبحث عن الترفيه، فيسهم في إغراقهم في مزيد من التفاهات، سعيا لتنويمهم و تمديدا لمدة نومهم الجماعي المستمر في كنف الاستبداد السياسي و الديني منذ قرون.

و إنه لا يكفي أن تعلن، أيها المثقف المحترم، موقفك من "الختان"، بسرعة الضوء، و من دون أي شرح أو تفصيل كالمعتاد لموضوع خطير و عميق، من خلال "تغريدة" واحدة يتيمة ... لم يتجاوز عدد حروفها 140 حرفا على شبكة "تويتر" ... كما صدر ذلك عن مثقف جامعي مسلم سويسري مشهور في أنحاء العالم، غربا و شرقا، و الذي يقدم نفسه و يعتبره آخرون مجتهدا و مجددا و فيلسوفا و مصلحا جذريا للإسلام ... و هو الذي كتب أزيد من 6000 صفحة، موزعة على عشرات الكتب و المقالات بالفرنسية و غيرها ... و هو الذي حاضر في أنحاء العالم بلغات عدة، خلال ربع قرن أو يزيد، في مواضيع كثيرة تهم الإسلام و المسلمين في الغرب ... إلا أنه اكتفى يوم 4 أكتوبر2012، ب "تغريدة" يتيمة و نحيفة و خافتة و لا تكاد تبين ... "تغريدة" يشتم منها رائحة موقفه من "الختان"، من دون أن يحمل ذلك المثقف نفسه عناء التصريح بكلمة "الختان" - حتى يكون موقفه المقتضب بينا محكما و غير متشابه - و اكتفى بالقول : " كل شخص ينتهك حرمة جسد طفل - بموافقته أو من دونها - فإنه ينتهك براءته" ... حسنا أيها المثقف المحترم ... ها انت قد اعلنت موقفك لمن بإمكانه استقبال "تغريدتك" فقط ... لكن دعني استميحك عذرا و أطلب منك أن تفصل موقفك و تبينه للجميع بما لا يدع للشك مجالا أو نصيبا ... ولم لا تصدر كتابا كاملا شاملا في الموضوع ... ألا ترى معي سيدي المثقف و الفيلسوف أن انتهاك جسد و براءة طفل ب"الختان"، و باسم الله الأعظم، يستدعي منك أكثر من "تغريدة" على شبكة "تويتر" ؟ ما رأيك ؟

سيداتي، سادتي، أيتها الأمهات، أيها الآباء، معشر الأصدقاء،

هذا نص ما وددت مشاركتكم به في هذا اليوم العظيم، الذي يمثل بالنسبة لي محطة بارزة من محطات الكفاح المستمر، من أجل حماية الطفولة البريئة من كل انتهاك و اعتداء و عنف و من كل عنف أو إكراه باسم الله.

اسمحوا لي في خاتمة هذه الكلمة، أن أشكر المنظمين و الساهرين على نجاح هاته التظاهرة على دعوتهم لي للمشاركة في أشغالها ... و أخص بالشكر الجزيل السادة "غي سايندين" و "فيكتور شيرينغ" ... كما أشكر و أشيد بالجهود النوعية لصديقي "نيكولا موبير" و بالوقت الذي يبدله من أجل قضيتنا، هناك في فرنسا، من خلال موقع الأنترنيت : "Droit au Corps".

شكرا لكم جميعا على متابعتكم و اهتمامكم.



#محمد_اللوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخوان المسلمين وحرب الوجود
- حيَّ على الأكباش !
- لو سألنا القرود عن السبب ...
- الإثارة و الاستجابة في سلوك أتباع الصحابة
- الحركات الاسلامية ووهم الدولة


المزيد.....




- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...
- تعذيب وتسليم.. رايتس ووتش: تصاعد القمع ضد السوريين بلبنان
- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - محمد اللوزي - نص ترجمة خطابي حول -ختان الذكور- بمناسبة -اليوم العالمي للسيادة على الأعضاء التناسلية-