أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - ظاهرة نكران الجميل !!















المزيد.....

ظاهرة نكران الجميل !!


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4446 - 2014 / 5 / 7 - 12:59
المحور: المجتمع المدني
    


من طبع الإنسان السوي أن يعاشر بني جلدته ، ويأنس بصحبتهم ، ويتخذ منهم إخوانا وأحبابا وأصدقاء يفرح بهم ، ويركن للأوفياء منهم بعد الله ، يبثهم لواعجه وهمومه ، ويودعهم أسراره ، ويشاورهم في أموره ، ويطلب خدماتهم ومعونتهم كلما ضاقت حوله الأمور واختلط السبل ونزلت به الخطوب ، فيجدهم خير معين على قضاء حوائجه ، وأحسن مساعد على تفريج كربه ، ولذلك فإنه ليس غريبا أن نفاجأ في مجالس ولقاءات الأصدقاء بشكاوى بعضهم وتدمرهم مما يحل بهم من مصائب ، بل ومن الطبيعي أن نسمع تشكي أحدهم من جحود أحد أبنائه المر ، أو من كل أبنائه ، الذين تخلَّقوا من صلبه ، ونبتوا في أحضانه ، وعاشوا بفضله بما وهبهم من مأوى واحترام وتقدير وأمان! وبعدها ، ويا للمفارَقة ، انقلبوا عليه ، وكفروا بجهوده ومجهوداته ، بعد أن تخيلوا أن لهم عليه الفضلَ ، والهيمنةَ ، والسموَّ ، و الأوَّليَّةَ ، فوصموه ، تجنيا ، بالتخلّف والرجعيّة ، ونعتوه ظلما بالانغلاق والهمجية ، ناسين أو متناسين ، أنهم ليسوا إلّا صنيعه ، ووجودهم من وجوده ، في البدء والختام ، ولولاه ما وُجدوا ، ولا عاشوا ، ولا استمروا ، ولكانوا من مفقودي الاسم ، ومنعدمي الهوية وتائهي العنوان...
ويبقى الغريب حقا في هذه النازلة ، هو حيرتي في نوعية المؤازرة الواجبة تقديمها لصديقي في مصابه الجلل ذاك ، والتي أخشى الخطأ في تقديرها ، فتكون النتيجة أفدح من تصرف أبنائه الأرعن والطائش ، وأكثر خطرا وتأثيرا على نفسيته الحساسة جدا ، مصداقا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : "يقول ابن آدم كلمة فلا يلقى لها بال فتهوي به سبعين خريفا في نار جهنم ".
وقد أكون قاسيا في حكمي على المشتكى بهم ، لكنه حكم نابع من مشاعر تألمي لحال ذلك الأب العظيم الذي لم يبرح ذهني ومخيلتي كيف منظر غلبة دموع الحسرة والانكسار والوجع ، كل سمات الابتهاج والتفاؤل التي عرفته عليها ، وهو يسرُّ لي حكاية معاناته وما تحمله من ألمٍ وانكسار و تضرعٍ شبه عبثي للرب .
تصرفات حمقاء لفتية -ليسوا بالمراهقين حتى تُرفع أبواب العتب عنهم - ما أظنها أضرت بالمشتكي المهموم ، بقدر ما كشفت عن هشاشة المشتكى بهم الأخلاقية والتعليمية ، وسطحية ما يدعونه من تقوى واحتشام ومحافظة ، ويفضح ما يتاجرون به من مفاهيم الإسلام المزيفة ، والتدين الخاطئ المناقضة لكل ما يقتضيه دين الله الصحيح ، والعقل السليم ، والتحرُّر والتحضُّر ، والذي حُشيت بها رؤوسهم الفارغة ، و شُحنت بها نفوسهم الجوفاء والتي لا يمكن أن يكونوا بها مسلمين حقيقيين ، لأن المسلم الحق هو من سلم الناس من لسانه ويديه ، و رعى حرمة الآخرين ، كل الآخرين ، وعلى رأسهم جميعا ، ذاك الشخص الذي كان منذ أن فتح الله أبواب الحياة لمواليده الصغار وهو يقدم الطعام والشراب ، ويمنح الحنان والرعاية والأمان ، ولا يفتر عن التفكير في مستقبلهم ، وحياتهم ، ويتصور اليوم الذي يرتقوا فيه أعلى درجات النجاح ، فتغلبه دموع الفرح ، ما جعله يستحق تقدير الخالق العظيم ويأمر له بالإجلال والتقدير في قوله عز وجل : "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا "(24) ..
كم كان حري بهؤلاء الأبناء وامتثالا لأوامر الله ، أن يكونوا أوفياء شاكرين لأهل الإحسان ذاكرين للجميل لمن أحسن إليهم ، حافظين الود وراعين حرمة ذاك الوالد الذي رباهم صغارا .
لكن طباع الناس مختلفة ، ومعادنهم متنوعة ، فيهم الكريم واللئيم ، فيهم من إذا أحسنت إليه شكر ، وعرف الجميل وذكره بالذكر الحسن وكافأ على المعروف بمثله أو أحسن منه ، متى ما سنحت له الفرصة ، وإن لم يستطع ، فبكلمة طيبة متبعا بذلك هدي الرسول صلى الله عليه وسلم : (من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أن قد كافأتموه) رواه أبوداو . وفيهم اللئيم الذي إذا أحسنت إليه تمرد وكفر بالمعروف وأنكر جميل وتناسى أصحابه وجفاهم ، كلما انتهت مصلحته وتمت فائدته منهم ، وهذا الضرب من البشر كثير في هذا الزمان وفي كل الأزمان ، وصوره كثيرة في حياتنا وتتكرر مع الأيام ومع من يعايشوننا من الولد والزوج والزوجة إلى الجار القريب والبعيد ، وتروى في هذا الباب قصص غريبة وأحوال عجيبة ، ويبقى أشنع وأبشع وأقرف صورها ، والتي يمكن أن يراها الإنسان في حياته ، تنكر الأبناء لجميل آبائهم ، والذي اعتبره الإسلام عقوقا ذميما نهى عنه الشرع وتبرمت منه الأعراف والقوانين والأخلاق .
وكما يقال :من كانت عادته كفران نعم الخلق وترك شكرهم كانت عادته كفران نعم الله وترك شكره ، لذلك لا يليق بالعاقل أبدا أن ينكر الإحسان ويتنكر له لأنه "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أحمد، ولأن اعتراف الإنسان بفضل الغير ومعروفه لا ينقص من قدره ولا يحط من منزلته بل يعلي قدره عند الله وفي عيون الخلق ، كما هو حال صديقي المشتكي الذي استدرجني التأثر بمصابه والتعاطف مع حاله ، إلى محاولة رسم – ولو في تَأْرخة عجلى - لبعض لمحات شخصيته وما تميز به من سمات ربما قد تكون قد غابت عمن تنكروا لفضله وبدله وعطائه المقرون دائما بتواضعه الجم ، النابعة عن اقتناع دون تصنع أو ادعاء ، مع الكبير والصغير ، النابه والبسيط ، القريب والبعيد ..
حيث كان رغم عدم التحاقه بالمدارس العليا ، أنيقا ليس في ملبسه وحسب-الذي لم يكن نتيجة ثياب ممهورة بغالٍ أو نفيس ، كما يمكن أن يُعتقد ، لكنه كان يلبس ببساطة وبذوق وتناسق لا يخلو من اناقة ووسامة جبلية متميزة –بل بأفكاره وقيمه ومبادئه التي ميزته في عوالم النضال السياسي والنقابي ومنجزه الثري في مجال النقل الطرقي ، أما عن اعتداد بشخصه وقيمه ومبادئه ، فلا اظن أن أثنين من عارفيه يختلفان بأنموذجته في ذلكم الشأن ، وليس من منطلق الغرور ، ولكن من فيض ثقته العميقة بالنفس ، وقناعاته المستمدة مما آمن به من مبادئ وأفكار وقيم ، وكل ذلك بعيداً عن الاضواء والبهرجة والافتعال .
واشهد هنا اني لم اسمع منه ، ولأزيد من العشرين سنة التي زاملته فيها النضال السياسي والنقابي والجمعوي والصحفي ، كلمة سوء عن احد ، ولا انتقاد او نقد شخصي ، سوى حوارات وجدل دقيق حريص ، عميق متأصل ، ولم استحضر ولو مرة واحدة اشتممت منها قسوة او مغالاة أو تشدد شخصي مجاني ضد أحد ، فروح المرح والدعابة والنكتة الفطنة كانت حاضرة عنده دائما وفي كل المناسبات والظروف حتى العصيبة منها...
لقد كان شخصا كريم الطبعه ، محبا للإحسان والفضل ، معواناً للناس يسعى في قضاء حوائجهم ، برأيه ووقته وجهده وعمله وشفاعته وماله ، كان مثالا مجسدا للأخلاق الإسلامية العالية الرفيعة التي ندب إليها الإسلام وحث المسلمين عليها ، وجعلها من باب التعاون على البر والتقوى الذي أمر به الله تعالى المسلمين في محكم تنزيله : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (2) الخصلة التي قال نبينا الكريم عن أصحابها : "وخير الناس أنفعهم للناس "، وقد كان من أكبر المناضلين النقابيين الذين تقضى على أيديهم حوائج الناس دون تمييز بينهم .. ورغم معاناته مع نكران الجميل وإحباطاته وما خلفت من آثار على نفسه ، لم ينقطع عن بذل الخير ولم يزهد فيه ، كما هو حال بعض المحسنين الذين يحرنون عن فعل الخير ويتوقفون عن الإحسان بسبب قلة الشكر والنكران الجميل وعدم الوفاء ، كما حدث مع علي بن عبد الله بن عباس فقال : "وزهدني في كل خير صنعته إلى الناس ما جربت من قلة الشكر"..
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاد تستوطنك ، كما يستوطن العطر أكمام الزهور !
- أيهم أكثر نضالية ، عمالهم أم عمالنا ؟؟
- فاتح ماي في فرنسا عيد مزدوج ، -رمانسية ونضال-.
- رد على منتقد -لولا الجنس لانقطع الجنس -
- لولا الجنس لانقطع الجنس (5)
- لولا الجنس لانقطع الجنس (4)
- لولا الجنس لانقطع الجنس (3)
- لولا الجنس لانقطع الجنس (2)
- لماذا فقدنا الابتسامة ؟؟..
- لولا الجنس لانقطع الجنس (1)
- لماذا تُذل المرأة نفسها وتتهم الرجل بذلك ؟؟
- حين تهان المرأة ممن يفترض فيه حمايتها !!؟؟؟؟؟؟؟؟
- الإنسان السعيد لا يشيخ !!
- الدراجة الهوائية وسياسينا !!
- لماذا أدمن ركوب القطار !! (5)
- لماذا أدمن ركوب القطار !! (4)
- الإعدام جزاء من جنس جريمة !!
- فضيحة الشكلاطة
- رد على اللواتي اتهمن حاسوبي بالتحامل عليهن!!
- المراحض العمومية والسياسة !!


المزيد.....




- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...
- مؤسسات الأسرى: إسرائيل تواصل التصعيد من عمليات الاعتقال وملا ...
- الفيتو الأمريكي.. ورقة إسرائيل ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحد ...
- -فيتو-أمريكي ضد الطلب الفلسطيني للحصول على عضوية كاملة بالأم ...
- فيتو أمريكي يفشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأ ...
- فشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ...
- فيتو أمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
- الرئاسة الفلسطينية تدين استخدام واشنطن -الفيتو- لمنع حصول فل ...
- فيتو أميركي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - ظاهرة نكران الجميل !!