|
إنهم -يخترقون - جُدران ألخزّان . مُهداة إلى روح غسان كنفاني
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 09:45
المحور:
الادب والفن
إنهم "يخترقون " جُدران ألخزّان . مُهداة إلى روح غسان كنفاني تحت حر الشمس أللاهبة ، وداخل ألخزان الذي إختبأوا فيه ، لتهريبهم إلى "الجنة " ، قضوا نحبهم ، إختناقا، دون ماء أو هواء ، وجهنم الصحراء كالمرجل تغلي ، وهم صامتون ، يبتلعون بأفواه مفغورة أخر ما تبقى من هواء !! ومرّت عشرات السنين ، لكنهم يُحشرون اليوم في سيارة ترنزيت ، بلا مقاعد ،يجلسون على الأرضية الحديدية ، بالعشرات كالسردين ، أو كعُلب التونا ، (على حد وصف أحدهم ) ، ينتقلون من سيارة إلى أُخرى تحت جُنح الظلام ، تسير بهم ساعات طويلة وهم محشورون ، لا إستراحات ولا طعام !! ليصلوا هم أيضا إلى الجنة . ولنعُد إلى البداية ..حديقتنا أو ما كانت حديقة بيتنا ، تحولت بفعل الإهمال والكسل ، كسلي أنا وإبني ، إلى غابة حشائش برية ، وبعد أن كانت حديقة غنّاء بفضل جهود شريكة الحياة ، أصبحت موطنا للعقارب ولربما الحيّات . فمنذ أن لم يعد لشريكتي وقت فراغ ، (ومتى كان لها ؟؟!!) لتعاظم المسؤولية عليها ، فهي تعمل خارج البيت وداخله ، كالنحلة دون كلل ، ملل أو تذمر ، أصبحنا بحاجة إلى عامل يقوم بتشذيب الأشجار وتنظيف الحديقة . أما أنا وإبني البكر (الذي أصبح رجلا ) فلا نُحرك ساكنا !! وكسلنا ولامُبالاتنا يُبرزان جليا ، كم هي جبارة شريكتي ، وكم هُن جبارات نساؤنا ، زوجاتنا وأمهاتنا ، يسهرن على راحة الجميع وتوفير كل ما تحتاجه الأُسرة ، وإضافة إلى ذلك تهتم شريكتي ببيئتنا الحياتية وجماليتها .. بالمُختصر ، احضرت العامل ، والذي بدأ يعمل بهمة ونشاط ، صنعت له فطورا ، قهوة ، وزودته بماء مثلج ، فالطقس حار...حار هذه الأيام، بل وحرصا من شريكتي على سلامته ، وتعاطفا مع ظروفه ، فقد دعته لأخذ قسط من الراحة وغفوة صغيرة في غرفة إبننا المنفصلة عن البيت !! . ومن حديثنا معه ، تبين لنا بأنه لم ينم في الليلة الماضية ، فقد خرج من بيته عند منتصف الليل ، لينضم إلى ثلاثين عاملا ، حُشروا في سيارة ترانزيت ،سعتها الفعلية ثمانية رُكاب ، ولتبدأ رحلة دامت سبع ساعات ، حتى وصلوا إلينا ، ودفع كل واحد منهم ما يقارب الثمانين دولارا ، ثمن "تذكرة " السفر ، والتي يتقاسمها عدد من أصحاب "السيارات " ، ومنهم وأخرهم صاحب سيارة يهودي . .!! المُفارقة في الأمر ، وعندما سألته عن مكان سُكناه ، عرفت بأنه يعيش في قرية صغيرة قريبة من مدينتنا الحدودية مع الضفة الغربية . وقد أعتاد سكان هذه القرية وغيرها من القرى الفلسطينية في الضفة الغربية ، القدوم الى مدينتنا سيرا على الأقدام يوميا !! انها مسافة قصيرة جدا ، وهذه القرى هي على مرمى حجر !! وبعد أن "ظهر الى الوجود " الجدار الفاصل ، أصبح الإنتقال من الضفة الغربية إلى إسرائيل شبه مستحيل ،إلا في حالات ثلاث ، أولا أن "تكون " من أصحاب الحظوة وتحمل وثيقة (في –أي –بي )شخص هام جدا ، وعدد هؤلاء قليل ، أو تكون حاصلا على تصريح عمل في إسرائيل ، وهؤلاء قلة قليلة ، أو أن يتم تهريبك !! كما حصل لعاملنا ..!! وهؤلاء هم الأغلبية الساحقة . يُغامرون يوميا من أجل الحصول على يوم عمل ، يوفر لعائلاتهم لقمة خبز تقيهم غائلة الجوع . ينامون في البيوت المهجورة والخرابات ، أو في بيوت قيد الإنشاء ، يفترشون الارض ويلتحفون السماء ، بالمعنى الحرفي لا المجازي ..!! ناهيك عن عدم توفر ظروف إنسانية أُخرى . ومع ذلك ، على عكس إخوانهم الذين قضوا نحبهم في ظلمة وحر الخزان ، فإنهم "يخترقون" جدران الخزان الكبير (جدار الفصل ) ، ليعيشوا !! يتحملون كل الصعوبات ، يتعرضون للمضايقة والحبس لأنهم بلا تصاريح عمل ، لكنهم لا يتراجعون ، فورائهم أفواه مفتوحة وبطون خاوية !! عرفتُ من العامل بأنه قد سُجن خمس مرات ، بلغت مُددها أكثر من سنتين ، لأنه لا يملك تصريحا ، ومع ذلك ، فإرادة الحياة أقوى .. يعود إلى زوجته وأولاده مرة كل شهر ونصف أو شهرين ، أنجب أربعة والخامس على الطريق ..إذ كيف لعامل شاب ، في مثل ظروفه ، أن يُفكر بتحديد النسل ؟؟!! أو أن يُبذر ما جناه بكده وتعبه على شراء الواقي الذكري ؟؟!! إنهم الوقود القادم لإنتفاضة المسحوقين ، إذا لم يتم حل "القضية الفلسطينية " ، فليس لهم ما يخسروه ، سوى "عبوديتهم " وقيودهم ..!! ملاحظة : رواية "رجال في الشمس " لغسان كنفاني ، تحكي عن تهريب فلسطينيين الى الكويت في خزان مُغلق ، يموت فيه العمال نتيجة الحر والاختناق في شمس الخليج اللاهبة . ومع ذلك لا يطرقون على جدران الخزان الداخلية طلبا للنجدة !! لماذا لم يطرقوا على الجدران ؟؟ تحميل الضحية مسؤولية الجريمة !!!
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أهلا بكم في دولة الشريعة اليهودية .
-
ألإلحاد ألسلفي (ألإسلامي) ..!!
-
البيدوفيليا الدينية
-
دافيد -النحلاوي - يُثير بلبلة في صفوف الجيش الإسرائيلي .
-
-مع- ياسر برهامي ..و-ضد- فاطمة ناعوت!!
-
حماس : -قميص عُثمان - أليمين الإسرائيلي ..!!
-
الأول من أيار : يوم للوحدة أم يوم ذكرى إحتفالية ؟!
-
الهولوكوست والفلسطينيون ..
-
ألربيع ألعربي – الفُرصة الضائعة للطبقة العاملة .
-
فَرّق تَسُد ، رمز ألنجاح..!!
-
أنماط البيدوفيليين
-
اليسار الفلسطيني ، وشُباك جو –هاري !!
-
الدين شأن شخصي ..؟!
-
البدائل -الفلسطينية - .. خيالية أم واقعية ؟
-
السلطة الفلسطينية توفرعلى إسرائيل المليارات ..!!
-
المرأة العاملة ..!!؟؟
-
عرب إسرائيل :وحدة وصراع الأضداد ، بين الأسرلة والإنتماء القو
...
-
بروفيل للبيدوفيل .
-
إنه جنون -العَظْمَة -، رسالة للعزيز نضال الربضي ؟؟!!
-
ماركس يتعرض لنيران صديقة ..(2)
المزيد.....
-
-يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا
...
-
“أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن
...
-
“أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على
...
-
افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
-
بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح
...
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
-
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|