أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي الشّابي - أوهام الثّورة.















المزيد.....

أوهام الثّورة.


فتحي الشّابي

الحوار المتمدن-العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 07:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أوهام الثّورة :

في ثقافة الوهم (حلقة أولى )



يدرك المتابع في أيّامنا للحراك الفكري والسّياسي بتونس وبلدان "الرّبيع العربي" أنّ أوهاما مبعثرة قد تسرّبت إلى عقول كثيرين ممّن ينتسبون إلى جمهور النّخبة من ساسة وكتّاب وفنّانين. فقد جعل بعضهم من الثّورة حدثا موكولا إلى الرّعاية الرّبانية أحيانا، وإلى ثورية مصطنعة لغالبية شعب كانت وما تزال متكتّمةً على أوجاعها ، قانعةً بما سطّرته لها أقدارُ السّياسة وآلهتُها التي تغيّر أثوابها وكناها. وهي كما نراها غالبية تنتظر.. تنتظر...بمرارة حياةً كأنّها الموتُ.

ولعلّ أولى تلك الأوهام هو نسب فعل الثّورة (1) إلى الفايسبوكيين والمناضلين الافتراضيي، وكأنّ مفهوم الثّورة يُختزل لدى البعض اليوم في صفحات الانترنت والمواقع السّياسية ذات الشّعارات المزلزلة والرّموز الفاتنة. والحال أنّ تاريخ الثّورات يؤكّد أن حدثَ الثّورة الفعلي ليس إلاّ تتوويجا لمسار من منجزات من ضحّوا بحياتهم ومن شقوْا طويلا في سبيل مطامحهم إلى الرّخاء والعدالة والحرّية . وقد ثبت أنّ من أهمّ شروط الثّورة ترسّخُ وعي جماعي يتطّور بالتدّريج قوامه الأساسيّ تصّورٌ واضحٌ لطريق الثوّرة ومستقبلها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وأنّى لذلك التصوّر أن يتوفّر لدى شعوب الرّبيع العربي دون ثورة فكرية علمية شاملة تعضدها نهضة تقنية ما تزال في حدّ ذاتها حلما إشكاليا منذ حملة نابليون بونابرت على مصر سنة 1798. أفلا يضحي حينئذ الحديث عن الثورة الشّعبية بقيادة مناضلين افتراضيين حدثا استعاريا ، تبقى آفاقه مرتهنةً بصنّاع الأقمار الصّناعية وآخر المنتجات الذكيّة ؟ وكيف لثورة أن تصبح دائمة، وقد أضحى جرحاها ومناضلوها الأصليون مرتهنين إلى نفس الامبراطورية التي ثاروا عليها باعتبارها امبراطورية معرفة قبل كلّ شيء .

ألاَ ترى أنّ صُنّاعَ التّكنولوجيا قد باعونا الحواسيب والهواتف الجوّالة، والرّقميات التي تتوالد أجيالها كلّ يوم، لكنّهم لم يبيعونا معها صميم العلم، ولم يمنحونا آليات مجدية في بناء ترقّينا المَعرفي والاجتماعي ؟ فآخر ما يُنتجه علماء الغرب في أيّ مجالٍ من المجالات لا يكون مباحا لكلّ متصفّح للـ"انترنت" إلاّ بقدر ما يُسمح به لنا من محوٍ للجهل.

لقد تحوّل هذا الوسيط الثقافي الجديد في عيوننا إلى أسطورة جديدة يلتفّ حولها الجميع ُ، المثقفُ المتخصّص والجاهل ذو العُطْلة المتعطّلُ، والمرأةُ التي انتحت ركنا ركينا في البيت، والطّفل الذي بدأ بتعلّم الحروف الهجائية في شكل صور. فأيُّ دور جديد يختلف فيه الحاسوب لدينا عن دور الجدّة التي تروي حكاياتِ قديمةً عجائبيةً ؟ أو لم نستبدل تكنولوجيات الصّورة بدور الحاكي الذي كان يأسرنا بحكاياته حول سير الفرسان والأبطال ؟ وإذا كانت خرافات الجدّة أو حكايات الرّاوي تنتهي بنا إلى عبرة ترسخ في الأذهان، فإنّ صفحات الشبكة المعلوماتية المتهاطلة لا تسلمك إلا للمجهول واللاّمنتهي، في رحلة عبثية تمحو فيها الفكرةُ الفكرةَ والصُّورةُ صورةً أخرى لا يَسعك أن تعقلها. ...ألا ترى مثلا أنّ إدْمان الأبناء على المشاهدة قد أفقدَهم ألسنتَهم داخل حلقات الدّرس فتحوّلوا إلى جمهور صامت يتابع الأساتيذ كما يتابع شاشات العرض؟ ألم تتحوّل فضائيات البترودولار إلى مؤسّسات تبيع الشّعوب الأخبار الزّائفة وتنشر بينها "الجهل المقدّس" ؟

لقد صارت شعوبنا بفضل الشّبكة المعلوماتية ثائرة دون ثورة حقيقية . بل حوّلت واقعها السّياسي أحيانا إلى فوضى مصطنعة تفقد فيها الذّاكرة وتُمحى القيم والأسماء أيضا . ولعلّ ذلك يتّضح في عدم تمثّل فئات كثيرة من الشّعب لتصّورات القيادات السّياسية التي ساهمت في دفع الحركة الثّورية وإسقاط الحكّام ، ممّا يجعلها عرضة لسوق النّخاسة الّسياسية التي يصبح فيه الدّين مجرّد بضاعة ليظهر علينا بذلك ساسة جاهبذة لا عهد لنا بهم من قبلُ ، بل لم نسمع لهم صوتا بين النّاس .

لقد تحوّلنا داخل المواقع الافتراضية إلى أرقام ورموز تسجّل حضورها في واقع متخيّل لتبتعد عن واقع يومي معيش .فالمتأمّل في علاقة شبابنا العربيّ بالأجهزة الرّقمية الحديثة يدرك أنّها لا تعدو في الغالب أن تكون جسر عبور إلى عالم من الأحلام والأوهام . فالشّاب البطّال يحلم بموطن شغل في دولة أوربيّة يدرّ عليه ملايين "الدّولارات" و"اليورات" التي تسمح له بإنشاء رصيد محترم في أحد البنوك،ويمكّنه من شراء سيّارة فخمة يتباهى بها أمام أترابه، لذلك تراه يقلّب صور السّيارات المعروضة ويُحلِم نفسه بقيادتها. بل هو يَحلُم بقصّة حبّ مثالية لا يُبيحها واقعٌ اجتماعيّ قاسٍٍ لكنّها متوفّرة على صفحات مواقع التواصل التي تمكّنه من اختيار فتاة حسناء جعل محرّك البحث عنها محدّدا بمقاساته في الجمال الأنثوي. وإذا به يقلّّّّّّب من جديد صور الجنس اللّطيف التي تنثال عليه من قارات العالم فتُحيي القلوب إغواءً وتعشي العيون ألوانا.

وربّما أوهم أحدهم نفسه بأنّه مناضل شرس من أشاوس المعارضين وأشدّهم استبسالا في مقاومة حكم استبدادي تعجز الشّعوب عن الإطاحة به. فنراه يخترع الرّموز والشّعارات ويدوّن البيانات المزلزلة . فإذا بنا أمام جيوش من رجال السّياسة ونسائها فاقت الأحزاب والمنظّمات تسيّسا ونضالية حتّى بات العمل السّياسي مسرحا برشتيا ، كلّما ازداد عدد الممثلين فيه ازداد وهنا وصار محكوما بالعبثية. لقد تحوّل الفايسبوك إلى مسرح افتراضي متّسع غير محدود يصبّ فيه الشّباب والمثقّفون جام غضبهم على السّلطة ويسفكون فيه أحلاما يخنقها واقع مرّ عمّه الجهل فأخصبت فيه اللّحي وانتشرت انتشار المزابل في أحياء البؤس والشّقاء ، لدى أحياء أموات لا يملكون غير فقر الصّلاة. ولعلك تدرك حينئذ أنّ سبب تباهي أولئك المخمورين بحبّ السّواد وطول الشّعر وإطلاق اللّحية ، هو التّعويض عن حرمان من امتلاك علم فاتهم أو مال لم يكسبوه أو التّكفير عن ذنوب ارتكبوها . وكأنّه كلّما طال الشّعر ازدادت النّفس اطمئنانا ويقينا بامتلاك ما كان مفقودا ولو على سبيل التوهّم.

ومن أجل ذلك أيضا قد ينقلبُ الإبحارُ في شبكة العنكبوت الاتصاليةِ إلى تنزيل للنّغمات السّاحرةِ، وتسابقِ في كسب أكثر عددٍ ممكن من الصّداقات التي تُوهم باكتساب مكانة اجتماعية على درجة من الوجاهة تثبتُ وجود شخصية المشارك بين بقية الأعضاء، والحالُ أنّها محض مكانةٍ افتراضية مغلّفة بالأوهام. وقياسا على واقعنا الافتراضي أصبح جميعنا منتعلا لحذاء السّياسة ، مكتسيا بلباس المثقّف متكلّمّا بلسانه ، ناطقا بدَلا منه. والمؤلم في هذا كلّه أنّ أصحاب الفكر في عالمنا العربي قد أضحوا عرضة للتّسفيه والتّكفير والتّخوين فضلا عمّا يمكن أن يتعرّضوا إليه من اعتداء معنوي أو ماديّ . فعن أيّ ثورة يجوز لنا ولسياسيينا أن يتحدّثوا وبأهدافها أن يتشدّقوا وفصول دستورها مختومة بأقلام كثير من الجهلة والانتهازيين ؟ (2)
ألم يقل "أليكسى دى تشيفيل" الثورةُ مثلها مثل الرواية أصعب جزء فيها كيفية إنهائها؟" فهلاّ بدأت ثورتنا لننهيها ؟
............
الهوامش:
-1- يظل تصوّر كارل ماركس للثورة محافظا على نجاعته وتكامله ، لذلك نراه سندا مرجعيا حاضرا بقوّة- وإن ضمنيّا- في آراء المحلّلين والنقاد لأحداث الرّبيع العربي .إذ يرى ماركس أنّ الثورة لا تتحقّق كليّا إلا بشروط خمسة ، وهي : (التذّمر الدّائم لدى طبقات المجتمع تجاه النظام القائم- تفكّك الطبقة الحاكمة – احتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية- الاحتجاج وظهور المواجهة – انهيار النّظام نهائيا واستئصال حثالته وعملائه) انظر :
*Karl Marx, Le Capital. É-;-dition populaire. p 140/
-Lettre de Karl Marx à Joseph Weydemeyer (5 mars 1852).
- انظر في نفس السّياق تحليل "ليون تروتسكي" لمفهوم الثورة الدّائمة التي تظلّ مرتهنة لديه بمعركة قلب النّظام السياسي والاجتماعي بكامله ، وهو تصّور يبقى مثاليا قياسا إلى واقع "الثورة التونسية" :
Leó-;-n Trotski : La révolution permanente », Edition : Minuit page, 206.
أمّا طموح عصمت سيف الدّولة الذي عبّر عنه بـ “أولوية الإنسان” العربي في تغيير واقع أمّة تبدو "مكتملة التّكوين فيظلّ في عمقه قائما على أركان النظرية المادّية مع ما في خصوصية تفكيره القومي المبني على معطى "وحدة الوجود القومي" القائم على شرط مقاومة التجزئة وهو شرط يتّم العصف به عن طريق الرّجعية السياسية ممثلة في دويلة قطر والرّجعية الإسلاموية بقيادة القرضاوي الذي يلقى تأييدا واسعا لدى اليمين الّليبرالي الأمريكي منذ فتواه بإباحة دم معمّر القذّافي في 21 فيفري 2011 .
-2 - الانتهازيون - موقع انترنيت http://www.lahaonline.com 26/6/2003
- الانتهازية السياسية هل هي ثقافة ؟-فاضل الحليبي [email protected] - العدد 241 - 9/9/2002

فتحي الشّابي



#فتحي_الشّابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي الشّابي - أوهام الثّورة.