أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عدنان الصباح - خلافا لأمنياتهم















المزيد.....

خلافا لأمنياتهم


عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)


الحوار المتمدن-العدد: 1259 - 2005 / 7 / 18 - 09:35
المحور: القضية الفلسطينية
    


قبل سنوات وفي مؤتمر نظمه المركز الفلسطيني للسلم والديمقراطية في مدينة القدس لمناقشة استراتيجيات المفاوض الفلسطيني، قلت واعتقد ان ذلك موثق بكتاب صدر عن المؤتمر ان هناك من يعمل جاهدا لان نصل لمرحلة نكره بها ذواتنا ووطننا وان هناك سعي حقيقي مبرمج للوصول بنا الى تلك الحالة، واليوم تتنامى لدي هذه القناعة، نعم هناك من يسعى للوصول بنا الى حالة نخلع بها الوطن من الحلم والذاكرة ونعيش الاغتراب داخله ويصبح حلم الفلسطيني في الوطن مغادرته لا الامساك به لعودة من طردوا منه بالقوة، ليصبح حلم الفلسطيني التخلص من كابوس الوطن لا تخليص الوطن من كابوس اعدائه اعدائه.
كلما سافرت خارج الوطن وعدت اليه يبادرني معظم معارفي بسؤال بات تقليديا، لماذا عدت، ولماذا لم تبحث لنفسك عن فرصة في الخارج، وكلما هممت بالسفر بادروني الا يوجد هناك مكان لنا معك، خذنا الى اي مكان في العالم واتركنا على بوابات اول مطار تصل اليه ونحن نتدبر امرنا، وتكبر الاسئلة والمطالبة بصحبة السفر وتدور عجلة البحث عن الجواب، لماذا اعود وكل ما في الوطن من ابوابه حتى بدايات جدارهم وم جدارهم حتى بوابات البحر وجع، اي حلم يولد في وجع شرايين الوطن واي استعاضة عن الوجع بالوجع تلك التي تنتابني كلما وضعت قدمي على بوابات عالم الناس الذين يتقنون الفرح ولو شكلا، يتقنون الضحك ولو صوتا، عالم اولئك الذين حين اراهم يضحكون اتطلع حولي معتقدا انني مصدر الضحك والا كيف ينارس الناس هنا الضحك بكل هذه البساطة، كلما دخلت الى مطعم او مقهى ووجدت اناسا يسترخون على مقاعدهم عجبت لماذا لا اتقن انا جلسة الاسترخاء هذه، كثيرا من شعوب الارض تعرضت للاحتلال والمحتلين ومع ذلك مارست حياتها بكل عفوية وتلقائية وانتجت فنا وموسيقى واغاني عن الوطن والحب والارض وعن اشياء عظيمة واشياء تافهة دون ان تجد من يلعن احد غنى لامراة في زمن الحرب، فعل ذلك الفيتناميون وفعل ذلك الروس وفعل ذلك الفرنسيون وغيرهم وغيرهم، وحدنا من وضعنا انفسنا زورا باقفاص حديدية ودفعنا بالوطن ليصبح كتلة ن التجهم واللعنة والخوف والحرص على لبس لباس للناس غير لباس الذات، وحدنا اخفينا قصائد العشق الجميلة وافكار الحلم واشهرنا قصائد عن النار وعن الحرب وعن القوة، قرأنا في غرف نومنا نزار قباني، وفي المنابر مظفر النواب.

لم يكن ذلك صدفة ولم يكن ذلك تلقائيا فكل فعل خارج التلقائية مصطنع، وكل فعل يقصد فيه ارضاء الآخر مصطنع، واتقان فعل التصنع عادة ما ينقلب على اصحابه بان يصبح نمطهم وينسون التلقائية التي يمارسونها سرا لتقترب من فعل الرذيلة، فيلبسون اقنعتهم على بوابات غرف نومهم ليمارس الجميع فعل الكذب على الجميع حتى يصدقون كذبتهم، لم يكن ذلك صدفة بل جاء بهدف بعيد المدى وهو دفع الفلسطيني ليكره فلسطينيته، دفع الفلسطيني للاعتقاد بان اي مكان آخر خارج الوطن اجمل واكثر اتساعا وهوائه انقى بمئات المرات، وهناك من اصبحت تلك مهمتهم الاولى بدراية او بدون دراية فكل همهم ان يجعلوا الوطن ضيقا اكثر ومؤلما اكثر، وانا اعرفهم.

اعرفهم جيدا اولئك الذين يسعون جاهدين لقطع حبل الود الذي يربطني بحيطان وازقة فلسطين، وكلما تعبت من حالتنا استخدمت الصدمة الكهربائية لاستعادة توازني، في كل صباح اقطع الطريق الواصل بين بيتي ومكتبي وانا افتح صدري للريح علني احفظ داخل هذا التجويف المغلق اكبر قدر من اوكسجين بلادي النقي جدا مع الفجر لان اعداءه لا يستيقظون باكرا، اسرق في غفوتهم كل الاكسجين الممكن لحرق مكائدهم ودسائسهم ومحاولاتهم لتعكير صفو العلاقة الجميلة بيني وبين هذا الوطن، وفي كل صباح اهزأ بهم، واكرر تعويذة الهزء هذه في مواجهتهم، كيف يمكنهم قطع حبل الود بيني وبين حجارة اعرفها ابا عن جد، بيني وبين شجرات زيتون توارثتها عن ابي عن جدي وحين استفيء بظلها او آكل من زيتها احلم بتوريثها، تحت كل زيتونة رايت ابي يجلس القرفصاء ويلاعب اغصانها وحبها وينكش الارض تحتها ويحضر السماد العربي من اماكن بعيدة ليدفء به جذورها وحين كنت اسئله عن اهمية ذلك كان يحكي قصيدة عشق عن الدفء الذي تحتاجه الشجرة ويلفني بذراعيه وهو يفهمني كيف تشعر الزيتونة بدفء جهده، كل حجر في الجدار الذي يضم بيتنا او يضم ارضنا كانت بصماته هناك ومعه كانت بصمات كفاي الغضة آنذاك، وكم مرة سبق الشعراء والرومانسيين وهو يحكي عن رائحة التراب اول المطر، واول النهار، كم هي التعابير التي حفظتها منه عن الارض البكر وعن الارض البور وما شابه، وكم علمني الخلط بين تعابير الغرس والحرث وتعابير الحياة، كل مساء كان والدي يطمأن على اكل وشرب الحمار قبل ان يطمأن علينا، وحين جرأنا على التعليق على ذلك كان يقول انه يعمل بصمت وواجبي انا ان اعرف ما يريد اكراما لجهده، وكلما تذكرت ذلك تذكرت اولئك الذين لا يعرفون احتياجات بشرهم وناسهم رغم الصراخ.

لم اعلق يوما خارطة فلسطين في عنقي لانها محفورة هنا في القلب وفي وجوه الناس وعلى اجساد زملاء السجن، ولم ارسمها على حجر من حجارتها، فلا يرسم البيت على جدرانه، ولم احملها لحبيبتي كهدية بل احمل اليها الورد النابت في ارضها فهو ابنها، ولم اغني لها فالغناء عادة لغائب بل ادندن لها دندنات الامهات للرضع قبيل النوم عسى ان تغفو على شواطيء الالم لترتاح هنيهة، ويوما لم اناديها فالمرء لا ينادي ذاته ابدا.
باختصار انني احبها بكل ما فيها، احب ناسها الثرثارين والنمامين، قبل المنتجين والرائعين، احبها بكل ما فيها وكلما اشتد المي تذكرت روعتها ولونت الصفحات القاتمة من ايامها بالبنفسجي لتورق وردا وياسمين، وكلما قرأت عن شخص سيء تذكرت ملايين الطيبين والسذج والفقراء، كلما قرأت عن متخم عاطل عن العمل، تذكرت ملايين الجياع المنتجين قوتا لا يطالونه، كلما قرأت عن فاسد تذكرت ملايين الشفافين كالماء في المدن والقرى والمخيمات، في الوطن وفي المنافي، كيف يجبرني فاسق على كراهيتها حين اتذكر مئات الآلاف من المشوهين والجرحى والمعتقلين، كيف يجبرني قصر اقيم بمال الفقراء على تعلم الحقد وانا ارى عشق الفقراء لبقايا بيوتهم، كيف يجبرني مارق على كرهها وانا ارى ملايين المخلصين.
باختصار انني احبها ليس لانها الوطن ولكن لانني ابنها، وهي وحدها دون غيرها رغم ثوبها المتسخ الذي لا يعرف بعلم الازياء، ورغم ان مطبخها لا يعرف الصرعات الامريكية وطريقها لا تعرف السيارات الالمانية، احب حضنها الدافيء رغم ان صدرها لم يعرف الدفء يوما منذ قرون، لانني ابنها وهي وحدها من يمكنني الاغفاء بين ذراعيها بهدوء، ووحدها من يمكنني التحلل من كل ضوابط الشكليات والمظاهر دون حدود، ووحدها من اجدها حين احتاج لكي ابكي حزني، ووحدها التي تقبل شتيمتي وغضبي وتبتسم، ووحدها التي اعطت وتعطي ولم تاخذ شيئا ابدا.
اكثر من مرة دفعوا بي رغما عن انفي للكفر بهم ومع ذلك كنت دوما اعود له وطني العظيم الجميل الرائع بكل ما فيه من طيبة وروعة وصفاء ووحدهم ثلة صغيرة هي التي تعكر صفو انتماءنا لهذه الارض بكل روعتها، ومن يجرب مرة واحدة كيف هو طعم الغربة سيعرف كم هو الوطن رائع وسيشتاق حتى لاولئك الذين دفعوا به الى خارج الوطن، فالوطن شجرة زيتون جذورها في قلوبنا، دالية جميلة تلتف حول اوردتنا، ياسمينة تفوح من خلايا جسدنا، طينا دافئا يتشابه مع مكونات دمنا.

هذا الوطن المتمايز عن كل الدنيا، هذا الوطن الحاضن لحضارات الكون، وطن اول المدن واول الكلام واول الخطوط واول الاصوات، اول البحر واول الارض، نهايات اليابسة والماء وبدايات السماء، اقرب بقعة في الارض الى وجه الله، واقرب البوابات الى ملكوت السماء، على بواباته خاطب الله البشر ومن بواباته ارسل كلامه للناس ومن ابنائه اختار رسله للبشرية وحين ارسل في طلب آخر رسله اليه لم يجد محطة اقرب من القدس ليصعد منها اليه، مثل هذا الوطن الا يستحق ان نتفاخر بالانتماء اليه، مثل هذا الوطن الا يستحق ان نزهو بحمل اسمه، مثل هذا الوطن كيف يمكننا التنازل بكل البساطة التي يعتقدها اعدائه عن حمله على اكتافنا وبين ثنايانا اينما كنا وحيثما ذهبنا، مثل هذا الوطن الا يستحق ان نقول لهم نحبه رغما عن انوفكم وبالضد بكم لانه اكبر من ان نتركه على عتبات مكائدكم، اكبر من كل زيفكم، اكبر من ان نتنازل لكم عن اختزال التاريخ واختزال الجغرافيا بارض اسمها فلسطين ونحن نحمل اسمها.



#عدنان_الصباح (هاشتاغ)       ADNAN_ALSABBAH#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة في الثورة
- شكوى
- حتى الاكاذيب توحد
- انهم يعرفون ما يريدون
- يعالون على حق...ولكن
- الشرعية المنتقاة
- الوطنية سلاح الديمقراطيين
- الأقصى والنصرة الموسمية
- كفاح اللاعنف
- فلسطين ارض لا تحتمل الحدود
- بين الحقائق فوق الأرض
- قديسات وعاهرين
- في مواجهة الصلف الاسرائيلي
- صواريخ غاندي
- قوة الضعف الواعي
- المرأة والحريات المنقوصة
- خارج الأولويات
- إلى الرئيس محمود عباس
- حكماء لا أمناء
- ايها الديمقراطيون اتحدوا


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عدنان الصباح - خلافا لأمنياتهم