أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احسان طالب - المقاصد كلية أوجزئية:العلة والحكمة والسبب والشرط















المزيد.....


المقاصد كلية أوجزئية:العلة والحكمة والسبب والشرط


احسان طالب

الحوار المتمدن-العدد: 4442 - 2014 / 5 / 3 - 15:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


طرق معرفة المقصد :
كما هو معروف ومشهور في أصول الفقه فإن أحكام الشريعة قسمان رئيسان
أحكام تكليفية وأحكام وضعية: حيث يعرف الحكم بأنه: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا. ـ 21 ـ
ولنقف عند مفردة خطاب التي اتفق عليها علماء الأصول لنجد أنها تفيد التوجه نحو المخاطب بأفكار عمومية وفق منهج محدد وقاعدة منظومة فكرية محددة كما أنها تفيد التقدير والتكريم. وهذا التوجه متسق مع خطاب الشاطبي العقلاني المعلل لقصد الخطاب بالمصلحة. والواقع أن التفصيل بالأحكام هو تفصيل دراسي لا بد منه ومحله علم أصول الفقه، لكن القصد عندنا هو الوصول لمعرفة طرق المقاصد حيث سبق وقلنا معاني القصد تدور حول الغاية والإرادة والاجتهاد والعلة والحكمة والمغزى والهدف، تحقيق المصالح ودرء المفاسد والوصول للأفضل والأنسب.
لمعرفة القصد لا بد لنا من معرفة سبب الحكم وعلته وشرطه وحكمته ومانعه:

1 ـ السبب : (فأما السبب فالمراد به ما وضُع شرعا لحكم، لحكمة يقتضيها ذلك الحكم، كما كان حصول النصاب سببا في وجود الزكاة، والزوال ـ أي وقت زوال الشمس ـ سببا في وجوب الصلاة، ..والعقود أسبابا في إباحة الانتفاع أو انتقال الأملاك ) ـ 22 ـ
والسبب وصف ظاهر منضبط، بانتفائه ينتفي الحكم ويتحقق الحكم بتحققه، والمفيد هنا التأكيد على أن وجود أو توفر السبب وحده دون توفر العلة أو الحكمة أو الشرط لا يكفي لثبوت الحكم، فمن المشهور أن عمر بن الخطاب عطل حد السرقة عام الرمادة ـ المجاعة ـ مع توفر وتحقق السبب والمقصود به هنا السرقة وما ذلك إلا لتوفر مانع من موانع تطبيق الحد والمانع هنا أن السرقة كانت بدافع الحفاظ على الحياة وهي من واحدة من الضروريات الخمس فالحفاظ على الحياة مقدم على الحفاظ على الملكية أو أحد حقوقها.
2 ـ العلة : ( وأما العلة فالمراد بها الحِكَم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة، والمفاسد التي تعلق بها النواهي؛ فالمشقة علة في إباحة القصر ـ قصر الصلاة ـ والفطر في السفر. والسفر هو السبب الموضوع سببا للإباحة. فعلى الجملة ، العلة هي المصلحة نفسها أو المفسدة لا مظنها) ـ 23 ـ
والعلة ليست واصفا ظاهرا ولا منضبطا بل هي خفية وتقديرية أي أنها غير محددة ويعود تقديرها لمقرر الحكم ، مشرعا أم قاضيا ، ففي الحديث ( لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان ) وفي رواية لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان.ـ 24 ـ
فالغضب سبب بمنع القاضي أو الحاكم من إصدار الحكم ما يعني أن الحكم أو القضاء الصادر في حالة الغضب فاسد، والعلة هي تشويش العقل، أي أن الغضب يؤثر في ملكات العقل فيعطل كامل قدراته، والغضب سبب لأنه ظاهر ويمكن التعرف على الغضبان، والتشويش علة لأنه خفي، فلا يمكن تحديد مستوى النقص أو تعطل قدرات العقل لحظة الغضب، لكن تلك العلة كافية لفساد الحكم وبطلانه، لقد اشتهر عن الإمام مالك أنه كان يسير في شوارع المدينة المنورة وهو يخاطب الناس بالقول: لا طلاق في إغلاق. والإغلاق هو الغضب أو السكر وهي أسباب أو المرض المؤثر في العقل ، أما العلة فهي تأثر العقل وتراجع القدرات اللازمة لاتخاذ قرار.
3 ـ المانع : وأما المانع فهو سبب يقتضي توفره نفي علة الحكم ويكون المانع سبب لانتفاء حكمة الحكم، ما يستدعي انتفاء الحكم.
( فإذا قلنا الدَّين مانع من الزكاة، فمعناه أنه سبب يقتضي افتقار المدين إلى ما يؤدي به دينه، وقد تعين فيما يده من النصاب، فحين تعلق به حقوق الغرماء، انتفت حكمة وجود النصاب ، وهي الغنى الذي هو علة وجود الزكاة فسقطت) ـ 25ـ
4 ـ أما الشرط: ( ما يتوقف عليه وجود الشيء ولا يكون داخلا في حقيقته أو هو مايلزم من عدم وجوده العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته) ـ 26 ـ
(والشرط مع المشروط كالصفة مع الموصوف وليس بجزء منه والمستند فيه الاستقراء في الشروط الشرعية ) ـ 27 ـ
فالشروط على ثلاث أنواع، عقلية وطبيعية ـ عادية ـ وشرعية،
(شروط على ثلاثة أقسام أحدها العقلية كالحياة في العلم والفهم في التكليف والثاني العادية كملاصقة النار الجسم المحرق في الإحراق ومقابلة الرائي للمرئي وتوسط الجسم الشفاف في الإبصار وأشباه ذلك والثالث الشرعية كالطهارة في الصلاة والحول في الزكاة والإحصان في الزنى وهذا الثالث هو المقصود بالذكر فإن حدث التعرض لشرط من شروط القسمين الأولين فمن حيث تعلق به حكم شرعى في خطاب الوضع أو خطاب التكليف ويصير إذ ذاك شرعيا بهذا الاعتبار فيدخل تحت القسم الثالث)
5 ـ الحكمة: الحكمة تدور ما دارت المصلحة فما كان مصلحة كان فيه حكمة وما كان مفسدة فلا حكمة فيه، فالحكمة هي وراء القصد، فهي السابقة على القصد وهي في نهاية القصد. فجلب المصالح ودرء المفاسد هو لب الحكمة.
إن حكمة الحكم: هي الباعث على تشريعه، والغاية المقصودة منه، أما علة الحكم فهي الأمر الظاهر المنضبط الذي بنى الشارع الحكم عليه، وربطه به وجودًا وعدماً-;- لأن من شأن بنائه عليه وربطه به أن يحقق حكمة تشريع الحكم.
(هي ما يترتب على مشروعية الحكم من جلب مصلحة أو دفع مفسدة، أو هي: المصلحة التي قصد الشارع من تشريع الحكم تحقيقها أو تكميلها، أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم دفعها أو تقليلها) ـ 27 ـ
ومن الضروري هنا تبيان بل وتبني المفهوم الأوسع و الأشمل للمصلحة والمفسدة ، فقصر المفهوم على معاني شرعية بحتة يضيع القصد قال تعال: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) سورة الروم: الآية 41
فالنظر إلى مفردة الفساد هنا باعتبارها مظلة لما يعتري البر والبحر والجو من تغيير سيء يؤدي إلى تعطيل شروط الحياة المناسبة ويؤول إلى بطلان الشروط الطبيعية لحياة الإنسان يجعلنا ندرك أن الفساد ليس مفردة شرعية بحته بقدر ما هي مفردة كونية ترتبط عضويا بالإنسان والطبيعة، فقصد الآية كما أفهمه عام يشمل كل فساد بيئي أو خلقي أو سياسي لأن كل نوع من أنواع ذلك الفساد يفسد البر والبحر والجو حياة الإنسان.
كذلك علينا النظر للمصلحة باعتبارها مفهوما شاملا عاما مرتبطاً بكليات التشريع وعموم الرحمة للعالمين وسعتها لكل شيء، وللنظر لقوله تعالى كمحدد لمعنى الصلاح بالعمران والتمكين للكفاءة والإتقان ولمن أخذ بنواصي العلم اللازم للعمران والإتقان والعدل قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) سورة الأنبياء الأية 105 ـ
مال كثير من كبار المفسرين لتجاوز المعنى المباشر والواضح للآية بأن الأرض هي الأرض بكليتها أو أي جزء من الأرض ـ يرثها أي يحكمها ويسوسها ويدبر شؤونها من كان الأصلح للعمارة والقيادة باعتبار العدل والصلاح مفردات من مفردات الحكم والوراثة الضرورية فاستقراء الظاهرة الطبيعية والاجتماعية مع استقراء النص القرآني يدل بلا لبس بأن الصلاح هو التمكن في العمل والعلم والخلق والإتقان والعدل وهذا ما يتوفر عليه العبد مسلما كان أم غير مسلم فقوانين الطبيعة والعلم والعمران تبني الصلاح على نتائج العمل وتوافقه من تحقيق المصالح ودرء المفاسد بالنظر إلى الإنسان باعتباره هدف وغاية الرشاد والإصلاح.
يقول القرطبي : (أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ " أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ يُرَاد بِهَا أَرْض الْجَنَّة كَمَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر -;- لِأَنَّ الْأَرْض فِي الدُّنْيَا قَدْ وَرِثَهَا الصَّالِحُونَ وَغَيْرهمْ . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا .) ـ 29ـ هكذا مضى الرأي بتفسير الآية بتبرير قصر المعنى وتضييقه بأن الأرض التي يرثها الصالحون هي أرض الجنة والصالحون هم فقط المتدينون لكن ذلك الفهم والتفسير مخالف للواقع بل مخالف للحقيقة. فإذا أخذنا بالاعتبار قول ابن تيمية قال ابن تيمية: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة. ـ 30 ـ
فالعدل أساس الحكم والصلاح أساس العمران ، فعمارة الأرض أساس الاستخلاف قال تعالى : هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها ) سورة هود الآية 61 ـ
( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) سورة هود : الآية 117
في تفسير الآية ما يؤكد رجوح مفهوم الصلاح المقترن بالمصلحة والعدل والحقوق ما يدعم تفسير ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) على ما ذهبنا إليه، يقول الشوكاني : ما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) أي ما صح ولا استقام أن يهلك الله سبحانه أهل القرى بظلم يتلبسون فيه وهو الشرك، والحال أن أهلها مصلحون فيما بينهم في تعاطي الحقوق لا يظلمون الناس شيئا، والمعنى : أنه لا يهلكهم بمجرد الشرك وحده حتى ينضم إليه الفساد في الأرض، كما أهلك قوم شعيب بنقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم،
وأهلك قوم لوط بسبب ارتكابهم للفحشاء الشعناء، وقيل أن قوله ( بظلم) حال من الفاعل والمعنى: ما كان الله ليهلك القرى ظالما لهم كونهم مصلحين غير مفسدين في الأرض ـ 31 ـ
فالقصد الكلي هو الصلاح ويقابله الفساد، محمولان على شمول المعاني وعموم اللفظ. ومنهج التفسير الذي سلكناه هنا هو تفسير القرآن بالقرآن واعتماد قاعدة أصولية لا خلاف عليها عند أهل التفسير : العبرة في عموم اللفظ لا في خصوص الحادثة، وذلك المنهج يرد شبهة الانتقائية في إدراك المفاهيم التي ذهبنا إليها ، فالميل لمحاصرة المعني والتضييق على العقول بقصر الفهم ورده نحو الشعاب المغلقة وصولا إلى التشدد والتزمت والتعصب المفضي إلى التضييق والحرج والشدة هو مسلك مجافٍ لمقاصد الشارع وأولويات التشريع. كما أن إغلاق الأفق وسد العقول عن البحث والفهم والتبصر في النص القرآني والشرعي مناقض لطبيعة النور المتدفق والمشع ذلك النور الأبدي لا يجوز إغلاق نوافذ العقول دونه ولا يصح قصر البصيرة على فهوم محددة ثابتة دون سواها مهما علا شأنها أو تقدم تاريخها فإشعاع النص ماض إلى يوم القيامة.
القصد الكلي والقصد الجزئي:
والقصد الكلي هو مناط القصد الحقيقي أما القصد الجزئي فليس قصد وقد يكون سببا أو علة للحكم وقد يتوفر مانع من تحقيقه فيبطل الحكم، ولتفسير ذلك ندرس المسألة التالية:
ما القصد من أحكام الطلاق وهل تتعارض مع قصد الحفاظ على العائلة:
قال تعالى : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة البقرة الآية 229 ـ
مر معنا أن الحفاظ على مؤسسة العائلة قصد من مقاصد الشريعة ومن ذلك القصد كان الحرص على تبني مؤسسة الزواج كونها القاعدة التي ستنطلق منها الأسرة وتتكون من خلالها العائلة. والطلاق تشريع هدف منه حل مشاكل العلاقة الزوجية الغير قابلة للحل أو منح فرصة جديدة لحرية الاختيار وتخفيف المشقة والحرج والضيق الناجم عن استمرار زواج بات دوامه تعاسة وشقاء وربما كراهية وحقد، وهذا خلاف ما تقتضيه الود والسكون والرحمة والحب والاحترام بين الزوجين، ومع ذلك فالطلاق كسر للعروة الوثقى التي عقدها الزوجان وفيه فطر لقلب أحدهما، وتهديد لكيان الأسرة وإضرار بمضمون الحفاظ على العائلة. ما يوحي هنا بتعارض في المقاصد وتضاد ، ولما كان أمر العائلة قصدا كليا سعى الشارع للاستفادة من كل الوسائل الممكنة لاستمرار الزواج فوضع للطلاق شروطا وأسباب وموانع، وسمح بتدخل خارجي بل وأوصى بتحكيم عائلي بين الزوجين ثم أعطى الزوجين فرصة أولى وفرصة ثانية للتراجع عن إنهاء مبرم للعلاقة في حال الطلاق للمرة الثالثة، كما فتح الباب مجددا لإعادة لم الشمل بعد أن تكون الزوجة قد جربت معاشرة زوج أخر فأتاح لهما العودة بعد الطلاق الثالث. فمن موانع الطلاق أنه لا يصح ولا يقع من مجنون أو معتوه أو غاضب أو سفيه أو مكره أو مريض أو سكران أو مخطئ, كما لا يحرم الطلاق في فترة الحيض أو النفاس عند المالكية تحديدا ومن شروطه عند بعض الفقهاء أن لا يكون في طهر جامعها فيه وأن يشهد عليه كما أشهد على الزواج وأن يتعين لفظ الطلاق دون لبس وأن لا يكون قسما ـ يمين ـ لا علاقة للزوجة فيه، كأن يقول الرجل لشخص أمامه : علي الطلاق إذا لم تلب دعوتي على الغذاء وما شابهه.وهو مكروه عند عامة الفقهاء لكنه واجب، أي ينبغي على الطرفين تنفيذه، إذا وقع بحكم قاض مفوض رسميا بناء على طلب من أحدهما في حالة استحالة العيش المشترك أو وقوع الضيم والظلم على أحدهما. ومن شروطه القصد والاختيار وتحديد اللفظ وسلامة عقد الزواج والقطع بحصول اللفظ وتوفر نية الطلاق والتصريح والإعلان. ـ 32 ـ
والسؤال هنا ما هو القصد الكلي في مسألة الطلاق وهل من تعارض بين المقاصد في حكم الطلاق؟
الطلاق حكم مدني تتوفر عليه كل الشرائع القانونية في جميع دول العالم حتى في الدول المسيحية التي تحرم الطلاق بالمطلق؛ فإن أحكام القضاء تسمح بطرق قانونية لتحقيق الطلاق ما يعني أنه حاجة اقتضتها الضرورة، فاتفقت عليها ولو بشروط مختلفة كافة الشرائع المستندة إلى أصل مدني أو على أصول دينية. والقصد من الطلاق رفع الضرر الشخصي بسبب علاقة مضطربة أو غير متكافئة أو غير منسجمة كذلك أو ظالمة، وهو اقرار بحق الفرد بالتحرر من عقد ابتدأه و لا يجد مبررات ذاتية أو موضوعية تجبره على اتمامه ، وهو كذلك وسيلة انقاذ لرفع الحرج أو الضيق، أو ربما الجحيم لنقص او انحراف في السلوك، من هنا أرى أن القصد الكلي في مسألة الطلاق هو رفع الحرج والمشقة والضيق و الاسهام في تحقيق السعادة الذاتية للفرد رجلا كان ام امرأة ونفي الضرر وتكريم الانسان الذي يرى في استمرار الزواج حجر على حقه بالحياة والاستمتاع بها بالحدود المتفق عليها ضمن مؤسسة الزواج ، إذا نرى أن القصد الكلي هنا تجاوز القصد الجزئي ، فالحفاظ على العائلة قصد أولي لكن الحفاظ على الإنسان وكرامته وحقوقه وسعادته فيها حفاظ على حياته وعقله، وهي مقدمة على قصد حماية العائلة والحفاظ عليها، فإذا أخذنا بالاعتبار ما دللنا عليه بالقصد الكلي في مسألة الطلاق نستبين على أي حد كانت أحكام الطلاق مضرة بالمرأة وأحيانا الرجل ما يؤخذ بعين الاعتبار قصد الحفاظ على حياة الانسان وكرامته وسعادته من رجل أو امرأة دون تمييز بينهما. نستنتج من المسألة السابقة أن فقه المقاصد أولى من فقه المعاملات والجدير بعلماء الشريعة الاهتمام به، و اعطائه أولوية عند بحث الأحكام وتدوين الفقه، فالإنسان هو القصد ومصلحته هي مناط الطلب والغاية، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).سورة الإسراء الآية 70 ـ ودرء الفساد بمفهومه الشامل هو غاية بحد ذاتها. فالإنسان وحياته وكرامته وسعادته مقصد جلي من مقاصد الشريعة، لأن بحث المقاصد هو بحث أولي كلي أما المقاصد الجزئية فهي ثانوية وانتفاؤها لا يعني انتفاء المقصد الكلي. فإذا نتج من الزواج أو الطلاق مفسدة وجب درء المفسدة قبل جلب المصلحة، وإذا أفضت المصلحة ضررا أو ما يظهر أنه شر فهو غير مقصود بذاته فكما أن الطبيب قد يضطر لإيلام المريض من أجل شفائه كانت بعض التشريعات مؤلمة بهدف تحقيق مصلحة أكبر لا بقصد الإيذاء والإيلام.
( فكل ما شرّع لجلب مصلحة أو دفع مفسدة فغير مقصود فيه ما يناقض ذلك، وإن كان واقعا بالوجود فبالقدرة القديمة وعن الإرادة القديمة لا يعزب عن علم الله وقدرته وإرادته شيء من ذلك كله في الأرض ولا في السماء، وحكم التشريع أمر آخر له نظر وترتيب آخر على حسب ما وضعه، والأمر والنهي لا يستلزمان إرادة الوقوع أو عدم الوقوع ... فالقصد التشريعي شيء والقصد الخلقي شيء آخر لا ملازمة بينهما فصل، وأما إذا كانت المصلحة أو المفسدة خارجة عن حكم الإعتياد ـ يقصد الشاطبي بالاعتياد ما كان أمرا طبيعيا معتادا بين الناس ـ بحيث لو انفردت لكانت مقصودة الإعتبار للشارع ففي ذلك نظر ولا بد من تمثيل ذلك ثم تخليص الحكم فيه بحول الله مثاله أكل الميتة للمضطر ) ـ 33 ـ
فالقصد الشرعي أمر مقصود بذاته لا علاقة له بالقصد الطبيعي أو الخلقي، فالتشريع مسألة تحكم وضبط وتأصيل في حين أن غايات الخلق ومقاصدها مسألة طبيعية لا علاقة للتشريع بها وإن كنا نلحظ أحيانا علاقة بين القصدين ، فقصد الحفاظ على الحياة لا ينفي تشريع قتل القاتل وقصد الضيق والمشقة والحرج بالسجن للمدان بالجريمة ، لا تنفي قصد القصاص من المجرم أو المعتدي على حقوق الآخرين. لكن لنتنبه إلى أن قصد القصاص إنما هو نتيجة لسبب أي هو رد فعل على فعل ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) سورة البقرة الآية 179 ـ فالقصد من القصاص ليس الانتقام أو التعذيب الجسدي أو المعنوي بل هو تدبير للحد من الجريمة وتحقق واحدة من كليات مقاصد الشريعة ألا وهي الحفاظ على الحياة وهو قصد جلي.
للبحث تتمة تبدأ بأقسام المقاصد
هوامش ومراجع وأعلام:
21 ـ أصول الفقه الإسلامي : دكتور ابراهيم سلقيني : جامعة دمشق 1996 صفحة 182
22 ـ الموفقات ـ الشاطبي ـ دراز جزء أول صفحة 265
23 ـ المصدر السابق
24 ـ رواه البخاري باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان برقم 6739 ورواه غيره كثر، والرواية الثانية لمسلم.
25 ـ موافقات: شاطبي ـ دراز صفحة 266
26 ـ أصول الفقه ـ سلقيني ـ جامعة دمشق : صفحة 203
27 ـ موافقات شاطبي دراز صفحة 267
28 ـ دكتور حمد بن عبد الرحمن الرشيد هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
29 ـ تفسير القرطبي : تفسير سورة الانبياء صفحة 331
30 ـ مجموع الفتاوى جزء 28 ص 146 .
31 ـ فتح القدير للشوكاني المجلد الثاني صفحة 534
32 ـ راجع كتاب فقه السنة : السيد سابق : دار البيان الكويت 1968 الجزء الثامن : يشتمل على بيان مفيد جزئي لمسألة الطلاق.
33 ـ موافقات الشاطبي الجزء الثاني كتاب المقاصد



#احسان_طالب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فقه المقاصد أسرار الشاطبي
- المقاصدية والمصلحة المرسلة وسد الذرائع رؤية جديدة للمفاهيم 1 ...
- الأفلاطونية المحدثة نظرية الفيض الأقانيم الثلاثة
- الفيلسوف أفلوطين الشيخ اليوناني وفلسفة الفيض 3 من 4
- ابن رشد العقل المنفعل 2 من 4
- فلسفة الدين العقل الفعال 1 من 4
- في الإشراق الصوفي فلسفة وحدة الوجود
- في مسائل المعتزلة ، القانون الكلي ،الدلائل العقلية والأصول ا ...
- العبد ومولاه
- تعريف الثقافة وعلاقتها باللغة والهوية القومية، ملاحظات للنهض ...
- كأس ملطخة
- عالم بلا رأس أفضل للقاعدة، العصر الأوبامي الهزيل
- في وداع 2013
- أرحام تحترق
- بناء نظرية معرفة للإصلاح والتجديد
- مآلات السياسة الدولية في سوريا جرس الإنذار
- ملاحظات عن المعارضة السورية ، شروط وقواعد التفاوض
- استعراض الأحجية الروسية في سوريا
- قبل أن يسرقكِ العمر
- الهوس الجنسي والاستغلال السياسي بين جهاد المتعة وجهاد النكاح


المزيد.....




- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان
- الشريعة والحياة في رمضان- مفهوم الأمة.. عناصر القوة وأدوات ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احسان طالب - المقاصد كلية أوجزئية:العلة والحكمة والسبب والشرط