أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - ذاكرة الكراهية















المزيد.....

ذاكرة الكراهية


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 4442 - 2014 / 5 / 3 - 12:05
المحور: الادب والفن
    


***
إلى كثرةٍ مِنِ الناسِ في بلادي :
يا إلهي !
مِن أينَ أتيتم بكلِّ هذا الخبثِ
مِن أين أتيتم بكلِّ هذه الكراهةِ
وقد أَفْنيتُ عُمري في محبتِكُم ؟
***
ثم إلى بَصْريٍّ إنْ كان بَصْرياً
فالوافدُ كالغازي هذي الأيام
وبعضُنا يتلفّعُ ريحَ جارٍ خبيثةً
وقد اتفق معظمُ أهلِ العراق على أنّ البصريَّ دمثُ الأخلاقِ و طيّبُ القلبِ وهو ـــ كما يرون ـــ ذو مروءةٍ وكرمٍ وعفّةِ نفسٍ وهو ـــ كما لا يعلمون ـــ ذو خيالٍ واسعٍ كثيرِ الترحالِ والأسفارِ بحكمِ الطبيعةِ المفتوحةِ على البحرِ والصحراء ومِن خلالِ هذا الخيالِ يُشكِّلُ الأحداثَ بما يتوافقُ مع أهوائهِ فيزيدُ على ما كان نتفةً ويُنقصُ مِن لم يرهُ متوافقاً مع خيالِه . لهذا نرى مُبدعي البصرة على درجةٍ عاليةٍ مِن الإبداعِ لما يمتازُ به مخيالُهم مِن اتساعٍ وقدرةٍ على الإقترابِ مِن عجائب الأمورِ حتى أني مَزحتُ ذات مرةٍ وقلتُ إنَّ واضعَ ألف ليلة وليلة بصريُّ المنشأ والإنتماء والهوى .. وكنتُ أظنُّ أنَّ مِن شمائلِ البصريّ ألاّ يغتابَ أحداً ولا ينزعَ للنميمةِ كبقيةِ خلقِ الله وأنَّ مِن طباعِه النبلَ فلا ينال مِن مظلومٍ ولا يهضم حقَّ مخلوقٍ .. وكنتُ ميالاً إليه ، متآلفاً معه ، أذودُ عنه معتبراً إياه مسالماً في كلِّ الأمورِ حتى انتهيتُ إلى المنافي والتقيتُ ببعض البصريين فسقطت أمامي تلك الأيقونةُ الخادعة.
قال المنفيُّ في أسفٍ :
**
لا قوام لقائمِ
ولا شهوة لمشتهٍ
**
لكنني أرى خلافاً لثباتِ الخُلقِ تدهوراً في الأخلاقِ وارتزاقاً وميلاً إلى الضِّعةِ فلا مَطْهَرَ على ظهرِ هذه المَعْهَر .. وقد ثَقُلِت جيوبُ العراقيين ومنهم البَصْريون وخُرِّبت مُدنُهم وهُم على هذا فَرِحون كأَزْيارِ نساءٍ مُتَبَرِجةٍ ترتدي الحريرَ وتفترشُ الحصيرَ .
لا تنعتْ مواطناً حتى تلتقيَه في مَهْجَرٍ .
أيها الأخُ البصريُّ الكريمُ
أنا لم ألتقِ بك مِن قبل ولم أتعرّف إليك إلاّ مِن خلالِ بعضِ الأخبارِ التي تكتبُها عن مثقفي البصرة .. لا أعرفُ لك سكناً ولا اسماً حقيقياً .. لا أعرفُ أصلَك مِن فصلِك ، واعذرْ لي جهلي ، فلستُ مقللاً مِن شأنِك ، معاذ الله ، لكنني لا أعرفُ عنك شيئاً قبل سقوطِ بغداد وثورةِ الانترنيت التي رافقت غزوَ العراق ، حتى جاءت رسومُكَ الكريمةُ التي لا توحي إليّ بشيءٍ سوى شيخوخةٍ لا أدري أنْ تغلّفت بحكمةٍ كاذبةٍ أم هي مُجَرّدُ هامةٍ رماديةٍ يسكنُ تحت كلِّ شعرةٍ منها شيطانُ أمريكيٌّ .. ثم جاءت منك بعضُ مقالاتٍ بسيطةٍ استنشقتْ هواءَ مصنعِ القمامةِ ونافخِ صور البعران هذا المُسمى الانترنيت .
**
قال المنفيُّ متأففاً:
السبّابةُ للسبِّ والسبُّ ليس للسبّابةِ.
ويزيدُ مِن ضيقِهِ شيئاً يسيراً :
النظرةُ الفاجرةُ ليست فجورَ النظرِ .
ويقولُ في تأصيلِ المعنى :
دمعةُ الغريبِ أصدقُ الدموعِ وغربةُ الدمعِ أوحشُ غربة.
**
ولا أذكرُ أني تَناولْتُكَ في محفلٍ ما لأنني ببساطةٍ لا أعرفُك و لا أعرفُ عنكَ شيئاً .
وحين كان يُذكرُ اسمُكَ أمامي ـ مُصادفةً ـ أظلُّ مُحايداً لأنني لا أعرفُك .
لا أعرفُ لك أماً ولا أباً ولا أخاً
وإذا كان النظامُ السابقُ قد نالَ منكَ : أسقطكَ سياسياً أو مارسَ بحقِّك عسفاً أو بحقِّ قريبٍ لكَ فلستَ الوحيد في هذا الظلمِ إنما يشاركك شعبٌ بكاملِهِ .. ربما كانت خطيئتي الوحيدة في نظرِكَ هي وقوفي ضد احتلالِ بلادي .. نعم وقفتُ ضدَّ الغزوِ ومِن ثم الاحتلال بالرغم مِن أنَّ النظامَ السابق كان قد قتلني ألفَ مرّةٍ :
اعتقلني مَرَّتَيْن رغم صغر سنّي
وعذّبني كثيراً
وجعلني أتركُ وطني نحو صحراءَ ـــ أنتَ لستَ قادراً عليها ـــ قطعتُها سَيْرَاً على الأقدامِ في سبعةِ أيام بليالِها. حملتُ مع زوجتي السلاحَ لكي نقاتلَ ذلك النظامَ وأنجبْنا ولداً فوق قمّةِ جبلٍ تزحفُ نحوها جندرمةُ التُّركِ وتقصفُها الطائراتُ والمدفعيةُ ليلَ نهار ونحن في عراءِ القمّةِ بلا ناصرٍ أو معينٍ وحتى بلا طعامٍ وفي زريبةٍ للحيواناتِ لا تَنْهَضُ على المترين طولاً وعرضاً. أنتَ لا تعرفُ آلاماً كهذهِ وهي بالنسبةِ لك محض خيال .
منذُ أكثر مِن ست وثلاثين سنةً لم أستطع الوصولَ إلى وطني الذي ـ" أنتَ "ـ تتبجحُ بتسليمِهِ للغزاةِ وتتلمظُ شماتةً بسقوطِ بغداد التي رأيتَ فيها نظاماً همجياً . هل تعلمُ أنَّ العراقَ لا يساوي الدكتاتورَ ؟ بل أنّ الدكتاتورَ وكلَّ حزبِ البعث الذي بعض صحبِك منه لا يساوي عندي فسيلةَ نخلٍ ماتت مِن قصفٍ أو قطعٍ أو لأيِّ سببٍ.. وسوف استرسلُ لأقولَ إنّ كلَّ الأحزابِ السياسيةِ التي جاءت مع الغزوِ والتي تواجدت قبلَ الغزوِ لا تساوي عندي أمام أرضِ العراق عفطةَ عنزٍ . لا تصدقْ مَن يقول البشرَ أولاً ، فالأرضُ أبقى مِن هذا الحقيرِ الذي تسمونه بشراً والكونُ يسوقُ لنا أمثلةً ـــ عَبْرَ تأريخِهِ الطويلِ ـــ عن ملايين الرّجالِ الذين ضَحّوا بأرواحِهم مِن أجلِ أشبارٍ مِن الأرضِ على حدودٍ ما أو مِن أجلِ قريةٍ مهملةٍ في زاويةٍ مِن هذا الكوكبِ .. الأرضُ للأجيالِ وبالأخصِّ للأجيالِ التي ستُنبتُ ـ على أرضِ الرافدين ـ " إنساناً " ، والتي ستسخرُ مِن خياناتِ آبائها . هل تأتي هذه الأجيالُ .. هل يتحققُ هذا الحُلُمُ ؟ أنا أشكُّ في هذا!
**
قال المنفيُّ حين استبدَّ به الحنينُ :
في صدرِ الغريبِ وطنٌ ينبضُ دوماً وليس في صدرِ الوطنِ غريبٌ. وقال حائراً :
هيئةُ الصامتِ صامتة وصمتُ الهيئةِ ليس لصامتِ .
**
على أيِّ حالٍ لا أُطيلُ عليك وَرَدَني منذُ مدّةٍ أنكَ تُناصبني العداءَ .. عجبي! كيف هذا وأنتَ لا تعرفُني ؟ كيف هذا وأنا لا أعرفُكَ ؟ ومع هذا لا أمنعُك مِن الكراهيةِ أنتَ أو سواك ـ وربما شاطركَ آخرون في هذا الداء ـ لكنني مِن حقِّي أنْ أتساءلَ . لماذا ؟ كيف تُعادي إنساناً لم ترهُ في حياتِك ولم تلتقِ به إلاّ إذا أوغرَ صدرَك عليّ أحدٌ وهذا يحدثُ كثيراً في الحياةِ ففي برلين نالَني شيءٌ مِن هذا بسببِ أَبْناءِ الخَبيثَتين . لا أمنعُك مِن العداوةِ أو الكراهيةِ فهما مِن شِيَمِ العراقيِّ ، وهما أيضاً مِن الصفاتِ ـ غير الحميدةِ ـ للبشرِ عموماً ، لكنني لن أسمحَ لك بإقصائي عن المَشْهدِ الثقافيِّ ــ مثلما فعل واضعوا انطولوجيا شعراء البصرة حين قاربوا الخطيئةَ بسببِ إغواء عاهرةٍ ــ الذي وجدتَ لك فيه موقعاً رسمياً ، كبَرَكةٍ مِن بركاتِ حكومةِ الاحتلال .. واعلم أنَّ الحياةَ أرحبُ مِن أحقادِك وأحقادِ الآخرين .. واعلمْ أيضاً فأنا لا ندَّ لي .. فلا تجعلْ مِن نفسكَ خصماً أو ندّاً .
**
قال المنفيُّ في لحظةِ حزنٍ شفيفةٍ :
هذي العيونُ خُلِقتْ لرؤيةِ الجمالِ فمَن أين نأتي جمالاً ليرى العيونَ.
**
وأتعجّبُ مِن هذا " الهمّامِ " الذي أوغرَ صدرَك كيف استطاع أنْ يستغفلَكَ وأنتَ ترى في نفسِكَ " كِبراً " وأسألُهُ : لماذا وأنا لم أضمر لك أو لغيرِكَ غيرَ الودِّ ولم أسلكْ إليكَ غيرَ سبيلِ المحبةِ ومعكَ فعلتُ خيراً كثيراً ، فأيّ جحودٍ كنتَ عليهِ .. سامحك الله ؟!
**
قال المنفيُّ في خاتمةِ الرحلةِ:
لا تتركْ باباً موصدةً فكلُّ الأسرارِ التي كانت تتسترُ وراءَ الأبوابِ أسلمتْها للرائي الرؤيا.
**
وصيةٌ أخيرة إلى حكيمٍ مفترضٍ يعيشُ على أرضِ العراق:
اجتثوا ذاكرةَ الكراهيةِ لكي يصفوَ هواؤكم .
***



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوركي أرض آشور رواية
- رقصة التماثيل رواية
- مِن المَتْنِ إلى الهامشِ - 3 -
- مِن المتن إلى الهامش ( 2 )
- الجائزة
- في المدينة
- طائر الأنين
- تلك البلاد التي خذلناها
- شهادة روائية السردية في الرواية الشعرية
- قمّة النسور
- كُنّا عَلى وَشَكِ اللقَاء
- هوركي
- الملكةُ بكلِّ أُبهتها
- سلّةُ الحكايا
- عشقٌ اُسطوريٌّ
- الفراشة والجياد
- لا تغلقْ بوجهِ الريحِ باباً 2
- ساحة الشعراء
- لا تغلقْ بوجهِ الريحِ باباً 1
- مِن المتن إلى الهامش


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - ذاكرة الكراهية