أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سهير فوزات - المُسقّف العربي وذو اللحية الزرقاء














المزيد.....

المُسقّف العربي وذو اللحية الزرقاء


سهير فوزات

الحوار المتمدن-العدد: 4442 - 2014 / 5 / 3 - 09:36
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


سأستخدم كلمة مثقف كما تُلفظ ببعض اللهجات العامية : مُسقف والكلمة هنا مشتقة من السقف (وهي مستخدمة للتندر من المثقف المتبجح).
الشخص المُسقف هو شخص الذي وصل في مرحلة ما من حياته إلى قناعات وأفكار ثابتة وصار يحتمي بها من شمس الانفتاح و مطر الحرية و ثلج الشك. وصار يقرأ ويلتهم المعرفة دون أن يهضمها أو ينمي صرح معتقداته وأفكاره في الحياة .
هو كل شخص توجد دوما خطوط حمراء - داخل عقله أو خارجه - لتلقّيه أو إنتاجه .
هو كل شخص يستطيع حين تكلمه أن يفتح صندوق التنظير ويريك مباهج الأفكار , بينما في بيته و حيّه وعمله أو منصبه هو كائن آخر. هو الذي يبني( ثقافة عرجاء) على حد تعبير غادة السمان , في مجال أو أكثر من مجالات الحياة وحين تواجهه بسؤال بسيط خارج خطوطه يتلعثم ولا يجرؤ على الاعتراف بقصور معرفته.
والفرق بين المثقف والمسقف كالفرق بين قائد الحروب في العصور القديمة و في يومنا هذا , فالأول كان يسير في مقدمة جيوشه يعرض حياته للخطر يحصل احترام عدوه كما مرؤوسيه. يعيش حرب الطموح مع جنوده بكل ألمها ومخاطرها وتفاصيلها ثم خساراتها أو انتصاراتها. أما الثاني فيدير الحروب ويخطط لها من غرفة في قصره يحصي الأرواح بالأرقام يريق دماء جنده حسب حسابه السياسي . في لحظة الخسارة يفر بعيداً ,وفي حال الفوز يجمع الغنائم ويديرها.
كان المسقف العربي في العقود الماضية هو الأكثر انتشاراً وربما أنه كنا نبرر هذا الانتشار بسبب ذي اللحية الزرقاء وهو ملك في الحكاية, كان يتزوج من امرأة ثم يسمع الناس بعد فترة عن اختفائها ,إلى أن تزوج امرأة ذكية ومن أسرة قوية ,تستخدم الفيس بوك بمهارة وتتابعها أسرة حقوق الإنسان والفضائيات الفضولية, وكشفت القصة بأكملها: كان الملك يعطي لزوجته الجديدة كل مفاتيح قصره ويسمح لها بالتجول في كل ميادينه. إلا غرفة واحدة يحذرها بعنف من الاقتراب منها أو فتحها ,لكنها بدافع الفضول الفطري للمعرفة, أو ما يسمى ( الممنوع المرغوب) , تتوجه إلى الغرفة المحرمة غرفة الحقيقة حيث تجد في الداخل كل قبح هذا المستبد وعيوبه , دماء زوجاته ,جلودهن المعلقة, وسائل التعذيب ,وربما نفائس احتكرها...
دوماً كانت غرفة السياسة والحقيقة محرمة. وكان ذو اللحية الزرقاء على امتداد الوطن الكبير يسمح بفتح كل غرف الثقافة لدرجة التبجح أحيانا بالديمقراطية والحرية, إلا هذه الغرفة .وكان المسقف يعيش دور الزوجة الحريصة على حياتها , الزوجة المطيعة, ويتمسك بلقبه أحيانا من باب ال(بريستيج )التباهي بالثقافة وأحيانا من باب الاضطرار لإسباغ معنى للوجود القسري وتجنب الاختناق .
وكان طبعاً مفوضاً بالمنابر الثقافية والمناصب الشرفية , أو لاهثا لها , بينما كان مصير المثقف إما السجن أو النفي أو العزلة الاجتماعية والتهميش الثقافي والتكفير والتخوين..و...و...
وحين تضيق الدوائر يصبح هذا المسقف نفسه ذا اللحية الزرقاء , على مستوى زوجته وأولاده وأخواته و بناته وكل من هو تحت سلطته بشكل أو آخر...فنراه مثلا يرفع كتاب ثقافة جنسية من بين يدي ابنه الشاب .أو يربي ابنته على أن تكون الزوجة المطيعة للذكر القادم بينما هو يدعو للحرية واستقلالية الفرد .أو ينظّر للحق ويمارس سراً كل أنواع الفساد ملوناً سلوكه بالمبررات المناسبة.
وأما الحوارات بين مُسقفَين تكون إما مجاملة وتملق أو كحوار الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة .شخصان صاحبا فكرة ثابتة يصرخان .لا أحد منهما يسمع الآخر. والمشاهد يحاول جمع الزبدة , التي لا تكون عادة إلا في مقدمة البرنامج الموضوعة من قبل المقدم قبل بداية الحوار-الصراخ.
هذه الحالة شوهت فكرة جيل الشباب عن الثقافة , وصارت كلمة مثقف عند الكثيرين مذمة ومدعاة نفور, فأصبحت مرادفة للوعظ والتنظير والقدرة على تبرير الأفعال مهما كانت مشينة أو مخالفة للمنطق , وعلى الكلام دون الفعل , وحتى عن الغرور والتزمت المطلق بالرأي والتعالي في التعامل مع الآخرين .وكذلك كلمة النخبة التي صارت تعني تحديدا التعالي على الآخرين والانفصال عنهم.
كما انفصل الإبداع عن الثقافة واختلط وصار المسقفون ينعتون بعضهم من باب المجاملة والتمجيد بصفة مبدع , والمبدع في الأصل هو الشخص الذي بعد فتح باب الغرفة المحرمة يرشد الآخرين إلى منبع النور ويشير إلى الجمال وإلى الجانب الخفي من الأمور, غير آبه بالسجن أو القمع أو التهميش الاجتماعي وأحيانا يُتهم بالخلل النفسي لاختلافه عن( النمط )المقبول اجتماعياً, لا ينتظر مكتسبات لحظية مدفوعا فقط بعشقه للحقيقة وكسر المألوف , مع العلم أن المثقف قد يكون مبدعا وقد لا يكون . ولكل مكانته.
أما المسقف فهو حتماً ليس بمبدع لأنه خارج الغرفة أصلاً . وكان المسقف يتماهى في وهم الإبداع لمجرد أنه كتب نصاً ونال عليه جوائز بطريقة أو أخرى. أو لمجرد أنه حقق إنجازا ً ثقافياً في جزء منفصل عن حياته وسلوكه اليومي.
والآن في زمن الثورات العربية , في زمن الشباب الجديد الذي منه مسقف ومثقف ومبدع ناشئون , و المليء بحب الحياة والوطن والحرية, نسمع صرخات من هنا وهناك تنادي المسقفين إلى الانضمام للركب , دعوات لالتحام النخبة بجيل الثورة , يرنّ السؤال: هل يمكن لشخص عاش عمره وآلف حياته مع نمط الزوجة المطيعة أن يتحول فجأة إلى المتمردة. وهل الثورة التي حطمت الديكتاتور السياسي ستمسّ الديكتاتور الديني والاجتماعي . وهل آن للمثقف والمبدع أن يستعيدا مكانتهما القيادية ويعيدا للثقافة والإبداع مضمونهما؟
أخيراً... كثيرون هم من سيقرؤون الكلام ويقولون : لست أنا المقصود-ة منه, أنا بالضبط أعنيهم.
لا بد أن هناك من قال : هل الكلام يقصدني؟؟؟؟؟
هذا هو الشخص القادر على مواجهة سؤال الثقافة الصعب عند كل مفتاح لغرفة من غرف ذي اللحية الزرقاء المحرمة.



#سهير_فوزات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هو إلا بعض الخدر
- قبل الطلقة الأخيرة
- قليل من الوقت الإضافي
- الحب... وفخ العيش المشترك
- بحيرة الحقيقة
- قصة لن تنتهي
- قيس وليلى...والذئب


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سهير فوزات - المُسقّف العربي وذو اللحية الزرقاء