أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - الواقع بلغة الشعر تحبكه -أمينة الزعري















المزيد.....

الواقع بلغة الشعر تحبكه -أمينة الزعري


محمد هالي

الحوار المتمدن-العدد: 4442 - 2014 / 5 / 3 - 08:37
المحور: الادب والفن
    


إن الشعر يحمل لغة الذهن، و يسبح بك في فضاءات تتشابك خيوطها، نتيجة الصور التي يقدمها لك عن طريق اللغة، كخطاب يوجهك إلى اصطياد المعنى من كتابة الشاعر، انه لغة الفن الذي يترك لك هامش القراءة و التأويل التي تقدمه لك القصيدة كقارئ لها، و كثيرا قد تصطاد ما يريد الشاعر قوله، من خلال تحويل القصيدة إلى نثر، من هنا تفرض إعجابك عن طريق التلاعب بغموض القصيدة، و تبحث عن الوضوح من خلال هذا النقل من ضبابية القصيدة و غموضها كلغة للشعر إلى وضوحها، أو ما تعتقد أنه وضوح من خلال لغة النثر، و كثيرا ما يعفيك بعض الشعراء من هذا التخبط من عدم الفهم ، فتبشر القصيدة بالوضوح من خلال ما تم نسجه من خلال ترابط الكلمات خصوصا القصائد التي ترتبط بما هو واقعي و لعل هذا ما ينطبق على قصيدة أميتة الزعري" لا شيء مثلك .. لا شيء .."
فرؤية القصيدة في شموليتها تجدها تقدم صورا من الواقع المعاش، بل أكثر من هذا تبرز لغة القصيدة معنى الحياة التي عشناها في الأحياء الشعبية ، كظواهر تتلكأ بطرقها الخاصة لتصف بلغة الشعر وجود بشر صنعهم الحرمان ليثبتوا بأنهم ما زالوا أحياء في هذا الوجود، بهذا المعنى تتطلع بداية القصيدة و نهايتها بنوع من التميز:
"لاشيء مثلك.. لاشيء.."

أو لنفترض أننا كذلك، لأن لغة الشعر من طبيعتها لا تتميز بالمباشرة، لهذا فهي تترك للتأويل فرصة، من أجل اصطياد المعنى الذي يريد البوح به صاحب الصورة الشعرية المبتغاة، من هنا قد تكون اللازمة تميزا أو تماثلا أو أقل من هذا بكثير،، ليكن هذا التميز أو الانحطاط أو التماثل...فإن علو التخيل و دقة الوصف تبين أن الزعري بارعة في نقل ما هو واقعي بلغة الشعر،
"أسى الأمهات
الجارة العانس
الشبابيك الموشوشة
الأرجل المتكئة على الحيطان
الشاي على أرصفة الطريق
فنجان القهوة المثخن بالأسرار
أناشيد الشحاذين
إنها حياة تترنح في أمكنة البؤس المختلفة، تعبر عن أناس يتعايشون في أحياء شعبية بصور مختلفة، تقحمك في أزقة و أمكنة تتقاطع فيها ظواهر تتعايش من أجل أن تستمر الحياة،
" أسى الأمهات" من الآتي الغامض المثقل بالمجهول ، البطالة، و التشرد، و التأسف على ماض لم يصنعوه، إنها سمة الحياة المتأسفة لما هو حادث، و سيحدث، و ما سيترتب عن هذا، من معاناة و ثرثرة " الجارة العانس"، التي افتقدت كل شيء، إلا شيء واحد سوى المعاناة التي تتفجر .،و هي محاطة بصور معاشة يوميا ك" الشبابيك الموشوشة
الأرجل المتكئة على الحيطان
الشاي على أرصفة الطريق"
فكل مقطع يحيل إلى ظاهرة متفردة في واقع محاط بأسئلة كثيرة و هو منعزل و متصل في آن واحد
"فنجان القهوة المثخن بالأسرار"
أناشيد الشحاذين"
فالأسماء و الألقاب و الصور و المعاني تترابط و تتداخل في أمكنة البؤس و الحرمان هذه.
لنأخذ الكلمات من المقطع و نتأمل بتخيلنا ما هو مرئي ثم نحكم:
" الأمهات .. العانس..الشحاذون ..."
و يظهر الترابط القوي بين هذه المكونات في الحاضر هنا من خلال الأمهات بالجارة العانس،.الأرجل المتكئة على الحيطان،.الشاي على أرصفة الطريق،. القهوة المتخن بالأسرار،.أناشيد الشحاذين .. الوصف هنا دقيق ندفعك الكلمة الأولى لتصادفك كلمة القرب لتكتمل الصورة لكي تشركك في هذا الوجود المثقل بالهموم و المشاكل التي لا تنقطع لتكتمل الصورة أكثر بكونك أنت المقحم في هذه الصور المختلفة لكونك :، "لاشيء مثلك.. لاشيء.." و اللازمة هنا قد تعني تفرد الظاهرة من جهة، و قد تعني حضورك كجزء من هذه المعاناة، إذن أنت و الواقع و ظواهره في صلب هذا التماثل.
خارج هذا البؤس المنحط تواصل الزعري سردها للأصل المؤثر في الظواهر المعممة في كل حي شعبي متواضع لتدخلك إلى عالم السلطة، و الحكم ، عالم لعب الأدوار المقنعة، عالم الإيديولوجيا، و التلاعب بالإلهاء، و خنق الأفواه، لتبقى الصور السابقة مستمرة في الوجود بلغة أقل تكلفة لكي يبقى المعنى يسبح في مغنى المعاناة بدون مقاومة، لنقرأ المقطع كاملا لكي تكتمل الصورة،
المطر بالصلاة
مآذن أخطأها الوحي
خلافة آله خلافة آلهة الغضب
التنوير بالظلام
لغة الألقاب
حاكم المدينة
العسكري
الرسائل المفتوحة
لاشيء مثلك.. لاشيء
نجد في كل مقطع من هذه المقاطع صورا تفتحك للبوح عن ما هو مستور في القصيدة ككل، في أمكنة البؤس السابقة نجد في فلكها حلولا لمشاكل عالقة في ذهنية الكادح ك" المطر بالصلاة" في حين أن خاصية ظواهر الطبيعة حلت علميا بطرق حسابية، و تنبؤات تحولت إلى حقائق تقاس بها سرعة الرياح، و مقدار الأمطار المتساقطة، إلى غير ذلك من الحلول التي قدمها لنا العلم المعاصر، لكن لازلنا في أمكنة البؤس، و الفقر، و الجهل نعاني من سح التفسير المنطقي، فتعلو الصور الذهنية البسيطة، لتربط سقوط المطر بظواهر الغيب لأن نذر المياه أو كثرته، يتجه صوب الميتافيزيقا و التعالي عن الواقع، فالجفاف و المطر لا يمكن التحكم فيهما. فيضطرب الموقف فتتجه الرؤى لمسح الأزمات المترتبة عن الطبيعة، إلى خارج التسيير البشري و يتحمل الغيب مسؤولية البؤس الحاصل في هذه الأزقة المذكورة في بداية القصيدة، و كل صورة تحيلك إلى صور أعقد من الأخرى "مآذن أخطأها الوحي" ليظهر البعد الديني هنا ليتلاحق و يؤذن بطبيعة السلطة المستمدة قوتها منه " خلافة آلهة الغضب" إنها سلطة القسوة "الغضب" تتأرجح بين مبررات الأصالة لتقطف منها طبيعة الحكم و السلطة، و تضفي عليها خاصية الحكم المطلق، باسم السيادة بلغة الاستبداد، كما فهمه الكواكبي في كتابه"طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد" فالديني هنا يخدم الأصيل، لأنه يسمح له بديمومة الحكم المطلق و حتى إن انفتح على الآخر على معاني الديمقراطية، و حقوق الإنسان، فهو يقطف من التنوير ما يشبع ظلامه.
"التنوير بالظلام" فتستمر لغة الألقاب إلى ما لا نهاية، حتى لا تمحى سلالة الحاكم في بلداننا العربية، فتتسع دائرة السلطة، و تتجلى في كل مناحي البلد بلغة الزعري "حاكم المدينة" و بطريقة "العسكري" الحامي للسيادة النابعة من سلالة الظلام ، لتقطف من التنوير ما يخدم ديمومة الحكم، و الاستبداد فيه، و بهذا المعنى فطبيعة الحكم تنطبق عليه اللازمة" لاشيء مثلك.. لاشيء"،
و في خضم هذه المشاكل المستعصية عن الحل مابين هموم الشعب في أحياءها البئيسة،ترجع بنا الزعري إلى المنطلق، حينما تتجه لوصف الأطفال باعتبارهم الأمل و المستقبل.مادام الكبار في حلم التأني و الانتظار بحكم الغشاوة المتسلطة عليهم بلغة الإيمان بالغيب أثناء كشف الحلول، نجد الصغار الأطفال يختلفون عنهم نتيجة الحيوية التي يتمتعون بها فيخلقون من عالمهم البسيط فرجة ابتكروها ليستمروا في الوجود، و يظهر هذا في المقطع الأخير من القصيدة:
" الأحذية المنشورة على السلك الكهربائي
والكرة المصنوعة بالأقمشة البالية
اللعبة القصبية
الأطفال والشوارع
المارون على وقع العائدين
والعائدون بحلم الغائبين
الدين والمدرسة
تحية العلم الحزين
لاشيء مثلك.. لاشيء.."
فالحرمان من وسائل اللعب، يعوضها الأطفال بصناعة لعبهم ، و بهذا يقتنصون من عالمهم البسيط المثقل بالمتافيزيقا و هموم الكبار و سائلهم الخاصة، محاولين بذلك الخروج من طبيعة التسلط فهم بذلك يفرغون ما هو مقموع بداخلهم، إنهم يعملون على خلق عالم الإفراغ، عن طريق فضاء الإلهاء و ذلك قصد الخروج من هم لم يكونوا صانعيه،، عليهم أن يخرجوا من عالم الحرمان إلى عالم الابتكار، فتنطبق عليهم مقولة" الحاجة أم الاختراع " و حاجتهم الوحيدة في غمرة المشاكل المتفاقمة سوى اللهو فكان عليهم أن يظهروا اختراعهم للعلن"

"الأحذية المنشورة على السلك الكهربائي
والكرة المصنوعة بالأقمشة البالية
اللعبة القصبية"
لكن هناك ظواهر أعقد من خاصية اللهو بل هناك من لم يجد حتى من يحتضنه" الأطفال والشوارع"، و في هذا الواقع المر التي تثيره قصيدة الزعري لم تكن الشوارع سوى أرقة ضيقة، و إذا سبحنا في التأويل، نقول أطفال الشوارع، و ما تحمله الجملة من بؤس، و تشرد، و حرمان بدلالات عميقة يغيب فيها الحنان و التعاطف الأسري ...
و هذه الصور تتناسل مع تاريخ البؤس المتواصل و الغير المنقطع و توضحه المقاطع الأخيرة من القصيدة
"المارون على وقع العائدين
والعائدون بحلم الغائبين"
لتكسو هذه الحلة ما علق في ذهن هذا الطفل من هشاشة البيداغوجيا المتبعة في المدارس التي تتقاطع بين الأصيل الإيماني و المعاصر العلمي فيذوب العلم في اللاهوت، و تختلط الرؤى بين المنطق و اللامنطق، بين حب الوطن و الدين، و ما بين الطقوس و حب الوطن يجهل الطفل العلم، و يريد أن يبحث عنه في جبة الحلاج
"الدين والمدرسة
تحية العلم الحزين
لاشيء مثلك.. لاشيء"
و من كل هذا أن هذه الوقائع تسقطنا في اللازمة بدلالاتها التأويلية الواسعة مرة أخرى و هي خير الختام:
"لاشيء مثلك.. لاشيء"
و ما يطمح إليه الإنسان المقهور، هو أن يصير مثل كل الناس، ليتماثل هو مع ذاته، يتجاوزها، ليصبح جزءا من الآخر، ينعم بما ينعم به غيره، لتنقلب اللازمة "أنا مثلك ..أنا مثلك ..أجد قوتك في احترامي، و ما دمت كذلك، فأنا لا أفكر بأن أكون أقوى منك، و لا أكثر منك، ، لأنك تتماثل معي في صورة واحدة قد تكون بلفة أفصح هي الإنسان...؟"



#محمد_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في زمن تحول الموت إلى فرجة ممتعة
- غدا ستحل ذكرى 25 يناير
- يجب ألا تستمر الحكمة:-أكلت كما أكل الثور الأبيض-
- في عهد تحطيم المسلمات (2)
- في عهد تحطيم المسلمات
- حبكة الصراخ بلغة الكف في شاعرية الزعري
- محنة السؤال بين الفهم و الجنون
- نصائح مغفل لمغفل حتى تنتهي الغفلة بتاتا
- عالمكم و عالمنا ؟ !
- حمان و المسألة التعليمية
- الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية (2)
- بوح امرأة (7)
- الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية
- بوح امرأة (6)
- بوح امرأة (5)
- بوح امرأة (4)
- عمق الإبهامات لكي لا تكون ألغازا
- إبهامات لفقرات متقطعة (10)
- بوح امرأة (3)
- ابهامات لفقرات متقطعة (9)


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - الواقع بلغة الشعر تحبكه -أمينة الزعري