أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهدة جابر جاسم - كابوس















المزيد.....

كابوس


ناهدة جابر جاسم
(Nahda Jaber Jassem)


الحوار المتمدن-العدد: 4441 - 2014 / 5 / 2 - 00:05
المحور: الادب والفن
    


كابوس
نهضت من نومي مبكرة كعادتي. ضغطت على زر مفتاح كومبيوتري الصغير لكي أبدأ يومي بسماع صوت فيروز العذب. عادة أدمنت عليها منذ سبعينيات القرن الماضي حينما كنت طالبة في ثانوية البنات المركزية في مدينتي الصحراوية التي أعشق.
صوت فيروز يجعلني أبدأ يومي كفراشة تريد أن تمنح الحياة لكل من حولها، أطربني صوتها:
من زمان وأنا زغيرة
كان في صبي يجي من الأحراش
ألعب أنا وياه
كان أسمه شادي
ولكن صبي عمري كان يحمل كل الأسماء!.
على تلك الأنغام دخلت المطبخ لكي أجهز قهوة الصباح وأنا أدخل خريف عمر قصة عشقي للحياة والإنسان، بعد ما أخذت دشا باردا أزاح معاناة جسدي وروحي اللذين ابتليا ببرودة وكأبة المنفى.
* * *
حينما التقيتُ به في زحمة الحياة وخوف البنات من إعلان حبّهنَ، سٍألني عن تاريخ ميلادي، أجبته:
- لا أعرف، فقد ولدت منذ عشر ثوانٍ، في اللحظة التي رأيتك فيها، لحظة الانفجار الأول وخلق الكون. يا حبيبي كن على يقين أنني ولدت حين وقعت عيناي في عينيك اللتين صارتا بحراً لي أنا فقط.
قال:
طيب يا صبيتي أريدك رفيقة لعمري وروحي المبعثرة وذهني الداعر وقلبي الذي خاب من يقين اسمه الحب وتعب من فقد الأحباب.
أجابته عيناي اللتين تدلهتا برقة عينيه، وقلبي الغض وروحي الطفلة بالتجربة والحب:
قبلت بك وأريدك كما أنت عاريا وبدون رتوش، فأنا صبية حالمة بحياة تشبه حياة الطيور، طيور أبي الحبيب الذي كنت أعتني بها. الطيور محبة للنور ونهار الشمس، وعاشقة لعشها الذي تعود إليه مع أولى خيوط الظلام.
أحسست بعينيه، كانت معي ولي، فشممته واحتضنته وعبقتني رائحته التي بتُ أشمها أينما حللت.
* * *
كان مرتبكاً، خائفاً، قلقاً، متأملاً، حائراً، مترددا، غير واثقٍ، خاسراً الكثير ولكني أيقنت أنه كان عاشقاً يبحث عن حبيبة ورفيقة عمر تحتويه كله، بخساراته وذنوبه ودعره!.
أربكني أنا الصبية التي تبحث في قيظ بلدي الحار وشمسه المحرقة عن نبع يرويها.
كنتُ مهرة جامحة تصهل في الحقول والآفاق وفضاء الإنسان ولا تحدها حدود. رقصت وطربت روحي التي من لحظتها أبحرت في سبعة محيطات وتسلقت جبال الهم والحياة، حلقتُ سماوات الغرام والحبيب المستحيلة.
حاورت نفسي وقلت لها:
هذا هو ضالتي التي أضناني البحث عنه في قصص وروايات العشق والحب وحديث الصبايا الخائبات.
نادت عيناي قبل جسدي الغض كي يأتي ويغفو في حضني الدافئ. ومن لحظتها أقسمت مع نفسي:
سأحارب كل العادات والتقاليد، لا بل الكون وما يحتويه من ممنوعات فقد كنت أشعر بانتصار وسعادة لا يفهمها الفرد والمجتمع العراقي، ماذا يعني لصبية في عمر الـ 18 ربيع العثور على مكمل لروحها المتمردة والجامحة الفتية، الحالمة بحبيبٍ مطلقٍ، مثل طيرة ملكت السماء أمعنتُ في كسر جدران الممنوعات كلها، العادات والتقاليد، العائلة والمحيط، وقيم مجتمعٍ بت أحتقر تقاليده.
* * *
لا وطن، لا أهل، لا أولاد، ولا حبيب، كيانات أفنيت عمري من أجلهم!.
فجيعتي الكبرى كانت بحبيب العمر والتجربة. فقد عشت واثقة بأن لم تولد بعد حواء غيري تسبح في بحر عينيه.
كان وهما عشت معه سنين عمري الذي ضاع بين المنافي.
ضاقت بنا السبل، ولم نجد حلاً وسيطا يجعل حياتنا المشتركة معقولة، لم أجد حلاً يوفق بين حلمي به حبيبا وواقعه المبعثر فهو مزاجي وسكير ويعيش لحظته بكل عنفوانها دون مراعاة لمشاعري في الكثير من المواقف، فقررتُ وعلى سبيل التجربة الانفصال المؤقت، بالانتقال للعيش في سكنٍ مستقل على أن نبقى أصدقاء بما لدينا من تاريخ مشترك طويل وثلاث ثمرات هم أولادنا.
* * *
فتحت بريدي الالكتروني وفي قلبي أمنية؛ أن أجد كلمة حب أو سؤال عن حالي وما جرى لي، لكنني فوجئت برسالة معممة إلى جميع الأصدقاء والصديقات عنونها "سرقة عنواني". كان ذلك في شهر تشرين الأول 2009.
كان صديقا للآخرين ولكنه مختلف بالنسبة لي. كان حبيب صبا ورفيق تجربة وشريك حياة. حزنتُ وأدخل عنوان رسالته الالكترونية الأسى إلى روحي. كتبت له متعاطفة مع المصيبة التي حلت به فذلك يعني سرقة كل الأسرار في زمن العولمة والعلاقات الافتراضية، هذا الزمن الذي خرب الذوق النفوس. وكعادته رد علي بالبوح لي بأسراره وهو يؤكد لي عذاب ألم وحدته وسرد قصة سرقة عنوانه البريدي!
- تصوري يا صديقتي ..أنا السارق الأكبر والمتفنن بالسرقة، من فتح رسائل رفيقة شككت بخيانتها لزوجها، التلصص على بنات الجيران، زوجات جيراني وهن يضاجعن حينما كنت صبيا محروما، لم أشم رائحة الأنثى بعد، إلى سرقة الكتب من المكتبات. أنا السارق بامتياز أسرار الناس... يسرقونني!.
- من سرق عنوانك؟
- حواء ! سيدة أو امرأة سمِها ما شئتِ يا صديقتي هي من سرقت عنواني
- كيف؟
- من سرقت عنواني، تظن أني سرقت حياتها وظلمتها، وتتهمني بسرقة لهفتها في حب الحياة جاعلا منها إنسانه واهمة ومصدقة لكل كلمة ناعمة أقولها.
هي من أوهمتها أنها حبيبة العمر. هي من جعلتها تتحمل كل مصاعب المنفى على وهم حبي المطلق لها. هي التي تسامحني وتمنحني كلها حينما أكيل لها كلمات المحبة والعشق مخففا من وقع إساءتي لها حين أكون مخمورا. هي التي تعتقد أنها المرأة القوية الواثقة من نفسها والتي أوصلتها إلى حافة الجنون، أنثى ظنت أنها الوحيدة التي أدخلتني غوايتها، هي من سرقة عنواني.
صَمَتُّ وذهلت من المصيبة التي حلت بصديق العمر وحزنت لأجله!. سألته:
- كيف يا صديقي نوّرني، أي لغز هذا؟!.
هل هو يهذي؟ هل هو مخمور؟ أسئلة جالت في رأسي وهو مستمر بسرد الكارثة التي حلت به
- القصة وما بها يا صديقتي أنها خمنت الرمز السري فدخلت وغيرته حينما راودتها شكوك، وهي تلاحظ طرب
مزاجي وتبدل طباعي في فترة إعيائها الجسدي، لم تعد ممتعة فقد أصابتها الكآبة، لم تعد ترقص معي، وجسدها صار عالة عليها عقب عمليتين في عمودها الفقري، عادت ضعيفة ولا أنسى أبدا التساؤل الذي كان في عينيها الحزينتين المتوسلتين بيَّ ما دمت حيا، لكني كنت تعبت وأمسيت غريبا عنها، ويئست من عودتها إلى سابق وضعها حينما كانت غزالة تمرح بيومي كما عودتني. كانت شعلة نار وكتلة حيوية قوية الروح صلبة الإرادة وكنت طفلها المدلل.
فاجعتها كانت يا صديقتي لحظة اكتشافها عبثي بحياتها، بعمرها حينما عثرت على ما خطته أناملي في جنون لحظتي في رسالة كنت أغازل فيها امرأة لم أتيقن من صدق مشاعرها ومحبتها لي فقد كانت متزوجة وتكتب لي عن ولدها حين تمنحه دفئا وهي تفكر في عشيق مستحيل، وأخرى صبية في الحب والحياة تبحثُ باحثة عن أب ضاع في زنازين الدكتاتور، صبية حائرة في الاختيار بيني وبين آخر يملك محل لبيع البتزا، أنا الذي لا أملك سوى روحي المبعثرة وبحر كلماتي التي أجعل منها شاطئ ترسو به قلوب أقسى نساء الكون!. أسفي عليها صبيتي الواهمة التي كانت تظن أنها عثرت على من يعوضها حنان الأب!.
- صديقتي أتعرفين أين يكمن عذابي؟!.
قلت له على الفور متشوقة:
- أين؟!.
- يكمن فيها لم تشعر أو تفهم مدى حساسيتي التي لم أعلن عنها وقت وقوتها وعافيتها لم أعلن فحسب بل كنت أوهمها بقوتي وعنفواني، أنا المرهف الضعيف الذي يبكيني أابسط مشهد حياتي أو سينمائي درامي.
قلت مع نفسي:
- أنه يهذي بالتأكيد، فنحن انفصلنا منذ أكثر من ثلاث سنوات، اعرفه من صوته أن كان صاحٍ أم سكران.
***
يا إلهي.. أي امتحان وضعتني فيه، أي امتحان؟!.
أنا المسالمة التي كنت أعيش على يقين حبه!.
داخلني الشك وأنا عدت شبه مقعدة. كان رائق المزاج يغني غير عابئ بألمي، ويختل في الغرفة الأخرى قافلاً الباب، كان يخرج منها في كل مرة متألقا لامع العينين وكأنه في أيام علاقتنا الأولى، في لحظة قررت معرفة سر بهجته في تردي وضعي، فدخلت على أيمله وضغطت على حقل نسيت كلمة السر فعاد إلى الأسئلة التي يتوجب على الإجابة عليها والمسجلة لديهم، ورأيت الأسئلة ولما كنت أعرفه باطنا وظاهرا تطابقت إجاباتي مع إجاباته وانفتحت أبواب جهنم عليّ. جهنم كلماته وهو يراسل حواء مسكينة كحالي موهمة بالحب والخلاص من حياة شبيهة بحياتي في بؤسها. رسائل تدعوه فيها إلى زيارتها في بيروت وهي لا تدري أي جحيم ينتظرها، وهي المتزوجة التي تمارس الخيانة مثل زوجي.
( أهلاً بك يا…
الطرقات مفتوحة ، وشوارع بيروت جميلة
في انتظارك )
وهو يرد عليها :
-;-) الحميمة ...
أسعدني ردك السريع
أغبطك من القلب وأنت تتسكعين في بيروت
روحي معك تتسكع أيضا سترشقك أنفاسي التي تدور في الأمكنة معك الآن
لا أستطيع بسبب وضعي الخاص هذه الأيام
روحي معك في بيروت تحرضني على الحلم
تسعدني كلماتك يا حبيبتي
وأنا ظلك العابث المجنون ).
* * *
ارتشفت كأس Gammel danskالدنمركي بدل فنجان قهوتي المرة المعتادة، لم يحدثني ولم يفض لي بالحقيقة كما سردته، لكن تخيلت القصة من رسائله، وقلت مع نفسي:
- اسكري يا روحي!.
فارتفعت روحي بأجنحة الخمر محلقة في نهار خسارتي، فأفضت بيّ إلى مكان غريب سمعتُ فيه نواح طفلٍ يتيمٍ مهجورٍ وفي يده قطعة خبز يابس وسؤال!.
11-11-2009



#ناهدة_جابر_جاسم (هاشتاغ)       Nahda_Jaber_Jassem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحظة شجن
- سماء بلا حروف
- - الحسن بن هانئ- المعروف بأبي نواس
- قصائد الى مجهول
- لقاء صحفي
- سيرة شخصية - الفصل الثاني
- سيرة شخصية
- قصائد
- حمامة زاجل
- المحبة
- صدفة أحنُ إليها
- وداعاً ابنتي
- السعادة في -حديقة أبيقور- إشباع للرغبات وموت لايخيف
- ذات صباح غائم
- رجال كالسمِ- قصة قصيرة
- ثلاثية -متاهة أدم-، متاهة حواء- ، متاهة قابيل-، للروائي العر ...
- تصوير تسجيلي لجحيم حقيقي
- الأرملة
- المرأة والتحرش الجنسي
- القديسة والشيطان


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهدة جابر جاسم - كابوس