أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - حكاية مُحاربٍ سوري (2)















المزيد.....

حكاية مُحاربٍ سوري (2)


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4440 - 2014 / 5 / 1 - 11:35
المحور: الادب والفن
    


الرصاص المنهمر من كل حدب وصوب لم يترك أي مجال للمجموعة كي تتحرك خطوة واحدة بعيداً عن المكان المحاصرة فيه.. طلبات الدعم والمؤازرة لم تجد نفعاً حتى الآن والأمور تتجه نحو الأسوأ كما كان يشعر خالد ورفاقه.. أربعة جنود مع الضابط الذي يقودهم لم يستطيعوا فعل أي شيء سوى المقاومة بما تبقى في جعبهم من ذخيرة والمرابطة بانتظار الفرج أو الرحيل بينما يصارعون في ريف درعا مجموعة من حثالات السوريين والعرب الذين أعطوا ظهورهم للإسرائيلي جنوباً فحماها.. وهاهم يجاهدون في سبيل إعلاء راية (الله) الجيش العربي الوحيد الذي لم يوقع سلاماً مع الصهاينة ولم يسمح للقواعد الأمريكية أن تنكح أراضيه كما فعلت دويلات المحميات التي تدعم هذه المجموعات (الجهادية) بالمال والسلاح والإعلام.
شمس الظهيرة الحارقة والغبار الكثيف الناجم عن عمليات إطلاق النار زادا من رغبة الجنود المرهقين في الحصول على كميات أكبر من الماء.. الكمية المتاحة للشرب والموجودة في العلب الصغيرة التي يحملها كل واحد منهم محدودة جداً وهم مدركون لأهمية أن يقتصدوا في شربها فإن طال الحصار المفروض عليهم في هذه البقعة سيموتون عطشاً إن لم يقتلهم الرصاص.
الجندي خالد من محافظة دير الزور أبلى بلاء حسناً وهو يتصدى للهجوم العنيف الذي شنه الهمج على المجموعة.. كان خالد معروفاً بشجاعته وقلبه الجسور وقد زاد إعجاب الضابط المسؤول عن المجموعة بخالد حين استطاع الأخير بذكاء ومهارة قتالية أن يتحين الوقت المناسب فيلقي بقنبلة يدوية وسط خمسة من الرعاع قتلت ثلاثة منهم بلمح البصر وأجهز ببندقيته الكلاشينكوف على الاثنين الباقيين الأمر الذي خفف من هول الحصار الخانق قليلاً واضطر بقية المهاجمين للتراجع إلى خط أبعد.
قال خالد موجهاً كلامه للضابط علي.. مع حلول المساء أريد تغطية أستطيع من خلالها التسلل إلى مكان تجمعهم لأفجر نفسي بهم وفي هذه الأثناء تستطيعون الانسحاب إلى مكان آمن.. كان في جيب الضابط علي القادم من محافظة طرطوس محفظة فيها تبغ بلدي مفروم .. أخرج ورقة ووضع فيها قليلاً من التبغ ثم لفها وراح يقضم أطرافها بأسنانه.. وضع بلسانه عليها بعض اللعاب فاستوت سيجارة شهية ألقى بها صوب خالد ثم قام بلف واحدة أخرى لنفسه وراح ينفث الدخان ناظراً بثبات في عيني الجندي الشجاع دون أن ينطق بكلمة واحدة.
حين شارفت الشمس على المغيب هدأت حدة الرصاص فتوقع الجميع أنها هدنة غير معلنة حتى فجر الغد لكن هذه الهدنة لم تكن توشك على البدء حتى اخترقت رصاصة قناص خوذة المجند خالد قادمة من المجهول مستقرة وسط الدماغ وقد تناثرت بعض قطعه على وجه زميله وائل ابن محافظة السويداء فالتصق مع بقية الرفاق بالأرض غير مصدقين ولا مستوعبين الأمر في البداية.
فارقهم خالد قبل أن يستطيع تحقيق أمنيته.. أجزاء الدماغ المتناثرة في المكان تركت أثراً لا يوصف على المجموعة وخاصة وائل الذي استقرت بعض قطع من دماغ خالد على وجهه.. بقي الجميع منبطحاً وحاول كل فرد أن يتكور على نفسه خلف السواتر بشكل لا يتيح للقناص فرصة أخرى ثم سيتكفل عتم الليل بإخفائهم ومليون ألف فكرة تدور برأس الضابط علي الذي ملؤه القهر والحزن والغضب وعليه أن يكظم ذلك كله كي لا يؤثر على بقية أفراد الفريق بانتظار ما إن كان الدعم سيأتيهم قبل أن يستشهدوا أو لا.


استطاع المجند خضر وهو من مدينة جبلة أن يستقبل على جهاز اللاسلكي مكالمة يجريها أحد الرعاع مع قائده تمكن من خلال الإنصات بتمعن إليها أن يعلم بنية الهمج مهاجمة المجموعة بعد أن يسدل الظلام حجابه وحين أكد ذلك للضابط علي قرر أن ينفذ فكرة خالد بنفسه ليحمي جنوده ويتيح لهم فرصة الانسحاب إلى أقرب منطقة آمنة.. ففرق العدد بينهم وبين الهمج الرعاع ليس في صالحهم وقد بقيوا أربعة بعد استشهاد خالد..
نظر وائل في عيني خضر وعيني إبراهيم ابن محافظة اللاذقية ثم قال لعلي: سيدي.. لن تكون لوحدك ولن ننسحب إلى أي مكان.. إما أن نبقى سوية أو نستشهد سوية.. وإن كنت قادراً على التضحية بنفسك فنحن أيضاً قادرون على ذلك.. لكن الضابط علي لم يسمح لوائل بإكمال حديثه فقاطعه قائلاً: أيها الأحمق.. ما بحوزتنا من قنبال لا يكفي إلا للقيام بعملية واحدة.. ولست متأكداً من نجاحها.. ولا يتعلق الموضوع بثقتي بشجاعتكم.. أنا أعلم أنكم أشجع رجال الأرض وإلا لما كنا هنا.. دعوني أفكر قليلاً وما سأتخذه من أوامر غير قابل للنقاش.
الانفجار الذي هز أرجاء المكان جعلهم يعتقدون أنهم انتقلوا إلى العالم الآخر.. لكن الانفجار الذي تلاه لم يجلب معه ضوء النيران القوية وحسب.. بل ضوء الأمل أيضاً.. كانت دبابة من دبابات الجيش السوري وهي تتقدم تمطر مكان تجمع الهمجيين بقذائفها التي عرفت إحداثيات تواجدهم منذ النهار وما هي إلا دقائق حتى تحولت جثث الخونة القذرة إلا كتل نارية متفحمة .
استطاعت المجموعة أن تسمع عويل من تبقى من الكلاب على قيد الحياة مصاباً بإصابات بالغة فاندفع الضابط علي ورفاقه وائل وخضر وإبراهيم دون أي احتياط أو حذر وأغرقوا من بقي على قيد الحياة بوابل من الرصاص مزق الأجساد العفنة ومرغ اللحى القذرة بالأرض ولولا انتباه قائد الدبابة لاندفاع الجنود في اللحظات الأخيرة لكان حصل خطأ جسيم وقتلوا بالنيران الصديقة..
حين ارتوت أنظارهم بمشهد الجثث والرايات السوداء المحروقة قال الضابط علي.. هذا لأجل روحك يا صديقنا خالد.. نخبك أيها الشهيد الشجاع.. ثم رفع قبضته ورفع رفاقه قبضاتهم في الهواء.. في هذه الأثناء خرج قائد الدبابة ووقف على سطحها وراح يصرخ: (يعني أنا هلق طلعت ابن البطة السودا؟).. لولاي ماذا كنتم فاعلين أيها العساكر.. ضحك علي والرفاق كأنه أول عهدهم بالضحك واندفعوا صوب دبابة الجيش وقائدها ثم قال له وائل بلهجة أهل السويداء.. (ولك أنت الكل بالكل يا سندي)..
لم تنته الحرب.. لكنهم عادوا هذه المرة إلى رفاقهم وبقيت روح خالد إلى جوارهم.. خالد وعشرات الآلاف من جنود الجيش العربي السوري الذين صنعوا بأجسادهم سد سوريا العظيم.. السد الذي وقف بوجه ثورة الهمج الرعاع..



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلوحُ اللاذقية
- نهارٌ جديد
- رحلَ وحيداً
- حِيرَه
- دموعٌ لسببٍ آخر
- من أجل عينيك
- الكنطره بعيده
- كيلو نمورة مَحرّمِة عالمغلوب
- لا شيءَ عِندي كَي أقولهُ
- لغةُ العيون
- أنا سأذكركَ دائماً.. وأنت؟
- حكايةُ محاربٍ سوري (1)
- نادين
- موعدٌ مع امرأتي
- رِيحُ الجُنون
- ازدواجية امرأة
- دربُ الهوى
- الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل
- الثورة الفرنسية السورية العرعورية
- ألف ليلة وليلة


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - حكاية مُحاربٍ سوري (2)