أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوتيار تمر - دلبرين في شهرزاد / عامودا















المزيد.....

دلبرين في شهرزاد / عامودا


جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)


الحوار المتمدن-العدد: 4439 - 2014 / 4 / 30 - 08:37
المحور: الادب والفن
    



خرج دلبرين من بيته في ذلك المساء وهو يركض ليلتحق باقرانه واصدقائه الذين تم ابلاغهم من قبل مدير المدرسة التي يدرسون فيها بانهم مدعون الى مشاهدة فلم في السينما، فكيف يقاوم الاطفال مثل هذه الدعوة لاسيما نحن نتحدث عن مكان ينتشر الفقر فيه بشكل ربما لايخفى على متابع وناظر، ودلبرين كان واحداً من بين خمسمائة طفل اخر الذين ركضوا ووجوههم تحمل تباريج الفرح، والسنتهم تغني وترتل سنذهب الى السينما، وسنشاهد فلم، وكأنهم كانوا مستعجلين بركضهم للذهاب الى قدرهم المجهول بنظرهم وغير المجهول في نظر البعض الاخرين بالاخص القائمين على السينما والواقفين وراءهم.
دلبرين طفل في الثانية عشرة من عمره، بشرته بيضاء تميل الى الاحمر بالاخص عندما تبرز عليه ملامح الخجل..شعره قصير يمزج الاحمر والشقر، نحيل جسده ضعيف جدا بحيث من يراه كان يقول له بان الريح ستكسر قامتك فكان يبتسم في وجوههم ويمضي في طريقه، حمل في ذلك اليوم امانيه بالدخول الى السينما لاول مرة في حياته، فظروفهم المعيشية لاتساعده على شراء بطاقة السينما ومشاهدة الافلام، لاسيما ان والدته ربة بيت دون عمل وهي انسانة تنبعث من وجهها ملامح الصفاء والنقاء، طويلة جميلة وناعمة على الرغم من ان الظروف القاسية التي تعيشها قد خلفت على ملامحها بعض التجاعيد الا انها مع ذلك لم تزل نظرة، ووالده في ربيع عمره، لم يستطع ان ينهي دراسته بعد الزواج حيث ترك دراسته والتحق بحقله، ومن كثرت العمل والجهد الذي يبذله غزا الشيب رأسه، ولان قوت الاهل اهم من المظاهر نراه دائما في الحقل وعلى الرغم من ان ما يجنيه لايكفي سوى لقوتهم اليومي وبعض المصاريف الثانوية والتي لاتتكرر كثيراً مثل شراء بعض حاجيات المدرسة لابنه الوحيد..الا انه ما ان يعود للبيت حتى يبتسم في وجه زوجته وابنه دون ان يظهر لهم ما يعانيه من ألم وتعب جراء العمل اليومي المستمر.
دلبرين في مسائه ذاك كان قد رسم ملامح شهرزاد في مخيلته، لكونه قبلها لم يدخلها وكل ما يعرفه عنها هو انه كان يمر امام بوابتها دون ان يسمح لنفسه حتى بالتفكير يوما بدخولها..وشهرزاد هذه كانت احيانا تعج بالاصوات الا انها كانت اصوات غريبة على دلبرين وعلى الكثيرين ممن خرج في ذلك المساء من الاطفال لكونهم كانوا لايملكون كما قلت سابقا المال ليدخولها.
وصل دلبرين الى الشارع المؤدي للسينما وهو لم يزل يركض..وكأنه لم يكن وحده الراكض حيث وجد الكثيرين قد سبقوه الى شهرزاد..والتقى امام بوابة السينما ببعض اصدقائه الذين يعرفهم وببعض الاخرين الذين لم يكن يعرفهم ولكن ذلك لم يكن مهما طالما ان هدف مجيئهم الى ذلك المكان واحد، كان الظلام قد ادلى بدلوه والسماء قد التقطت تراتيل اهالي المدينة ..وتنتظر ان تهب تلك الارواح الى دورها لتقدم قرابينها من التراتيل الجديدة... الا انها في ذلك المساء كانت على موعد مع تراتيل من صنف اخر، تراتيل ليست بغريبة عليها، لكنها في الوقت نفسه تراتيل تناجيها تارة وتمقتها تارة اخرى..لكونها امتزجت بانين ارواح نظرة لم تعرف معنى الخطيئة بعد.
التمت تلك الجماجم الصغيرة وتلك الاجساد النظرة ..والارواح النقية امام بوابة شهرزاد ونظموا دخلوهم الى القاعة وجلس الاطفال في هدوء تام منتظرين الفلم الذي تم دعوتهم لمشاهدته والتي من المفروض ان يذهب الريع الذي قد يجمع منه الى اطفال اخرين في بلد شقيق انتفض اهله بوجه مغتصبيهم في ثورة عرفت بكثرة شهدائها..ولم يكن احد من هولاء الاطفال ولا ذويهم يعرفون بان القدر يخبئ لهم ما لايتوقعونه.
كان دلبرين من الاوائل الذين دخلوا صالة العرض لهذا كان جالساً في المقدمة، وكأن روحه كانت تشم رائحة غريبة او تشعر بامر غريب لذا كان يلتفت كثيرا للوراء وينظر الى اصدقائه وكأنه في نفسه كان يشعر بفجيعة ما او خوف ما..لهذا لم يستمتع بمشاهدة الفلم الذي اصلا لم يكن فلماً مخصوصاً للاطفال..فهو من عنوانه" جريمة في منتصف الليل" يوحي بالكثير من العنف الذي لايتناسب مع اعمارهم.. ولكنه في الوقت نفسه اسم لواقع اصبحت ملامحه تظهر لاصحاب الاقدار ولن يقف وراء تلك الجدران يترقبون المجهول المعلوم لديهم والمجهول غير المعلوم لدى هولاء الاطفال.
في خضم الاحداث العنيفة ضمن سيناريو الفلم انتقلت شرارة من اللهب الى الشاشة البدائية فالتقطتها وانتشرت النيران بسرعة البرق في الشاشة وفي باق الملحقات التابعة لها، ظن الاطفال بانها من ضمن مشاهد الفلم نفسه، الا انها كانت القدر المجهول الذي اصبح معلوماً من تلك اللحظة حيث التهمت النيران كل شيء فانتشر الدخان في ارجاء الصالة ولانها كانت قد اقفلت باحكام ولاتوجد مخارج مفتوحة فيها فقد التهمت النيران والدخان الارجاء وبدأت بحصد الارواح النظرة وتلك الاجساد النحيلة من سوء التغدية اصلا، ومن الجوع الدائم..بدأ الهلع تراكضت الاقدام مسرعة نحو المخارج وضاع دلبرين الذين كان في المقدمة بين الصدمة التي اصيب بها وبين دهشة الحريق ورعب الصرخات التي اجتاحت كل زاوية من زوايا شهرزاد.. تسابقت النيران نحو الاجساد من الداخل، وتسارعت السنة الدخان من الخارج، وظل القائمين على السينما والقائمين على المدينة من ازلام النظام الحاكم يشاهدون الوضع دون ان تهزهم صراخات الاطفال، حتى السماء وقتها جفت ولم تمطر وتلبي نداء تلك الارواح بالخلاص..اجتمع الاهالي وبداوا بنقل المياه بالايدي والافواه وكل ما يقع بين ايديهم الى موقع الحريق الى شهرزاد التي خانت الاطفال .. وبدأوا باطفاء الحريق دون ان تتحرك آليات الحكومة.
برز احد الرجال وقتها وحمل على عاتقه الحمل الكبير هذا، حيث التف حوله المئات من الاهالي واستطاعوا بعد عمل وجهد وسعي ان يخمدوا النيران التي التهمت وقتها الكثير من الاجساد، فمن الخمسمائة لم ينجوا الا ميئتين وخمسة عشرة روح اما الباقي فقد التهمها النيران والدخان وحصدت ارواحهم.. وقتها ارتفعت رائحة تلك الاجساد الملائيكية الى السماء فامتزجت بتراتيل اهل السماء.. ولان السماء لم تكن وقتها تبالي فقد تركتها لتتراكم وتوضع بعضها فوق البعض.. بعد ساعات من العمل والجهد استطاع الاهالي من ترميم بعض الجثث واعادتها دون اعادة الروح اليها، فوضعت في عربات خشبية مهترئة الهيكل والدواليب ونقلت الى احدى دور العبادة لتشيع بعدها الى مقابرها، وعلى الرغم من العديد منها ظلت بدون هوية حيث لم يتعرف احد عليها وذلك لكون الحريق قد التهم كل ما قد يؤدي الى معرفة هويتهم.
والد دلبرين وامه كانا من ضمن الحاضرين في تلك الموقعة وكانا ممن تعرفا على جثة ابنهم الذي قبل ان يختنق بالدخان ويحترق ساقيه كانت الارجل قد داست على جسده النظر والنحيل فكسرت عظامه جميعها، وكأن ما كان يقوله له الناس كان من ضمن السيناريو المعد له في تلك الليلة..اخذا جثة ابنهم ودفناه في المقبرة التي جمعته باصدقائه الاخرين مرة ولكن بعيداً عن شهرزاد... اما باقي الجثث التي لم يتم التعرف عليها فقد دفنت في مقبرة جماعية وكأن الاهالي ارادوا منهم ان يمتزجوا ليسطروا حلقة جديدة من قصة الغراب.
12/9/2004



#جوتيار_تمر (هاشتاغ)       Jotyar_Tamur_Sedeeq#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكومة الاعلامية
- فوضى الاعلام تمتزج بفوضى الاحزاب
- قراءة نقدية في نص- عبودية- للشاعرة ايلينا المدني / جوتيار تم ...
- قراءة في نص- عذراً منك- للشاعرة ريم هاني
- الوعي السالب للبناء في كوردستان
- قراءة في احدى نصوص الشاعرة رنا اسعد/ جوتيا رتمر
- دمشقيات
- قصص قصيرة جدا
- قراءة في نص - مطر من الارض- للشاعر شكري اسماعيل/ جوتيار تمر
- رسالة البابا الى الحكام
- قراءة في نص - وقفة - للشاعر هلكورد قهار / جوتيار تمر
- الفعل بالضرورة / مسرحية
- قراءة في نص- لاجدوى- للشاعر شعبان سليمان/ جوتيار تمر
- عندما يصنع الموت حياة / قصة
- قراءة في نص (الوحوش داخلي نائمة) للشاعرة سوزانة خليل/ جوتيار ...
- الحقيقة (مسرحية)
- انثى القلق
- قراءة في لاوعي قصيدة- منذ آدم- للشاعر التونسية ضحى بوترعة / ...
- لا ...يا كاظم ....!
- انتاج التخلف


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوتيار تمر - دلبرين في شهرزاد / عامودا