أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - استذكارات : محمد راضي فرج .. شاعر غاب مبكّرا















المزيد.....

استذكارات : محمد راضي فرج .. شاعر غاب مبكّرا


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4438 - 2014 / 4 / 29 - 23:03
المحور: الادب والفن
    





استذكارات : محمد راضي فرج __ شاعر غاب مبكّرا ..

___________________________________

• قبل قرابة 4 عقود , كنت حرا يافعا , في مقتبل الاحلام .. كان صديقي محمد راضي فرج وهذا هو اسمه الثلاثي وحلمه وموته !! وفناءه المبكّر .. رقيقا يافعا شفافا .. وحالما .. كان جنديا متطوعا .. جنديا شيوعيا ..يبدو الامر للمرة الاوّلى مهوّلا ! اذ كيف سيواجه الصدمة التي ستعلّق مصيره او حلُمه على رشقة من رصاصات قرمزية .. فيما لو تم فضح المستور واماطة اللثام عن تلك اللعُبة ..اللعب بالحلُم والمصير ..
• كانت وصايا وتعليمات حزب البعث تنص : يُحكم بالاعدام العسكري المنتمي او الذي يزاول نشاطا شيوعيا
• حدث ذلك عام 1974 اقصد وضع اليد , على تلك الصدمة المريعة .. كانت صدمة الاكتشاف بالنسبة لحالم رومانسي في خطواته الاولى .. نحو ابواب المراهقة ومحمولاتها .. اكتشاف الموت وهو لم يزل طيفا او شبحا مخيفا .. يلوح من بعيد عبر ذاكرة بيضاء تخلو من تلك الشعارت المحمولة على اجنحة الحمام الابيض والمطرقة والمنجل والرايات الحمر ..
• محمد جندي شيوعي .. معادلة عويصة .. او باب مغلق على اسرار مخيفة .. لا استطيع فك المغاليق او فتحها بمفتاح الذهنية المراهقة .. التي كانت في طور التبرعم ,او النمو
• بقي محمد شاعر شيوعيا مغمورا متطوعا او جندي مطوّع .. غير اني لا اعلم , فيما اذا كان يزاول نشاطا تنظيميا ام كان مجمدا ... بيد اني كنت اعلم متى ياتي في إجازة .. لنمارس طقوسنا في شرب العرق .. كنا ونحن متقاربين في السن والحلم .. ليس متقاربين تماما .. فمحمد يسبقني بسنتين من عمر الخراب ..كنا نقترب في خطوات خجولة من ساحل النهر . نهر الخمر , في خطواتنا الاولى من اكتشاف السحر ... سحر العرق الزحلاوي ..
• سحر النشوة .. سحر الانتشاء الداخلي العابر ..ذلك السحر المخادع الزائل .. السحر الذي لم يتدفق من اعماق الروح او لن يبلغ تلك النشوة الداخلية العميقة .. لا تصله وشيجة بتلك النشوة الروحية المفعمة بالعذوبة والدفء كما يحدث مثلا في الحبّ ...... في تلك الايام تعرّفت على بابلو نيرودا .. واراغون وناظم حكمت .. ويوسف ادريس وحنا مينا .. وفي تلك الايام حدث انّ هرب من الجندية محمد .. غير انه سرعان ما عاد نادما ..تلك النادما لم تكن تمثل اعترافا حقيقيا ....... بل غالبا او دائما ما يعود الجنود خوفا ورعبا إلى ثكناتهم العسكرية يلتحقون لتفادي مايترتب على تواصلهم او استمرارهم في الفرار ..
• كانت سنوات العقد السبعيني تمشي متباطئة ..تمشي في خطوات محمولة على بساط من الجمال والطمأنينة .. وما ان بلغت خطواتها اوّلى ابواب الثمانينات ..حتى حدث الزلزال ..فانفتحت الابواب على مصاريعها .. ابواب الحرب ... كنت جنديا لما رجّ نفوسنا ذلك الزلزال ..
• آخر لقاء ليّ مع محمد حدث عند مطلع ذلك العام .. عام الحرب .. في الايام الاوّلى من بدأ الحرب ..كنا معا في كراج النهضة من عام 1980 منتصف شهر 11 ..
ننتظر حافلتين مختلفتين في الاتجاه .. متباينتين في التوجّه والمسار والمقاصد والنوايا .. متباعدتين في الزمان والمكان والمسافات .. قريبتين في الخراب والفراق والغربة والضّياع والتيه والاغتراب ...... كنا ننتظر .. ذلك الانتظارالمحمول على روح من الغبار ..غبار الروح وهي تنفض سنواتها التي جاوزت العشرين بقليل من غبار السنوات
كانت الوقت مساءا ..والبرد في كراج النهضة على اشده ! والليل لا يشبه تلك الليالي .. لياليلنا المفعمة بالدفء والعذوبة والطمأنينة والسلام ..ليالي ماقبل الحرب والجندية ...افترقنا عند حلول طلائع الفجر .. اقلتنا حافلتين في طريقهما الى جبهتين متباينتين .. محمد في اتجاه عبادان او القاطع الجنوبي وانا باتجاه مهران او القاطع الاوسط .. ومنذ ذلك المساء التشريني , والذي تناسل فيما بعد .. في زمن شديد الدهشة والغموض , إلى مساءات مرعبة من الغياب , ثم إلى سنوات , تمشي على حافات وعرة من الفقدان والوجع .. منذ ذلك المساء التشريني المفعم بالبرد ورائحة الاحلام والذكرى , لم ارَ صديقي محمد ..كان ذلك هو اللقاء الاخير .. وكانت النهضة هو آخر مشهد , آخر مكان جمعنا معا .. المكان لم يزل شاخصا بكامل روحه وألفته ورائحته .. في حين توارى صاحبي ..ذهب مع الريح , في اتجاه النجوم والغيم .. تلاشى في المجرات واللاعودة .. مرت اكثر من 3 عقود على ذلك المساء او المشهد .. كنت خلالها الاحق اخباره ... كنت في الاشهر الاوّلى من الغياب . احيا في دوامة من القلق والتوجسات .. وعند حلول كلّ إجازة دورية من الجبهة اسارع لتوجه لبيت صديقي ..غير اني كما يحدث في كل مرة ..اتفاجأ بالصدود والغياب والصمت .. ابقى لوقت عصيب اطرق على الباب دون جدوى ..وعندما اسأل الجيران .. جيران بيت صاحبي .. اباغت بعدم علمهم او درايتهم .. كانوا لا يعلمون شيئا فيما يتعلق ب بيت صاحبي او كأنهم يتوجسون خيفة او يخشون امرا ما .. بيد اني كنت استشف في نظراتهم ما ينم عن الريبة والدهشة .... وفي كلّ اجازة اعيد ذات المحاولة وعلى مدى عام على وجه التقريب .. ولكن عبثا كنت افعل .. في كل محاولة كنت اصطدم بحاجز مهوّل من اللاجدوى والغياب حتى نال مني اليأس واصابني الذهول .. وكثيرا ماكنت ارى الباب مشرعا على سعته ..!! بيد اني لم المح ايما اثرا , يشير ولو من بعيد الى وجود مخلوق داخل المنزل .. كان البيت محاطا بهالة من الغموض .. محاطا بسلطة ثقيلة من الغياب والخوف والتوقعات .. لم المح سوى طيف صديقي يلوح شبحا باهتا في فضاء المنزل المهجور .. لم ارَ سوى بقايا من اثاره القديمة او التي باتت قديمة .. وفي الإجازات المتأخرة , امسكت عن المجيء للدار , دار صديقي الشبه مفقود ..وبمرور الاجازات والسنوات , كانت مساحة الغياب تتسع وتأخذ حجم التوابيت , فلم اشأ انّ اسأل عنه ...... فقد بت على يقين من اني من العصي والمحال انّ اراه . فقد غدا صاحبي في عداد الذكريات الحزينة , وبات طيفا بعيدا ..
لا ادري حتى حلول هذه اللحظة . كيف توارى او تلاشى .. قضي في الحرب , ام هاجر إلى شمال العراق , ام اختفى بطريقة ما غامضة في جحور او محاجر الحكومة ..لا ادري اين هو الآن .... ؟ !



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جوائز الفن بين الحظ والاستحقاق
- لا : لصناعة الموت
- الانتخابات : اكذوبة راسمالية
- تاريخ الحزن العراقي : الاغنية العراقية انموذجا
- استذكارات : عن الشحاذ والي الاعرج او العراق , لا فرق
- انطباعات سينمائية : الشخصية الروائية في السينما
- الاصابع الملطخة بالدم البنفسجي
- التوابيت بوصفها صناديق بريد مستعجل
- سانتخب : الجنّة على الارض
- اصدقاء الفيس بوك : غابة من الاشباح
- كتّاب الفيس بوك : خارج نطاق الخدمة الورقية .. وصناعة النجوم
- تأملا ت في الموهبة والاسلوب
- تأملات في ظاهرة التكرار : النصوص انموذجا
- مخطوطة السيرة والحرب : ابو طويله .. / احلام الرماد والنساء
- مخطوطة : على مقربة من سلمى والحرب
- استذكارات في مقاطع _ 1 _ على تماس من تخوم السيرة والحرب
- حمى الاتخابات : صراع على المال والسلطة / بين العمامة والعمام ...
- تأملات : في الحدث الروائي / الفنان شادية مثال
- وراء كواليس الانتخابات
- تأملات مختزلة في الزمن والنسيان


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - استذكارات : محمد راضي فرج .. شاعر غاب مبكّرا