أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حاتم تنحيرت - النزعة الكونية : من الأديان إلى حقوق الإنسان















المزيد.....

النزعة الكونية : من الأديان إلى حقوق الإنسان


حاتم تنحيرت

الحوار المتمدن-العدد: 4438 - 2014 / 4 / 29 - 21:37
المحور: حقوق الانسان
    


تنفي قيم حقوق الإنسان أي تمييز بين الناس مهما كان أساسه ، عرقيا كان أو جنسيا أو دينيا ، إنها تصر منذ البداية أن ترتبط بالإنسان، بكرامته و حريته ، أو بكل الحقوق التي يملكها فقط لأنه إنسان، غير أنه يحق للكثيرين التساؤل هنا حول مكانة الله في كل هذا، هل تنفي حقوق الإنسان أو تتعارض مع الأديان ؟ هل تنتصر للإنساني فينا دون الإلهي ؟ و هل يتنافى تبني بمنظومة حقوق الإنسان الكونية مع الاعتقاد الديني ؟ لنعد إذن إلى البداية، و لتكن البداية" إعلان حقوق الإنسان و المواطن " و الصادر غداة الثورة الفرنسية سنة 1789 . هل يمكن أن نعثر فيه على فسحة ما لضمانة إلهية للحقوق الإنسانية المقدسة ؟ يصدح الإعلان أن الحرية و المساواة و الملكية حقوق غير قابلة للتقادم، غير أن الديباجة تقر أن الضامن لكل ما بعدها هو من طبيعة غير بشرية حيث تقول: " [ ... ] الجمعية الوطنية تعترف و تعلن في حضور و تحت حماية الموجود الأعلى الحقوق الآنية للإنسان و المواطن "(1)
لن نعدم في هذه النقطة جسرا بين الإنساني و الإلهي فينا، بوصف الإنسان كائناً يملك حقوقاً طبيعية غير قابلة للتفويت، غير أنها في حاجة لضمانة فوق طبيعية، لتأكيدات كائن أسمى من البشر، فيتوقف الديني عن أن يكون في تناقض مع الإنساني و يصبح متصالحاً و متوافقاً معه، بل و تمنحنا حقوق الإنسان الخاصية الأكثر أهمية ، و هي الكونية ، التي تتجاوز الحدود الثقافية نحو ما يجمعنا أو ما يجعل منا بشراً و يمنحنا الكرامة الإنسانية، ولما ارتكب البشر أعمالا آذت الضمير الإنساني بشناعتها سطر عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتنطلق المادة الأولى من الحقوق الطبيعية و التي ترتبط بإنسانية الإنسان و كرامته ، فتقول : "يولد جميع الناس أحرار متساوين في الكرامة و الحقوق، و قد وهبوا عقلا ًو ضميراً و عليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء " . ((2
إنه الحق الطبيعي للإنسان و هي المتأثرة بأفكار فلاسفة العقد الاجتماعي أمثال جان جاك روسو و جون لوك ، الحرية و المساواة و الكرامة و المِلكية. هنا يُنظر إلى الحق الطبيعي " بوصفه مجموعة معايير سابقة للمجتمع المنظم الموجود، و هي تُلزم جميع البشر – و من أجلهم – بسبب إنسانيتهم فقط " . (3)
إن مفهوم "القانون الطبيعي" متضمن في الفلسفة الرواقية التي تُرجع إليه جميع المعايير و القوانين الاجتماعية الشرعية، و تستنبط منه مبادئ أخلاقية أساسية : " لا تؤذ أحدا "، " أعطِ لكل حقه "، و " التزم الاتفاقات " ، كانت هذه المبادئ تعد معروفة لدى البشر " بالفطرة " . و منها أمكن استنتاج قداسة الحياة و الملكية. و عبر الرواقية و من خلال شيشرون - الفيلسوف الروماني – و القانون الروماني مُنح المجتمع الأوربي و الكنيسة اللاتينية مفهوما متميزا عن الحق الطبيعي بوصفه مجموعة معايير سابقة للمجتمع المنظم الموجود . " .(4)
غير أن حقوق الإنسان ليست في مواجهة الخصوصيات المحلية، و الخصوصية الدينية بالتحديد كما يُطرح عادة ، إن الأديان أيضا تملك نزوعا نحو الكونية، بل إنها الإرهاصات الأولى للنزعة الكونية و جعل الناس متساوين في الحقوق ، لكن بأسلوب مغاير لمنطق حقوق الإنسان المعاصرة .
إن الوثنية غالبا ما تعرض آلهة محليين لا يهتمون إلا بشؤون القبيلة عادة ، غير أن الأديان السماوية ستحمل بذرة النزعة الكونية و التوجه نحو الإنسانية جمعاء ، هذا ما سنلمسه في الدين اليهودي الذي عرف نقلة مماثلة من العبادة المحلية لقبيلة و شعب إلى أفق أكثر رحابة " و لكي نفهم كيف تطورت هذه المعتقدات ، ينبغي أن نتذكر أن " يهوه " إله اليهود، كان في البداية إلها لقبيلة سامية قبل كل شيء، و كان يتولى حماية شعبه الخاص".(5) ، إلا إن اليهودية لم تتمكن من تحقيق " الإنسان الكوني " ذلك الذي يملك حقوقا طبيعية تتجاوز كل الخصوصيات، بل ستصبح الرعاية الإلهية أمرا خاصا بشعب الله المختار، لتُفسح المجال أمام ديانة أخرى ذات أفق أكثر رحابة ستمثلها دعوة يسوع المسيح : " و قال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع و اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها . من آمن و اعتمد خلص و من لم يُؤمن يدن " .((6
لكن المسيح عندما صاح صيحته المدوية الأليمة : " إلهي إلهي لم تركتني ؟ " كان يرسم التاريخ الفعلي للبشرية : هذا التاريخ الذي أمسى، بفعل آلام المسيح، موحدا يشمل البشرية جمعاء من لحظة الخطيئة إلى غاية الخلاص " .( (7
ستجسد المسيحية نقلة جديدة للإنسانية نحو نزعة توحيدية لعبادة إله واحد، و محاولة غرس الإيمان المسيحي في قلوب البشرية جمعاء،عبر مؤسسة الكنسية ( الكنيسة الجامعة ) و رجال الدين، فالكنيسة من حيث هي مؤسسة عالمية تتخطى حدود الدول .(8) لكن الكنيسة لم تتمكن من جمع الناس على كلمة سواء حتى فيما يتعلق بالإيمان المسيحي ذاته، ناهيك عن فطاعات ارتكبها رجال الدين باسم الله و تحت رايته، و أخرى إجترحها المؤمنون في حق بعضهم، و كان للتاريخ كلمة أخرى ، فانضاف لانقسامات البشرية الدينية ملل و نحل مذهبية ، و أصبح مسرح التاريخ مفتوحا لرسالة سماوية جديدة من عمق الصحراء، و عبر النبي محمد نحو الإنسانية جمعاء، " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " .(9) سيفتتح الإسلام طوراً جديدا من الاعتراف بالحقوق الإنسانية الكونية و التي تعرف بالعقل و بالوحي الإلهي.
يحق لنا أن نستدرك بسؤال جوهري : إذا كانت الأديان السماوية تتضمن بعدا كونيا في الاعتراف بكرامة و حقوق الإنسان الفطرية، فلماذا الإصرار على تبني منظومة حقوق الإنسان الكونية ؟
كتب دارس عن حركة الإصلاح بين مسلمي الهند يقول : " لم يحكم وليم مولر من المنظور الديني بل من المنظور الثقافي، إذ كان يعتبر أن الشريعة الإسلامية منافية للقيم الإنسانية كما فهمتها الليبرالية الإنجليزية. مما أدخل قلقاً عميقاً في وجدان أحمد خان ". (10) هذا القلق القيمي لا يزال حاضرا في نفوس الكثيرين، مادمنا ننتصر لمنطوق الشرع على حساب روح الشريعة و البعد الكوني لقيم الإسلام .
إن الأديان السماوية تتقاطع مع منظومة حقوق الإنسان في تأكيد قيمة و كرامة الذوات الإنسانية، غير أنه لا يمكن القول بأفضلية أحدهما على الآخر إلا في مستويين لا يمسان جوهر الحقوق أو يناقضانها، فما يضمنه الوحي الإلهي في الأديان السماوية الثلاث لم يستطع تجاوز صراعات البشر أو يؤسس على الأقل لقيم مشترك بين جميع الناس، ثم إن الأديان الإبراهيمية، و إن حملت بذور وحدة كونية للقيم الإنسانية الأساسية فإن مؤسساتها الدينية لم تنظر إلى الآخر المختلف إلا من زاوية عقائدية تشرط كل حق باعتناق دينها، فلم تستطع أن تجمع الناس على كلمة سواء، و من هنا تأتي قيمة المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، باعتبارها متضمنة لبذور النزعة التوحيدية التي تنظر إلى الإنسان بوصفه كائناً يملك قيمة في ذاته، فقط لأنه إنسان ، يملك كرامة و حقوق كما حَلُمت بذلك الأديان، و قادرة على تقديم خطاب يتجاوز الخصوصيات الدينية و العرقية و الجنسية ...فكونية حقوق الإنسان تعزيز للتقارب بين البشر و ليست نفياً للدين . إن حقوق الإنسان الكونية ليس نهاية للتاريخ بقدر ما هي الصيغة الأقل إثارة للتناقضات بين البشر، باعتماد معيار العقل و الفطرة الإنسانية و جوهر الإيمان و الوحي الإلهي، الذي لا يمكن تصور أن يتنافى مع قيمة و كرامة الذات الإنسانية التي لا تزال تنتهك في كثير من بقاع الأرض غير الحرة و المضطهدة .

المراجع المعتمدة :

-1 الدستور الفرنسي الصادر في 4 أكتوبر 1948 و الذي يتضمن إعلان حقوق الإنسان و المواطن ، ترجمة المستشار الدكتور مختار محمد فرحات نائب رئيس مجلس الدولة المصري ، القاهرة في 19 أفريل 2011 ، الرابط الإلكتروني: http://www.conseil-constitutionnel.fr/conseil-constitutionnel/root/bank_mm/arabe/constitution_arabe.pdf
-2الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، موقع الأمم المتحدة الإلكتروني : http://www.un.org/ar/documents/udhr/
-3الغرب و الإسلام ، الدين و الفكر السياسي في التاريخ العالمي ، أنتوني بلاك ، ترجمة د فؤاد عبد المطلب ، سلسلة عالم المعرفة ، عدد 394 -نوفمبر 2012 .ص : 209
-4نفس المرجع السابق ، نفس الصفحة
-5حكمة الغرب ، عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي و السياسي ، برتراند رسل ، ترجمة فؤاد زكريا ، سلسلة عالم المعرفة ، الجزء الأول ، عدد 364- يونيو 2009 ، ص:217
-6انجيل مرقس ، الإصحاح السادس عشر ، الموقع الرسمي لكنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثودكسية الرابط الالكتروني : http://st-takla.org/pub_newtest/41_mark.html
7-قلق في العقيدة ، سعيد ناشيد ، دار الطليعة للطباعة و النشر [رابطة العقلانيين العرب ] الطبعة الأولى ، آذر (مارس) 2011 ، ص: 33
-8حكمة الغرب ، برتراند رسل ، ص: 225
-9القرآن الكريم ، سورة سبأ ، الآية : 28
10-ذكره عبد الله العروي ، الايديولوجيا العربية المعاصرة ، المركز الثقافي العربي



#حاتم_تنحيرت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف المؤسس على الدين
- الحرية السياسية و الحرية الجنسية: الشباب و أزمة الحب
- عزاء التحليل النفسي
- الحداثة كفصل للعوالم


المزيد.....




- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حاتم تنحيرت - النزعة الكونية : من الأديان إلى حقوق الإنسان