طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4436 - 2014 / 4 / 27 - 11:44
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
سجل وحشية العسكر
قمع العسكر الحركات الشعبية بنفس الوحشية. بعد زلزال فالبارايسو في عام 1906، قضت القوات البحرية تماما على منظمة عمال الشحن والتفريغ المؤلفة من 8،000 عامل. في إكيكي، في بداية القرن (الماضي)، حاول المضربون المتظاهرون الهروب من القوات العسكرية, ولكن في غضون عشر دقائق، كان هناك 2،000 قتيلا من المتظاهرين. في 2 أبريل عام 1957، استطاع الجيش تفريق اضطراب مدني في المنطقة التجارية من سانتياغو وعدد الضحايا بقى غير معلوما, لأن الحكومة اخلت الجثث بعيدا. خلال اضراب في منجم السلفادور اثناء حكومة إدواردو فري, فتحت دورية عسكرية النار على المظاهرة لكسرها و قتل ستة أشخاص، من بينهم بعض الأطفال وامرأة حامل. وكان قائد الدورية شخص يبلغ ال 52 عاما، أب لخمسة أطفال، مدرس جغرافيا ومؤلف العديد من الكتب حول مواضيع عسكرية: أوغستو بينوشيه.
اما أسطورة دماثة الجيش ومراعاته للقانون فقد اخترعتها البرجوازية التشيلية لمصلحتها. أبقىت الوحدة الشعبية هذه الاسطورة على قيد الحياة, آملة في تغيير طبقة الكوادر العسكرية العليا لصالحها. ولكن الليندي شعر أكثر أمنا بحمايته من قبل درك من القوات المسلحة الشعبية وذات الاصول الفلاحية, والتي كانت تحت القيادة المباشرة لرئيس الجمهورية. في الواقع، كان على المجلس العسكري الانقلابي النزول ستة رتب أسفل القائمة الأقدمية من اجل العثور على ضابط كبير الذي من شأنه دعم الانقلاب. حصن صغار الضباط أنفسهم في مدرسة الضباط الصغار في سانتياغو، و صمدوا لمدة أربعة أيام حتى تم محوهم.
وكانت هذه المعركة اشهر معركة للحرب السرية التي اندلعت داخل المواقع العسكرية عشية الانقلاب. الضباط الذين رفضوا دعم الانقلاب وأولئك الذين رفضوا تنفيذ ألاوامر قتلوا بدون شفقة. تمردت افواج بكاملها ضد الانقلابيين في سانتياغو وخارجها, ولكن الانقلابيين ذبحوا قادتها لاعطاء درسا للقوات.
قائد وحدات مدرعة في مدينة فينيا ديل مار، العقيد كانتورياس, قتل من قبل مرؤوسيه بنيران الرشاشات. و سيمر زمن طويل قبل معرفة عدد ضحايا المجازر المرتكبة, لانه تم إزالة الجثث من المواقع العسكرية في شاحنات القمامة و دفنت سرا. استطاع الانقلابيون الوثوق فقط بنحو 50 من كبار الضباط لرئاسة القوات التي تم تطهيرها من قبل.
دور عملاء الخارج
قصة المؤامرة يجب أن يتم تركيبها من مصادر عديدة، بعضها موثوق، وبعضها لا. يبدو أن عددا من العملاء الأجانب قد شاركوا في الانقلاب. مصادر سرية في تشيلي تخبرنا بان تفجير قصر لا مونيدا, تم بدقة تقنية أذهلت الخبراء, و نفذ فعليا من قبل فريق من السركس الجوي الأمريكي الذي دخل البلاد تحت غطاء المشاركة في عملية يونيتا في 18 سبتمبر, يوم الاستقلال الوطني في تشيلي. هناك أدلة عديدة بان قوات الشرطة السرية من البلدان المجاورة تسللت عبر الحدود البوليفية و بقيت تعمل في الخفاء حتى يوم الانقلاب، عندما اطلقت العنان لاضطهادها الدموي للاجئين السياسيين من دول أخرى من أمريكا اللاتينية.
و البرازيل، مقر حرب العصابات, لعبت دورا كبيرا هي الاخرى. فقبل عامين، كانت قد ساعدت الانقلاب الرجعي في بوليفيا، مما يعني فقدان دعما كبيرا لتشيلي و تسهيل تسلل جميع أنواع وسائل التخريب. جزء من القروض المقدمة إلى البرازيل من قبل الولايات المتحدة تم نقلها سرا إلى بوليفيا لتمويل التخريب في تشيلي. في عام 1972 ، قامت مجموعة استشارية عسكرية امريكية في رحلة الى لاباز ولكن لم يتم الكشف عن الهدف الحقيقي للرحلة. ربما كان ذلك من قبيل الصدفة فقط, ولكن، مع ذلك، بعد وقت قصير من اداء الزيارة، تم تحريك القوات والمعدات الى الحدود مع تشيلي، مما اعطى الجيش التشيلي فرصة أخرى لتعزيز موقفه الداخلي وتنفيذ نقل الضباط واحداث ترقيات في سلسلة القيادة الموالية للانقلاب الوشيك.
أخيرا ، يوم 11 سبتمبر، في حين أن عملية يونيتا كانت تسير قدما, فان الخطة الأصلية التي وضعت اثناء عشاء واشنطن نفذت بعد ثلاث سنوات من الموعد المحدد, ولكن ليست كانقلاب ثكنة تقليدية, ولكن كعملية جراحية حربية مدمرة.
كان على الامور أن تكون على هذا النحو، لأنه لم يكن الامر مجرد مسألة الإطاحة بنظام, بل ان الهدف كان زرع بذور الجحيم, المجلوبة من البرازيل، في تشيلي للقضاء على أي أثر لهيكل سياسي واجتماعي للوحدة الشعبية. المرحلة الأقسى ، للأسف، قد بدأت لتوها.
في خضم المعركة النهائية، والبلد تحت رحمة القوات المنفلتة و التخريب غير المتوقع, التزم الليندي بالشرعية. التناقض الأكثر دراماتيكية في حياته كان عداءه للعنف وعاطفته الثورية. قال انه يعتقد ان حل التناقض يكمن بان الأوضاع في تشيلي من شأنها أن تسمح لتطور سلمي نحو الاشتراكية تحت الشرعية البرجوازية. التجربة علمته, بعد فوات الاوان, ان النظام لا يمكن تغييره من قبل حكومة بدون سلطة.
يجب ان تكون خيبة الأمل المتأخرة هي القوة التي دفعته للمقاومة حتى الموت، والدفاع عن ألانقاض المشتعلة لمنزل لا يمتلكه، قصر كئيب بناه مهندس معماري إيطالي اصلا كمصنع للعملة, انتهى الأمر ان يصبح كملاذ آمن لرئيس بدون سلطة. قاوم لمدة ست ساعات ببندقية رشاشة اعطاها له كاسترو عند زيارته الى تشيلي. وكان اول سلاح يفتح الليندي ناره.
حوالي 4:00 بعد الظهر، تمكن اللواء خافيير بالاسيوس الوصول إلى الطابق الثاني مع معاونه، النقيب غالاردو، ومجموعة من الضباط. هناك، في خضم كراس وهمية للويس الخامس عشر، و مزهريات التنين الصيني و لوحات الصالون الأحمر، كان الليندي في انتظارهم, يرتدي قميصا وخوذة عامل منجم و بدون ربطة عنق، ملابسه ملطخة بالدماء. كان يحمل رشاشة لكن ذخيرته اوشكت على النفاد.
عرف الليندي بالاسيوس جيدا. قبل بضعة أيام، كان قد قال لأوغستو اوليفاريس ان بالاسيوس كان رجلا خطرا ومقرب من السفارة الأمريكية. حالما رآه يظهر على الدرج، صرخ الليندي في وجهه: "خائن!" وأطلق علي يده النار.
قتال حتى النهاية
وفقا لقصة شاهد طلب مني عدم ذكر اسمه، توفي الرئيس في تبادل اطلاق نار مع الانقلابيين. واطلق كل الضباط في طقوسية محددة النار على جسمه. أخيرا حطم ضابط صف وجهه بعقب بندقيته.
وهناك صورة موجودة: سمح فقط ل خوان إنريكي ليرا, مصور في صحيفة ميركوريو, بتصوير الجسم. وكان الجسم قد شوه بحيث ان سينيورا هورتينسيا الليندي، زوجته، لم يسمحوا لها بكشف وجهه عندما اظهروا لها جسده المسجى في الكفن.
كان الليندي سيبلغ ال 64 سنة في يوليو المقبل. ان عظمتة النادرة والمأساوية هي الموت دفاعا عن خدعة عفا عليها الزمن, القانون البرجوازي، والدفاع عن محكمة عدل عليا تنكرت له وإضفت الشرعية على القتلة، والدفاع عن كونغرس بائس جرده من شرعيته ولكنه انحنى امام المغتصبين، والدفاع عن حرية أحزاب معارضة قد باعوا أرواحهم للفاشية، والدفاع عن نظام نخره العث, كان هو قد اقترح إلغاءه ولكن من دون إطلاق رصاصة واحدة.
مكان الدراما هو تشيلي، الكارثة الكبرى حدثت للتشيليين، لكنها سوف تمر في التاريخ باعتبارها شيئا حدث لنا جميعا، نحن أبناء هذا العصر، وأنها ستبقى في حياتنا إلى الأبد.
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟