أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمدى عبد العزيز - ما ليس فى إستطاعة جابرييل















المزيد.....

ما ليس فى إستطاعة جابرييل


حمدى عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 4435 - 2014 / 4 / 26 - 13:00
المحور: الادب والفن
    


منذ ان قرأت للكاتب الكولمبى العظيم جبراييل جارسيا ماركيز ماركيز لأول مرة فى فى مطلع آواخر السبعينيات ( قبل ان يحصل على نوبل ) فى إحدى الدوريات اليسارية التى نجت من الملاحقة الأمنية و التى كانت تطبع بنفقات خاصة وتوزع يدويا وعلى الأرصفة , وكان يحررها هؤلاء الشباب الذين تخرجوا لتوهم من الجامعات بعد ان قادوا الحركة الطلابية العظيمة فى أوائل السبعينيات ..
ومنذ ان قرأت تلك القصة القصيرة وكان أسمها (( أجمل غريق فى العالم )) التى تحكى عن (سبستيان ) ذلك الفتى الغريق الذى تجده نساء قرية الصيادين ذات مساء على شاطئ البحر فيصبح - وهو الجثة ذات الملامح القوية والوجه الجميل الهادئ كطفل كبير - هو بطل أشواق نساء تلك القرية فى غياب شبه تام لرجال القرية الصيادين المنسحقين الذين يقضون كل وقتهم فى البحر ...
بينما تسهر النساء على تلك الجثة التى اصبحت أكثر حيوية والهاما من أولئك الرجال المتعبين ..
وعندما يدرك الرجال ذلك يقررون أخذ ( سبستيان ) ويجرجرونه الى حيث عمق البحر بعد ان يربطونه فى ثقل كبير ليهبط به الى قاع المحيط والى الأبد عقابا له على إيقاظه الأشواق المكبوتة لنساء تلك القرية ..
وجدت نفسى أقرأها كثيرا واتعامل معها كنص يولد لدى عند قراءته نصوصا جديدة لأول مرة ..
لأول مرة أشعر ان هناك طريقة جديدة فى الحكى تشبه - فى روعتها - تماما طريقة أمى عندما كانت تحكى لى حكايات عن الجنيات اللواتى يظهرن وهن جالسات - ليلا - على صفحات المجارى المائية فى الريف أولئك الساحرات الموغلات فى الجمال بشعورهن الذهبية وعيونهن الواسعات الملونات بلون الحنين والرغبة والشبق وينادين شباب القرية الفارعى الطول والمفتولى العضلات ويأخذونهم الى حياة زوجية أبدية وتنتهى الحكاية بحيث لانعرف نحن بنى الأرض طريقا فوق الأرض بعد ذلك أبدا ..
تعلقت باسم جبراييل جارسيا ماركيز من يومها ..
ومن يومها وانا أبحث عن أى عمل كتبه (جابى ) العظيم ..
ومن يومها أصبحت من دراويش سرده وحكايته ..
ثم قرأت له رائعته ورائعة الأدب الإنسانى (( مائة عام من العزلة )) ومن يومها وانا كلما جاء فصل الشتاء من كل عام أسحبها من على رفها فى مكتبتى وأعيد قراءتها وكل مرة بقراءة جديدة ومتعة جديدة وخيال أكثر سحرا .. ضاعت النسخة منى ذات يوم ظللت ابحث عنها كموتور حتى وجدتها على أحد الأرصفة ..
كل شتاء أحج الى قرية ( ماكندو ) وأسير خلف أبطالها .. من أول الكولونيل (أوريليانو بوينديا )الذى اشعل أكثر من أربعين حربا أهلية وأفلت من كتيبة الإعدام .. الى بقية سلسلال عائلة بوينديا خلال مائة عام بأحداثها وحروبها ومصائرها التى تعرض شريحة لما كانت عليه أمريكا اللاتينية خلال الحقب الإستعمارية المختلفة ..
بحروبها الأهلية التى كان يشعلها الجنرلات بلاهوادة وصراعتها الداخلية بين أولئك الوطنيين الذين يريدون الإستقلال الوطنى ويدفعون دمائهم ثمنا لذلك وبين أولئك الذين إلتقت مصالحهم منذ البداية مع الإحتكارات الإستعمارية والمصالح الأجنبية فأنفقوا الأموال وجهزوا العصابات المسلحة وفرق الموت لحماية تلك المصالح الإستعمارية والتى كانت هى إختيارهم الطبقى الأول ..
ومواطنون يعانون الفقر والجهل والمرض هم وقود تلك الصراعات والحروب ونزوات ومصالح السادة المتحكمين فى مصائر الأوطان ..
كل ذلك يجرى فى سياق ساحر بأبطال واناس يشبهون - بضعفهم أو قوتهم ونزواتهم وحرماناتهم وجموحهم الإنشانى أو يأسهم ومواتهم - أبطال حكايات الف ليلة وليلة وأبطال حكايات جدتى وأمى فى مزج رائع بين الواقعية والخيال ...
بين ماهو مكنون من قوى حقيقية خارقة داخل الإنسان تتحدى ضعفه فتبرز قدراته على تغيير الواقع والتأثير فى الآخرين ومابين ماهو مسكوت عنه من نزوات وقوى غريزية وشهوات إنسانية تخلق عالما سحريا أقرب الى الغموض والوضوح فى آن واحد ...

ربما لهذه الأسباب أيضا قد أصبحت فيما بعد من مهاويس أدب أمريكا اللاتينية ولكننى لم أحب بورخيس لسبب لاأعرفه حتى الآن ولكننى عاشق لكل ماتكتبه إيزابيلا الليندى على وجه الخصوص ..
.. فأنا لاأجد أية متعة إلا فى القراءة من الورق والتخطيط تحت الأسطر التى تحتوى جملا توقد شعلة الذهن وتشعل تروس العقل بالحركة والخيال ...
وكدرويش مهووس من مهاويس ماركيز ودراويشه ظللت أبحث عن رواية الحب فى زمن الكوليرا حاولت كثيرا أن أقرأ روايته (( الحب فى زمن الكوليرا )) من الإنترنت وفشلت .. فأنا لاأجد أية متعة إلا فى القراءة من الورق والتخطيط تحت الأسطر التى تحتوى جملا توقد شعلة الذهن وتشعل تروس العقل بالحركة والخيال ... قد أمتلكت نسخة من الحب فى زمن الكوليرا بعد أن أشتريتها من أحد باعة الأرصفة ورجعت بها للبيت كصائد لصيد ثمين سألقمه لشغف الروح ونهم الخيال .. عن ماركيز الكاتب العابر للأجيال والسنوات قرأت ( الحب فى زمن الكوليرا ) ..
وتعلمت كيف أن الحب كطاقة وجود هادرة ... تسرى كتيار كهربى لذيذ فينا نحن البشر لكنها قادرة على أن تكتسح فى طريقها - كشلال عفى -كل مظاهر الموت والجمود ..
الحب بمجونه وجموحه وطهره ورزيلته, وسموه ورقيه وثوريته وعذاباته والآمه وأفراحه وتمرده على منطق الأمور أحيانا وإنتصاره لمنطقها فى أحيان اخرى وغموضه اللذيذ كدغل كثيف فى كهوف البهجة والألم معا , ووضوحه كشجرة باسقة فى الر وح , وفجوره كشمس لعوب فى صباح شتوى ...
هذا الحب هو القادر على تخليص الإنسان من الخوف من الموت والتغلب على الأوبئة والحروب , والتحصن ضد الوحدة والشيخوخة والموات ..
قدرتنا على ممارسة الحب تساوى تماما قدرتنا على إحياء الوجود , والإنتصار الدائم على الموت ..
انه الطاقة الدافعة لمصائرنا ...والضمان الدائم لإستمرارنا فى الوجود الإنسانى
توالت معايشتى لحكايات ومصائر الإنسانية التى جسدها ( جابى ) فى ( وقائع موت معلن ) , (خريف البطريارك ) , ( جنرال فى متاهة ) بالإضافة الى مقطوعات وحكايات قصيرة نشرت هنا وهناك ..
قرأت (عشت لأروى ) وأدركت اننى عشت لأقرأ لجبراييل جارسيا ماركيز .. وقد يكفى هذا لو لم أشاهد أو ارى أو اسمع شيئا ..
فماركيز - بعد أمى - أعطانى قدرة لابأس بها لإدارك العالم ..
لذلك فأننى لم أعتقد يوما خلاف أن هذا الرجل هو من الأبديات التى أخترقت حاجز الموت ..
ولم ولن أؤهل نفسى - يوما - لتصديق أى إشاعة عابرة عن موته
بل وأرى أن جابرييل جارسيا ماركيز - نفسه - ليس بإمكانه أن يرحل من هذا العالم ...
لأننى لم أر شخصا قد هزم الموت بكل هذه الحياة الصاخبة - إلى الأبد - مثل ماركيز ...
بل وأتهم كل من يودعونه - اليوم وغدا - بقصر النظر ..
كيف يموت الصبى ذات القدرة الساحرة على التسلل كل ليلة حيث يدس حكاياته العجيبة فى أرواح الملايين من البشر فى العالم .. ؟
هذا الصبى الذى مازال يعطينى القدرة على فهم العالم والحب و أسرار الحياة ..
ليس فى إستطاعتى أن أتخلص من الشغب اليومى الذى يحدثه الصبى جارسيا ماركيز فى داخلى ..
ليس من الحصافة - أبدا - أن أودعه وهو لايزال يفجر البهجة والحيوية فى كيانات الملايين من أمثالى فى العالم ...
لن أودعه إذن ..
فتلك حماقة لن أرتكبها ..
فأنا لست أعمى البصيرة لكى أنكر حضوره الفادح ..
هذا الصبى الأبدى الذى يوقظنى صباح كل زمن ..
ويملأ كيانى قبل النوم بحكاياته واسرار رجاله ونسائه ..
ليصطحبنى إلى حدائق بهجة وحياة غير مسبوقة ...
لاأعترف ولا أكترث بمايعلنه البعض عن موت ماركيز .. وكل كلمات النعى التى تكتب لاأرى مبررا لها ..
فليس لماركيز ان يفعل ذلك ..
وهو ماليس فى إستطاعة ماركيز ..
ولا الموت قد تبجح لهذه الدرجة ..



#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمر الحيوى بالنسبة للإستحقاق الرئاسى
- من تجليات المحنة
- كيف سأختار الرئيس القادم
- اللحظة التى اشتعلت فيها أحداث أسوان
- قبل الإختيار مابين السيسى وحمدين
- وقد لاينفع الندم
- المصالحة مع الإخوان .. لماذا , وكيف ؟
- عن أى نساء سنتحدث , وكيف ؟
- المرأة وتشوهات فعل التنوير
- الشعر والسياسة (1)
- فليكن حمدين صباحى أكثر وضوحا فى هذا ..
- فليذهب الإستحقاق الرئاسى الى الجحيم
- إحتمالات تعاطى الإخوان مع الإستحقاق الرئاسى
- حمدين صباحى وضربة البداية
- ثلاث ملاحظات حول اللحظة الراهنة
- ملاحظة ليس إلا ...
- تعليقا على مشهد الذكرى الثالثة
- الجيش هو عضو مجلس الإدارة المندب للنظام السياسى المصرى
- لزوم مالايلزم فى مقولة العسكر
- لماذا سأصوت بنعم لمشروع الدستور الجديد


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمدى عبد العزيز - ما ليس فى إستطاعة جابرييل