أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - ماركيز.. لتنبعث طاقتك في عوالم أخرى















المزيد.....

ماركيز.. لتنبعث طاقتك في عوالم أخرى


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 4434 - 2014 / 4 / 25 - 13:31
المحور: الادب والفن
    



حين تموت قصة حب بحياة الإنسان يحزن ويتباكى، يتصور أن الحب ذاته قد رحل، لا يفرق الإنسان عادة وهو في ذروة تأثره، وقت معاناة المضاعفات العنيفة للفقد بين الحب ــ القيمة المجردة ــ وحبه لأحد الأفراد، حالة كونها تجربة خاصة للغاية، ومع هذا الفرد بالذات.
حين رحل "ماركيز" تباكي البشر معظمهم، قالوا في حسرة: إن سحر الواقع قد مات، رحلت متعة الفن العظيم، توقف نبضه المبهر الغرائبي الذي تشع به الحياة علي نحو مغاير.
ماركيز "مائة عام من العزلة" الذي حرّض علي أدب جديد، لم يقتصر طموحه علي تصوير الواقع الذي نحياه ونعيشه جميعا كما هو، بل شكّله من خلال رؤية فكرية متجاوزة، مستعينا بلغته وخياله، واقعا موازيا، سردا لا يقص علي قارئه مآسيه وألوان اضطهاده، لا يخدر الوجدان بوهم العدالة الاجتماعية، لا يتحسس طبقات جلد القارئ الملتصقة به تماما، لم يمارس قط مجرد وخزه باليومي الذي يعرفه، ويعاني منه كل لحظات حياته، بل قدم أدبا ثوريا بطريقته.
ماركيز "خريف البطريرك" مبدع ساحر، له طريقته الفنية في تماسه مع الواقع، كهنوته السردي وتعويذاته التي تتضمن تقنياته الخاصة وطريقة توليفها، وبلغة تختص بنكهتها الطازجة التي تمتص سحر الموروثات الفلكلورية: الحكايات والأغاني والأساطير، وتعيد صياغتها في مناظير جديدة، تشتبك مع الواقع علي نحو جديد، رؤى مؤلفة من العقل والخيال والتجريب الفني المتجدد، المشتعل توقا إلي استخلاص وتكثيف مخزون الموروث الجمعي الغرائبي، ودفعه في الواقع ليوقظ فيه نمطيته، ويكسّر معطياته وسلطته التي نتوهم أننا لن نستطيع تغير الظلم فيه، يتوجه إلي ذهن القارئ؛ ليرى الواقع علي نحو آخر فيمكنه حينها أن يرفضه ويثور عليه، يستعين المبدع بتكويناته المجازية التي تجعل اللغة هي الأخري تنفض عنها خمولها وتكرارها.
يستقطر كاتب "وقائع موت معلن" و"القديسة"و"جنازة الأم الكبيرة" الخيال الأسطوري، بداية من "ألف ليلة وليلة" التي يذكر عنها: أنها كانت معينا لا ينضب أشعل في وجدانه وخياله عوالما من الحيوية والسحر المتجدد، وتوظيفا لكل ماهو محليا وعالميا من الحكايات التي تنطلق بخيال الإنسان، ذلك وهو شديد الانشغال بقضايا مجتمعه، لم يفارقه إيمانه بالاشتراكية والعدالة الاجتماعية وحرية الإنسان، وفي عنايته بقضايا الوجودية، في رغبة البشر الكامنة أن يعرفوا أنفسهم وإمكاناتهم في درجاتها القصوى .
وهنا يتجسد السؤال الأهم كيف اخترق الواقع وكشف عن جانبه الآخر، ثم نسجه بخيوط الخيال الساحر في الوقت ذاته؟ كيف سلط عدسات رؤيته علي مناطق منه، وأعاد خلقه علي نحو مغاير يهدم ويلاشي ويحطم ليقيم بناءات جديدة ؟
في تقديري أن العبقرية تأتي من هذا المزيج، كيفية الاشتباك بين السحري الخيالي من الموروث ودفعه إلي الواقعي ، إن افترضنا أن هناك واقع بالفعل، ثم صهر هذه المكونات التي تضمن لصاحبها الخلود.
ــ يبدأ ماركيز نصوصه "مائة عام من العزلة" و"خريف البطريرك" بدفع مجموعة من الأحداث ووصف عوالم النصين بصورة كلية، في حركات دائرية تجمع بين أحداث ماضية، وإشارات إلي أحداث الحاضر، واستشراف أخري آتية، تتكرر فيها نفس النماذج البشرية، وخاصة نموذج الديكتاتور الذي يلهج دوما ب "..عاش أنا، أنا الرب، الموت لكل ما عاداي .." فيبدو القص وكأنه صدمات متوالية للقارئ لا يميز لها منطقا، كيف توالت، وما هي الدوافع خلفها، وماهي طبيعة هذه الذوات البشرية: الديكتاتور الذي يتكرر نموذجا لأربعة عشر جنرالا، ويعيش من 107 عام إلي 232 عام؟ والنماذج المتباينة التي تعيش حوله، تشارك في صنعه أو في انكساره، فيضفر الروائي بنية سردية مؤلفة من تقنيات السيناريو السينمائي، وتقافزات الزمن لإلتقاط نقاط توتره، وغوص بالنفس البشرية وأعمق نوازعها، ووعي بالتاريخ، وتفاعل المعطيات الإقتصادية والاجتماعية والثقافية في الواقع، مع وعي بحركة الإمبريالية العالمية.
يعرض ويقص هذا الإجمال المكثف الذي بدأه في فقرات وفصول تتوالى تباعا، بأسلوب يجمع بين الشعر والموسيقى والمجازات البكر الصادمة لكل ماهو جاهزي ومعتاد، كما يتداخل في السرد الأسلوب التقريري، والألفاظ البذيئة والشتائم، والمستويات المتعدده للغة .
ــ كيف ترتفع فوق الواقع بمسافة دون أن تغادره ، تعلو عليه لتراه في صورته الكلية، التي في رحلة صعود إشعاعاتها وتشكلها في عقل المبدع، تأخذ من طاقة إبداع هذا الوجود؟
تتهيئ علي سبيل المثال " ماكوندو " مدينته المقذوفة من البحر، أو من رمال الصحراء ، أو من يد الله حين شكلها والقاها للبشر، مكانا ولا مكان ، وهما وحقيقة ، غرائز ورغبات وشهوات إنسانية ، وأحلاما ومجردات ووقيما تتعالي علي كل ماهو غرائزي، متضمنا للأطماع ورغبات الاستحواذ.
تتشكل "ماكوندو" في معظم نصوص ماركيز حيزا فعليا وجغرافيا، يمكن أن يمثل أي مدينة من مدن العالم الثالث، أولا حيزا متعينا علي الإطلاق، بل كل حبة رمل وقطعة صخر في هذا الوجود .
"ماكوندو" المرمية علي شاطئ البحر في أطراف كولومبيا موطن "جابرييل"، أو الكائنة هنا في قلب صعيد مصر، أو في صحراء بلاد الشرق الأوسط، مطلق المكان أو وهم الحيز الجغرافي .
ويتطلب ذلك آلة زمنية خاصة رغم اتساع مدى السنوات الذي تخلقه، إلا أن نفس الأحداث تتكرر بنماذجها البشرية القاهرة التي تظل فوق الرقاب في تاريخ الشعوب، ويعاد بلورتها وكأنهم أقنعة لنموذج الديكتاتور الواحد.
ــ يرسم "ماركيز" شخوصه حالة تغيراتهم وتحولاتهم، حالة حركة وجودهم وحيويتها داخل الزمان والمكان، وهم محملين بالتغير المستمر والطاقات الفذة ، مدفوعين مرة بالنقاء والحلم، الذي ما يلبث أن تتراكم فوقه طبقات من الأطماع والغرائز والآثرة الشريرة التي تجتاح الإنسان في بعض الحالات ، يقص كيف يتحول الثائر النقي إلي ديكتاتور لا يرويه إلا بحار من الدماء ، كيف تغير هذا " الأوريليانو بوينديا" باسم الثورة إلي هذا النموذج المتحول.
في "خريف البيطريرك" يشكل شخصية الديكتاتور لا تحمل اسما بعينه، لكننا نراها ونسمعها تتحرك من حولنا دوما في أمريكا اللاتينية أو في الشرق الأوسط, بنفس المنطق، وذات المبررات، ونفس الاستحقاقات ، تتطور وتتكون ملامحها يوما بعد أخر، وتضيف لها الأيام طبقة نور أوعتمة، يتشكّل ذلك وفق ما يري الروائي الباحث في هذا الكهف البشري الذي يتكشف كل لحظة عن جديد ومبتكر وغير متوقع كصندوق بنادورا.
في "خريف البطريرك" تصورت أن طموحات الكاتب قد تطاولت ليرسم الجنرال الأعظم للكون في مجمله، صورة من آلهة الكتب المقدسة، أهي مطلق الأبوية والربوبية أم هو مجرد فرد ديكتاتور بشري ؟
ــ تتجسد " أورسولا " الأم في "مائة عام من العزلة" أمامي دوما بكل طبقاتها المتفاعلة ومحاور شخصيتها، تقف في مواجهتي في مشاهد حية بأيامي، بكل تلك الخصوبة والقدرة علي خلق الحياة، جمع موجودات الطبيعة ورعايتها وتوظيفها لاستمرار حياة الإنسان وتشكيل كيانه ، بحيواناته وطيوره وزروعه، بالقدرة علي استيعاب الرجال الحالمين المنسحبين من الحياة بمقوماتها الواقعية، المرأة حين ترمم أجزاء رجل متصدع الأركان.
الأم التي تواجه وليد رحمها الذي تحول لديكتاتور، لايقف أمام طموحه وعبادته للزعامة عائقا، لقد أصبح أشد دموية ممن كان يحاربهم من عسكريين، تقف في المحكمة لتقول " لقد أخذتكم جدا لعبتكم المخيفة وهذا حسن لأنكم تقومون بواجبكم ، لكن إياكم أن تنسوا : إن الله مهما مد في آجالنا فإننا سوف نبقى أمهات، وأننا لنا الحق مهما كانت درجة ثوريتكم أن ننزل بناطيلكم ونجلد أقفيتكم متي ما أخللتم بواجب احترامكم لنا "
ظلت عالقة بذهني بعد أن قرأت "مائة عام من العزلة" مجموعة من الشخوص وتكوينهم النفسي الخاص شديد التركيب، هذه الفتاة التي تأكل التراب والطين و تتلذذ بفعل ذلك، تعويضا عن نقص ما، أوإنزلا للعقاب بذاتها.
علاقات عاطفية وجنسية خالدة كما في "الحب في زمن الكوليرا" وأخري غريبة ومجهضة لا نعرف أن نحدد لها ملامحا، قدر ما تأتي خطوطها متحركة هلامية لو أننا تصدينا لها بالتحليل كما يتضح أيضا في نصه "ماريا دوس براسيرس" .
ربما شكل نص "الحب في زمن الكوليرا" لكل روائي أراد أن يحكي عن الحب حائط صد وخوف من الإقتراب بعد ماركيز، ماذا سيكتب في مواجهة هذا الحب الخالد الذي قاوم الزمن وتحولاته، وكل هذه المشاعر الإنسانية المتناقضة والمركبة، وصمودها رغم متغيرات الحياة وأقدارها الساخرة والمتناقضة.
ــ ملمح هام لاحظت تكرره في الكثير من كتابات "جابريل جارسيا ماركيز" الوصول بطاقة المعاني وقدرات الشخوص إلي مداها الأقصى ، غاية ما يمكن أن يتصور في القدرات البشرية ، وربما يعد هذا خيطا من خيوط السحر والشغف التي تغلف واقعيته ، حتي حين يكتب ماركيز عن الشخوص الحقيقية غير الورقية، فينتقي نماذج بالفعل لها من القدرات الخاصة والفائقة التي لا تهدأ، حين يكتب عن "فيدل كاسترو" يصور طاقات الرجل وتحولاته، طاقاته التي لا تنفذ، ولا يقهرها حدود جسده، بل تدفع روحه الأكثر طاقه من إمكانات جسده إلي الارتفاع بها إنسانا فائقا رغم عدم اكتماله، وما يمكن أن يوجد به من صدوعات حتمية. حين يصف شاكيرا الطفلة معجبا بطاقات الصبية ثم الشابة، وقدراتها الخاصة، يصورها وهي تأتي بخوارق لا يأتي بها من هم في سنها أو بيئتها، يرصد لواقعها ومنجزها الذي هو مفارق لطبيعة الأشياء في مستواها المعتاد، يقتنص ماركيز نماذجة في حالة حيوية وطاقة متجددة متضمنين لكل المتجاورات والمتناقضات التي تتعايش وتتجسد فيها طبيعة الشخوص ما بعد الحداثية.
حين يموت ماركيز لا يموت كل السحر بل هو بعضه الفريد، سحر الفن الذي يتجدد ويتنوع بتنوع طاقات الإبداع والروائيين.
فلتنبعث طاقتك في عوالم أخري ولنوقد لك شموعا وبسمات بقدر ما اسعدتنا وأمتعتنا ودفعتنا للفكر المتجدد الثائر.



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جماليات الفوضي في الرواية المعاصرة..-نبيذ أحمر- نموذجا
- سرد الومضة في رواية -وصمة الفصام- للروائي حسين عبد الجواد
- تشظي الحبكة الروائية في -سيرتها الأولى- للروائي محمود عبد ال ...
- قراءة معاصرة لرواية -الحرب في بر مصر- للروائي -يوسف القعيد-
- كقطة مدللة .. - قصة قصيرة -
- حضور الكتاب .. غياب القارئ
- الأمل .. كيان امرأة - رؤية نقدية لرواية -زينة- لنوال السعداو ...
- لست بعورة ..
- السرد النفسي الشاعري في -امرأة ما- رواية لهالة البدري
- تداخلات السرد وفوضي العلاقات في رواية -هكذا يعبثون -
- إله حداثي يقوض الغيبي ..ويعلي العقل في - كتاب النحات -
- بحجم اللحظة .. بل أكثر .. - قصة قصيرة -
- الإنسان ..ونخبوية الفن
- أحلام - فرح - .. -قصة قصيرة-
- غطرسة البُندقية .. ورحابة المسرحية
- - هذا أنتَ .. - قصيدة نثر
- المقيم والعابر ..في حياة المرأة والرجل
- النَزَعات الانتقامية .. والعدالة الناجزة
- - حلم بلاستيك - مقاربة نقدية لعرض مسرحي
- اللغغة العربية .. وبعض الأنين


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - ماركيز.. لتنبعث طاقتك في عوالم أخرى