أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - العشوائية والمعنى– نحن من نخلق المعنى.















المزيد.....

العشوائية والمعنى– نحن من نخلق المعنى.


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4434 - 2014 / 4 / 25 - 03:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- نحو فهم للوجود والحياة والإنسان (10).

http://img427.imageshack.us/img427/6749/14fn3.jpg
http://img364.imageshack.us/img364/4912/34ei.jpg
عندما نتأمل هاتان الصورتان اللتان تصورا مشهد جانبى (بروفيل) لإنسان ودب فى مكونات جبل سيعترينا الدهشة بلا شك ولكن لماذا نندهش من تلك الصور ,ولماذا يحولق البعض ويسبحون أمام هذه الصور الغريبة وينسبوها كعادتهم إلى فكرة الإله ليجعلوا منه نحاتاً بجوار كونه خالقا ..بالطبع سبب إندهاشنا يعود فى المقام الأول إلى أننا لم نعتاد من الطبيعة ذات الخطوط العشوائية على مثل هكذا صور تقترب بشدة من صور موجودة فى وعينا عن أشكال مُدركة لإنسان ودب .
حرى بنا قبل أن ننطلق لتوضيح العشوائية والمعنى أن نتوقف مع الرؤية الساذجة التى تدعى أن تلك الصورتان من صنع إله فقد يرى بعض المؤمنين العقلاء أنه لا داعى لإقحام الله فى كل مشهد طبيعى ,فالطبيعة يمكن أن تنتج مشاهدها وبالرغم أنهم يتعاملون بمنطقية أو قل محاولة لإسعاف فكرة الله إلا أن منطقهم خاطئ وفق الفكر الإيماني مما يفقدهم الإيمان ويضعهم فى خانة الكفر لكونهم اعتبروا إمكانية وجود مشاهد خارج السيطرة والتقدير والإرادة والمشيئة الإلهية سواء أكانت جميلة أو قبيحة , منظمة أو عشوائية , بمعنى أو بدون معنى ,فالمفترض وفق العملية الإيمانية أن كل المشاهد الوجودية تحت إرادة وقدرة الإله كما سيدفع تصورهم هذا إلى السؤال الفلسفى الذى يدمر كل الأوهام عن إمكانية ظهور عشوائية من محتوى نظامى لنسأل ثانية هل الله نحت هذه الأشكال أم أنها وفق العقل والعلم والوعى تكونت بفعل الطبيعة ذاتها بدون تفكير أو ترتيب ,فالتفسير العلمى لهذه المنحوتات هو أنها نتاج فعل الطبيعة العشوائى من خلال عمليات نحر تمت على مدار ألاف وملايين السنين شأنها شأن كل التشكيلات التى نراها فى الطبيعة .

بالطبع من العبث أن يتم إنساب هذه التكوينات إلى وجود إله إفتراضى يقوم بتشكيلها بواسطة أزميله وشاكوشه فهنا نقع فى سذاجة هذه الرؤية من جانب أصحابها الذين أدمنوا أن ينسبوا كل مجهول وعجيب إلى الذات الإلهية بحثاً عن تمجيد الفكرة ولو بتلبيسها أثواب ليست أثوابها بتخطى إشكالية إنساب مشهد وجودى لغير الإله أو الهروب من الغرابة والغموض بالبحث عن حل سهل يُجنب صاحبه مشقة البحث والتفكير ,ولكن من المؤكد أن زملائنا أصحاب الحولقة والتسبيح لو إنصرفوا إلى معاهدهم ودراساتهم ستجدهم يشرحون لك أثر الرياح والماء والترسبات فى عمليات النحر التى تعترى أى تكوين صخرى نراه .
الطبيعة تنتج مليارات الصور المختلفة التى لا تعطى لنا أى معنى محدد أكثر من خطوط وألوان مبعثرة لا تتشابه ولا تتماثل ولا تتطابق .. إذن نحن أمام مُنتج طبيعى تم إنتاجه بواسطة عوامل مادية بحتة فأنتج لنا هذا الشكل ..ولكن السؤال الذى يطرح نفسه كيف أنتجت الطبيعة أشكال قريبة من ذهننا ووعينا ,وبماذا نفسر ندرة هذه الأشكال فى الطبيعة بحيث تكون فريدة فنجدها لا تمثل أكثر من حالات قليلة أمام مليارات المشاهد فى الوجود .فهل يحق لنا أن نسميها صدفة أو عشوائية .
الطبيعة مادة غير عاقلة ولا مريدة ولا مرتبة فهى لا ترتب الأشياء وفقا لرؤية عاقلة منظمة بل يكون كل إنتاجها عشوائى واقع تحت تأثير محصلة القوى المادية التى تحكمها .

نعيش نحن البشر فى وجود يحوى مليارات المليارات من المشاهد التى لا تحوى معنى بالنسبة لنا ,ولكننا لا نستطيع التواجد فى العالم بدون أن نخلق مفاهيم ورؤى منظمة تعطينا القدرة على التواصل مع هذا العالم لذا فمن خلال الرؤية التى كوناها من العالم المستقل عن وجودنا بملامحه وخطوطه نسقط رؤيتنا للنظام على هذا العالم ونبحث عن نقطة تجمعنا معه .
نحن نستطيع أن نسقط على صورة من الطبيعة مخزون ما فى أدمغتنا من صور متى تقاربت معها والتى هى بالضرورة مُنتج من منتجات الطبيعة إنعكس فى مرآة الوعى فلا تخرج الأمور عن هذا الإطار .. منظر عشوائى نشأ من الطبيعة من وسط مليارات المشاهد العفوية العشوائية فنجد انها ذات تقارب مع مخزون صور ذهنية كوناها من الطبيعة ذاتها ويكون سبب ربطها هو أننا نبحث عن علاقات منظمة تجعلنا نتقبل هذا الوجود الحافل بالخطوط والألوان العشوائية الغير مكترثة بأن تكون منظمة أو مُلهمة .
نحن من نخلق حالة الإلهام والترابط ..نحن من نصنع لحظة نظام فى عالم بلا نظام فمن رحم العشوائية جاء النظام أو ما نتصوره نظاماً فهى لحظة تقارب بين ماهو عشوائى وما إتفقنا عليه أن يكون نظاماً الذى هو مُنتج سابق جاء من إسقاط الطبيعة على مرآة الوعى .

http://i.telegraph.co.uk/telegraph/multimedia/archive/01358/allah-fish_1358440i.jpg
هذه الصورة تعطينا إيحاء برسم إسم "الله " بالرغم انها غير واضحة الملامح ولكننا عصرنا ذهننا لنجعل الرابط يتواجد بالرغم من عدم وضوحه ولكن ليس معنى ذلك أن الطبيعة عاجزة أن تعطى ترسيمات لإسم الله أكثر وضوحا ً فليس هذا بالشئ المستحيل فمن وسط تريليونات المليارات من المشاهد الطبيعية يمكن أن نجد رسم إسم الله بالعربية أو الإنجليزية أو أى اسم لأى أحد منا بصورة أكثر وضوحا ً ,ولن نحتاج لجهد كبير فى التبيان , فالأمور مُمكنة الإحتمال أن تحدث ولكن نظرا ً لندرتها فنحن نسميه مشهد عشوائى إقترب من مخزون وعينا ويُسميه المؤمنين معجزة .
هذا يقودنا بأننا من خلال الصور المختزنة فى أرشيف دماغنا نُكون تشكيلات وعينا وأفكارنا وفق ما منحتنا الطبيعة إياه فلو لم تكن لدينا وعى بحروف كلمة "الله " العربية ما أثار رسم الله على ظهر سمكة دهشتنا ,ولتتأكد الرؤية الفلسفية بأسبقية المادة عن الوعى وتقوض فى طريقها كل الأفكار المثالية الواهمة بأن الوعى يسبق المادة . فالمادة هى التى تتقدم على الوعى وتُشكل محتويات وملامح الفكرة وأبعادها وآفاقها ,ومع وجود صور مُكتسبة من الطبيعة تتكون الافكار لدينا ليتم إستنفارها عندما نشاهد صور من الطبيعة تقترب مع ما تَكون لدينا من مخزون صور سابقة فى وعينا تكونت هى أيضاً من ذات الطبيعة.
نحن نعيش فى وجود طبيعى لا يرسم الأشياء بإرادته وغير عاقل ولا مُعتنى ولا مُهتم بتصدير رسالة لنا أو حكمة ما للإقتداء , فنحن من نحاول أن نجمع المشاهد المتواجدة لنلصقها مع بعضها لنكون فكرة هى نتاج ماهو موجود فكل محتواها وجذورها من واقع مادى , ثم نتخيل وهما ً بأن هناك رسالة ما ورائها .
لا يعرف العقل الواعى العيش فى الحياة بدون أن يخلق روابط بين الأشياء ,فالوعى بالنسبة لنا ليس صور منفصلة بل قدرتنا على تجميع الصور بصورة منطقية أو خيالية أو بأى طريقة كانت لخلق مفهوم وإمطباع نتعاطى به ,ومن هنا نحن لصقنا صور الطبيعة مع بعضها ونسبناها لكيان يشبهنا وجعلناه قادر على تشكيل وتكوين الصور وإرسال الرسائل .

" وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ"
دعونا نأخذ بعض التصورات لمفهومنا المغلوط للوجود والذى تسوقه دائما رغبة نفسية عميقة بأن الوجود تواجد من أجل الإنسان ففى آية " وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ "سنعتنى بفكرة أن النجوم هى مصابيح للزينة وسننصرف عن كونها رجوم للشياطين فهى من التهافت واللامعقولية لنتناولها .
مقولة أن النجوم مصابيح للزينة هى رؤية إنسانية ساذجة لمشهد النجوم وإعطائها معنى ناتج من قلة إدراك ووهم الإنسان بأنه محور الوجود ,فالنجوم التى تعد بالملايين وبمثابة مواقد نووية هائلة متأججة تُعادل الواحدة منها أكثر من مليون مرة حجم الأرض تواجدت فى المنظور الخرافى لتكون بمثابة نقط مضيئة فى سماء ليلة صيفية صافية !! ..والغريب أن مانراه من نجوم هى قطرة فى الفضاء الكونى الذى يحوى على ملايين النجوم !! .. بل ما نراه قد لا يكون موجوداً لتبدده فالرؤية التى نحظى عليها الآن هو الضوء الذى وصل لعيوننا بعد ان قطع ملايين السنين الضوئية !!.. فهل من العقل و المنطق أن نتصور أن هذه الغابة من النجوم الهائلة وبهذه الوضعية هى مصابيح للزينة لمنحنا إضاءة خافتة تُحيى ليلة جميلة للعشاق أو أن تراصها فى السماء جاء بمثابة الدليل الذى يهدينا فى رحلتنا البحرية أو الصحراوية .
الإنسان فى العصور القديمة لم يجد للنجوم وظيفة غير كونها تمنحه هذه الإضاءة الخافتة أو ترشده فى رحلته , فهكذا ترائى له وهكذا أعطى معنى وفق وعيه المتوهم بمحوريته ومركزيته فى الوجود .
بالطبع النجوم تتواجد هكذا دون أن تقدم لنا خدمة إضاءة خافتة متى توفرت سماء صيفية صافية ولا هى تواجدت لكى تُهدى أعرابى أو ملاح فى رحلته فهى تواجدت بحالتها المادية قبل الوجود البشرى , وعندما ظهر الإنسان فى المشهد الوجودى وجدها على شكل نقاط مضيئة من زاوية رؤية ليراها كالمصابيح ليوجد لها معنى ,, وحتى تعاطيه معها من خلال إستخدامها فى علم الفلك فما هى سوى محاولة منه فى ايجاد علاقات بين النجوم لإستخدامها كخريطة تسمح لملاح أو أعرابى الإسترشاد فى رحلته فهى لم تُرص خصيصاً من أجلنا بل نحن من أختلقنا علاقات إرشادية منها كمثل إلقائنا لمجموعة حجارة بين موقعين حتى نستدل علي الطريق بعد ذلك .

"والخيل والبغال والحمير لتركبوها " - "وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ " .
لن يعنينا الإعتناء بمدى سذاجة هذه الآيات كونها تُقدم معلومة مُدركة لإنسان ذلك الزمان ,فإذا لم تكن الخيل والبغال والحمير للركوب فماذا ستكون وإذا لم تكن الأنعام للأكل فكيف تكون ,,فهل كان هذا الأمر غائباً غير مُدرك من قبل الأعرابى الذى تُليت عليه هذه الآيات ولكن دعونا نعتنى بأن الإله خلق هذه الحيوانات للإنسان أى أن وجودها ومنافعها جاء من أجل الإنسان وهذا يعطينا مشهد قوى عن محورية الإنسان ,فالحيوانات سُخرت للإنسان لخدمته وإشباعه .!
الخيل والحمير والبغال لم تأتى للركوب إلا مع قدرة الإنسان على ترويضها فقط منذ آلاف السنين فهناك حيوانات أخرى لها نفس التكوين الجسمانى ولكن الإنسان لم يستطع ترويضها إما لشراستها المفرطة أو بعدها عن بيئته وهذا يعنى بأن الأمور لا علاقة بأن تُسخر لنا " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " بقدر ما هى قدرتنا على التعامل معها ..كما أن هناك حيوانات عديدة يمكن الإستفادة منها بأكلها لتتشابه مع الأنعام فى لحمها ومنافعها ولكننا لا نأكلها كوننا لم نستطع ترويضها وتدجينها .إذن لا توجد اشياء مُسخرة وتواجدت خصيصاً من أجل معدة الإنسان بقدر ماهو صراعه معها وقدرته المحدودة فى التعامل مع بعض الأغنام والأبقار والدجاج , ولنسأل فى النهاية ما موقف كل الحيوانات التى تتواجد ولا نتعاطى ونستفيد منها من فكرة التسخير.

الطبيعة جميلة وساحرة ولكن بعيوننا نحن .
نتصور أن الطبيعة جميلة وإنها من خلق الإله الذى يُحب الجمال ويَستحسنه فخلقها لنا خصيصا ً حتى نستمتع بمشاهدها الجميلة ,فهل الجمال من أجل الإنسان أم الانسان هو من يمنح الاشياء جمالياتها .؟!
تناولت فى مقال سابق "فلسفة الجمال " ماهية الجمال كحكم وتوصيف الإنسان للأشياء وفقا لإنطباعاته فلا توجد جزيئات فى المادة إسمها جزيئات جميلة ,فالجمال توصيف لمشهد نسقط عليه إستحساننا كونه يفى بحاجات جسدية ونفسية عميقة ,أما القبح فهو نعت مشهد يستدعى النفور من إرتباطه بألم وشقاء.
نحن من منحنا المشاهد الطبيعية معنى ومدلول من خلال إنطباعاتنا المرتبطة بالحاجة والراحة والإشباع بينما هذه الاشياء مستقلة عنا لا تحمل رسالة جمالية خاصة ,فالطبيعة لم ترتب جزيئاتها ومشاهدها من أجل ان ترسم للإنسان منظر جميل يُسعده بل نحن من نسقط مشاعرنا وإنفعالاتنا وإنطباعاتنا على الطبيعة لنتوهم بأن الجمال شئ خارجى ويرجع هذا إلى الجهل الإنسانى بإدراك كينونة الأشياء ومعرفة نفسه مع غرور فارغ يجعله يرى أنه محور الوجود والإهتمام فالمشاهد تم رسمها بعناية من أجل عيونه الجميلة .!

النحل والعسل .
"وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون "– النحل 69 ... نحن أمام آية تثبت محورية الإنسان فالنحل وإنتاجه من العسل جاء للإنسان لدرجة أن الله أوحى للنحل أن تقوم بهذه المهمة لتسلك دروب شتى حتى ينعم الإنسان بالإستفادة منها لتكون آية ومعجزة .!
النحل يتغذى على رحيق أزهار النباتات والأشجار المختلفة وهو ينتج العسل كمخزون غذائي يحتفظ به ليستعمله غذاءاً له فى فصل الشتاء عندما تتوقف النباتات والأشجار عن الإزهار حيث يقل الرحيق أو ينعدم فيها ليمارس هذا الفعل من 150 مليون سنه قبل ظهور شئ اسمه الوجود الإنسانى !! .. وهذا يعنى أنه يمارس هذا الإنتاج ليس للإنسان بل كمخزون غذائى لوجوده فلا معنى هنا بإعتبار هذا المشهد الإنتاجى مُعد خصيصاً ليحظى به الإنسان .
الفكرة أن الإنسان البدائى رأى العسل فمارس فعل لعقه ليَستحسنه وليُداوم على هذا ثم يلاحظ أولاده وأحفاده بأن العسل ليس طيب المذاق فحسب بل يعطى نتائج جيدة فى القوة والصحة والشفاء ليتوهم الإنسان بنرجسيته أن النحل ينتج العسل خصيصاً لمعدته بينما هو يُمارس دور نهب وتطفل على مخزون النحل الغذائى ..إذن القول بأن هناك إله يعتننى بهذا الإنسان ويخلق النحل من أجله هى فكرة محورية الإنسان الذى يتصور أن الحياة تم إعدادها من أجل إسعاده .

البحث عن التكاثر عبر التلقيح وليس من أجل أنوفنا .
الزهور جميلة تطلق زهورها العطرية الرائعة لنتوهم أن هذه الزهور والورود تواجدت من أجل أن نستنشقها ونتعطر بها ,ولنتوهم أن هناك من يعتنى بأن نستمتع بعبق الزهور فخلقها خصيصاً كى نشمها ونتعطر بها بينما النباتات العطرية تفرز زيوتها الطيارة لتحتمي من الحشرات التي تُسبب لها الأذى ,كما تساعدها فى التكاثر بجذب النحل لنقل حبوب اللقاح أى أن الزيوت العطرية لم تتواجد من أجلنا بل فى طبيعة النباتات الطبيعى , فكون تصادف تواجدنا فى طريقها وإستحسنا رائحتها فهذا لا يعنى على الإطلاق أنها تواجدت من أجل أنوفنا الجميلة .!
كل ما نستحضره من مواد طبية أو عطرية من آلاف النباتات المختلفة هى مواد تتواجد فى بنية النباتات لخدمة وظيفتها فى النمو والتكاثر والحماية فلا تكون الأمور مُرتبة وذات عناية خاصة أى لم تتواجد خصيصاً من أجلنا فهى متواجدة قبل وجودنا بملايين السنين وكوننا جربنا التعاطى معها لنجد بعضها يُفيد المعدة والبعض الآخر يقوى القلب أو يشفى الجلد فهذا من باب التجربة والملاحظة والدليل ان هناك نباتات تؤذى المعدة والبعض يُسمم الجسد ويفسد الجلد , وهذا يعنى ان الوجود تواجد بدون ان يُعد لنا هدايا ومكافآت خاصة بل نحن تلاقينا أمامها ومن باب التجربة والملاحظة وجدنا أن هذا يُفيد وذاك يَضر .
الطبيعة انتجت نبات الخشاش لنتعامل معه فنجده يمنحنا حالة تخديرية لذيذة فهكذا أنتجت الطبيعة بعشوائية بلا تخطيط أو تدبير .. هذا إذا لم يكن هناك رأى آخر يرى أن الإله مهتم بمزاجنا .!

لو تأملنا أى مشهد وجودى بدون ان نُسارع بخلق غاية سنجده مشهد يقدم صوره ديناميكية للحياة لا يعتنى بوجود الإنسان وليس لها علاقة عضوية مع وجوده فلن يوجد مشهد حياتى واحد ينتج وجوده من أجل الإنسان كهدف وغاية له بل نحن من نقف أمامه لنفترسه أو نتطفل عليه لنجعل منه غاية ومعنى .
الإنسان كائن نفعى برجماتى يلهث وراء إشباع حاجاته وإيفاء رغباته ويمتلك فى الوقت نفسه رؤية نرجسية وغرور متعال متوهماً أن النباتات والحيوانات التى يستفيد منها ويتطفل عليها تواجدت خصيصاً من أجل وجوده فهى مُسخرة لخدمة وإشباع حاجياته الذاتية بينما الأشياء تتواجد بذاتها غير مُتعمدة أو مُجهزة أن يكون مصيرها فم الإنسان , فما نراه مناسباً للتعاطى معه من خلال التجربة سنتعاطى معه ,ومن نجده ضار وغير مفيد سننصرف عنه فالأشياء تواجدت هكذا.

العلم يتناول الوجود كما هو ولا يعتنى بسؤال " لماذا" الباحث عن الغاية فهو يستطيع أن يفسر "لماذا" من خلال العلاقات المادية ولكن لن يقدم إجابة عن "لماذا " الباحثة عن الغائية والمعنى ,بينما نحن نقرأ الوجود باحثين على ان نُلصق به معنى وغاية ,فالغاية والمعنى هى نتاج أحاسيسنا ومشاعرنا وإنطباعاتنا العاطفية ونوازعنا الداخلية التى نسقطها على الوجود المادى لنتصوره كما نريد لنخلق فى داخلنا إرتياحية خاصة ومعنى وقيمة لوجود مادى صارم غير مُعتنى وبلا مَعنى .
الإنسان يؤمن بالميتافزيقا والأديان لأنها تحقق له طفوليته وغروره بإحساسه بالتفرد بأنه محور الوجود والإهتمام ويكون الغرور والنرجسية هنا هو غرور الفكرة والنهج ليريح إنسان مضطرب عاجز ومهمش فهى تعطى له دعم نفسى فى أنه مازال متواجداً فاعلاً ضد التهمييش الوجودى , وإذا كان هذا يريحه فلن يسعفه فى التعاطى مع الوجود بهذا الفهم المغلوط , فالفهم الحقيقى هو أنه وحدة وجودية متطورة تتعاطى مع الوجود لتفهمه وتتناغم معه وعليه أن يتعامل معه كما هو بدون أى إضافات أو غايات تجعله يتوهم أنه محور الحياة .

عندما نحاول البحث فى الوجود فهذا يعنى البحث عن رؤية الإنسان وإحساسه وإنطباعاته وإنفعالاته فهو الكائن الوحيد الذى يستقبل الوجود بوعى ليسقط عليه رؤيته وأحكامه وتقييماته وإنطباعاته وأحاسيسه المتأرجحة بين قطبى الألم واللذة لذا يكون فهمنا للوجود هو البحث فى أبعاد الإنسان النفسية وآفاق ومحددات تفكيره ومدارات وآليات الدماغ ومواطن الألم واللذة لتتحرك آليات وعيه حصراً لإيفاء حاجاته الجسدية والنفسية بإنتاجها للأفكار والخيالات والأوهام .

دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توقف وتأمل قليلا-الأديان بشرية الفكر والهوى.
- النقد الدينى الدينى بين التهافت والإزدواجية والتبجح .
- وجود عشوائى-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان .
- تسامح الإسلام المنسوخ .
- ثقافة البغبغاء – لماذا نحن متخلفون.
- سامى لبيب - مفكر يساري وباحث في الشأن الديني – فى حوار مفتوح ...
- ثقافتنا البشعة طالت العلمانيين والملحدين واللادينين العرب.
- شهيد الذبابة.
- تأملات فى ثقافتنا البائسة-لماذا نحن متخلفون.
- تخاذل المثقف – لماذا نحن متخلفون .
- عذراً إيمانكم كله خاطئ فالله ليس كمثله شئ.
- لماذا الإيمان ولماذا يؤمنون .
- تأمل .تأمل -الأديان بشرية الفكر والهوى والهوية .
- منطق الله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم(34).
- الصراع العربى الإسرائيلى الذى خاب وخبا-قضية للنقاش .
- البشاعة تراث أم بشر–الدين عندما ينتهك إنسايتنا(50).
- إختار الإجابة الصحيحة–الأديان بشرية الفكر والهوى والهوية .
- إنهم نصابون –خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم .(33).
- الله بين المعنى واللامعنى .
- مفاتيح لفهم الوجود والحياة .


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - العشوائية والمعنى– نحن من نخلق المعنى.