أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن جبار محمد - هكذا تكلم مول النخالة















المزيد.....


هكذا تكلم مول النخالة


بن جبار محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4432 - 2014 / 4 / 23 - 21:48
المحور: كتابات ساخرة
    


هــكذا تكلــم مــول النخــالــة ..

قــال لي مول النخــالـة و هــو في حـالـة سكــر متقدمــة ، أنــه في سنــة 1995 كان يسكن في حي الطــوب و كــان هــذا الحي مأوى للإرهــاب و خوفــا على نفــســه و على أسرتــه لبس عباءة بيضــاء و داوم على صــلاة الجمــاعــة و في أغلب الأحيان يصلي بدون وضــوء ! في إحدى المــرات من ليالي الصيف شديدة القيظ ، أشتــعــلت مواجهــة بين قــوات الأمن المشتركــة مع الإرهــاب و كــان الرصـاص ينزل علينا مدرارا مثل حبات البرد ، كنــا نرتجف هــلعا و خــوفــا و دامت المواجهــات أربع ساعات كامــلة ، إلى أن رفــع آذان الفجــر : الصــلاة خير من النــوم ! قلت في نفسي و أسخر منــها ، من منــا رأى طعــم النوم و نــام يا مؤذن ! الحي كــلــه واقفــ على بكرة أبيـــه .
2
طلب مني صديقي و أخــي عزالدين و هــو من متابعي مول النخــالة منشورا آخــرا لهــذا اليوم ، فنــزلت عند صديقي مول النخالـة و أخبرتـه بذلــك ، قال لي : الدجــاجــة تبيض بيضـة واحدة في اليوم و ليس بيضــتين .
3
قــال لي مول النخالة أنــه كــان لــه موقف عجيب مع إبنته الصغيرة يمينــة (ذات خمسة عشر سنــة ) اليوم ، ضحك و هــو يكمل حديثــه أنــه إبنــته عندما كانت صغيرة، كان يحـلو لــها النــوم بيني و بين أمــهـا ، تأخذ مكانهــا في وسط الفراش إلى أن يأخذهـا سيد النوم وترحل إلى عــالم الأحــلام ، في الصبــاح عندما تستيقظ تجد نفســها في مكان آخــر، منزويــة في ركـن الغــرفــة ، كانت تسأل أمــها من حــوّلــها من مكانــها بينهمـا ، كانت تقــول لــها أن المــلائكــة حــوّلـتـها وكانت تحت رعــايتها حتى الصباح ! وهــكذا حتى أمسكت عن طــرح نفس السؤال و أصبحت تنام مع إخــوتها .
البارحــة شــعـرت بالضجــر فقمت من مكــاني في ساعــة متأخــرة من الليل و تــوجهـت إلى عشيقتي رحمــة ، عندمــا أستيقظت إبنتي صباحا لــم تجدني بجوار أمــهـا ، بعد عودتــي سألتني أين كنت البارحة ؟ قلت لــهــا حملتني ملائــكة الرحمــة ! نظرت في وجهي مــليـّا ثم أردفت بتهــكم و عينيهـا نصف مغمضتين وهي تبتسم : ملائكــة الرحمــة أم ملائكــة رحمــة ؟؟؟؟ فــطأطأت رأسي و أنصــرفت .
4
كلمـا حــاولت أن أسألـه عن حياتـه الزوجيــة و سبب حزنــه و تعــاسته و إرتمـائــه بين أحضــان "رحمــة " كان يتهــرب من أسئلتي و يغيّر مجرى حديثــه ، لــم أجد حيلــة لسبــر غــوره و معــرفـة بعد تفـاصيل حياته الخاصــة ، كنت فضــوليا نزقــا معـه ، وكان ينهــرني عن فضــولي الزائــد ، إلى أن جمعتنا جــلســة مسائيــة تحت ظــلال زيـتونــة مباركــة في مزرعــة قديمــة مهجــورة ، هــذه يعــرفــها السكارجيــة بإســم شجرة الإعتــرافـات ،شجــرة غــريبــة مباركـة لما تصبــغــه على الجالس تحتهـا من طمأنينــة و سكــون و هــدوء نفسي عجيب .فتــحت زجــاجــة مونيــكا و بدأنــا بإحتســائهـا بتــلذذ ، و عــلى حين غــرة ، أعــدت طــرح السؤال عــليــه و أوهــمتــه أن حالتي أســوأ من حــالــه مع خديجــته ، كنت أســرد عــليــه تفاصيل بيت التعــاســة الذي أبتليت بــه ، كان ينصت إلــيّ بإهتمام شديد و تركيز كبير نـادرا ما أراه في هــذه الحــالــة ،أطمأن إليّ ، كــان يفــرغ آخــر ما تبقى من القطرات السحريـة لمونيكــا ، أصبــح يجــاريني في الحديث إلى أن أجتــاز مــرحـلـة التحفظ قـال لي مول النخــالــة : أنت لست أسوأ مني !زوجتي خديجــة لــم أســعــد معــها سوى أيــام معدودات ، السنوات الأولى من زواجي ، عندما تزوجت بها كانت تهتم بي و تحبني و أحظى بكل أنواع الرعــايــة ، كنت وفيا لهــا و أعــزهــا إلى أن حدث نشوزا في عــلاقتها معي ، تدخـلت أمــها و كانت جزءا من المأساة ، رأيت أن سلوكهــا تغيّر تماما نحوي ، وقتئذ كانت تدمن على الأفــلام المكسيكيــة و البريزيليــة و المصريــة ، أصبحت تعيش إنفصاما مع واقــعـها ، أنسلخت مع واقـعها ، كنت أحــاول أن أشدهــا إلى واقعــها كأن أصطحبها إلى المستشفى أو الســوق أو أهلها أو أعــهــد إليها تنظيف زريبــة الحمــار أو أتـرك تذهب إلى المقبرة ، أردت أن تعيش عــالمهـا كمــا هــو ، مع الميئوس منـهم ، المغبونات و المغبونين و المدقدقين لكن تحــول فصــامهــا إلى إحتقــار شديد لي و لأبنائي ، كانت تضرب بنــاتي بشــدة كــأنــهن ليس من صلبها ، عــواد خــويا ! عــلاقتي الجنسيــة معها ، أكرمك الله لا تــعدو محاولات يائســة بائســة ، تتحول إلى عــلاقــة ضجــر لا طعــم لها و لا حياة ، لا أجــد جسدهــا ســوى قطــعــة بلاط باردة ، كلما أنتقلت إليها أجدهــا تغــّط في نــوم كفــريســة تنبعث منـها روائح البصل ، أستدير و أنــام في مكان مــا بعيدا عــنهــا .
أرتميت في أحضــان "رحمــة " كــانت عكســهــا تماما ، أعــرف أنــهــا لا تحبني و لكن أشعــر أنني أفضل زبون لديها ، في حقيقــة الأمر هي تحب ما أغدق عــليها من أرباح النخالــة ، تسعدني كثيرا ، أقبـلها بفرح ، أرتمي في أحضانها ، تداعبني ، أضحك بكل ما أوتيت من سعــادة ، أغــوص في عالمها ، أصرخ من النشــوة ، أحس أنني أطير في سماوات اللذة ، أكتوي بنارها ، أشهــق ، أسبح في عــالم الشهـادة و الملكوت ، أخــرج مكبوتاتي ، تتفجــر أنوثتها إلى شظايا على جسدي .أصحى فأعــود إلى خديجــة و أنــا أحس بالذنب ،أجدهــا لا تزال ترتدي "البدعيــة" الحمراء منذ ســنوات فأصــاب بالكــآبــة ، سقطت دمــعــة على خذه ، لــم يمسحــهــا ، شعــر بمــلوحتــها وحرارتــها . هــكذا نــحن !
سرنا في طــريق موحش ، فــجــأة بدأ يقفــز في الــهــواء و يضحــك ويقهقه بشــدة كأنــه ينفض آخــر ما تبقى لــه من نخــالة ، فــعــرفت أنــه الآن أكثــر حــريــة ، أكثــر صدقــا ، يا عــواد حرّرتني ..
5

حدثنا مول النخالــة قــال : كان أحــد جيراني السابقين و تحديدا في 1992 أكثــر تحمسا للفيس و من أحد أكبر مناضليــه و قــد ورّط الكثير من المواطنين حيث كان يقــوم بدور المخبــر لدى الجمــاعــة و يزودهـا بأخبارالحي و مستجداتــه ، كان يدافـع عنــهــم بشــدة و يجد لهـم كــل المبررات المنطقيـة و غير المنطقيـــة إلى أن أتــى وقت أين قــامت الجماعـة المسلحـة نفسها بقتل أخيـه ببرودة دم كامــلة و أنصرفت فقام بتمزيق ملابســه و جرى من ورائهــم كالمجنــون ،حينهـا فــهــم ما معنى هــذه الجماعــة و مامعنى الإرهــاب !
إلى كــل من يبرر الأعمــال الإرهــابيـة و الوحشيــة فأعــلم أنــك أنت إرهــابي و دموي وسافــل ، سيأتي يومــا مقتـلك و تجد من يبرر قتــلك ببساطــة .
6
صديقي مــول النخــالــة منشغــل جدا ببرابولــه الجديد ، حيث ساعده أحد جيرانه الشباب على تثبيته نحو إتجاه فرانس تيليكــوم ، ربطه بالطوب و الأسلاك و قــال لي هــذه آخـــر مرة أشــاهـد القنــوات الجزائرية ، "نتهاني من الكذب تــاعــهــم "، أستحسنت الأمــر و فــكرت في الأمــر و أحذو حذوه لكن بناتي و أمهــم ممسوسين بالأفــلام الهنديــة والقنــوات البعيريــة و التركيــة لم يتركون لي خيــار إستبدال و توجيهــه نحو القنوات الفرنسيــة ، أندهــشت أن مول النخــالة لــه هــامش حريــة أكثر مما هــو لدي ! حاولت أن أظهــر بعض الغضب لكن تصدت لي زوجتي و قالت لي إذا أردت قنــواتك الفرنسيــة أشتري لنفسك تلفزيون جديد و بارابولك ، لنا تلفزيوننا ولك فايسبوكك ، أفهــمت ! نعم فــهمت . تسللت من البيت و أنــا أندب حظي .
7
قال لي مول النخــالـة و هــو يهــز رأســه إيمـانا بما يقــول :
كثيـــر لصحــاب يبقى بلا صــاحب ..جــر عربتـــه بعيدا و هــو ينــادي أيــا النخــالة للبيع
8
طالب مني مول النخــالــة أن أفســر لــه كلــمة "شغــلة الديك" و قد سمعـهـا من أحد زبائنه ولــكن يجهــل معنـاها ، ذهبت إلى الحاج غــوغــل بدوري لأبحث عن هــذا اللغــز المحيّر و أقــرا نتائج أبحاثــه لأكتشـف ما يلي :
الف ليلة وليلة- الليلة الخمسين بعد المئة
فقالت لي: طب نفساً وقر عيناً فإن الميت مرحوم والحي ملطوف وأنت شاب مليح وأنا ما أريدك إلا بسنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومهما أردت من مال وقماش يحضر لك سريعاً ولا أكلفك بشيء أبداً وأيضاً عندي دائماً الخبز مخبوزاً والماء في الكوز وما أريد منك إلا أن تعمل معي كما يعمل الديك فقلت لها: وما الذي يعمله الديك فضحكت وصفقت بيدها ووقعت على قفاها من شدة الضحك ثم إنها قعدت وقالت لي: أما تعرف صنعة الديك فقلت لها: والله ما أعرف صنعة الديك قالت: صنعة الديك أن تأكل وتشرب وتنيك فخجلت أنا من كلامها ثم إني قلت: هذه صنعة الديك قالت نعم وما أريدك إلا أن تشد وسطك وتقوي عزمك وتنيك ثم إنها صفقت بيدها وقالت: يا أمي أحضري من عندك وإذا بالعجوز قد أقبلت بأربعة شهود عدول ثم إنها أوقدت أربع شمعات فلما دخل الشهود سلموا علي وجلسوا فقامت الصبية وأرخت عليها إزاراً ووكلت بعضهم في ولاية عقدها وقد كتبوا الكتاب وأشهدت على نفسها أنها قبضت جميع المهر مقدماً ومؤخراً وأن في ذمتها إلي عشرة آلاف درهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

9
أول درس أستخلصتـه من هـذه الإنتخابات ، هـو أن بطاقــة النــاخب سأحافظ عـليها في مكان معـروف بعد أن ضــيعتها بين ركام الوثــائق و لـم أجــد لها أثرا إلى الآن ،ثاني درس أنــه لا يجب معاكســة مرشــح النظــام مهمـا كـان لأنــه لــم يحدث أن مرشــح النظــام قد خســر الإنتخابات إلا في فرنسا على حسب ما أعتقــد و بالتـالي عندمـا أنتخب أذهب مباشرة إلى صندوق الإنتخاب و أضع ورقــة مرشح النظـام مباشرة وحتــى لا أصـاب بالإكتئاب و الحزن الشديدين و "تتهنى القــرعــة من حك الراس " الدرس الثالث أن أساند ما يسانده القــواوديــة لأنــهم هــم دائمــا يربحــون الإنتخــابات و يــعــوّل عليهـم في مثل هــذه الإستحقــاقات أمــا الشرفــاء كمــا قــال صديقي فانــهم لا يصلحــون إلا كرؤســاء زوايا أو أطباء أمراض النســاء .
10

كان يجلس على كــرسي هــزاز بــقلق شديد ، يتحسس أخبــار مطلقــته من وراء جدران المدينــة و يسأل عنـهـا الغرباء و يتـابع تحـركــاتهـا و حركــاتها ، يقـدم الحلوى إلى الأطفــال الذين صــادفــوهــا ، يسترق لــهم السمــع بخبث لكي يخبروه عن ماذا كانت تتحدث و ما لون لباســهــا وصنف عطــرهــا ، و قــد عـقـد صداقــة مشبــوهــة مع إحدى صديقــاتها القدامــى لتجــود عـليـه بالأخبار الساخنــة ، كـل يوم تزداد حــالتـه سوءا ، عندمــا يخبرونه أنــها بخيــر و صحــة و عــافيــة و أنــهــا أكثر تألقـا و بهاءا و أكثر جمــالا منذ أن تطلقت من زوجهــا ، كاد أن يغشى عــليــه عندمـا سمــع أنــها في الآونـة الأخيرة ترتدي اللــون الأحمــر ، كان قـلبــه الضعيف يئــن أنينــا شديدا من شــدة الغيظ ، قال في نفــســه أنــه لا يستلذ طــعم الحياة إلا و هــم يحملونهــا على نعش و يقبرونــها ، بينمـا هـو في بيــتــه جاءه خبرا أن مطلقــتـه عقدت قرانــا مع أحــد أعيـان المدينــة حتــى سقــط جثــة هـــامدة .
11
بينما أنــا في طريق إلى كشــك لبيـع التبــغ ، أعترضنــي صديقي مول النخــالــة ، وقــد تفــّرس مــلامحي قبـل أن يقــول لي بــلهــجـة تنم عــلى السخــريــة ، أعــرف أنـك متيــّم بعشقــهــا ،مــن ؟ و أنا مندهــش من كــلامه الذي لــم يخطــر ببــالي ، الجزائـــر ياحبيبي ! ، سكتت ، يــا مغــفــل لا يجب أن تــعشق أو تحب ، نحــن نــوهــم بعضــنــا بالحب و الهيــام و الجنــون لكــن في الحقيقــة نبحث عن عــلاقــة جنسيــة للإستفادة من مواردهــا و خيرهــا وخميرهــا . تــعــال معي جــارة عشيقتي "رحمــة " فتــاة جميلــة بحــاجـة إلى رجل مثــلك و لكــن لا تسقــط في حبــها ، ستفتــرســك إنــهـا مثل العنكبوت إحذر من شــراكهــا .
12
قـال لي مــول النــخــالــة و هــو ينــزع البردعــة عن حمــاره ، هــل مازلت تتابع دراساتك العليـا ، قلت لــه نــعم ، عــواد خــويا هــذا البلــد ماهــوش تـاع عــلم ، لــو كــان يقــدرو العلم ماراكش معــايا هنــا في الزريبــة تــاع الحمــار !
13
قــال لي مول النخــالـــة و بــعــد أن توجــه إلى مكتب الإقتراع و أنتخب مثل كل الجزائريين المقهــورين خوفـا من مشاكل إداريــة يــتم إستحداثهــا إنتقاما من المسحوقيـــن ، قــام بواجبــه ذرءا للمصائب و العراقيل و جلبـا لمنفــعــة إداريــة بسيــطة لـعلـه يحصـل على مزايـا السلطـة مثل إقــامــة عمــود كهــربائي أمــام زريبــته و هــذا أقصـى ما يريده ، لأنــه يحدث في الليالي المــاطرة أن يستيقظ في وســط أوحال و يغــرق هــو و يغــرق معــه حمــاره ، لــذلـك هــو ينتظــر التغيير الذي سيحدث لا محالــة على زريبتــه
14
مول النخــالــة يجيب :
تقدم أحــدهـم من أصدقــاء عــواد شاكيا باكيا لأنــه لــم يلتزم بنصــائحي و قد أنفرط العــقــد الذي كان يربطــه بصديقــته و عشيقــته و محبوباته وقد جــاء على لســان صديقي أن البارحــة أنفصــل عنــهـــا و لأنــه لم يأخــذ بنصــائح مول النخــالــة حيث راح بحمــاقــة يتكــلم عن واجباتــه الزوجيــة و مشاغــله البيتـية و إهتماماتــه المنزليــة أمــامهــا مما أثــار أعصــابها و تنرفزت مما أجبرهــا عن الخروج عن واجب التحفظ وقــالت لــه "انا من بكري عارفة انك معتبرني قحبة " عـذرا أصدقائي على الكلمــة النابيـة
الجـــواب :
أنــا لست مصــلحا إجتماعيــا و لا محللا نفسيــا ، أنـا من خـلال تجربتي الحياتيــة مع العشيقـات و الدروس القاسيـة معهن ، لــو أريك رأسي أنــه مثخـن بالجــراح نظرا للعدد الكبير من الصــرعــات تعلمت أنــه يجب إختيار الجــهــة التي تريدهــا بدون تردد ، الله يسهـــل.
15

أستقــام مول النخــالـة في جلستــه في ظل أحد حيطان الشــارع المقابل لبيتـــه ، و قــال لي هــل بغلق البورديل القديم الذي كان في حي القــرابــة أنــهى المشكــل ؟ كنا شبــاب و نذهب إلى هنــاك لنفرغ شحناتنا و كبتنا و فائضنـا ، كنا في كامل أبهتنا و قــوتنا و نعيش في تناغــم مع المجتمــع ،لم يكن هـذا الكلام الزائــد عن التحرش و المعاكسات الخطيرة ، كل واحد منـا يعــرف حدوده ، كانت النساء محترمات بلباسهن التقليدي أو الحايك أو الميني جيب ولا أحــد يعاكسهــن ، كنا نحن الشباب نتودد لــهن و نحبهــن ونحفظ أجمل القصــائد و أجمل الأغــاني و ندندن بها لــهن ، رغــم بساطــة عيشنــا ، كنا فــعـلا ملائكــة بالمقــارنــة مع أجيال اليوم ، ربمـا لاحظت أن صعــود الأحزاب الدينيـة و المد الأصــولي في أوائل التسعينيــات آتى على آخــر ما تبقى من البراديل وقد كان برنامجهــم الوحيد حقيقــة و لكــن هــل العــهــر أنتهــى ؟ بـل أن الأمــور تعفنت أكثر فأكثر و تحولت إلى مكــان لهــا في عــقــولنــا ، اصبح المجتمع مجتمعا بورديليــا بإمتيــاز .
16

قــال لي مول النخــالــة و هــو يفــرز كيس بلاستيكي أبيض قديم فيهـا كثير من وثــائقــه الشخصيــة مطــويـة مبعثرة ممزقـة بــعد أن سحبهــا من الصندوق الحديدي ، دفتر عائلي منزوع الغــلاف ، مستخرجات عــقود الميلاد ، فاتورة المـيـاه ، صور شمسيــة ، وصفــة طبيب عــام، بطـاقـة إستخراج النخالــة من الديوان تربيــة الأنـعام ، كان يبحث عن بطــاقــة إنتخـاب أودعها بين أوراقــه قبــل خمس سنــوات ، ساعدني يا عــواد على العثور عــلى هــذه البطــاقــة من بين هــذا الركــام ، هــذه البطــاقــة تمثل بالنسبــة لي أنني مازلت مواطنا صــالحا يدلي بدلــوه مثل الآخــرين و هــذا دليل كاف عــلى أننا لسنا عبيــدا كمــا يريدون أن يصــوروننا ، لكــن لهــا نجاعتهــا في الإختيار و الحسم ، إذا كان تزوير أو شيئا ما من هــذا ، هـم يتحملون وزره أمــام ربي الذي يعــرف ما في الصدور و ما في الصندوق ، يا صديقي أريد أن أذهب اليوم إلى مركز الإقتــراع و أعطي صــوتي بكل حريــة لأنني غير سلبي و أريد ترجيح مرشح على مرشحين آخــرين ، أمــا أن أقــاطع و هــذا الكــلام الفارغ ،ما يقدم ما يأخـــر ! ألا تذكــر في الإنتخابات الأخيرة ، كيف أمــكن لفــئــة صغيرة أن تسيطر على الإنتخابات و هــم لا يمثلون الشعب و لكن فقــط كانوا إيجابيون و الغالبيــة العظمى كانت سلبيــة إلى درجــة أندهــشوا لإكتساح حزب معين لكـل المقــاعد ، بــعــد ذلــك أنخــرطــوا في البكــاء و السخــط و التذمــر و الكــلام الفارغ ..كنت أنصت لــه بإهتمــام من أين لــك هــذا الوعــي ؟ هــذا كــلامك يا عــواد و أنــا أحفظــه عن ظــهــر قلب ، أنت مدرستي يا عــواد !
ألا تــرى الكــلام عن الإنتخابات كــلام ثقيـل و ليس لــه نــكهــة ، نريد أن نتخلص من وجــع الرأس يا عواد ، مول النخــالـة ماهوش رابح ماهـوش رابح !
17

لا أستطيع مفارقة صديقي مول النخــالــة وخـاصــة عندما يخفي مشترياتــه لعشيقــته رحمــة ، يخفيها عندي قبل أن يتوجــه إليها ، إمـرأة طويلــة ، شــعــر مصبــوغ بالبني ، هــو في الحقيقــة لا يعــرف لونــها الأصلي ، تارة أصفـر باهت و تارة أحمــر و تارة أصفــر فاقع و تارة أســود حالك ، كــل مــرة لونـا مخــالفا على ما عــرفــه عنــها من الألوان و الطــلاءات التي تضفيها على شعرهـا و أظافرهــا ، لا يسألـهــا عن الألوان و قــد تعاتبــه مرارا عن عــدم إهتمامه بشكلها الجديد ، الواضح أنــه لا يركــز إلا على مفاتن جسدهــا ، تتعمــد رحمــة على إرتداء ملابس ضيــقــة و تترك جزء من صدرهــا البض ينكشف لــه و هــو يغرز عيــونــه بين ثديهــا دون أن يرف لــه جفـنـا ، يكــاد يختنق ، تنهــض من مكانــها تتهــادى لتناولــه فنجان قــهــوة و يتابعـهـا بتركيز عيونــه على أردافــهـا ، يا إلهــي ! أنت النار و أنت الجنـــة ، أنــا بين يديك يا صاحبــة المقام و الدلال ، أنــا عبدك ، أنــا تحت تصرفك ، أطلبي ما تشائين ، لاشيء حبيبي .فقط أن تكون سعيدا ، أن تكون مرتاحا في هــذا البيت ..تلف ذراعــهــا على ظــهــره ، لمــاذا لا تبقى معي إلى الأبــد ؟ و نبقى ســويــا ؟ يرفــع رأســه فجــأة و ترتعد فرائســه يحس أن الســم ينفــذ في جســمــه ، نــعم و لكــن ..ثم تدمــع عينــاه ، لا يستطيع الآن الفكاك منــها خـاصــة و أنتبــه لبدايــة نضوجــه على نــار هــادئــة ، يفتــح جيب سروالــه و يخرج لــهــا بعض الأوراق الماليــة و يدفــع لهـا ما تقدم ومــا تأخــر ، و هــويقــول لنفســه لي يحوس يربح العام طويــل .
18
قال لي مول النخــالــة وهــو يقترب مني ببطء ، وقــد عـرفت من خــلال حركــاته المميزة و من تجربتي معــه يريد إفصــاح عن كلــمــة لهــا معنى و وقــع يلخص كل شيء في عبارة واحــدة ، يا عــواد لمــاذا عنــدمـا نمـــر بجــانب مــقر الأمــن الوطني لا نشــعــر بالأمــن ! لمــاذا لا يسمونــهــا مقرات القمــع مثلا ؟ أو القــوات المضادة للشعــب ؟ أو عصي النظــام ؟ أشعــل سيجــارتــه وغــادر المكــان دون أن ينتظــر جــوابي .أيـــــا النخـــالة للبيــع
19
إختبــار الحب كــان صعــبـا ،و خيــارا لا أمــلك فيـه قــوة و لا إرادة ، كـل الإرادة و العــزيمــة اللتان أمــلكــهمــا تستنفـذان في التجــوال عبر أحيــاء مدينتي ، عــندمــا أصــل إلى البيت أكــون قد حرقت أعصــابي و بــحّ صــوتي و تسرّب إليّ التعب في كل بقــعـة من جســدي. لــولا علبــة الشــمّــة التي تغالب التعب و الإنهــاك و الجــوع لوضعــت حدا لهــذه المـهــنــة التي يقتــات منــها أبنائي .لكــن حدث في إحدى الأمسيــات و قــد تسللت إلى بيت عشيــقــتي رحمـــة محمــلا كالعــادة بالياوورت و كيس حليب و قطــعــة شوكولاطــة و رطــل من الفستق الحلبي حتى فــاجئتني أنــهـا لا تريد تقبــيلـي ! كنت كلما أقتربت من شفتيهــا تشيــح بوجهــهــا عنــي ، ياإلهــي ماذا دهــاك ! فــهــمــت أنــها لا ترغب في ، جــالت في خــاطري أن لــها عــلاقــة مع آخــر يجزي لهــا العطــاء وتفضــلـه عني ، كنت أنظــر لهــا و أعصــابي تغلى كالمرجــل ، خشيت أن تنــهـار أعصــابي فجــأة ، قولي ما أمــرك ! رفعــت صوتي فجــأة أرتج لــه أرجــاء البيت ، أنت عــاهــرة إبنــة كــلب ، صرفت عليك أمــوال كبيرة كان من الأجدر أن أعطيها لأبنائي و زوجـــتي ، ما أن ذكرت زوجتي حتى ركّزت نظرهــا في وجــهي مباشرة و كــأنــها تراه لأول مــرة ! قــالت لي : هل أنت سعيد مع زوجتــك ؟ نعم سعيد مع زوجتي بلهــجة تحدي كبيرة. - إذا أرحـــل عنــي ! و صرخت صرخــة عظيمــة ، كدت أن أقــع أرضــا ، أخرج ، أخرج عني ، غادر هــذا المكــان حــالا و قد قــامت بردة فــعــل عنيفـــة حيث رمت بكيس المــود التي أشتريتهـا إلى خارج البــاب . لا أريدك ، فمــك الملوث النتن بالشمــة الكريهــة ! طــأطــأت رأسي و ســرت منكسر الخــاطر في طــريق لا أعــرف منتــهاه ، حينــها تذكــرت أن أن الشمــة كانت سببا في مقتهــا لي و قــد أثرت أعصــابهــا بكلمــة السعــادة ، كانت كــافيــة أن يجن جنـونهـا ، عــواد خـويا ! (و هــو يشعــل سيجــارة ) لا يجب ذكــر إمــرأة في حضــرة إمــرأة أخــرى و لا يجب تحدي العشيقــات مهمــا كـانت الأسبــاب كنت أحمقــا عندمــا قلت لــهـا أنني سعيدا مع عــائلتي ، وكــانت هــي تعتقــد أنــها هي سعــادتي و من يــومــهــا أقلعــت عن الشمــة و الحماقات . أنـا الآن معـهـا في عــلاقـة جيدة ، أيـــا النخــالة للبــــيــع .
20
ضحيت حيت بالنفس و النفيس من أجــل بنـاء سكــن منفــرد لأبنائي بعــد أن أعياني سكــن العمــارات من فــوضى و ضجيج ليـلا نهــارا و أوســاخ طيــلة فصــول السنــة و المشاكســـــة مع الجيران على أتفــه الأشيـــاء ، كان أســوء سكــن أتصــوره لبني الإنسـان لدرجــة أنــك عندمــا تقوم بقــضــاء حاجتــك البيولوجيــة ، كــل الجيران يتناهى لهــم صــوت إرتطام البول مع قصــعة المرحـاض أو أو صــوت الضراط يمتــد إلى ثلاثــة طــوابق كــاملـة ! كنت أفــكــر جديــا أن أبتعــد عن هــذا المسخ و أبتعـد عن الضجيج و في المقابــل كنت أقمع أبنائي عن اللعب بحريــة أو زيادة في حجم صوت التلفزيــون ، رغــم أنني أسمع بشكل مستمــر لكل أنــواع الموسيقى الفاحشــة تأتي من النوافذ و البلكون و الباب ، أصــوات تجعــلك عصبي إلى أقصى حــد و مريض طيلــة الوقت و شريد العقل ، عندمـا يدق أحدهــم الباب ، أقفز من مكاني مذعــورا ، لأن أغلب الذين يدقــون في بابي هـم من الجيران لطلب تصليح المرحاض الذي يقطــر عليهم من الفوق أو أن أحــد أبنـائي ضرب فــلان أو فلتـان أو أن مــاء الغسيل يتسرب إلى جدرانهــم بعد تنظيف البهــو المشتــرك ، من المستحيــل أن تبقى في هــدوء طيــلة اليـوم . كنت أحــلم أن أسكن في مكان ريفي أو في جبــل أو في غــابــة بــدلا من هــذا الجحيم ، كنت أقــول بإستمرار أن العمــارات صممت لأقــوام آخــرين و ليس لنــا ، لأننا لا نستطيع أن نتعايش بهــذا الشكــل .



#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة لا تنطق عن الهوى
- أتركوا الجزائر لشبابها
- بإسم الدين ، لا خير في أمة أخرجت للناس
- وزارة الثقافة الجزائرية و الغزو الوهابي
- ماذا تنتظرون من الجماعات المتأسلمة ؟
- تونس بخلفية سلفية
- بين الولاء و الكفاءة
- صداع إنتخابي
- الهوية كقضية مؤجلة..
- هل نحن فعلا بحاجة لأعظم و أكبر مسجد في العالم ؟
- نيل أمسترونغ في أبعد من مرأى العين
- المدخل الصحيح للعلمانية
- فلاسفة الأنوار الوهابيين
- فرحت فرحتان
- عندما يصبح الإلتجاء الى القضاء مضيعة للوقت
- أسوء اللحظات تلك...
- حديث عن الرجل المناسب..
- المناضل الفذ : في ذكرى هاشمي الشريف
- أزمة إنسانية في الأفق : الأشرفيون يموتون عطشا
- مغالطات التي تبناها و آمن بها و أستسلم لها الكثير


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن جبار محمد - هكذا تكلم مول النخالة