أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سعد محمد رحيم - الجماعات والهوية الطبقية















المزيد.....

الجماعات والهوية الطبقية


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4431 - 2014 / 4 / 22 - 16:07
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


يرث البشر ويكتسبون عبر سنوات حيواتهم حزمة من الهويات المختلفة، المتوافقة والمتعارضة. وتتباين الأهمية التي يمنحها كل شخص وكل جماعة لهويته بتغيرات المكان والزمان والظروف.. فالهوية إذن ذات طابع تاريخي، وليست حقيقة جوهرية نهائية صلبة. وتعتمد الأهمية تلك على عاملين رئيسيين، الأول؛ الحماية التي يوفرها للمرء الانتماء لجماعة اجتماعية ـ ثقافية معينة.. الثاني؛ المكانة وفرص الارتزاق التي يكتسبها من انتمائه ذاك، ومدى ما يحقق خلاله من تأكيد للذات وتحقيق لها. وفي مراحل بروز التناقضات الاجتماعية والسياسية، واحتدام الصراعات تُطرح معضلة الهوية بعدِّها موضوعة مركزية في حقل الفكر النظري، وقضية على الإنسان أن يقرر ويختار بشأنها في واقعه الحياتي.. فمتى، إذن، وتحت أية شروط، يمكن للمرء أن يولي أهمية لهويته الطبقية في ضوء السياق أعلاه، وبحسب ما يتصوّر أنها ستحقق له من فرص حماية ومكاسب ومكانة؟. وحين يدور الحديث بهذا الصدد عن الحالة العراقية نجدنا إزاء تعقيدات اعترف حنا بطاطو بسعتها وهو يتصدى لتحليل الطبقات الاجتماعية العراقية في الجزء الأول من كتابه الذائع الصيت؛ ( العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني وحتى قيام الجمهورية )، حيث يقتضي ذلك، كما يقول: "فهم الاتجاهات والمعيقات الموضوعية للبنية أو البنى الاجتماعية التي تشكِّل الطبقات جزءاً لا يتجزأ منها"، فضلا عن صعوبة الحصول على معلومات تفصيلية ميدانية عن "الأفراد والعائلات الذين لهم تأثير اقتصادي وسياسي فعلي وبالعلاقات المتبادلة فيما بينهم"..
تعتمد قوة الانتماء الطبقي على ما أسمته الماركسية بالوعي الطبقي، غير أن هذا الوعي الطبقي كي يصبح ظاهرة في المشهد السياسي لابد من أن تحف به جملة من الشروط الاجتماعية التاريخية الموضوعية. وفي ظل الدولة/ الأمة البرجوازية، الليبرالية، وفي درجة متقدمة من تطور قوى الإنتاج يصبح الشعور بالانتماء الطبقي عميقاً وواضحاً.. فمع دراما الهجرات الكبرى من الأرياف إلى المدن التي ترافقت مع انهيار الإقطاع في أوروبا بُعيد القرون الوسطى ونشوء المصانع الآلية في المدن وازدهار التجارة كان الإنسان ينسلخ من انتمائه السابق ليجد نفسه وحيداً في مواجهة قدر مجهول. وكان التضامن مع من هم على شاكلته من العمال القاطنين في أكواخ بائسة ( حيث لا يحصلون إلا على أجور زهيدة لا تكاد تقيهم غائلة الجوع والمرض ) الأساس للشعور بالانتماء الجديد الذي هو ذو محتوى طبقي بامتياز.
يلاحظ حنا بطاطو أن التراتب الاجتماعي في العراق لم يكن يقوم على مبدأ هرمية الثروة فحسب، بل كان هناك هرمية الدين، وهرميات الطائفة كذلك. وبهذا الصدد يقول: "وكانت هنالك أيضاً هرمية المنزلة، حيث كانت المجموعات المسيطرة اجتماعياً تشمل باشوات المماليك وكبار ضباطهم العسكريين ومساعديهم المدنيين، و"السادة" الذين يدّعون التحدر من سلالة الرسول، ورؤساء المذاهب الصوفية، وكبار العلماء السنّة ـ الذين غالباً ما كانوا "سادة" أيضاً ـ و"الجلبيين" الذين كانوا تجاراً من مراكز اجتماعية مرموقة".
وهنا كانت المنزلة أو المكانة ترتبط بمعتقدات الناس وقيمهم إلى جانب ارتباطها بالملكية والثروة، ومن كان يتبوأ "قمة سلّم السلطة كان يميل أيضاً إلى أن يقف في القمة فيما يتعلق بالثروة أو النواحي الدينية أو الطائفية أو من ناحية الانتماء إلى المنزلة الاجتماعية". غير أن هذا التطابق لم يكن يحصل بالمطلق وعلى الدوام.. أما البنية العشائرية وهرميتها فكانت تتحدد، بمنظور بطاطو، بالدور العسكري "حيث كان موقع أهل الإبل الرحّل المحاربين في السهول العربية أعلى من موقع أهل الغنم أو الأهوار أو أهل الزراعة". وهذا يعود بنا إلى نظرية ابن خلدون في اختلال التوازن بين عالم البداوة وعالم الزراعة.. وكما يلخص ذلك الدكتور فالح عبد الجبار فإن "نمط العيش الرعوي، ينمّي بحكم طبيعته بالذات، الملكات العسكرية الأساسية في ذلك العهد اللاتكنولوجي: سرعة الحركة، وخفة الانتقال، وأيضاً القدرة على الهرب، سواءً لتجنب القتال تماماً، أو لتجنب خوضه في نقطة غير مواتية".
ازداد ارتباط العراق بالسوق الرأسمالية العالمية في القرن العشرين، ومعه شهد الاقتصاد العراقي ازدهاراً، وإن كان بطيئاً، لاسيما بعد اكتشاف النفط وارتفاع عائدات تصديره. وفي هذا الإطار أخذت المدن والأرياف ينفتح بعضها على بعض، وبدأت الجماعات العراقية تخرج من عزلتها، بضغط من الظروف المعيشية القاسية، وبحثاً عن فرص أفضل للحياة أمناً ودخلاً ورفاهاً اجتماعياً. ومع هجرات الفلاحين إلى المدن في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي بدأت العلاقات الاقتصادية الاجتماعية القديمة بالتفكك لتلوح تباشير تكوّن علاقات اقتصادية اجتماعية جديدة.. كان الشعور بالانتماء العشائري والطائفي يضعف مع انخراط الناس في مهن جديدة، وتعزيز مؤسسات الدولة، والشعور بالتفاوت الطبقي، ومن ثم ولادة حركة اليسار، وتعمّق الوعي الطبقي والوطني. وتجذير الوعي الطبقي ينقل مركز الشعور بالانتماء من الولاء للاثنيات إلى الولاء الوطني، وهذا ما يساعد على نمو المجتمع المدني.. غير أن احتراب القوى السياسية، والانقلابات العسكرية المتتالية، وتخبط الحكومات المتعاقبة في قراراتها المتعلقة بجوانب التخطيط الاقتصادي والبناء والتنمية وإضعاف المجتمع المدني المتعمد قد جعل الأمور تنقلب رأساً على عقب.. وكان لجوء الدولة إلى العنف بدلاً من المفاوضات السياسية ذات النفس الطويل في حل مشكلة الجماعات المتمردة سبباً آخر في تقويض نمو المجتمع المدني وتطوره كما يرى إريك دايفس في كتابه ( مذكرات دولة ).
أفرزت تحولات السياسة والاقتصاد، عراقياً، نخبة ثقافية جديدة من بين الطبقة المدينية الوسطى، في الغالب، ومعظمهم من الفئات الدنيا منها، وهؤلاء لم يستقوا حياتهم الفكرية من الطائفة والعشيرة بل راحوا يدعون إلى قيم وطنية وعلمانية، وإلى بناء الخبرات الفنية والاستزادة من التعليم. "ومع بروز الوعي الوطني، لم يهتم المثقفون العراقيون بالمجتمع السياسي حسب، بل إنهم اهتموا أيضاً بالتشرذم الاجتماعي وبالتزعزعات الاجتماعية التي نجمت عن اندماج العراق بالسوق العالمية" بحسب إريك دايفس.
ومنذ عشرينات القرن العشرين أثار تحدي بناء الدولة قضية نوع السردية التأسيسية لها والتي تراوحت بين نزعة عراقوية وطنية تتجاوز التقسيمات والحواجز الاثنية والمناطقية وبين نزعة قومية عروبية كانت على حد تعبير دايفس "أوثق صلة بالتصورات العشائرية للمجتمع من الوطنية العراقوية المرتبطة بفكرة دولة الأمة الحديثة". وهكذا، بتحليل دايفس أيضاً، لم يول أصحاب النزعة القومية في أواخر الثلاثينيات مفهوم الطبقة الاجتماعية أهمية كبيرة بسبب أنه "يذكِّرهم بالتشرذم الاجتماعي الذي ابتليت به عائلاتهم ومجتمعاتهم. وكان التركيز على النقاء الاثني، الذي كان مكوِّناً رئيسياً من مكونات النزعة القومية العروبية المتطرفة".
حين أصدر نظام صدام قراره في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي بتحويل عمّال القطاع العام ( أكبر قطاعات الاقتصاد الوطني ) إلى موظفين لم تكن الطبقة العاملة العراقية في القطاعات كافة ( العام والمختلط والخاص ) تشكل نسبة مهمة من السكّان لوجود معظم من هم في سن العمل في جبهات الحرب مع إيران. غير أن القرار كان له وقعه المعنوي، وشكّل محاولة مضافة، أو هكذا تصوّرت السلطة آنذاك، لتجفيف المنبع الاجتماعي الذي يتوجه إليه الخطاب السياسي لليسار العراقي ويستند عليه، نسبياً، في تنظيمه.
ومع الحصار الدولي بعد غزو الكويت في التسعينيات بدأت الخريطة الاجتماعية ـ الطبقية للمجتمع العراقي تتحول حيث أضحت الأغلبية من السكان ممن سحقتهم قرارات الأمم المتحدة وإجراءات الدول الكبرى وسياسة النظام القائم في ضمن من يُسمّون بالبروليتارية الرثة. وانحدر معظم أفراد الطبقة المدينية الوسطى ليكونوا على خط الفقر أو تحته. في مقابل بروز برجوازية ريفية بات وضعها المعيشي يزدهر بفضل ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية التي تشتريها الدولة منها. وقد راح كثر من أفرادها يقتنون العقارات في مراكز المدن التي بات جزء من المدينيين يهجرونها بعد بيع دورهم ليسكنوا في الضواحي مستفيدين من فرق أسعار العقارات والذي كان نسب التضخم المتصاعدة سرعان ما تلتهمه. كما أن شريحة لا يمكن وصفها بالمحدودة من التجار استفادت من حالة الحصار فراكمت ثروات كبيرة لم تصبح غالباً رأسمالاً منتجاً يمكنه إنعاش الاقتصاد وإخراجه من حالة شبه الركود، لاسيما أن توقف تصدير النفط حتى بدايات العام 1996 قد شلَّ معظم عمليات البناء التنموي والمناهج الاستثمارية في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وبقي النظام مصرِّاً على تخصيص نسبة لا يستهان بها من الدخول المتاحة لبرامج عسكرية عبثية. وحين جاءت أميركا واسقطت النظام وأعلنت نفسها قوة محتلة كانت النسبة العظمى من العراقيين يعيشون وضع الكفاف أو أدنى منه.
والآن ماذا عن الخريطة الطبقية الحالية للمجتمع العراقي بعد أكثر من عشر سنوات من سقوط نظام صدام؟
بدءاً علينا أن نعترف بأن الإجابة على السؤال أعلاه ليست سهلة أبداً بسبب عدم توفر بيانات إحصائية دقيقة عن التوزيع السكاني للعراقيين على وفق طبيعة مهنهم ومصادر دخولهم ومستويات هذه الدخول. لاسيما في ظل الفوضى الأمنية والسياسية التي نعيشها، وتوقف أغلب المشروعات الإنتاجية الصناعية وتراجع الإنتاج الزراعي، وازدياد اعتماد الدولة على عائدات النفط الضخمة التي يبتلعها الفساد ناهيك عن كلفة محاربة الإرهاب وإعادة إنتاج دورة العنف الأهلي، حيث فشلت الحكومة في وضع برامج استثمارية تنهض بالاقتصاد وتنوع مصادر الدخل القومي وتقلل نسب البطالة وتقضي على الفقر المدقع الذي يعيش في كنفه أكثر من 40% من السكان.. كما أن من أخطر ما حدث بعد 2003 هو النزعة الاتكالية لشرائح اجتماعية باتت تحصل على دخول عالية من غير أن يكون لها أي دور في حقل الإنتاج.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتصاد الريعي وتعثر نمو المجتمع المدني
- المجتمع السياسي بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني
- هوية الدولة والسردية التأسيسية
- وهم الهوية الواحدة: الفردانية، العزلة، والعنف
- الهوية والنزوع إلى العنف
- تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ الق ...
- قراءة في كتاب: إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين.. أن ...
- تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ الق ...
- الهوية وإشكالية التمثيل: صورة الذات.. صورة الآخر
- معضلة الهوية ورهانات الثقافة العراقية: مدخل
- قراءة في رواية ( الأمريكان في بيتي )
- قراءة في مجموعة شريط صامت للشاعر عبد الزهرة زكي
- لا بد من أن تكون للنخب الثقافية مشاركة فعالة في بناء الدولة ...
- أناييس والآخرون
- يوميات أناييس نن
- المثقف والحيّز العمومي
- المثقف الذي يدسّ أنفه...
- أنسنية إدوارد سعيد
- -لقاء- كونديرا
- المثقف والسلطة، وحقل المعنى


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سعد محمد رحيم - الجماعات والهوية الطبقية