أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد جمال - أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الرابع















المزيد.....



أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الرابع


محمد جمال

الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 20 - 20:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


• الفيضان الإسلامي :

تعد أسطورة الفيضان الإسلامية نسخة عن سابقتها العبرانية مع وجود اختلافات طفيفة، حيث تحتفظ القصة الإسلامية بنفس العناصر و الخطوط العريضة للقصة التوراتية مع اضافة بعض العناصر القليلة المستقاة من مصادر هاجادية و مدراشية يهودية إلي جانب بعض التعديلات للقصة لجعلها مناسبة لطبيعة البيئة العربية و تاريخية الدعوة الإسلامية في بداياتها، و كعادة القصص القرآني فقد جائت القصة مختصرة للغاية و عارية من أية تفاصيل هامة و هذا له تفسيره، حيث أن القرآن في فترته المكية –و هي الفترة التي تنتمي إليها كل الأيات التي تحدثت عن الفيضان- قد اعتمد في نظمه علي الطرق البلاغية و الجماليات اللغوية التي اعتمدت علي جمل قصيرة مسجوعة بدقة و بالتأكيد فقد كان سيؤثر عليها بالسلب الأستفاضة في التفاصيل التي ستجعل الجمل طويلة بشكل ممل مما يفقدها طابعها الجمالي، ايضا كانت الأستفاضة في التفاصيل غير مستحبة لأنه كلما كثرت التفاصيل كلما زادت الأصوات المؤكدة أن هذه القصص ماهي إلا "أساطير الأولين" التي استقت من الكتابات اليهودية و المسيحية و الفارسية القديمة، و نحن نعلم أن مثل هذا الأتهام قد وجه بالفعل لمؤسس الإسلام في بداية الدعوة الإسلامية بواسطة مجموعة من رجال قريش يتزعمهم المدعو "النضر بن الحارث".

ذكرت قصة الفيضان في القرآن في عشر سور مكية، و قد تباينت هذه السور في مدي تناولها للقصة فأغلبها تناولت القصة بالذكر و التذكرة فقط بأختصار شديد و لم تذكر القصة كاملة بأكثر قدر من التفاصيل إلا في صورة هود و سورة نوح، و هذه هي السور و الأيات التي تناولت القصة مرتبة بالترتيب الذي يعرف بأسم "ترتيب النزول" من الأقدم للأحدث "القمر (9-17)، الأعراف (59-64)، الشعراء (105-122)، يونس (71-73)، هود (25-49)، الصافات (75-82)، نوح (كل السورة)، الأنبياء (76-77)، المؤمنون (23-30)، العنكبوت (14-15)" و لن أذكر النصوص هنا منعا للأطالة بلا داعي و علي الراغب في الأطلاع عليهم فها قد ذكرنا أسماء السور و ارقام الأيات، و سأكتفي هنا بذكر القصة مختصرة معتمدا علي النص القرآني و كتاب قصص الأنبياء لأبن كثير و تفسير هذه السور من كتب التفسير التراثية و اهمها تفسير الطبري و تفسير ابن كثير.

تبدأ القصة بداية مختلفة عن القصة العبرانية، حيث أنها تقول أن نوح كان نبي مرسل من الله إلي قوما معينين، و لم تذكر القصة من هم هؤلاء القوم و لا مكان معيشتهم و لا الزمن الذي عاشوا فيه إلا أن كتب التفسير تذكر انهم كان بينهم و بين عصر أدم عشر قرون و كانت الديانة السائدة في هذه القرون العشرة هي الإسلام، إلا أنه و لأسباب غامضة ضل البشر في عصر نوح عن الإسلام و بدأوا في عبادة خمسة ألهة يعرفون بأسم "ود، و سواع، و يغوث، و يعوق، و نسر" و ينقل ابن كثير تفسير البخاري عن سبب ضلال البشر في عصر نوح بأن هذه الأسماء كانت لرجال صالحين من قوم نوح فقام الشيطان بالوسوسة للبشر بأن يقيموا لهم تماثيل و يضعوها في الاماكن التي كانوا يجلسون فيها، ففعلوا ذلك و بعد وفاة هؤلاء الرجال انتسخ العلم و ترك الناس الإسلام و بدأوا في عبادة هذه التماثيل، و لم يخبرنا إبن كثير أو البخاري عن سبب انتساخ العلم و قفزوا مباشرة إلي النتيجة و هي ترك الإسلام و عبادة اصنام هؤلاء الرجال، و يذكر الطبري نفس القصة مع اختلاف طفيف حيث يقول أنهم كانوا رجال صالحين لهم اتباع و حينما ماتوا قام اتباعهم ببناء تماثيل لهم حتي يتذكروهم دائما فتشجعهم علي العبادة، و حينما مات ذلك الجيل من البشر و جاء جيل تالي لم يعرف هؤلاء الصالحين، وسوس لهم إبليس أن الجيل السابق لهم كانوا يعبدوهم و يستعينون بعبادتهم للأستسقاء (انزال الأمطار) فعبدوهم، و تذكر رواية أخري انهم كانوا اولاد أدم و كان ود أكبرهم و ابرهم بأبيهم، كما توجد بعض الروايات الأخري إلا انها كلها تصل بنا إلي نتيجة أنهم كانوا رجال صالحين و تم بناء تماثيل لهم و عبدت بعد وفاتهم، و سأتحدث عن هؤلاء الألهة بشيئ من التفصيل فيما بعد.

كنتيجة لترك البشر عبادة الله و الأتجاه إلي عبادة الأصنام، قام الله بأرسال نوحا كنبي لهم ليرشدهم إلي ترك الوثنية و العودة إلي عبادة الله، و قام نوح بدعوة قومه في كل وقت و حين و بكل اساليب الدعوة بالترغيب تارة و التخويف تارة أخري، و لكن لم يستجيب قوم نوح لدعواه بل سخروا منه و استهزئوا به و اتهموه بالجنون و الضلال و اتهموه هو و من معه انهم اراذل القوم و هددوهم بأذيتهم جسديا إذا لم يرجعوا عما يقولوه، و نري هنا اسقاط واضح علي ما حدث بين مؤسس الإسلام و قومه كما سيتقدم ذكره بالتفصيل، ثم تستمر القصة بعد الكثير من المجادلات و المحاورات بين نوح و قومه استغرقت اكثر مساحة ذكر القصة، و عندما يئس نوح من قومه و فقد الامل في ايمانهم دعا ربه أن يفنيهم، فأستجاب الله لدعائه و أمره أن يبني سفينة عظيمة، و اثناء بنائه للسفينة كان قومه يمرون عليه و يسخرون منه، و لم يذكر القرآن تفاصيل عن بناء السفينة مما اطلق العنان لأجتهادات مفسري و فقهاء الإسلام فمنهم من قال انها بنيت من خشب الساج و منهم من قال انها بنيت من خشب الصنوبر، و منهم من قال ان نوح زرع أشجار خاصة ببناء السفينة استغرق نموها مائة عام ثم استغرقه تجهيز الخشب و بناء السفينة مائة أخري أو اربعون عام، كما اختلفوا ايضا في حجمها فمنهم من قال ان طولها كان ثمانون ذراعا و كانت مطلية من داخلها و خارجها بالقار، و منهم من قال ان طولها كان ثلاثمائة ذراعا و عرضها خمسون ذراعا، و البعض قال طولها ستمائة ذراع و عرضها ثلاثمائة ذراع و قال ابن عباس طولها الف و مائتي ذراع و عرضها ستمائة ذراع كما قال البعض انه كان طولها ألفي ذراع و عرضها مائة ذراع، و لكن اتفقوا جميعا علي رواية سفر التكوين القائلة بأرتفاع السفينة 30 ذراع و انها كانت مكونة من ثلاث طبقات و سقفها مغطي بغطاء.

بعد أن اكمل نوح بناء السفينة أمره الله أنه حين يعطيه الأشارة المتمثلة في بداية فوران ينابيع الأرض الساخنة (و هذا تفسير و "فار التنور" عند جمهور الفقهاء) يبدأ في شحن السفينة بزوجين من كل الكائنات الحية و يصعد هو و اهله إلا من سبق عليه القول (أي الذين كفروا برسالته) و من أمن به من الناس و هم قلة، إما عدد من صعد السفينة من البشر فلم يذكره القرآن بالتفصيل و لم يزيد إلا انهم كانوا نوح و من أمن معه و اهله ما عدا احد ابنائه التي تسميه المصادر الإسلامية "يام" و الذي غرق في الطوفان، كما يذكر البعض ان زوجة نوح قد غرقت في الفيضان ايضا لأنها كانت كافرة بنص آية صريحة في القرآن (التحريم : 10)، و لكن يذكر البعض انها ماتت قبل الطوفان، و يذهب ابن كثير إلي انها ركبت السفينة معهم و كفرت بعد الطوفان في محاولة يائسة لتوفيق الراوية القرآنية مع سابقتها العبرانية التي تقول صراحة أن زوجة نوح كانت من ركاب السفينة.

بعد أن صعد نوح و من معه من البشر و الحيوانات إلي السفينة، فجر الله امطار السماء و ينابيع الأرض حتي غرقت الأرض و جريت السفينة بين موج كالجبال ارتفع فوق اعلي الجبال ليغرق كل المعمورة كما ذهب جمهور المفسرين، و اثناء جريان السفينة رأي نوح أبنه "يام" علي قمة أحد الجبال اخبره أن يأتي ليركب معهم في السفينة و لكنه رفض قائلا أن الجبل سيحميه و لكن نوح رد عليه بأن أمر الله لا مانع له، ثم فرق بينهم الموج و غرق الأبن الكافر، علي الرغم من أن المؤمنين الذين لا يرتبطون بصلة نسب بنوح قد نجوا و هذا يدل علي ان رابطة النسب ليست مانعة لعذاب الله.

اعتقد انه من المناسب هنا ذكر راويتين أوردهما الطبري في تاريخه تذكر بعض الأحداث الخاصة ببناء السفينة و الفيضان و تفسر ظهور حيوان الخنزير و القطط "حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن مفضل بن فضالة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: قال الحواريون لعيسى بن مريم: لو بعثت لنا رجلًا شهد السفينة فحدثنا عنها! فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفًا من ذلك التراب بكفه، قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا قبر حام بن نوح، قال: فضرب الكثيب بعصاه وقال: قم بإذن الله، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه، وقد شاب، فقال له عيسى عليه السلام: هكذا هلكت؟ قال: لا، ولكني مت وأنا شاب، ولكني ظننت أنها الساعة، فمن ثم شبتُ. قال: حدثنا عن سفينة نوح، قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات: فطبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير، فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل، فغمز فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث، فلما وقع الفأر بخرز السفينة يقرضه، أوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد، فخرج من منخره سنور وسنورة، فأقبلا على الفأر، فقال له عيسى: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت، قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها، فدعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت. قال: ثم بعث الحمامة، فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت. قال: فطوقها الخضرة التي في عنقها، دعا لها أن تكون في أنس وأمان، فمن ثم تألف البيوت. قال: فقالت الحواريون: يا رسول الله، ألا ننطلق به إلى أهلنا، فيجلس معنا ويحدثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لارزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن الله، فعاد ترابًا." كما يذكر الطبري رواية طريفة أخري تنسج أسطورة تفسر كيفية نجاة الشيطان من الفيضان و دخوله السفينة "حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن ابن دينار، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: سمعته يقول: كان أول ما حمل نوح في الفلك من الدواب الذرة، وأخر ما حمل الحمار، فلما أدخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس لعنه الله بذنبه فلم تستقل رجلاه، فجعل نوح يقول: ويحك! ادخل، فينهض فلا يستطيع، حتى قال نوح، ويحك! ادخل وإن كان الشيطان معك، قال كلمة زلت عن لسانه، فلما قالها نوح خلي الشيطان سبيله، فدخل ودخل الشيطان معه، فقال له نوح: ما أدخلك علي يا عدو الله! قال: ألم تقل: " ادخل وإن كان الشيطان معك! " قال: أخرج عني يا عدو الله، فقال: مالك بد من أن تحملني، فكان - فيما يزعمون - في ظهر الفلك" و مثل هذه الروايات مقتبسة من روايات هاجادية يهودية ربما عاد اليها الرواة المسلمين في محاولة لتقصي مزيدا من التفاصيل للقصة الإسلامية المبهمة، و يوجد المزيد من اشباه هذه الروايات إلا أني لن اذكرها هنا منعاً للأطالة بلا داعي، و كذلك لأني ذكرت العديد من القصص الهاجادية التي تمثل مصدراً لهذه الروايات في الجزء الأول من هذه السلسلة، و علي الراغب في قرائة الروايات الإسلامية الرجوع إلي تاريخ الطبري و تفسيره و قصص الأنبياء لأبن كثير و تفسيره.

بعد ان غرق كل من ليس علي السفينة أمر الله السماء أن توقف الأمطار و الأرض أن تبتلع المياه، فأنحسر الفيضان تدريجيا و رست السفينة علي جبل يدعي "الجودي" ثم بارك الله نوح و من معه ثم أمرهم الله أن يخرجوا ليعمروا الأرض، حيث أن ذرية نوح ستكون منها امما سيمتع بعضهم و يعذب بعضهم (هود : 48) كما يؤكد في آية أخري أن ذرية نوح هي فقط الباقية و أن نسل كل شعوب الأرض منه "و جعلنا ذريته هم الباقين" (الصافات : 77) و هذا يؤكده أكثر من حديث منسوب لنبي الإسلام في كتب الصحاح، و لم يذكر القرآن أكثر من ذلك إلا ان المفسرين و الفقهاء قد وضعوا باقي الأحداث و العناصر التي ذُكرت في التكوين بالأضافة إلي العديد من القصص الهاجادية كما ذكرت.

من العرض السابق للقصة القرآنية، يتضح لنا انها مقتبسة من القصة التوراتية التي ذكرت في سفر التكوين مع بعض الأختلافات الرئيسية، و هذه الأختلافات ناتجة عن اقتباسات هاجادية و مدراشية يهودية بالأضافة إلي إسقاطات علي ظروف الدعوة الإسلامية في بدايتها و علاقة مؤسس الإسلام الشخصية مع قومه، و في السطور التالية سأتعرض لأهم هذه الأختلافات.

1. سبب الفيضان و انذار نوح لقومه بأن الطوفان سيقضي عليهم في حالة اصرارهم علي المعصية :

ذكر القرآن أن جريمة قوم نوح التي استحقوا بسببها العذاب هي الشرك بالله و عبادة الأصنام، و في هذا مخالفة للقصة اليهودية التي ذكرت أن سبب عقاب جيل الطوفان هو شرورهم "5 ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم6 فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه7 فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم" (تك 6 : 5-7) و لم يكتفي النص القرآني بتخصيص الشرك و عبادة الأصنام كسبب للفيضان بل و حدد كذلك هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها و كانت هذه احدي افدح سقطات القرآن، حيث أن الخمس ألهة التي حددها النص القرآني "ود، و سواع، و يغوث، و يعوق، و نسر" كانوا آلهة عربية محلية لم تعرف عبادتهم خارج جزيرة العرب اطلاقا، و قد كانت هذه الألهة تعبد في وقت ظهور الإسلام، بل أن مؤسس الإسلام نفسه قد أرسل عدة حملات لهدم تماثيل هذه الألهة، و قد حاول الكتاب العرب أن يربطوا بين رواية القرآن التي تدعي عبادة البشر في عصر نوح لهذه الألهة و بين وجودها في الديانات المحلية لجزيرة العرب فيقول الكلبي في كتابه "الأصنام" أن هذه المنحوتات كانت منصوبة أصلا علي جبل يدعي "نوذ" و حينما جاء الفيضان جرفها إلي أن وصلت إلي ساحل البحر الأحمر عند شاطئ مدينة جدة، و عندما انحسرت مياه الفيضان بقيت هناك حتي دفنت تحت الرمال بمرور الزمن، ثم يسترسل الكلبي في روايته فيقول أن "عمرو بن لحي" و هو أبو قبيلة خزاعة و كان كاهنا قد جائه رائيه من الجن في مرة من المرات و أمره أن يذهب إلي شاطئ جدة ليخرج هذه المنحوتات التي حدد له مكانها، ثم يأخذها و يدعو العرب إلي عبادتها، و فعلا أخرج عمرو هذه التماثيل و ذهب بها إلي الحج الذي كان بمثابة ملتقي لجميع العرب في ذلك الوقت، و هناك دعاهم إلي عبادتها فلبي دعوته شخص يدعي "عوف بن عُذرة بن زيد اللات" فأعطاه تمثال "ود" فأخذه و ذهب به إلي مكان يدعي "دومة الجندل" و نصبه هناك و جعل ابنه كاهنا له.

إما "سواع" فقد اخذه رجل يدعي "الحارث بن تميم" و هو من قبيلة "هذيل" و نصبه في مكان يسمي "رهاط" من بطن النخلة، كذلك استجابت قبيلة "مذحج" لدعوة عمرو بن لحي فكان من نصيبها "يغوث" الذي اخذه رجل يدعي "أنعم بن عمرو المرادي" و نصبه في مكان باليمن يعرف بأسم القبيلة "مذحج"، و كانت قبيلة "همدان" ايضا من الذين لبوا الدعوة فكان من نصيبها تمثال "يعوق" فأخذه "مالك بن مرثد" ووضعه بقرية تدعي "خيوان" باليمن، و أخيرا تمثال "نسر" الذي أخذه "معديكرب" من مملكة حمير اليمنية، ووضعه بمكان يدعي "بلخع" بأرض سبأ باليمن حيث ظلوا يعبدوه إلي أن اعتنقوا اليهودية علي يد "ذو نواس"، و من الواضح أن مؤلف هذه القصة قد قام بدمج قصص القبائل العربية المختلفة عن تاريخ آلهتهم الخمسة و ربطهم معا بأستخدام أسطورة من نسجه الخاص ادعت تاريخ مزيف عن كيف وجدت هذه المنحوتات معا و كيف وصلت إلي القبائل التي كانت تعبدها.

يتضح الأصل العربي لهذه الألهة الخمسة ايضا من خلال جذور اسمائها العربية الواضحة، فالأسم "ود" من المودة و المحبة، وواضح من بقايا النقوش التي عثر عليها في اليمن أن هذا الأله كان يعبد بصفته ألها للقمر، و كان أله القمر هو الأله الأب في الثالوث اليمني العربي القديم "القمر – الشمس – الزهرة" و قد كان أله واسع الشهرة في العبادات العربية قبل الإسلام و أكبر دليل علي شهرته و تعمقه في الفكر الديني العربي هو دخوله كأحدي صور الأله الإسلامي التي تتجلي من خلال احد اسمائه التسعة و تسعون "الودود"، كذلك الأسم "يعوق" الذي ربما يرجع إلي الفعل "عاق" و الذي يعني المنع و العرقلة، و ربما يكون قد اطلق عليه هذا الأسم تيمنا بأعاقته للشرور، إما "يغوث" فهو مشتق من الفعل "غاث" و غاث الرجل أي اعانه أو نصره، و كذلك "سواع" الذي ربما يعني اسمه "المذي" مما يعطي أحتمال انه كان ألها للخصوبة، أو ربما يعني الأسم "السُّوَاعُ" التي تعني الفترات الهادئة في الليل، إما "نَسْرًا" فربما تكون مشتقة من اسم الطائر الجارح.

كان هذا بخصوص الألهة الخمسة التي ذكر القرآن عبادة البشر لهم في زمن نوح، و يتبقي الأن توضيح مصدر فكرة تحذير نوح لقومه من الفيضان و دعوته لهم لعبادة الله و ترك عبادة الأصنام، و في الحقيقة فأن هذا العنصر الغير موجود في سفر التكوين ما هو إلا إسقاط لأوضاع و ظروف دعوة نبي الإسلام مع قومه علي قصة نوح، فالقارئ لقصة نوح مع قومه لا يري فيها إلا انعكاس لقصة مؤسس الإسلام مع قومه، حيث أنهم كذبوه و أذوه و سخروا منه، و هذا بالضبط ما فعله قوم مؤسس الإسلام فيه حسب روايات القرآن و كتب السيرة، فعلي سبيل المثال لا الحصر نجد مثلا أن قوم نوح قد اتهموه بالجنون "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ" (القمر : 9) "23وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ24فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ25إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ" (المؤمنون 23-25) و يمكن مقارنة ذلك مع اتهام الكفار لمؤسس الإسلام بالجنون "70أمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ" (المؤمنون : 70) "وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ" (الحجر : 6) "ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ" (الدخان : 14).

ايضا من الأسقاطات في قصة نوح هو اتهام الكفار له أنه لم يتبعه سوي اراذل القوم و مطالبتهم له بطردهم "قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ111قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 112إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ 113وَمَا أَنَا بِطَارِدِ المُؤْمِنِينَ 114إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ 115" (الشعراء : 111-115) و هذه الصورة التي تصفها الأية عن اشراف قوم نوح و هم يعايروه بأنه لم يتبعه إلا الأراذل ما هي إلا انعكاس لحدث حقيقي حصل بين مؤسس الإسلام و اشراف قومه الذين تذكر عنهم كتب السيرة أنهم كانوا يعايروه بأتباع الأراذل له قد طالبوا نبي الإسلام بطرد العبيد و الحقراء الذين مثلوا اغلبية من اتبعه من امثال بلال و عمار و صهيب و ابن مسعود "وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الأنعام : 52) كما ظهرت أية أخري تطالبه بأن يصبر نفسه بهؤلاء الحقراء "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" (الكهف : 28) و اعتقد أن الغرض من هذه الأسقاطات هو توجيه رسالة إلي أشراف مكة متضمنة أخبار لما فعله أناسا عاشوا قبلهم و مروا بظروف مشابهة لظروفهم من الشرك و تكذيبهم للرسول المرسل لهدايتهم فغضب عليهم الله و قضي عليهم، و هذه كانت محاولة لتخويفهم و استمالتهم للأيمان بدعوته حتي لا يغضب عليهم الله مثلما غضب علي قوم نوح من قبل، إلا أن هذا الأسلوب فشل بالطبع و لم يستطع مؤسس الإسلام استمالة إلا عدد قليل جدا يتراوح ما بين السبعين و المائة شخص و كان اغلبهم من العبيد و الفقراء، و لم تنجح دعوته إلا بأستخدام القوة و الأساليب الإرهابية في اخضاع و تخويف عرب شبه الجزيرة بعد تبني قبيلتي الأوس و الخزرج لدعوته فيما بعد.

بعد هذا الأستطراد أعود الأن إلي موضوع مصدر عنصر تحذير نوح لقومه من الفيضان و الذي وجد فيه مؤسس الإسلام مادة خصبة لتغذية اسقاطاته الخاصة بالظروف التاريخية لدعوته، و القارئ لقصة الفيضان في سفر التكوين لا يجد به مثيل لقصة تحذير نوح لقومه، فالتكوين لا يقول ذلك بل يقول أن الرب قد اختار نوح لبناء السفينة و النجاة من الفيضان لأنه كان رجلا صالحا بارا، و لا يوجد أي ذكر لأنه قد أرسل لمحاولة هداية قومه و تنبيهم أو أن قومه كانوا يمرون به و يسخروا منه، إلا أن الكتابات الرابينية و الهاجادية اليهودية قد ذكرت قصة تفيد بأن الرب قد أرسل نوح لهداية قومه و تحذيرهم من الفيضان قبل وقوعه بمائة و عشرون عاما، و هذا اقتباس من النص الذي ذكره "لويس جينزبرج" في كتابه "أساطير اليهود" "لقد سمح الرب لرحمته بالظهور، فحتي بعد أن قرر تدمير العصاة، أرسل إليهم نوح الذي أخذ يحذرهم من مغبة أفعالهم لمدة مائة و عشرون عاما علي أمل أن تنصلح أحوالهم، و دائما ما أستخدم الفيضان كتهديد لتخويفهم، إلا أنهم دائما ما استهزئوا به" (Ginzberg, Louis (1909) The Legends of The Jews, Chapter IV, The Generation of The Deluge ) و يكمل جينزبرج القصة الهاجادية موضحا كيف كانوا يسخرون من نوح إلا ان القصة التي جائت في "مسيخت سانهدريم" و هو احد المقالات العشر المكونة ل "سدر نزيقين" (مبحث العقوبات) بالتلمود البابلي، و هذه ترجمة للقصة من الترجمة الإنجليزية "بعد أن وبخهم نوح ووجه إليهم كلمات قاسية كالحجارة، قاموا بالسخرية منه، و قالوا له "أيها الرجل العجوز، لماذا تبني هذه السفينة ؟ فرد نوح قائلا أن الرب القدوس، مباركا هو، سوف يرسل عليكم فيضان. فسألوا بتهكم، ماهو نوع الفيضان الذي سيرسله علينا الههك ؟؟؟ اهو فيضان من نار ؟؟؟ إذا كان فيضان من النار فنحن لدينا مواد تقينا النار (اسم المادة في النصوص هي "أليثا" و هناك اختلاف علي ترجمتها و ربما يكون المقصود بها مواد الأسبست) أهو فيضان من الماء ؟؟؟ إذا كان الفيضان سينبع من الأرض فنحن لدينا صفائح حديدية نحجز بها المياه، و إذا كان فيضان من أمطار السماء فسوف نستخدم تسقيفات (ظلات) فرد عليهم نوح بأن الرب سوف يخرج المياه من تحت كعوبهم" (Rodkinson, Michael L. (1918) Babylonian Talmud: Tract Sanhedrin, p.354)

2. ما معني التعبير القرآني "وفار التنور" في (هود : 40) ؟؟؟ :

ذكرت إحدي الآيات القرآنية أن علامة الله لنوح لكي يدخل السفينة هو و من معه كانت أن يفور التنور " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ" (هود : 40) و قد قال ابن عباس أن المقصود بالتنور وجه الأرض، و يقول ابن كثير أن وجه الأرض قد صار عيوناً تفور، لدرجة أن الماء قد صار يخرج من التنانير و هي أماكن النار (أفران) و يضيف ابن كثير أن هذا قول جمهور السلف و علماء الخلف، و هذه طريقته في التأكيد أن هذا الأمر لا اختلاف عليه، ثم يورد رواية منسوبة لعلي ابن ابي طالب تقول أن التنور فلق الصبح و تنوير الفجر إلا انه يضعف هذا القول، إذا فبناءا علي ذلك فأن المقصود ب "فار التنور" هو خروج المياه الحارة من باطن الأرض، و هذا يتفق مع سفر التكوين في شقه الأول فقط و هو الخاص بخروج المياه من باطن الأرض " 11 في سنة ست مئة من حياة نوح، في الشهر الثانى، في اليوم السابع عشر من الشهر في ذلك اليوم، انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم، وانفتحت طاقات السماء" (تك 7 : 11) و لكن لا يذكر سفر التكوين الرسمي اي شيئ عن أن هذه المياه كانت مياه حارة كما تقول الأية القرآنية بدلالة كلمة "فار"، و هنا ايضا نجد المصدر المنشود لهذا في القصص الهاجادية اليهودية.

يذكر جينزبرج في كتابه أساطير اليهود هذه القصة "حاول حشد العصاة أن يقتحم السفينة بالقوة، و لكن الحيوانات البرية المتوحشة التي كانت تحيط بالسفينة بغرض حراستها هاجمتهم، و مزقت العديد منهم بينما هرب الباقيين فقط ليلاقوا الموت بمياه الفيضان. المياه وحدها لم تكن كافية للقضاء عليهم حيث انهم كانوا عمالقة في قامتهم و قوتهم، فحينما قام نوح بتحذيرهم من عذاب الرب كان ردهم "إذا جائت مياه الفيضان من الأعلي فلن تتمكن ابدا من الأرتفاع للوصول لأعناقنا، و إذا جائت من اسفل الأرض فإن اقدامنا كبيرة كفاية لتشكل سدا مانعا لها" و لكن الرب قام بتمرير كل قطرة مياه علي "جاهيناه" (الأسم العبري لجهنم و هي التي مثلت الأصل الذي جائت منه التسمية العربية) قبل ارسالها للأرض، و قد احرقت قطرات الأمطار الحارة جلود العصاة، و كان العقاب الذي اُنزل بهم مناسبا لجرائمهم، فمثلما جعلتهم شهواتهم ملتهبين و ألهبتهم لكي ينغمسوا في الخطايا الأخلاقية، كذلك تمت معاقباتهم بالمياه الملتهبة" (Ginzberg, Louis (1909) The Legends of The Jews, Chapter IV, The Inmates Of The Ark )

3. ذكر القرآن أن ابن نوح و زوجته كانوا كافرين :

تختص الرواية القرآنية دونا عن التوراتية بأشارتين يبدو منهما أن الكفر و عدم الأيمان بالله قد كان موجودا في بيت نوح نفسه، فالقصة الأولي تذكر أن ابنه كان كافرا و رفض أن يركب السفينة مع المؤمنين معتقدا أن احتمائه بقمة جبل عالي ستكون كافية لأنقاذه، و لكنه كان مخطئاً فغرق مع باقي البشر "وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الكَافِرِينَ42 قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ43 وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ44 وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ45قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ46 قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الخَاسِرِينَ47" (هود 42-47) و القصة الثانية تذكر أن زوجته كانت خائنة و كافرة و تساويها بزوجة لوط التي هلكت أثناء دمار مدينتي سدوم و عمورة "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ" (االتحريم : 10) و كما قلت فأن القصتين ليس لهما أصل في رواية سفر التكوين أو الكتابات الرابينية، و لكن يبدو انها من تأليف مؤسس الإسلام و قد وضعها لخدمة اغراض خاصة بظروف دعوته، حيث أنه في الثلاثة عشر عاما المكية التي مثلت الفترة الأولي في بداية ظهور الدعوة الإسلامية كان قد اعتنق الإسلام ما يقترب من السبعون شخصا كان بعضهم له اقارب او اسياد سابقون او اصدقاء من المشركين و ربما يكون هؤلاء الأقارب من الدرجة الأولي كأب أو أم أو أبن، و من الطبيعي جدا أن تراود البعض أفكارا سلبية عن هذا المعتقد الذي تسبب في تفرقة الأسرات و العائلات و ربما ادي ذلك إلي أن تسائل البعض في اعماقهم، ألا يمكن التوفيق بين معتقدهم الجديد و بين أبائهم و أخواتهم و أبنائهم المشركين ؟؟؟ و بالطبع كان لابد للجواب أن يأتي بشكل مقدس حتي يظهر أن هذه هي أوامر الله التي لا تقبل مناقشة، لذلك فقد كان من الضروري أن يموت أبن نوح في القصة القرآنية حتي يعرف الجميع أنه لا شيئ أهم من اطاعة أوامر الله حتي الروابط الأسرية تجب أمام أوامر الرب، و بهذا يكون الشخص الذي يمثل الواسطة بين هؤلاء البشر و بين الأله المزعوم مطاعاً في كل شيئ حتي لو أمرهم أن يقتلوا أبائهم و أقاربهم المشركين و هذا ما حدث فعلا في معركة بدر التي قام فيها العديد من المؤمنين بالدين الجديد بقتل أقاربهم من كفار مكة، و يتجلي هذا في الموقف الشهير الذي حدث أثناء معركة بدر حينما قال مؤسس الإسلام قبيل المعركة "قد عرفت رجالًا من بني هاشم وغيرهم أخرجوا كرهًا فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنه أخرج كرهًا‏." فما كان من أبو حذيفة -و هو ابن عتبة بن ربيعة أحد أعيان قريش و الذي كان مشاركا في المعركة ضد المؤمنين بالإسلام- أن قال "أنقتل أبناءنا وآباءنا وإخواننا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف‏.‏" و هذه المقولة التي قالها ابو حذيفة في لحظة صدق مع النفس تثبت انهم كانوا علي استعداد لقتل ابنائهم و ابائهم و اخوانهم، إلا أنه اراد المساواة في ذلك، فكما يقتل اقاربه سيقتل ايضا اقارب مؤسس الإسلام.

بخصوص الفكرة العامة لمعاتبة نوح لله بعد غرق أبنه في الطوفان " وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ45قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ46 قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الخَاسِرِينَ47" (هود 45-47)، فربما يكون المؤلف قد استقي فكرتها من القصة الهاجادية اليهودية التي يعاتب فيها نوح الرب بعد انتهاء الطوفان علي دماره للأرض"حينما خطا نوح خارجا من السفينة، أخذ يبكي بحسرة علي الدمار الذي سببه الفيضان، و قال للرب "يا أله العالم، يا من تدعي بالرحيم، لماذا لم تظهر الرحمة لمخلوقاتك" فأجاب الرب و قال "أيها الراعي الأحمق، الأن تعاتبني، لما لم تعترض حينما حدثتك بالكلمات اللطيفة و قلت لك "لقد رأيتك رجلا صالحا و باراً في هذا الجيل، و سوف أتي بالفيضان علي الأرض لتدمير كل المخلوقات، و أمرتك أن تبني لنفسك سفينة من خشب الجفر" هكذا تحدثت معك و أخبرتك بكل هذه الأشياء و لم تطلب الرحمة لكل الأرض حينها، و لكن حينما سمعت أنك سوف تنقذ في السفينة لم يشغل بالك الدمار الذي سوف يضرب الأرض. لم تبني السفينة إلا لنفسك و فيها نجيت، و الأن بعد أن خربت الأرض تفتح فمك لتتضرع و تصلي ؟" (Ginzberg, Louis (1909) The Legends of The Jews, Chapter IV, Noah Leaves The Ark) ، و علي الرغم من اختلاف التفاصيل إلا أن الفكرة العامة تبدو متشابهة إلي حداً ما.

إما بالنسبة إلي ذكر الأية العاشرة من سورة التحريم لزوجة نوح كخائنة، و هذا ما لم يأتي ذكره في المصادر اليهودية الأقدم، فهذه ايضا آية تم تلفيقها لخدمة مؤسس الإسلام في أحد المواقف التي تعرض لها مع بعض نسائه، و هذا الموقف هو سبب نزول سورة التحريم التي مطلعها "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (التحريم : 1) و قد اختلف الفقهاء في تحديد ما هو الذي حرمه النبي علي نفسه و كان سبب في تأليف هذه السورة لإبطال تحريمه، فمنهم من قال أن السبب كان مضاجعة مؤسس الإسلام لجاريته المصرية "ماريا" التي ضاجعها في بيت زوجته "حفصة" ابنة "عمر بن الخطاب" بعد أن أرسلها لأبيها ليخلوا له المكان، و قد كان هذا اليوم مخصص لمضاجعة حفصة، و يبدو أن حفصة قد عادت مبكرة فضبطت مؤسس الإسلام اثناء معاشرته لجاريته، فقالت له "يا نبي الله، لقد جئت إلي شيئا ما جئت إلي أحد من أزواجك، في يومي، و في دوري، و علي فراشي" و بالطبع كان هذا شيئا مخالفا لأسس العدل التي وضعها مؤسس الإسلام بنفسه إلا أنه طرح هذه الأسس جانبا حينما تعلق الأمر بشهوته هو، و أمام هذا الموقف المحرج لم يجد بدا من محاولة ارضائها بأي طريقة حتي لا تقول لأحد علي هذا الموقف الذي كان من شأنه زعزعة صورة نبي الإسلام في عقول اتباعه فقام في غمرة اضطرابه بتحريم مارية علي نفسه حيث قال لحفصة "ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها ؟" فقالت "بلي" فحرمها و قال "لا تذكري ذلك لأحد" و لكنها لم تحفظ السر و قالته لصديقتها الطفلة عائشة التي كعادة الأطفال قامت بنشر الخبر، إما القصة الأخري التي يوردها الفقهاء فهي القصة التي أوردها البخاري في صحيحه "4628 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَلَى أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ قَالَ لَا وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا" (صحيح البخاري – كتاب تفسير القرآن – سورة التحريم - بَاب يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) كما توجد رواية أخري في البخاري ايضا بتفاصيل مختلفة و تجعل حفصة هي التي كانت تسقيه العسل " 4967 حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ فَغِرْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ فَسَقَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِي أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ لَا فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقُولِي لَهُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ وَسَأَقُولُ ذَلِكِ وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَاكِ قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ قَالَ لَا قَالَتْ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ قَالَ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقَالَتْ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَسْقِيكَ مِنْهُ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ قُلْتُ لَهَا اسْكُتِي" (صحيح البخاري – كتاب الطلاق - بَاب لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) و القصة هنا تقول انه كان يأكل عسل عند واحدة من نسائه و يطيل المكوث عندها لأجل ذلك، فقامت عائشة و نساء أخريات بالتأمر عليه لغيرتهم بحيث أنه في الوقت الذي سيمكث فيه عندهم بعد خروجه من عند زينب (أو حفصة) يقولوا له أن رائحة انفاسه سيئة حتي يظن أن ذلك بسبب العسل فلا يعود لشربه و بالتالي لا يطيل المكوث عند زينب أو حفصة في غير اليوم المخصص لمضاجعتهم مرة أخري، و كنتيجة لهذه المؤامرة قام بتحريم العسل علي نفسه و أمرهم ألا يقولوا لأحد و لكنهم أفشوا سره، و بالطبع سواء كان السبب هو تحريم نبي الإسلام علي نفسه مضاجعة جاريته أو تحريمه أكل العسل علي نفسه فقد رأي خالق الكون بمجراته و نجومه و كواكبه أن هذا السبب مهماً جدا لدرجة تستدعي انزال آيات لأنقاذ مؤسس الإسلام و حله من وعده بتحريم هذه الأشياء.

بعد هذا الأستطراد الطويل نعود إلي موضوع زوجة نوح، و اعتقد أنه بعد أن تم التعرف علي الظروف التاريخية لتأليف هذه الأيات اصبح واضحا لماذا احتاجت الأيات إلي مثال لزوجات أنبياء سابقين خانوا ازواجهم، و كان ذلك مهما علي محورين أساسيين، الأول هو اخافة الزوجات المتمردات من مغبة تكرار اعمالهم التأمرية حتي لا يصبح مصيرهم العذاب في جهنم مثل زوجة نوح و زوجة لوط حيث أنهم قد دخلوا النار علي الرغم من انهم كانوا زوجات أنبياء " فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ " و هكذا كما لم يفيد زوجتي نوح و لوط كونهما زوجات أنبياء و دخلوا النار جزاء خيانتهما، كذلك لن يفيد الزوجات المتآمرات علي نبي الإسلام كونهما زوجتاه و سيدخلوا النار إذا استمروا في مؤمراتهم التي اعتبرها مؤسس الإسلام خداع و خيانة، إما المحور الثاني الدافع لتأليف هذا العنصر فقد كان بغرض إقناع اتباع مؤسس الإسلام أنه من الوارد أن تخون زوجات الأنبياء ازواجهم و بالطبع ليس المقصود بالخيانة خيانة جسدية (زنا) و لكن الخيانة المقصودة هنا هي التأمر، حيث أنه بالتأكيد قد تزعزعت الثقة به في نفوس بعض اتباعه الذين ربما تسائلوا كيف لنبي أن يتم خداعه من زوجاته بهذا الشكل المهين، فكان من الضروري تأليف هذه القصة لأقناع الأتباع أن هذا وارد و حدث لأنبياء قبل ذلك.

4. تخصيص القصة القرآنية لجبل الجودي علي انه مكان رسو السفينة :

تذكر قصة سفر التكوين أن السفينة قد رست علي جبال أراراط " 4 واستقر الفلك في الشهر السابع، في اليوم السابع عشر من الشهر، على جبال أراراط" (تك 8 : 4) و أراراط ليس أسم جبل بعينه و إنما هي سلسلة جبال إلي الجنوب الشرقي من تركيا و تدخل في حدود العديد من الدول المحيطة، و كما نري في الجملة التوراتية فأنها لم تخصص أي جبل من جبال منطقة أراراط كان مكان الرسو، إلا أن القصة القرآنية تختلف عنها في أنها حددت جبل يسمي "الجودي" بعينه كمكان لرسو السفينة بعد أنحسار الفيضان "وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (هود : 44) و هذا يعطي أحتمال أن مؤلف هذه الأيات قد سمع أو قرأ قصة الفيضان من مصدر سرياني أو مترجم من السريانية و غالبا فأن هذا المصدر كان "البشيطة" و هي الكتاب المقدس المترجم إلي اللغة السريانية و مازال هذا الكتاب المقدس مستخدم حتي الأن في الكنائس السريانية الأرثوذكسية و الكنائس المارونية، و قد انتهت ترجمة العهد القديم في هذه النسخة تقريبا في نهاية القرن الأول الميلادي و اضيف اليه العهد الجديد في القرن الثاني، و بحلول القرن الرابع الميلادي اصبحت هذه الترجمة واسعة الأنتشار بين السريان المسيحيين في الشام، و المختلف بشأن هذه الترجمة أنها لم تكن ترجمة حرفية حيث انها قد تأثرت بشدة بالترجومات الأرامية للعهد القديم التي كانت منتشرة قبل و بعد الميلاد بقرون قليلة، و الترجومات بدورها كانت شروح مترجمة للعهد القديم، اي انها لم تكن ترجمات حرفية بدورها، و من الملاحظ هنا في الترجمة البشيطة انها في ترجمتها للجملة (تك 8 : 4) التي ذكرت أراراط كمكان لرسو السفينة، قامت بتغيير مكان الرسو من أراراط إلي جبل يدعي "كردو" و يفترض عالم اللغات السامية "ألفونس مانجانا" أن كلمة "جودي" في القرآن ماهي إلا تحريف اللسان العربي لكلمة "كردو أو قردو" السريانية حيث أن اصوات الكاف و القاف السريانية يمكن تحولها بسهولة إلي الجيم العربية فهما حروف يمكن تبادلهما بأختلاف اللهجات مثل "بلج و بلق" و "جص و قص" كما توجد حالات أخري لتبادل الجيم و القاف بين العربية و السريانية منها مثلا كلمة "bagbug بج بج" و هي كلمة سريانية بمعني "الثرثار" و التي اصبحت في العربية "بَقبَقَ" بنفس المعني، إما بالنسبة للواو فربما يكون اخطئ بها الناسخ و خلطها بالراء العربية التي تتشابه في الشكل مع شكل الواو سواء في السريانية او العربية.

و من الأدلة الأخري علي التأثير السرياني و الأرامي علي القرآن كلمة "طوفان" نفسها التي اختارها المؤلف للتعبير عن الفيضان، و هذه الكلمة ترجع إلي اصول لغوية أرامية، و من المعروف في التقليد الإسلامي أن مؤسس الإسلام قد سافر إلي الشام في مراحل مبكرة من حياته كما قابل أحد الرهبان المسيحيين هناك و الذي سمته المصادر الإسلامية "بحيرة".


"انتهي الجزء الرابع و إلي لقاء قريب مع الجزء الخمس و الأخير"


• References :

1. Graves, Robert & Patai, Raphael (2005) Hebrew Myths-;- The Book of Genesis, Carcanet Press-limit-ed

2. Flood, The (1906) Jewish Encyclopedia, First Edition, The Jewish Encyclopedia E-Version http://www.jewishencyclopedia.com/

3. Ginzberg, Louis (1909) The Legends of The Jews, Sacred-Texts Archive E-Book Version, http://www.sacred-texts.com/jud/loj/index.htm

4. Rodkinson, Michael L. (1918) Babylonian Talmud: Book 8 : Tract Sanhedrin, The Talmud Society, Boston, Sacred-Texts Archive E-Book Version, http://www.sacred-texts.com/jud/t08/index.htm

5. Mingana, Alphonse. Syriac influence on the style of the Kur an, An Article in Bulletin of the John Rylands Library. 1927-;-11(1):77-98.

6. الكلبي، أبي المنذر هشام بن محمد بن السائب. كتاب الأصنام، تحقيق : أحمد زكي باشا، الطبعة الثانية، دار الكتب المصرية، القاهرة – 1924م

7. الطبري، أبي جعفر محمد بن جرير. تاريخ الرسل و الملوك، الجزء الأول، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة - 1967م

8. الطبري، أبي جعفر محمد بن جرير. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق : محمود و أحمد محمد شاكر، الطبعة الثانية، مكتبة ابن تيمية، القاهرة – 1955م

9. ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي. قصص الأنبياء، تحقيق : عبد الحي الفرماوي، الطبعة الخامسة، دار الطباعة و النشر الإسلامية، القاهرة – 1997م

10. ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي. تفسير القرآن العظيم، تحقيق : سامي ابن محمد السلامة، الطبعة الثانية، دار طيبة للنشر و التوزيع، الرياض – 1999م



#محمد_جمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجارة الوهم
- أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الثالث
- العاهرة والبرجوازي -قصة قصيرة-
- أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الثاني
- أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الأول
- المجتمع المغربي كبنية تناقضية
- الأخلاق أم الدين
- الكُرد والكورد
- السبيل الى الخروج من فم الثعبان
- المجتمعات العربية المعاصرة بين إشكالية الإستلاب وأزمة الإغتر ...
- انا وانت والمساء


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد جمال - أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الرابع