أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني















المزيد.....

تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4429 - 2014 / 4 / 19 - 13:28
المحور: الادب والفن
    


2
البحرُ، كان ما يفتأ يشيّعُ بهديره ذينك الرَجليْن، الخارجَيْن تواً من شِراكِ مَوجوداته وكائناته.
كان أحدهما، وبصِفتِهِ مواطناً محليّاً، مُنهَمكاً في أفكارهِ وبالكاد ينتبه لما حوله. أما الآخر، الغريب، فإنه كان مُتنبّه الحَواس. بدا مُصمّماً ألا يَفوّتَ مُعاينة شيءٍ مما يلقاه هنا؛ في هذه المدينة النائية، التي وَصَلَ بالأمس إلى ساحلها دونما أن يَعرف عنها شيئاً أكثر مما يَعرفه أهلوها عنه.
كان المَوجُ يُصَعّدُ من زمجَرته مع كلّ حملةٍ له، عاتية، على حِمَى الصخور السّود، المُشكّلة ما يُشبه سوراً طبيعياً. ولكن، هيَ ذي أسوارُ الانسان، راسخة وسامقة، تهَيمنُ على المَشهد جميعاً: سورُ السقالة، ببرجَيْها التوأم؛ سورُ المدينة، الخارجيّ، بأبراجه المتعددة؛ سورُ القصبة، الداخليّ، الأكثر ضخامة؛ وأخيراً، السور البحريّ، ذو الحصن الفريد، الممتدّ بمحاذاة تلك الصخور السوداء وصولاً إلى حدّ المقبرة اليهودية في جهة " الملّاح ".
" أصلاً، كان اسمُ هذه المدينة: تاصورت؛ أيْ السور، بلهجَة الشلحيت البربرية "
راحَ الرابي يوضحُ لرفيقه التاجر، المُندهش من تعدد أسوار المدينة وتحصيناتها. وكانا عندئذٍ يتأثران خطى الحمّالين، الخارج موكبهم للتوّ من المَدخل الرئيس للمرسى وهو مثقلٌ بعبء الحقائب العديدة. ثمّ ما لبثت الدواب، على الأثر، أن أنيبت بهذه الأحمال. إذ وَصَل الموكبُ إلى ساحةٍ مُتربَة، محدودة الحجم، تقع على يمين باب المرسى، يحيط بها مبانٍ متلاصقة، مؤلفة من دور واحد. ثمّة، كانت جمهرة كبيرة من الخلق تفترش الأرضَ، غيرَ آبهة ببرد الصباح، المُعقّب اختفاءَ الشمس خلف السّحب الخريفية. ملامحُ هؤلاء الرجال، كانت تنطق بعلامات البداوة. جمالهم، بدَورها، كانت هاجعة بالقرب من أحمالها على أطراف الساحة وهيَ تجترّ ما سبَقَ وتبقلته من خير بواديها. في الأثناء، فإن بعضَ الأشخاص، المُعتبرين الهيئة، كانوا متعجّلين في رواحهم وغدوهم من أبواب تلك الأبنية: " إنها مستودعاتٌ، تابعة للمَخزن "، قال الرابي مُشيراً بيَده إلى الجهة المقصودة. ثمّ أضافَ " عادةً، فإنّ التاجرَ القادمَ من المرسى مع بضائعه المستوردة، عليه سِداد الرسوم المتوجّبة نقداً. فإذا امتنع عن تأدية المطلوب، لسببٍ ما، فإن من واجبَ أمناء المخزن الحجز على بضاعته مؤقتاً، مع منحه مهلة زمنية للدفع "
" وماذا عن هذه القناطير من الأحمال، التي جلبها أصحابها على ظهور الدواب؟ "، سأل التاجرُ وهوَ يومأ إلى ناحية الحِزَم المتناثرة بالقرب من الجمال. عندئذٍ تمهّل الرابي في الاجابة، فيما كان يلاحق بعينيه عملية تحميل حقائبه. ثمّ ما لبث أن هزّ رأسه أكثر من مرة، وكأنما يقول " يا لي من هؤلاء الرجال الكسولين، المحتالين..! ". وها هوَ، على الأثر، يُجيب تساؤلَ رفيق الرحلة: " إذا كنتَ تستفهم عن تلك البضائع، التي تمّ جمعها بشكل عشوائيّ؛ فاعلم إذاً أنها غالباً من انتاج بلاد حاحا والشياظمة والسوس، الواقعة إلى الجنوب من موغادور. وهيَ أشياء معدّة للتصدير إلى أوروبة، كأكياس اللوز وأحمال جلد الماعز وصناديق الصمغ العربي وبراميل زيت الزيتون "
" إن الانسان، لا الحيوان، هوَ من يتجشمُ هنا مشقة نقل البضائع؟ "
" ولكنه سيُحَمّلها الآن على ظهور الدواب؛ لأنّ هذه محظورٌ عايها دخول المرسى "، أجابَ الرابي في نبرة تهكّم. ثمّ استطردَ بنفس النبرة، مُكشراً عن أسنانه الناصعة: " أما العربات، التي تشدّها الخيولُ أو الحميرُ، فلا تستعمل في مدينةٍ صغيرة كموغادور ". عندما أنهى الرابي جملته الأخيرة، كان الحمّالون بدَورهم قد انتهوا من شدّ الحقائب إلى ظهور الدواب. عند ذلك، تحرّك الموكب ثانيةً على أرض الدرب المُمهّد، الحجريّ، المُتصل بين مَدخل المَرسى وأسوار المدينة. فلم تلبث ساحة واسعة أن بانت أمامهم، مطوّقة من جوانبها الثلاثة بجدران غاية في العلوّ، ربما تصل إلى أربعين ذرعاً، وقد استزرعَت أطرافها ببعض أشجار النخيل والصنوبر والزيتون. ثمّة، إلى يمين الساحة، انفتحَ للركب مدخلٌ مزدوجٌ، مقوّسٌ. هذا المَدخلُ، المظللُ بإفريز من القرميد الزاهي الخضرة، كان يُشبه القنطرة بسبب عرضه وعمقه. وكان هناك مدفعٌ صغير، مركونٌ في كلا الجانبين.
" سيَبطلُ عَجَبُ المَرء، ولا غرو، إذا علِمَ أن هذه أسوار دار المخزن، السلطانيّ "
قال رفيقُ الرحلة، المُتخذ صِفَة الدليل، فيما رأسه مرفوعٌ نحو تلك الجدران العالية. وما عتمَ أن دعى التاجرَ إلى التقدّم، أولاً، عبرَ المدخل الصغير. وكان على بقية الرّكب أن يُتابع سيرَهُ تحتَ الجدران الشاهقة، ليدخل إلى القصبة خِلَل المَدخل الكبير، المخصص للدواب. وإذاً، وَجَدَ " جانكو " نفسَهُ مُنتعشاً بهبوب النسائم العليلة، المُتنقلة خفيفةً بين بابيّ المدخل؛ هوَ المُتعرّق البدن، نتيجة المَشي تحت أشعة الشمس، التي كانت قد عادت إلى الإشراق. فما أن خرجَ مع رفيقه من غيهب المَدخل، حتى أخِذَ على غرّةٍ بمَرأى باحة فسيحة، مستطيلة الشكل، توحي حجارة جدرانها وأرضيّتها ببذخ النحت والتكوين والنقش: " إنها المَشْوَر.. "، قالَ الرفيقُ الدليلُ. وأردَفَ موضّحاً " لا أعلمُ، حقيقةً، ما هوَ مصدرُ هذه التسميَة باللغة العربية. وعلى أي حال، ففي كل مدينة بالسلطنة ثمة مشور، بل وفي كل رياض أيضاً. فهي هنا فسحة للنساء، اللواتي تفرض عليهن التقاليد عدم الخروج للأسواق والمنتزهات. فيجتمعن في المشور لسويعة أو نحوها صحبة أولادهن الصغار، فيتبادلن الأحاديث والأخبار "
" أعتقد أنها تُحيل إلى لفظة المشوار، التي تستخدم في محكيّتنا بالمشرق؟ "
" ربما هيَ كذلك. وهذه الفسحة، من ناحية أخرى، مخصصة كذلك لألعاب الرجال. ففي الأعياد الدينية، الإسلامية واليهودية، يلهو الرجالُ هنا بمسابقات الفروسية وإطلاق البارود "
" لدينا ثمّة، في البلاد الشامية، من غير المسموح لأهل الذمة المشاركة العامة سواءً بالأعياد أو غيرها "، قال التاجرُ الدمشقيّ مُبدياً استغرابه. الرابي، بادر ليعلّق على ذلك توأً وكأنما كان يتوقعه " نعم، أعرفُ مدى التضييق على الجماعات غير المسلمة في السلطنة العثمانية ". عندئذٍ، كان الرفيقان قد وصلا إلى نهاية الساحة. فلم يلبث الرابي أن أشار بيَده إلى مَدخل مقوّس، أنيق العمارة، قائلاً وهوَ يتنهّد: " هوَ ذا مَدخلُ القصبة، أخيراً..! ". ثمّ تابعَ مهمّته كدليل مُفترَض " وهو يُدعى باب مسعود. ها نحن ذا أصبحنا على مقربة من دار الأعشار ". حينما نطق الرابي كلماته، كان التاجرُ ما يفتأ يراوحُ الخطوَ تحت شجرة نخيل شابّة، رامياً بصَرَه باتجاه بوابة أخرى، مَحروسة أيضاً بمَدفعين صغيرين. فرأى دليلنا، المُتتبعُ الآن الهدَفَ عينه، أنّ من واجبه أيضاً ابداء هذه الملاحظة: " ذاك مَدخل المشور، الآخر. وكما ترى، فإنه شبيهٌ نوعاً بالأول. وهوَ يفضي إلى سوق المدينة، الرئيس "
" ما هيَ هذه المنارة، الظاهرة إلى جهة اليمين؟ "
" هيَ منارة المسجد الأكبر، المُكنى باسم السلطان سيدي محمد؛ مؤسس موغادور "
" شكلها المربّع، غير مألوف في عمارة الجوامع لدينا بالمشرق "
" أجل. وقد تكون متأثرة بعمارة أبراج الكنائس؛ بما أنّ الفتحَ الإسلامي للأندلس وشمال أفريقية كان قد حصلَ في فترة زمنيةٍ، متقاربة "، قالها الرابي مُستخدماً نبرة متشككة: هذه النبرة، كما فكّر رفيقه، إنما تدلّ على تواضع صاحبها، وفي آن واحدٍ، على سِعَة عِلْمِهِ.
قبل تحركهما من جديد، لاحظ التاجرُ تفرّد بقية الركب في المضيّ إلى المدخل الآخر للقصبة، المنذور للدواب: " ألا تخشى أن يعمَدَ هؤلاء الحمالون إلى سرقة بضاعتك؟ ". عند ذلك، رَبَت الرابي على كتف رفيقه كأنما يَدعوه لمتابعة المَسير: " لا قلق لديّ من ناحيتهم. فالتقليد في موغادور، مثلما ستختبره بنفسك فيما بعد، يقضي بأنّ أشياءَ النصارى هيَ غنيمة للمسلمين. أما اليهود، فإنهم يعتبرون من أهل البلد؛ كالمسلمين سواءً بسواء "، قالها وقد تألقت أسنانه الناصعة. ثمّ أردفَ الرابي " لقد سبَقَ وحدثتك عن مشاعر الكراهية، الشديدة، التي يكنها المسلمون لأولئك الأجانب النصارى. والواقع، فإنّ الأمرَ تعدى السرقة إلى الاعتداء على ممتلكاتهم أحياناً. فمؤخراً، جرى إحراق نوالة أحد التجار الفرنسيين "
" هل تعني، النَوْل؛ وهوَ الآلة المستحدثة لنسج القماش والسجّاد؟ "
" بل إنّ النوالات، في التعبير المحليّ، هيَ مَخازن صغيرة من القش. وفي حالة التجار هنا، فإنها تركن عادةً في الساحة المركزية للقصبة وعلى طول السور، الفاصل بين المرسى وشاطيء البحر. إنها عادةٌ مُستحدثة، أيضاً. وقد عمد التجارُ لهذا الاجراء، بسبب قلة عدد الفنادق المخصصة لبضائعهم قياساً بالتطوّر الكبير، الذي طرأ على النشاط الاقتصاديّ في موغادور خلال العقود الأخيرة ". هذه الجملة، أيقظتْ في التاجر همّاً كان يشغله، قبلاً، ثمّ انصرَفَ عنه بفعل انبهارِهِ بمشاهد المدينة، الفريدة. وإذاً، عندما بادرَ لسؤال رفيق الرحلة عن امكانية السكن في فندق، فإنه تلقى هذا الجواب: " لنصرفَ النظرَ عن ذلك، في هذا اليوم على الأقل. فإنك ضيفي، فتقيم لديّ في منزل القصبة ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12
- سيرَة حارَة 11
- سيرَة حارَة 10
- سيرَة حارَة 9
- سيرَة حارَة 8
- من أجل عَظمة
- أحلام مشبوبة
- الشاطيء الشاهد


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني