أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - بشير صقر - عن جمال مبارك والبردعى ومذبحة التسعينات بالبنك العربى الإفريقى .. الحلقة الأولى (1)















المزيد.....



عن جمال مبارك والبردعى ومذبحة التسعينات بالبنك العربى الإفريقى .. الحلقة الأولى (1)


بشير صقر

الحوار المتمدن-العدد: 4424 - 2014 / 4 / 14 - 21:35
المحور: الادارة و الاقتصاد
    




تنويـــــــه :

ربما يبدو الحديث عن مذبحة العاملين بالبنك العربى الإفريقى فى اللحظة الراهنة مباغتا أو فى غير محله ، أو يبدو تكرارا- غير محدد الهدف- لوقائع جرت منذ 17 عاما فى زمن آخر غير الذى نعيشه ؛ لكن الحقيقة تختلف عن كل ذلك كثيرا.. كما سيتضح للقراء من خلال هذا العرض الذى يستغرق ثمانية حلقات متعاقبة.
ولأن ما سبق للمسرحين من البنك نشره فى الصحافة أو بوسائلهم الخاصة عن هذا الموضوع منذ 17 عاما لم يخرج عن كونه متابعة يومية للأحداث والوقائع ، وكان هدفه بالأساس هو التأثير فى المعارك الطاحنة الدائرة آنذاك:
• بدءا من طرد العاملين بأى شكل وبأى عدد.
• ومرورا بكشف وقائع الفساد وتأثيراتها وتعرية أبطالها .
• وسعيا لوقف خصخصة البنك الأم (العربى الإفريقى الدولى) ودفاعا عن أموال صندوق العاملين.
لقد كان أشبه بالتحقيقات الصحفية السريعة ولذلك افتقر للعمق والتحليل وربط الأحداث ببعضها مهما تضاءلت أحجامها أوتعاظمت.
لكن ما نعرضه اليوم يختلف من زاويا ثلاث.. الأولى أنه أقرب للمقال الصحفى التحليلى لذلك يغلب عليه طابع الرؤية الشاملة المتسقة للأحداث على طابع المتابعة اليومية الجزئية ؛ والثانية هى إطلاع الأجيال الحالية من الجمهورعلى جذور الأزمات التى نعيشها الآن ؛والثالثة أن الحلول المفترضةيجب أن تكون حلولا جماعية وليست فردية .. ذلك لأن استخلاصات المعارك المشار إليها ونتائجها على الأرض تمدنا بذخيرة على جانب كبير من الأهمية نتعظ منها ونأخذ العبرة والدروس وهى تتمثل فى الآتى :
1- أن العلاج السطحى للمشاكل والقضايا التى تكتنف كثيرا من مؤسسات المجتمع دون استئصال جذورها تعيدنا إلى نقطة البداية مهما طال الزمن بل وتعيد تلك المؤسسات إلى مستوى أسوأ مما كانت عليه قبل ذلك.
2- أن المؤسسات الاقتصادية شأنها شأن كل مؤسسات المجتمع تخضع لنفس القاعدة بل هى أكثر حساسية من مؤسسات المجتمع الأخرى فى هذا الأمر، وعليه فما يصدق على مؤسسة مصرفية ينسحب تلقائيا على وضع الدولة والمجتمع ككل؛ والعكس صحيح.
3- أن السياسات المعتمدة لتسيير مؤسسات الدولة والمجتمع هى التى تحدد الأدوات التى يتم تطبيقها بها و تصيغ القرارات المتخذة لتنفيذ تلك السياسة.. وتتحكم فى نتائجها بالتالى، بمعنى أنه لو كانت السياسة المعتمدة هى سبب تدهور الاقتصاد أو/ و الخدمات ( تعليم ، صحة ، ثقافة ) أو/ و الأمن القومى أو/ و الداخلى، أو / والحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب أو/ والمساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المواطنين ، فلا جدوى من عمليات الترقيع ( العلاج السطحى ) التى تسعى لترميمها مهما كانت مهارة جراحى التجميل أو لاعبى الأكروبات الذين يقومون بها .
وعلى مستوى المجتمع ككل لامفر من تغيير هذه السياسة من جذورها إذا أردنا إنهاض المجتمع على أسس قوية ، ولنضرب لذلك مثلا .. لو كان نصف الشعب يعانى من الجوع فلا فائدة من تجريم حق التظاهر للجوعى ونكرر للجوعى فسوف يتم خرقه إن آجلا أو عاجلا لسبب بسيط أن الأمعاء الخاوية إذا ما استطال أمد خلوها من الطعام تحدث آلاما غير محتملة تصل فى كثير من الحالات إلى الجهاز العصبى وتضع صاحبها فى حالة من الهياج تصعب السيطرة عليها .. وهى حالة معروفة فى الطب ، هذا إذا اقتصرت الحالة على الجوع أما لو أضيفت لها عوامل أخرى كفقدان الأمل أو إهدار الكرامة أو المطاردة أوالعنف الجسدى أو الحبس فتتعقد الحالة ويصبح الحديث عن (قصور الموارد عن علاج حالة الجوع فى المجتمع) ضربا من العبث وقصر النظر.
ولذلك فإن استدعاءنا لبعض وقائع المذبحة اليوم لا يستهدف التنديد بعدد الأفراد بل استخلاص بعض الدروس منها والإشارة إلى ضرورة اجتثاث الداء من جذوره بديلا عن عمليات الترقيع التى برع فيها حكامنا طيلة نصف قرن من الزمان وكانت نتائجها مزيدا من الكوارث وأخطرها فقدان الأمل فى تطور المجتمع ونهضة الشعب.
وفى ظل الوضع الذى تعيشه مصر فى السنوات الثلاث الأخيرة يتساءل الكثيرون منا : إلى متى تستمر الفوضى وانعدام الأمن وانتشار البلطجة، وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية ، وانهيار الخدمات ( التعليم والصحة والثقافة) والمرافق ( الكهرباء والغاز ومياة الشرب والرى والمواصلات والصرف الصحى والزراعى ) ، وتدهورقيمة الجنيه وتبدد رصيد الخزانة العامة من العملات الصعبة، وانحطاط الإنتاج وتوقف السياحة وشيوع البطالة وتزايد أعداد المندفعين تحت خط الفقر؛ وتفشى الإرهاب المسلح لجماعات الإسلام السياسى واغتيال وخطف جنود الجيش والصحفيين والمدنيين واختفاء الشباب، واستمرار الفساد ..؟
ويبحث الكثيرون منا عن الأمل الذى عولوا عليه منذ يناير 2011 .. وعن بقاياه بعد يونيو 2013 فلا يجدونه . لأن ما نعيشه الآن تمتد جذوره ونكرر تمتد جذوره إلى سنوات وعهود سابقة ؛ فالبلطجة بنت انهيار التعليم وانعدام فرص العمل معا .؛ واستمرارها نجم عن حماية الدولة لها لقهر المعارضين وتزوير الانتخابات وتأديب الشعب ، كذلك فغلاء الأسعار ابن قلة الإنتاج منسوبا إلى حجم الطلب عليه ، وتفشى أوبئة ( الكبد والكلى والسرطان ) لايهبط فجأة من السماء بل يتسرب تدريجيا للبشر مع انهيار إجراءات الوقاية الصحية.. و ضعف التغذية .. ومن تلوث الخضر بالمبيدات المحرم استخدامها ومن مياة الشرب الملوثة ومن رى المحاصيل بمياة الصرف الصحى.. بل ومن تردد كثير من المرضى على المستشفيات الموبوءة، وانتشار الإرهاب المسلح نبت من الاستبداد ومصادرة حريات الشعب و من الإفراج عن جماعات الإسلام السياسى دون شروط فى عهد السادات وعقد الصفقات معها فى عصر مبارك. لذا كان من المنطقى البحث عن جذور ما نعيشه من أزمات وكوارث.. في كل ما جرى فى أوقات وعهود سابقة؛ خصوصا وأنها لم تقتصر على البسطاء والفقراء من الفلاحين والعمال والمهمشين وأرباب المعاشات وموظفى دواوين الحكومة بل طالت الكثيرين من أبناء الطبقة الوسطى وأصحاب الياقات البيضاء من موظفى الشركات والبنوك وهو ما لنا فى الفترة من 1997 إلى 2001 فى البنك العربى الإفريقى الدولى، ثم فى بنك كايرو باركلييز وبنك القاهرة اعتبارا من عام 2000.
ومما يدفع الناس لفقد بقايا الأمل أن لا شئ يتغير إلى الأفضل فالسياسات كما هى والتشريعات القديمة باقية، والجهاز الإدارى للدولة مكتظ بالفاسدين والمرتشين دون تطهير ، والوجوه التى تطالعنا كل يوم ثابتة والتبريرات يتم استدعاؤها فى كل وقت محنطة من المتاحف والأراشيف؛ لأن الدولة فى زمن مبارك وقبله فى زمن السادات عمدت إلى وضع الأسس وسن القوانين وإصدار القرارات واتخاذ الإجراءات التى تترجم تلك الأحداث -التى تبدو متناثرة لا رابط بينها- إلى سياسة مستقرة نشهد نتائجها - علاوة على أنه لا تبدو فى الأفق نية للتخلص منها.
واليوم تصِمّ الدولة آذانها عن كل الاحتجاجات والاستغاثات وطلب النجدة والصراخ الذى أطلقه المضارون فى قطاعات واسعة من المجتمع من تلك السياسات ، بل وجرمت احتجاجهم على الجوع. وفى حالات كثيرة أصرت على استخدام نفس الأشخاص الذين طبقوا تلك السياسات وأصدروا القرارات المنفذة لها .. وهو ما يعيد لذاكرتنا وقائع سابقة شهيرة أبرزها فى موضوع المذبحة ما جرى عام 2000 عندما عينت الدولة رئيسا لبنك القاهرة .. نفسَ الموظف الذى قاد مذبحة العاملين فى البنك العربى الإفريقى الدولى - ليكرر المذبحة فى موقعه الجديد - بعد أن كانت قد أقالته من العربى الإفريقى فى عام 1998 بسبب تراجعها أمام مقاومة العاملين به. وللأسف فكثير من ذلك مازال قائما ومستمرا فى مختلف مؤسسات المجتمع.. ولا تبدو لنا بادرة عملية واحدة تشير إلى نية التعديل ومغادرة الأرض السابقة.
إن مذبحة البنك العربى الإفريقى الدولى هى نموذج للفساد المستشرى ولازال فى ثنايا المجتمع والذى لا يمكن لمسئول أن يقطع باستئصاله ؛ لأن الفساد نابع من السياسات وليس كامنا فى الأشخاص فالسياسات الخربة تحول كثيرا من الشرفاء إلى فاسدين بينما الشرفاء لا يستطيعون تحويل تلك السياسات الفاسدة إلى عكسها ولذا يصيبهم اليأس والاكتئاب أو يؤثرون السلامة الشخصية ويتحولون إلى فاسدين، كما أن المذبحة كانت مثالا للاستبداد .. الأب الشرعى للفساد، كذلك فما تضمنته من أحداث وتفاصيل تدفعنا دفعا للقول بضرورة العمل على تغيير جملة السياسات القائمة تغييرا جذريا يسهم فى تحويل المتضررين منها إلى عوامل بناء وليس إلى مصادر احتجاج .. وهكذا.
خلاصة القول أن ما حدث بعد 25 يناير 2011 هو وجه العملة الآخر لما جرى قبل هذا التاريخ ، وسياسات الرئيس المدنى رئيس حزب الحرية والعدالة وسليل جماعة الإخوان هى بنت سياسات الرئيس ذى الأصول العسكرية زعيم الحزب الوطنى الديمقراطى حيث لا عدالة ولا حرية ولا ديمقراطية ولا وطن يحمى أبناءه من الجوع والبطالة والقهر ويصون كرامتهم .. وطالما استمرت تلك السياسات فعالة و ظلت المنظومة التشريعية باقية فلا أمل يرجى فى المستقبل القريب حتى لو تولى حكمنا أعظم العظماء وأعدل العادلين.
وهذا يعنى أن الصراع الذى كان دائرا - بين الحزبين السابقين – لم يكن إلا على الكرسى الذى يخول للجالس عليه أن يتحكم فى رقاب العباد وأرزاقهم وفى مستقبل الشعب ومصير الوطن هو والجوقة التى تحيط به من الشلة أوالقبيلة التى ينتمى إليها .. ولم يستهدف أيا من مطالب الشعب المشروعة فى حياة كريمة ومجتمع خال من الاستبداد والفساد والتمييز.
ولا نعتقد أن الأمر يحتاج إلى براهين أو تحليلات فقد عايش الناس العهدين وجربوا الرئيسين واختبروهما وقالوا رأيهم فى كل منهما فى حشود لم تتكرر من قبل- فى أى مجتمع من مجتمعات العصر الحديث- وشاهدها العالم بأسره ولا ينكرها إلا أبناء المعسكرين ( الشلة والقبيلة ) وأولياء نعمتهم فى الخارج.
فهل نضع ثقتنا فى رئيس قادم يعيد بناء المجتمع المصرى على أسس مغايرة وسياسات معاكسة لما هو قائم الآن ؛ ونشاركه و يشاركنا فى البناء.. أم نطوى صفحة التمنيات إلى الأبد ويكون بعدها لكل حادث حديث..؟
وفيما يلى نعرض موجزا لمقدمات تلك المذبحة وعينات لبعض وقائعها :

الشاب والأداة
خليط من طموحات بلا مؤهلات ، ومؤهلات فى الاستبداد والارتزاق

كانت بدايته فى طريق العمل العام مؤشرا على ما يمكن أن ينتظر الشعب فى قادم الأيام عندما يتولى رئاسة مصر كما كان مخططا. لقد تحول الشاب من مجرد رجل أعمال إلى موظف عام للمرة الأولى فى أحد البنوك الدولية الذى يضم مجلس إدارته ممثلين لعدد من الدول العربية أو لمؤسساتها المالية.
ففى واحدة من الجلسات الأولى لمجلس إدارة البنك العربى الإفريقى الدولى التى انعقدت بمركزه الرئيسى بالقاهرة – فى الثانى من مارس عام 1997 – شارك الموظف العام ..جمال حسنى مبارك .. فى اتخاذ قرار بتسريح ثلث العاملين بالبنك دون تحديد الأسباب والأسس والمعايير التى تدفع بهم إلى خارجه وبشكل مباغت وبلا إنذار, وهى نفس الملابسات الداكنة التى خيمت على البلاد فيما بعد عندما بدأ العد التنازلى لتوليه " العرش " إبان فضيحة الانتخابات البرلمانية فى نوفمبر 2010 .
كان تعيين ابن رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت عضوا بمجلس إدارة البنك هو الخطوة الأولى التى تستهدف إعداده ليكون رجل دولة فى وقت يجرى فيه التحضير لخصخصة البنك الذى صار واحدا من قياداته؛ إلا أن تلك الخطوة (المذبحة ) لم تسفر إلا عن افتضاح أمر الفساد الذى ينتشر كالطاعون فى جسد الدولة المصرية؛ والاستبداد الذى قذف بمائة وثلاثين مصرفيا إلى ساحة البطالة وبشكل أكثر بشاعة مما حدث مع عمال المصانع إبان تطبيق سياسة المعاش المبكر( فى عهد عبيد والجنزورى ) تمهيدا للتخلص من ملكية الدولة للقطاع العام الصناعى- الذى بُنى بعرق الشعب - للمحظوظين من رجال الأعمال والمحاسيب.
هذا وقد طالبَنا كثيرٌ من المراقبين والأصدقاء وممن جرى تسريحهم من البنك بكتابة عدد من المقالات تضم جملة هذه التطورات .. لكننا آثرنا الانتظار حتى تبرد الأحداث وتتخلص النفوس مما علق بها من آلام ليكون عرض الوقائع موضوعيا ومتخلصا من المشاعر الملتهبة ؛ فيكون استقبالها أفضل والاستفادة منها أعظم؛ لكن انغماسنا حتى آذاننا فى بعض الأنشطة الأهلية التطوعية البعيدة عن أجهزة الدولة والأحزاب السياسية ومنها لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح الزراعى فى الفترة التى ساندت الفلاحين الذين تغتصب أراضيهم بواسطة ورثة الإقطاعيين السابقين وعصابات السطو المنظمة على الأراضى بدعم وتواطؤ الدولة وأجهزة الأمن - حال دون إنجاز تلك المقالات قبل الآن.
كذلك لم نُرِدْ أن نكتبها فى أعقاب انتفاضة 25 يناير 2011 التى أطاحت بأحلام ذلك الشاب وبأسرته وبالحلقة المحيطة بهما من رجال الأعمال والفساد إلى الأبد حتى لا نُتّهم بالسير فى زفة المنتقمين ، كما آثرنا أن ننتظر أكثر حتى لا يطغى زخم انتفاضة يونيو 2013 على ما نريد أن نقدمه للناس ليتمعّنوا ليس فيما آلت إليه أوضاع الفساد والاستبداد فحسب بل - وهو الأهم – فى أسبابه ومقدماته وتحققاته المبكرة التى كنا شهود عيان عليها؛ وليدركوا أن ما نعانى منه الآن من جماعات الظلام الفاشية المتلفعة بالدين هو النتاج المنطقى والإبن الشرعى للاستبداد السابق الذى شمل المجتمع منذ نصف قرن ؛ فالفساد ابن الاستبداد فى كل بلاد العالم منذ بداية البشرية ، وليدركوا أن المقاومة التى بادر بها أفراد قلائل من المسرحين فى هذه المؤسسة المصرفية - وانتشرت عدواها لمعظم العاملين فيها ولبنوك أخرى- قد أسهمت بقدر ولو ضئيل – ضمن جهود آخرين- فى التحضير لما قام به الشعب فى 25 يناير و30 يونيو من رفض .. فذاكرة الجموع كـ " الحصالة " تتراكم فيها الوقائع كقطع النقود حتى تمتلئ ويفيض بها الكيل فيتم تفريغها ..أو تنفجر.
إن ما حكم سلوكنا إبان مقاومة فساد واستبداد إدارة البنك العربى الإفريقى كان نفس المنطق البعيد عن المبالغة والانتقام ورد الفعل المنفلت ؛ و كان بحق منطقا علميا موضوعيا شريفا لا يبغى سوى استرداد الحق الضائع والكرامة المهدرة .. إلى أبعد الحدود. وإذا ما أردنا استكمال الصورة لأكدنا أن رد فعل خصومنا – من إدارة البنك – كان هو المتسم بالفجاجة والتلفيق والسادية والخراقة والمغالطة وانعدام المصداقية – مما أفقد الرأى العام المصرفى والاقتصادى أى قدر من التعاطف معها وانحاز للضفة الأخرى.. ضفة المسرحين.
تبقى كلمة أخيرة وملاحظة - قبل أن نتعرض فى مقالنا - لبعض التفاصيل موجزها :
1-ما يتصوره البعض عن أن إثارة موضوع الصراع داخل مجموعة البنك العربى الإفريقى الدولى الآن ربما يكون بمثابة نفض الرماد عن الجمر المشتعل تحته فيقلبَ كثيرا من المواجع ، أو يستنفرَ عديدا من المجموعات والقوى والأفراد الذين تتناول أحداث المذبحة بعضا منهم بحكم كشف الخبايا فيشرعون فى الرد فى الصحافة والإعلام أو على مواقع التواصل الاجتماعى الإلكترونية أو أمام القضاء ، أو يُسيل لعابَ آخرين يرون فيما نكتبه مادة لاسترداد الحقوق ( معنوية ومادية )؛ أو للتباهى والاستعراض الإعلامى؛ أو للانتقام والتشفى.. فذلك كله نتوقعه ولا نلقى بالا لبعضه ونرفضه ؛ أما بعضه الآخر فمستعدون له.. كلٍ حسب رد فعله ؛ فجِرابُنا مملوء بالوقائع والأسلحة والبراهين .
لكننا ندرك فى نفس الوقت أن الحقيقة هى الشئ الوحيد الذى نسعى له ونحرص عليه ونريد للأجيال الحالية والقادمة - التى لم تعاصر تلك الأحداث - أن تعرفها من شهود عيان وتتخذ موقفا نقديا منها ( من الحقيقة ومن رؤيتنا لها ) فذلك هو الضمان الأكيد لكنس كل المخلفات القديمة وبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة أساسها الحق والعدل والحرية والاستنارة والمساواة والأمن والمنعة والوفرة والتقدم بعيدا عن ماضى الفساد والاستبداد والتخلف والتمييز وعن سعى دءوب محموم من جماعات الإرهاب والعنف المسلح يستهدف إعادة مصر إلى عصور وهمجية القرون الوسطى.

مقدمة تاريخية عن مجموعة البنك حتى عام 1997 :

تأسس البنك العربى الإفريقى الدولى فى العهد الناصرى عام 1964 بالقانون رقم 45 على خلاف بنوك القطاع العام ( الأهلى ، ومصر ، والقاهرة ، والإسكندرية ، وبور سعيد ) والبنوك النوعية كـ ( البنك الصناعى ، والتسليف الزراعى ، والعقارى، والعمال ، وناصر ) ، والبنوك المشتركة التى أنشئت بقانون استثمار رأس المال العربى والأجنبى رقم 43 لسنة 1974 ( مثل الأهلى سوسييتيه جنرال ؛ والقاهرة باركلييز ، ومصر رومانيا ؛ والإسكندرية الكويت ..إلخ ) . وهو ما يعنى أنه أول وأقدم بنك يتأسس فى مصر بقانون خاص ، تلاه فى عام 1971 المصرف العربى الدولى فى عهد السادات الذى أصر على عدم إخضاعه لرقابة البنك المركزى وقانون العمل المصرييْن بشكل صريح حتى يكون النفق الذى تمر منه أموال الكبار والعملاء والأجانب إلى خارج مصر دون رقيب، وتلاه فيما بعد بنك فيصل الإسلامى المصرى.
أ‌- هذا وقد وصل رأس المال المدفوع 200 مليون دولار أمريكى موزع كالآتى:
البنك المركزى المصرى ( مؤسس ) 43،66 %
وزارة المالية الكويتية ( مؤسس ) 43،66 %
مصرف الرافدين – العراق ..،10 %
وزارة المالية - الأردن .. ،1 %
البنك المركزى - الجزائر 62،.. %
بنك الجزيرة – بجدة 50،.. %
وزارة المالية - قطر 25,.. %
أفراد وهيئات عربية 31 ،.. %

ب‌- وتنص لائحة تأسيسه على تكوين مجلس إدارته من 9 أعضاء منهم 4 مصريين و 4 كويتيين ، وعراقى واحد .

ج- ويتولى رئاسته كويتى ، أما نائب الرئيس فمصرى وهو فى ذات الوقت العضو المنتدب ( أى المسئول التنفيذى)، ومركزه الرئيسى فى القاهرة.

د- فى نهاية الثمانينات تم تخفيض رأس المال إلى 100 مليون دولار بعد أزمة طاحنة كادت تقضى عليه ؛ وبعد حرب العراق والكويت عام 1991تم تخفيض حصة العراق وتغيرت مساهمات المؤسسيْن (مصر والكويت) وبقية الشركاء؛ كما استبعدت العراق من مجلس الإدارة ليصبح 8 أعضاء مناصفة بين المؤسسيْن كالآتى :
البنك المركزى المصرى ( مؤسس ) 49,37 %
وزارة المالية الكويتية ( مؤسس ) 49,37 %
مصرف الرافدين – العراق .. ،1 %
وزارة المالية -الأردن 10 ،.. %
البنك المركزى - الجزائر 06 ،.. %
بنك الجزيرة – بجدة 05،.. %
وزارة المالية - قطر 02,.. %
أفراد وهيئات عربية 03،.. %

ه- هذا وبتأسيس البنك لعدد من الفروع المحلية فى القاهرة ومصر الجديدة والإسكندرية ثم بعدها فى المعادى والمهندسين والزمالك والعاشر من رمضان فضلا عن مشروع فرعين فى الغردقة وشرم الشيخ أغلِقا قبيل افتتاحهما بشهور فى عام 1997.
- وعدد من الفروع الخارجية فى لندن ( فرعين ) ، ونيويورك ، وجزرالبهاماز، وبيروت ( 3 فروع ) ،ودبى ، وأبو ظبى .
- وعدد من البنوك التابعة ( التى يساهم البنك فى جزء من رأسمالها ) واتخذت جزءا من اسمه فى كل من البحرين وتونس وموريتانيا ، والقاهرة ( بنك مصر العربى الإفريقى ) رغم تصفية ثلاثة منها فى تونس وموريتانيا والبحرين فيما بعد .
- إضافة لتوسع أعماله وتعدد مساهماته فى كثير من المؤسسات المالية والاقتصادية المتنوعة وانتشاره الدولى؛ بهذا تشكلت المجموعة التى عُرفت بمجموعة البنك العربى الإفريقى الدولى.
و- وقد بلغت أصول البنك الأم ( العربى الإفريقى الدولى ) 2 مليار دولار عام 1996 بعضها عقارات وحصص ومساهمات فى شركات وبنوك وفنادق ومؤسسات بلغ عددها ثلاثون ، منها بنك مصر العربى الإفريقى الذى يملك البنك الأم 49 % من رأسماله بالإضافة إلى حصة لصندوق معاشات العاملين فى البنك الأم تبلغ 7,2 % من رأسمال البنك التابع ويمثله في مجلس إدارته 6 أعضاء من أصل 13 عضوا منهم العضو المنتدب ؛بينما يمثل صندوق المعاشات عضو واحد.
-فى الخمسة عشر عاما الأولى تطور البنك حتى وصل حجم أعماله وميزانيته إلى أرقام عالية دفعته إلى تبادل المركز الأول فى العمل المصرفي المصري مع البنك الأهلى وبنك مصر.
-هذا وكما ذكرنا سابقا تعرض البنك فى ثمانينات القرن الماضى( فى عهد رئيسه إبراهيم الإبراهيم ) لخسائر كبيرة متزامنة تقريبا مع الأزمة الشهيرة لسوق المناخ بالكويت بلغت ( كما ذكر العضو المنتدب محمد فريد فى إحدى رسائله لمحافظ البنك المركزى بتاريخ 21 مارس 1996 حوالى 1،2 مليار دولار أى 1200 مليون دولار) ؛ وهو ما دعا حكومتى مصر والكويت للبحث عن وديعة مساندة تساهم فى إصلاح أوضاع البنك وتعويضه عما تكبده من خسائر، ولم يفق منها إلا فى عام 1992 بعد استدعاء عاجل للمصرفييْن المصرييْن عبد المنعم رشدى ( 1987 – 1990 ) الرئيس السابق للبنك الأهلى المصرى ، ومحمد فريد (1990 – 1996) الرئيس الأسبق للبنك الوطنى للتنمية اللذين توليا منصب العضو المنتدب على التوالى- ورفضا أى إجراء لتسريح العاملين واستبدلاه بوقف العلاوات والترقيات وبضغط المصروفات .. إلخ - حرصا عليهم وعلى مستقبلهم .
-لقد كان من سياسة إبراهيم الإبراهيم ( الرئيس الكويتى ) تعيين أبناء ( الوزراء وكبار ضباط الشرطة والجيش والصحفيين المعروفين ورؤساء المؤسسات الصحفية وأبناء الإعلاميين) وكذلك لاعبى الكرة المشاهير إلا أن عبد المنعم رشدى فور توليه قام بتعديل هذه السياسة وأنهى خدمة لاعبى الكرة وكل من كان تواجده شكليا فى البنك دون أى رد فعل منهم .. ومن ناحية ثانية أسهم على عبد الرحمن الرشيد - الذى خلف الإبراهيم فى الرئاسة- مع كل من رشدى وفريد فى إنهاض البنك إلا أنه بمغادرته منصبه إلى هيئة الاستثمار الكويتية ( عضوا منتدبا لها ) وحلول د. فهد الراشد محله بدأت متاعب العاملين فى البنك تعاود الظهور من جديد ؛ وكانت أبرزها ( سياسة النسب فى وضع تقارير العاملين السنوية ) والتى تعنى تحديد نسبة لكل تقدير من التقديرات المختلفة ( متوسط ، جيد ، جيد جدا ، ممتاز ) يُحظَر تجاوزها فى أى قطاع من قطاعات البنك وهى أشبه بتحديد نسبة النجاح التى تفرضها وزارة التعليم فى امتحانات النقل والشهادات على المدارس والمؤسسات التعليمية ؛ و مع أن ذلك لم يكن أكثر من مؤشر لما هو قادم – إلا أنه أثار استياء العاملين بشدة وأنذر بسياسة مختلفة فى ترقياتهم وعلاواتهم وحصصهم من الأرباح ومن ثم مداخيلهم؛ خصوصا وأن بشائر تعيينات جديدة بمرتبات كبيرة ظهرت فى الأفق.. هذا من ناحية .
-ومن ناحية أخرى فإن بوادر صدام بين فهد الراشد - الرئيس الكويتى - ومحمد فريد العضو المنتدب المصرى- بدأت تتراكم وتتضح للكثيرين؛ سببها تدخل الراشد فى العمل التنفيذى وتجاوز صلاحياته والتعدى على اختصاصات العضو المنتدب وتشجيع عدد من العاملين فى الإدارة الوسطى والعليا على تلقى التعليمات منه بدلا من العضو المنتدب ( بالمخالفة للائحة نظام البنك ) وهو ما أوصل تطورات الخلاف إلى البنك المركزى المصرى خصوصا فيما يتعلق بتصرفات المدير العام الرئيسى محسن خالد الذى اعتبره فريد عصا الراشد فى مواجهته وأصر على استبعاده .. ونفذه .
-ومن ناحية ثالثة كان أحد عملاء البنك الهنود قد غادر محل إقامته وعمله فى الخليج هاربا بقرض قدره 4 ملايين دولار وتبعه هندى آخر بقرض( بلغ 2،5 مليون دولار) وهو ما عمّق الخلاف بين الراشد وفريد ، ولأن الأخير شعر بضعف صدى ملاحظاته ومآخذه الشديدة على الراشد والأعضاء الكويتيين- لدى محافظ البنك المركزى على غير ما كان مفترضا وما كان يتوقع فقد دفعه ذلك للإحساس بأن هناك اعتبارات غير مرئية وغير مفهومة تحكم مسار البنك خصوصا بعد أن تم ضبط أحد أعضاء مجلس الإدارة الكويتيين ( محمود النورى ) متلبسا بتهريب بعض الآثار المصرية فى مطار القاهرة ولم تتم إحالته للنيابة كما كان مفترضا بل تم الاكتفاء بمصادرة المهربات وتغريمه 67 ألف جنيه و التصالح معه وحفظ التحقيق و هو ما أكد ضرورة أن يغادر أحدهما ( الراشد وفريد) البنك.
-وعلى ما يبدو أن جملة هذه الوقائع الجلية - التى لا تحتمل رأيين – قد خلقت نوعا من التوتر بين الدولتين وربما يكون السبب هو أن منطق محمد فريد فى الإدارة أصبح عائقا أمام مطامح الجانب الكويتى- وعلى الأرجح أيضا الدولة المصرية- فيما يتعلق بمستقبل البنك فقد انتهت القصة بالتضحية بمحمد فريد حيث أصدر رئيس الوزراء - كمال الجنزورى- فى 21 سبتمبر 1996 قرارا باستبدال عضوين مصريين من مجلس الإدارة هما محمد فريد ومحمد الهادى الأنور وتعيين أحمد البردعى عضوا منتدبا وجمال مبارك عضوا.. مكانهما.
-ولأن ذلك الصراع لا يمكن أن يكون مبتوت الصلة بما كان يجرى التحضير له فى البنك التابع ( مصر العربى الإفريقى) فقد تتابعت الأحداث فى كلا المصرفين بشكل مثير وفائق السرعة - بمجرد تولى البردعى وجمال مبارك منصبيهما فى 20 أكتوبر 1996- مما يوحى باللهاث بشأن ذلك التحضير ؛ ويؤكد أن الصبر قد نفذ بشأن مصير ينتظر المصرفيْن فى السنوات – إن لم يكن الشهور القادمة.
-ففى فبراير 1997 – أى بعد 4 شهور من التغيير الدرامى فى عضوية مجلس الإدارة- بدأت مذبحة العاملين فى البنك الأم ( العربى الإفريقى الدولى ) ، وتم تغيير ممثليه فى مجلس إدارة البنك التابع وكذا ممثل (صندوق معاشات العاملين فى البنك الأم ) فى نفس المجلس؛ وأفلتت حصة الشركة المصرية لإعادة التأمين ( 9,46% من رأسمال البنك التابع – مصر العربى الإفريقى) من بين يدى البنك الأم والراشد تحديدا ؛ حيث تم بيعها فى الخفاء لمستثمر سعودى بنصف ثمنها الفعلى ، كما تكشفت فضيحة ثانية لحصة أخرى يملكها البنك التابع فى شركة الشرق الأوسط لاستصلاح الأراضى تم بيعها فى ستة أيام لنواب القروض بأقل من نصف قيمتها.. وهكذا .

ملاحظة لابد منها :

وقبل أن نتطرق للتفاصيل ولكى يتمكن القارئ البعيد عن المجال المصرفى من متابعة الأحداث -التى نعرضها – بدقة.. يلزم أن نبرز الصلة التى تربط بين المصرفين وبين مجلسى إدارتهما معا ( البنك الأم " العربى الإفريقى الدولى " الذى جرت به المذبحة ، والبنك التابع " مصر العربى الإفريقى" ) حيث يملك الأول 49 % من رأسمال الثانى وله فى مجلس إدارته 6أعضاء من أصل 13 عضو منهم العضو المنتدب ؛ بالإضافة إلى أن صندوق معاشات العاملين فى البنك الأم يملك أيضا حصة من رأسماله قدرها 7,2 % ويمثله عضو واحد فى مجلس إدارته.. ولأن الأعضاء السبعة موظفون فى البنك الأم ويمثلون معا ما مقداره 56،2 % من رأسمال البنك التابع ويشكلون أغلبية داخل مجلس إدارته ( 7 من 13 عضو) فيمكنهم أن يتحكموا فى إصدار قراراته وتوجيهه الوجهة التى يريدونها مهما كانت رغبات بقية أعضاء مجلس الإدارة (الستة الآخرين ) بل ويتحكموا – بشكل غير مباشر- فى رفض أو الموافقة على بيع أية حصة أخرى يملكها أو يمثلها أى عضو من الأعضاء الستة الآخرين .. هذا إذا اتفق الأعضاء السبعة على ذلك. وحيث أنهم( أى السبعة ) يمثلون هيئتين مختلفتين ومستقلتين ( البنك الأم .. وصندوق معاشات موظفيه ) داخل مؤسسة واحدة ؛ ولأن من الطبيعى أن تكون مصالح الهيئتين فى بعض الأحيان متعارضة ( لأن البنك صاحب عمل أما صندوق المعاشات فيخص العاملين) فإن الاتفاق بينهما فى وجهات النظر لم يكن حتميا وقد اتضح ذلك عندما طلب فهد الراشد رئيس البنك الأم من أحمد البردعى العضو المنتدب بمصرفه أن يشترى – لحساب البنك الأم - حصة من رأسمال البنك التابع تخص أحد الأعضاء الستة الآخرين فى مجلس الإدارة ( الشركة المصرية لإعادة التأمين وتبلغ 9،46 % من رأس المال) لكى يصبح البنك الأم مالكا لأغلبية ( 49% + 9،46 % ) رأس مال البنك التابع ويتسنى بيعها لأحد البنوك الكويتية كما كان شائعا بقوة فى الدوائر المصرفية آنذاك .. لكن أحمد البردعى وبالاتفاق مع الأعضاء السبعة فى مجلس إدارة البنك التابع وفى مقدمتهم عمر مهنا العضو المنتدب - باعتبارهم مرءوسين له - لم يمتثلوا لرغبة الراشد فى شراء الحصة المذكورة بل تم التفريط فيها حتى بيعت خلسة لأحد المستثمرين السعوديين بنصف ثمنها فى السوق .
وهكذا طار صواب الراشد من جانب وشعر أحمد الغندور ( رئيس البنك التابع) بالغدر من قبل الأعضاء السبعة فى مجلس إدارته من جانب آخر وبالذات من عضوه المنتدب عمر مهنا ، وهو ما دفع الراشد فى أعقابها للاستماتة فى شراء حصة صندوق المعاشات بديلا عن الحصة التى أفلتت من بين أصابعه من جانب ثالث.
وهنا تبدأ قصة أخرى أهم وأخطر .. قصة الصراع بين مجلس إدارة البنك الأم من ناحية وبين المطرودين منه وبقية العاملين من ناحية أخرى؛ ليس فقط بسبب استبداد المجلس وإجراء المذبحة بل وبسبب الصراع حول حصة صندوق معاشاتهم التى يقاتل الراشد من أجل ضمها إلى ملكية البنك الأم بينما يخشى العاملون أن تباع بثمن بخس وألا يستطيعون توظيف ثمنها بالكفاءة المناسبة . وكانت هذه الحصة والصراع بشأنها هى عقدة موضوع البنك العربى الإفريقى فى أزمته الكبرى الثانية- بلغة الروائيين والسنيمائيين - وشكلت خزان الوقود الذى أطال أمد الصراع وموّن أطرافه بالطاقة اللازمة.

- هذا و تأسس البنك التابع ( مصر العربى الإفريقى )
أ- برأسمال 75 مليون جنيه مصرى مدفوع بالكامل ( حسبما ينص تقريره السنوى لعام 1996 ) موزع كالآتى :
البنك العربى الإفريقى الدولى 49,00 %
الشركة المصرية لإعادة التأمين 9,46 %
أحمد أمين المغربى 8,29 %
محمد منصور 8,44 %
صندوق معاشات البنك العربى الإفريقى الدولى 7,19 %
شركة المنصور والمغربى للاستثمار والتنمية 6,99 %
مجموعة من مساهمى القطاع الخاص 10,63 %
ب- أما مجلس الإدارة فيتشكل من :
- أحمد الغندور رئيسا وممثلا لمجموعة القطاع الخاص
- عمر مهنا نائبا للرئيس وعضوا منتدبا ممثلا للبنك الأم
- 5أعضاء آخرين ممثلين للبنك الأم .. (العربى الإفريقى الدولى)
- عضو ممثلا لصندوق معاشات العاملين بالبنك الأم
- إلهام شاهين ممثلا لحصة الشركة المصرية لإعادة التأمين
- أحمد أمين المغربى ممثلا لحصته
- محمد منصور ممثلا لحصته
- منير فخرى عبد النور ممثلا لحصة شركة المنصور والمغربى
ويلاحظ أن للبنك الأم 6 أعضاء بمجلس الإدارة وعضو لصندوق معاشات العاملين به ، وفى التقرير السنوى لعام 1997 تم تغيير 4 أعضاء من ممثلى البنك الأم ، وتغيير ممثل صندوق معاشات العاملين به.
بينما حل محمد عاكف المغربى محل إلهام شاهين بعد حصوله على حصة شركة إعادة التأمين ؛ لذا تفجرت الأزمة كما سبق القول بين الغندور والراشد من جانب وبين عمر مهنا والبردعى من الجانب الآخر بشأن الحصة الأخيرة التى كان البنك الأم - وتحديدا فهد الراشد - يتلمظ عليها لضمها للحصة الأساسية ( الـ 49 % ) لتشكلا معا أغلبية رأس المال (58،46 % ) ومن ثم أغلبية مجلس الإدارة وتسهل بيعهما للجانب الكويتى ( تحديدا بنك الكويت الوطنى ) فى مقابل تركه البنك الأم للجانب المصرى، وبسبب اقتناص محمد عاكف لحصة شركة التأمين بنصف ثمنها فى السوق، استدار الراشد لحصة صندوق المعاشات بديلا عنها لكن المذبحة التى جرت فى البنك الأم دفعت بكل ما يدور فى الخفاء إلى العلن ودخل العاملون بالبنك الأم والمسرحون بل والصحافة طرفا فى الصراع حول بيعها وثمنها وهكذا تعقدت الصفقة.
ج‌- المركز الرئيسى للبنك التابع بالقاهرة ؛ وله 6 فروع منها 4 فروع بالقاهرة (جاردن سيتى ، والبستان، والمهندسين، ومدينة نصر)، وفرع بالإسكندرية وآخر بالعاشر من رمضان .
وبالعودة إلى سياق الحديث نود أن نلفت النظر إلي أن جملة الخسائر التى منى بها البنك الأم منذ رئاسة إبراهيم الإبراهيم حتى تولى البردعى وجمال مبارك سواء فى فروع الخليج أو لندن يرجعها المختصون إلى مجموعة من الأسباب على رأسها عدم تطبيق القواعد المصرفية فى منح القروض؛ وإحكام المراجعة والرقابة ، وقد أشار لها مكتب المراجعة اللندنى الشهير ( بيت مارويك ) فى تقريره الأخير الذى ترجمة ولخصه زميلنا المسرح كما حفنى – وصدر فى فبراير 1998 عن أوضاع فرع البنك بلندن مضيفا " أن غياب المراجعة الداخلية ؛ وغياب مدير عام للفرع وإهمال المسئولين بالمركز الرئيسى بالقاهرة لملاحظاته " هى التى أدت لذلك.
وتلك الخسائر التى ألهبت الصراع بين أعضاء الجانبين ( المصرى والكويتى ) بمجلس إدارة البنك العربى الإفريقى الدولى لعبت دورا هاما فى تلمظ البعض للاستحواذ عليه ؛ وأسهمت فى استنفار المطامح الشخصية لأقصى درجاتها و تجلى ذلك فى بيع حصة الشركة المصرية لإعادة التأمين ( فى رأسمال البنك التابع – مصر العربى الإفريقى ) من خلف ظهر الجميع وبنصف الثمن ؛ وفى التفريط فى حصة البنك التابع لدى شركة الشرق الأوسط لاستصلاح الأراضى التى بيعت فى غفلة لنواب القروض.
ولما كانت الوقائع تجرى فى الخفاء فقد أسهم الدكتور أحمد الغندور ( رئيس مجلس إدارة البنك التابع ) فى انتشالها من الأعماق ودفعها لتطفو على السطح ، لكن الأمانة تقتضى أن نذكر أن مذبحة العاملين فى البنك الأم كانت وراء مسارعة الغندور فى إظهارها للابتعاد عن دائرة المسئولية والشكوك ونكاية فى خصميه ( مهنا والبردعى ) خصوصا وأنه الذى اقترح ترشيحهما لتولى منصب العضو المنتدب فى كلا المصرفيْن – حسبما أقر فى أحد خطاباته- باعتباره عضوا بمجلس إدارة البنك المركزى آنذاك.
خلاصة القول كانت أزمات البنك الأم تُحَل على حساب الشعبين المصرى والكويتى وتحديدا على حساب العاملين ، كما كان الشروع فى خصخصة البنكين (الأم والتابع ) مستندا إلى نفس الفكرة " إهدار المال العام والاستهانة بمصير العاملين والتضحية بهم" .

فبراير 2014 بشير صقر

وانتظاراً لتعليقاتكم .. نعرض فى الحلقة الثانية :
كيف تمكنت المقاومة من كشف الفساد ووقف الخصخصة والحفاظ على أموال صندوق المعاشات..؟



#بشير_صقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فى مؤتمر الفلاحين الدولى السادس بإندونيسيا : دور منظمة فيا ك ...
- رسالة إلى الفقراء فى مصر : حتى لا تسقط الأمنيات فى الأوهام
- لماذا الثقافة الجادة ولماذا التنوير.. ولماذا محو الأمية السي ...
- استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير .. ومحو الأمية السياسية ...
- استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير . والأمية السياسية (5) ع ...
- استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير .. و الأمية السياسية (4) ...
- استنهاض الثقافة الجادة .. وبعث التنوير.. والأمية السياسية ( ...
- استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير .. والأمية السياسية (2) ...
- استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير .. والأمية السياسية فى م ...
- حيث لا وقت نبدده فى المماحكات.. لنضع النقاط على الحروف .. عن ...
- مأساة بعض شباب منظمات المجتمع المدنى فى مصر: قراءة فى مسودة ...
- استيعاب - المضللين - من أعضاء جماعة الإخوان .. الوهم الأشد خ ...
- لو افترضنا جدلا ..
- عن الجيش المصرى .. والثنائية المفتعلة ( ثورة أم انقلاب..؟ )
- طريقان لا ثالث لهما .. التطهير وإعادة البناء.. أو المصالحة و ...
- حائط الصد الأخير.. وحديث عن النخب
- لكى تعود مصر .. ونعود فراعنة مرة أخرى : جففوا منابع التمويل ...
- مدخل لحل مشكلةالإسكان فى الريف المصرى والمناطق الزراعية المس ...
- شواهد مزعجة تعترض مستقبل الثورة المصرية : هل يتكرر سيناريو ث ...
- ( ثورة جديدة ونداءات مريبة بالمصالحة)


المزيد.....




- أردوغان في أربيل.. النفط وقضايا أخرى
- اضطرابات الطيران في إسرائيل تؤجّل التعافي وتؤثر على خطط -عيد ...
- أغذية الإماراتية توافق على توزيع أرباح نقدية.. بهذه القيمة
- النفط يصعد 1% مع هبوط الدولار وتحول التركيز لبيانات اقتصادية ...
- بنك UBS السويسري يحصل على موافقة لتأسيس فرع له في السعودية
- بعد 200 يوم من العدوان على غزة الإحتلال يتكبد خسائر اقتصادية ...
- الولايات المتحدة تعتزم مواصلة فرض العقوبات على مشاريع الطاقة ...
- تباين في أداء أسواق المنطقة.. وبورصة قطر باللون الأخضر
- نشاط الأعمال الأميركي عند أدنى مستوى في 4 أشهر خلال أبريل
- -تسلا- تعتزم تسريح نحو 2700 موظف من مصنعها.. بهذه الدولة


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - بشير صقر - عن جمال مبارك والبردعى ومذبحة التسعينات بالبنك العربى الإفريقى .. الحلقة الأولى (1)