أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم شحادة - كيلو نمورة مَحرّمِة عالمغلوب














المزيد.....

كيلو نمورة مَحرّمِة عالمغلوب


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4423 - 2014 / 4 / 13 - 14:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لم تكن الغرفة المعزولة على السطح مكسوة بأي شيء يرد برد الشتاء.. لا بل إن بعض الفجوات في الزاويا كانت تسمح للهواء اللاسع أن يدخل بسهولة غير أن ذلك لم يكن ليوقفنا عن التجمع كل مساء لخوض غمار المنافسة غير الشريفة بلعبة الورق (التريكس) وهي غير شريفة لأن من كانت تتاح له فرصة الغش لم يكن ليقصر إطلاقاً فالربح هو الهدف الأسمى أياً كانت الأساليب المتبعة ومن بينها أن يتفق الشريكان على إشارة معينة تنبئ الآخر عند (التسمية) بحال الورق الذي في يده.
في التريكس أربع ممالك.. أي أن لكل لاعب من اللاعبين الأربعة مملكة يقوم خلالها بتسمية اللعبة المناسبة لورقه محاولاً أن تكون هذه التسميات ملائمة للورق الذي في يد شريكه قدر الإمكان، وهذه التسميات هي ( الدينار، الختيار، البنات، اللطش، التريكس) ففي الدينار لا يجب على المسمي وشريكه أن يأكلا الدينار بل عليهما أن يحملا أكبر قدر من أوراق (الدينار) للخصمين اللدودين، وعلى كل ورقة دينار مأكولة في التسجيل (-10)، وكذلك الامر في البنات وعلى كل بنت مأكولة (-25)، الختيار لوحده عليه (-75)، بينما كل لطش مأكول قيمته (-15)، لتأتي بعدها التريكس وحرب تحبيس الأوراق التي لا هوادة فيها حيث يتربع من أنهى ورقه أولاً على المركز الأول وهكذا دواليك.

في الزاوية اليسرى من غرفة صديقي آراء بعد الباب مباشرة كانت طاولة اللعب .. وفي الزاوية اليمنى ثلاثة أسرة كي ينام عليها وأخوته، فوق الطاولة مباشرة كان يتدلى مصباح كذاك الذي يعرضونه في الأفلام خلال جلسات التحقيق، لكن دوره هنا كان أن يظل النور محصوراً بالطاولة عندما يتأخر الوقت ويريد طلال أو أحمد أن يناما عندما لا يكون أحدهما مشاركاً باللعبة دون أن أنسى أن حول الطاولة كان يتسع لثلاثة أو أربع مقاعد إضافية مخصصة لمن يريد متابعة اللعبة من بقية الأصدقاء.
أحمد وهو الشقيق الكبير لصديقي كان شريكاً لحسام أبو أديب صاحب فرن القرية بينما كان شريكي أنا آراء وكانت السخرية التي تحل بالخاسرين والمهزلة التي يتعرضان لها سبباً كافياً لاعتبار هذه اللعبة معركة حقيقية لا يجب التسامح فيها، مع التركيز على عملية حساب الأوراق لمعرفة ما بقي في اليد من كل (مال) والمال هنا هو ( البستوني أو الدينار أو الكبة أو السنك (الزهر) ).

كنا نتدفأ على مدفأة كهربائية قطرها لا يتجاوز العشرة سنتمتر.. يعني (متل قلتها) ولكن السبب الرئيسي لهذه (السخانة) كان تسخين أبريق المتة بشكل متواصل حيث أن كمية السجائر التي كانت تسفك في كل جلسة تحتاج لبرميل مياه ساخنة.
من كان يمتلك بين أوراقه سبعة الكبة يبدأ التسمية.. وتبدأ حرب الـ (أكون أو لا أكون) ثم ترتفع وتيرة اللعب رويداً رويداً خاصة إن تعكست أمور صاحب المملكة وجاءت تسمياته لا كما تشتهي سفنه وسفن شريكه، هنا تبدأ المعاكسات وكلمات السخرية تنهش من أعصابه، لتبدأ بعدها جولة من الصراخ بين الشريكين اللذين لم يتوفقا بتسمية أحدهما.
مرة وكانت الأمور مضطربة وحامية الوطيس واللعبة على وشك أن تنتهي بخسارتنا أنا وشريكي، قال له شقيقه أحمد.. آراء: فأجاب الأخير بهمهمة تعني ( ماذا تريد) فقال له: (بكرة لا تنسى تاخدلي صباطي لعند الحذّاء مشان يصلحو) فما كان من أبو أديب إلا أن قهقه بصوت أيقظ الجيران بينما كنت وعلى الرغم من أنني على وشك أن أخسر مستلقياً على الأرض لهول نوبة الضحك التي أصابتني.. أما صديقي فقد تحول لون خديه إلى الأحمر القاني وشعر أن على هذه المهزلة أن تقف فأجاب: إن ربحتم في هذه الجولة سآخذ (صباطك) كي أصلحه أما إن ربحنا فستذهبان في هذا البرد وتحضران (كيلو نمورة) عقوبة لكما ولن تتذوقا منها أي قطعة.

وافق الخصمان على المقترح لأنهما يوشكان على الفوز ولم يتبق من الممالك سوى مملكتي أنا فنظرت إلى آراء مستفسراً عن سر إيمانه بفوزنا لكني لم أعثر على الإجابة، المهم بدأت تسميتي للعب، وكأن القدر ابتسم لنا جاءت تسمياتي مناسبة للورق الذي في يدي ويد شريكي، فما كان مني ومن آراء إلا أن أطعمناهما عشرة لطوش واثنا عشر دينارية وأربع بنات مع الختيار الذي يعتبر بحد ذاته إهانة لمن يأكله.. ثم حصلنا على المركزين الأول والثاني بالتريكس.. فعمت الأفراح بمعسكرنا لكن الأتراح هي ما حلت في معسكر الخصم.
طبعاً توقع الأعداء أن نسامحهما بكيلو النمورة نظراً للبرد القارس خارجاً.. لكن آراء بعد موضوع تصليح الحذاء لم يتنازل قيد أنملة فدعمت مطالبه المشروعة باسترداد الكرامة وزودته بكل الدعم اللوجستي من إهانة بحق الخصمين اللذين لا يمكن الوثوق بكلمتهما بعد الآن إن لم ينفذا الشرط، وقد أثمر الضغط المتواصل فهب الخاسران وراحا يبحثان عن محل حلويات يبيع النمورة في البرد الشديد.. ثم عادا بعد ساعة وفي يدهما الكيلو.
ما أذهل أبو أديب وأحمد درجة النذالة التي عاملناهما بها.. فعلى الرغم من أن عبارة (محرمة على المغلوب) تقال جزافاً ثم يتم التراجع عنها بعد تنفيذ الشرط.. إلا أننا أصرينا على بنود الشرط ولم نسمح لهما بتناول أي شيء من كيلو النمورة الساخن الذي أحضراه عقوبة لهما على الخسارة والاستهزاء بمقدراتنا التريكسية.

طبعاً كنا نخسر بقدر ما نربح.. نستمع خلال فت الورق إلى أم كلثوم.. فيروز.. مارسيل.. نفتح أحاديثاً خلال اللعب عن احتمال غزو امريكا للعراق.... نناقش.. نسخر من بعضنا بعضاً.. لكن كل ذلك انتهى منذ زمن بعيد.. انتهى كما ينتهي أي شيء.. الحياة بأسرها تغيرت.. نسيت متى كانت معي آخر مرة سبعة الكبة.



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا شيءَ عِندي كَي أقولهُ
- لغةُ العيون
- أنا سأذكركَ دائماً.. وأنت؟
- حكايةُ محاربٍ سوري (1)
- نادين
- موعدٌ مع امرأتي
- رِيحُ الجُنون
- ازدواجية امرأة
- دربُ الهوى
- الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل
- الثورة الفرنسية السورية العرعورية
- ألف ليلة وليلة
- امتلاك الحقيقة
- راياتك بالعالي يا سوريا
- لمَ لستم سعداء؟
- طريق النحل
- عَزفٌ مٌنفَرد على أوتَارِ رُوح
- أنا حازم شحادة
- المُقَامِر
- دعوةٌ للاعتذار


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم شحادة - كيلو نمورة مَحرّمِة عالمغلوب