أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول















المزيد.....

تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4417 - 2014 / 4 / 7 - 17:57
المحور: الادب والفن
    


2
" إنهم يقودوننا إلى الحصن البحريّ..! "
" ما الأمر..؟ أين القبطان..؟ "
" هذه الجزيرة، حسبما أعرف، منذورة للحَجْر الصحيّ "
" ولكن ما من وباءٍ أبداً، متفشٍ الآن..؟ "
" يا لهم من بلهاء، أولئك الموريسكيون..! "
ردّدَت أصواتٌ غاضبة، بأكثر من لغة. في الأثناء، كان أفرادُ حامية الجزيرة قد أخذوا بدفع ركاب السفينة في اتجاه بوابة الحصن الكبرى، ذات السقف المقوّس والعالي. ثمّ تمّ توجيه الموكب، مباشرةً، إلى فناءٍ مظلل بالعقود الحجرية. هذا الفناء، كان يحتوي على عدد من الحجرات المستطيلة الشكل. ثمّة تمّ حشرُ جميع الركاب من لدن حراس الحصن، وبصورة أقرب للعشوائية. عند ذلك، أغلق البابُ الحديديّ على التاجر القادم من بلاد الشام وترِّسَ من الخارج. فما أن التفتَ إلى ناحية الرجلين الآخرين، المقتسمين معه الحجرة الغارقة في الظلال، حتى تعرّفَ في أحدهما على شخص الرجل الملثم.
هناك في صَدر الحجرة، المتنعّم بنزر من ضوء النهار بفضل النافذة الوحيدة، كان الشخصُ الثالث واقفاً وقد أعطى ظهره لرفيقيه. مَلبسُ الرجل، الأسودُ اللون والإفرنجيّ التفصيل، لم يلتبسَ على إدراك التاجر الشاميّ. إذ سبقَ ورأى، ثمة في مدينته البعيدة، رجالَ الدين اليهود. ومن نافل القول، بأنّ ذلك الشخص لم يكن سوى الرابي، الذي قدّمناه قبلاً باسم " يوسف بن عمران ". هذه الحقيقة، ربما أخذها الرابي بعين الاعتبار، حينما لم يشأ أن يكون هوَ الباديءُ بحديث التعارف.
" اسمي جانكو؛ تاجرٌ من مدينة دمشق "
بهذه العبارة المقتضبة، قدّمَ التاجر الشاب نفسه. بعد ذلك، تحرّك فمُ الرجل المغربيّ متحرراً من لثامه: " إنني من بلاد حاحا، الواقعة في جنوب موغادور. ويعرفونني ثمّة بالتيناوي "، قالها بالمحكية المحلية محتفظاً بمظهره الجَهم. وقد عقبَ " يوسف بن عمران " على تعارفه مع التاجر، قائلاً في الماحةٍ محتفية: " تشرفتُ بمعرفتك، يا آغا..! ". فأومأ المعنيّ برأسه متبسّماً، فيما كان يبحث عن مكان مناسب للجلوس. عادَ الرابي لمخاطبة التاجر بلهجته المغربية ذات اللكنة البيّنة: " أما زالَ يهودُ بلادكم يتنقلون في دروبها على ظهور الحمير، كونهم ممنوعين من ركوب الخيل؟ ". اتسعت ابتسامة التاجر الدمشقيّ وهوَ يجيبُ: " نعم، ثمّة أشياء عديدة ما تفتأ محظورة على أهل الذمّة ".
على الأثر، كان على التاجر أن يلتفتَ نحوَ " التيناوي "، الذي سأله في اهتمام " اسمك غريبٌ؛ فهل أنتَ غاوري في الأصل؟ ". من مجلسه على بلاطةٍ حجرية، مغطاة ببساطٍ محليّ خَلِق، أعربَ التاجرُ عن عدم فهمه للسؤال. عندئذٍ، أوضحَ له محاورُهُ في شيء من التهكّم: " غاوريْ؛ بمعنى الافرنجيّ النصرانيّ "
" أنا من جنس آخر غير عربيّ، ولكنني مسلمٌ والحمد لله "
" آه، الحمد لله..! "، ندّت عن الرجل البربريّ في نبرة احترام هذه المرة. وقال له " جانكو "، أنّ الأكراد ينعتون المسيحيين بكلمة مماثلة تقريباً، " غاور "، وهيَ تستخدَمُ أيضاً في اللغة العثمانية. مذ ذاك الحين، تسنى للتاجر الدمشقيّ معرفة أشياء أخرى تجمع قومه بالبربر: منها مثلاً، أنّ لهذه الملة الأخيرة ثلاث لهجات مختلفة. كما وعلِمَ أنّ إحدى هذه اللهجات، الشلحيت، يتكلمها معظمُ مسلمي المدينة وباديتها.
بعيْدَ تناول طعام الغداء، الذي جلبه الحراسُ من مطبخ مقرهم في الحصن، استوى الرابي على قدمَيْه. هوَ ذا ينتحي مجدداً في زاويته بالقرب من النافذة العريضة، المدعّمة بالقضبان الحديدية الغليظة. النورسُ، المنتشر بكثافة ملحوظة في هذه الجزيرة، كانت صيحاته عندئذٍ تطغى على هدير الموج، المتناحر مع الصخور. أشارَ الرابي بيَده نحوَ الخارج، قائلاً وكأنما يُخاطب نفسه: " لطالما مرَّ الأجانب من هنا، مخلّفين الآثارَ أو الدمار ". هنا، مرّت هذه الفكرة في رأس تاجرنا " أيتكلّم الرجلُ بوصفه يهودياً أم مغربياً؟ ". الرابي، وبما أنّ الفكرة لم تطرق سمعَهُ، فقد استطردَ على الأثر " ولكن، في القرون الأخيرة، أضحى الاعمارُ مرادفاً للغزو. إنّ الأوروبيين، المهتمّين بثروات أفريقية، رأوا في المغرب معبراً مهمّاً. وها همُ، اليومَ، يتصرفون بمصير هذه البلاد من خلال بعض ثغورها وأيضاً حدودها: فالبرتغاليون في مَزان؛ الاسبان في سبتة ومليلة والساقية؛ البريطانيون في جبل طارق؛ والفرنسيون في الجزائر. قبل سنواتٍ عشر، كانت هذه الجزيرة موطأ قدمٍ للفرنسيين، حينما قصفوا موغادور من سفنهم الحربية، لمعاقبة السلطان بسبب دعمه للأمير الجزائريّ "
" أهوَ نفسه، الأمير عبد القادر؛ المنفيّ الآن في دمشق؟ "، تساءل التاجرُ وكما لو أنه كان معنياً بالموضوع. هزّ الرابي رأسه، علامةَ ايجابٍ. ثمّ تابعَ القولَ، وهوَ محتفظٌ بالوقفة ذاتها " لو قدِّرَ لك دخولَ موغادور، فإنك ستشافه بنفسك مدى كراهية أهلها للأجانب ". فكرةٌ أخرى، حلّقتْ فوق رأس التاجر " أمن الممكن، والحالة هذه، ألا يُسمحَ لي بدخول البلد؟ ". وإذ هيمنتْ هذه الفكرة على رأس " جانكو "، فإنه لم يَعُد ينصت جيداً لحديث الآخر، المتجه الآن في منحىً مختلفٍ: " هذه الجزيرة، التي لا أهمية لها حالياً، كانت مأهولة خلال العصور المنصرمة. ولكنها أضحَت شبه مهجورة، منذ نحو القرن، مع تأسيس مدينة موغادور ". وكان على الرابي أن يلتفتَ نحوَ التاجر، موقظاً لديه الفضول: " إنّ الفينيقيين، وهمُ أسلافكم، كانوا أول من استوطن الجزيرة. ذلك حصل، قبل وصول الأمويين المسلمين لهذه البلاد بألف عام تقريباً. وبحَسَب دراساتٍ حديثة، فإنّ أولئك الفينيقيين جعلوا الجزيرة محطة بحرية لسفنهم التجارية، التي كانت تغشى المراسي النائية وهيَ محمّلة بأخشاب الأرز والأصباغ الأرجوانية والمنسوجات الحريرية ". توقفَ تدفقُ الحديث هنيهةً، قبلَ أن يُستعاد في نبرة ختمٍ " هكذا أخبرني صديقٌ بريطانيّ، مهتمّ بدراسة الآثار. ومنه علمتُ أيضاً، أنّ الرومان والبيزنطيين استولوا على الجزيرة لاحقاً، بغية استخدامها كرأس جسر إلى ساحل أفريقية ". عبّرَ التاجرُ عن اعجابه بسِعَة علم الآخر، والمشفوع بتواضعه. ثمّ عقبَ بالقول، أنه يودّ سماعَ المزيد من هذه المعلومات، التي كانت جديدة عليه ولا غرو. وبدا أنّ الرابي كان في سبيله للاستطراد، حينما تناهت من خارج الحجرة حركة احتكاكٍ، حديديّة المَصدر.
حينما سيق " جانكو " منفرداً إلى خارج غرفة الحَجْر، فقد دخل في روعه أنه في طريقه لمقابلة الطبيب. الفناء الظليل، الذي مرّ به، كان سقفه من الخشب المصبوغ بالقار ومحفوفاً بالتزيين المشغول بالجبس. الجوّ، كان إذ ذاك يزفرُ أنفاسَ المحيط، المعبَّق بالملوحة والرطوبة؛ أنفاساً أزلية، بدا أنها أثرت بشدّة على واجهات جدران الحجرات، الخارجية، التي حُجِرَ فيها ركاب الباخرة مؤقتاً. وكونها حجراتٍ متشابهة في أحجامها وأبوابها، إنما يدلّ على أنها بنيت أساساً كمأوىً لبعض جند الحامية ـ خمّنَ التاجرُ الدمشقيّ صائباً. الممرّ السماويّ العريض، الذي انحدرَ فيه من بعد، قد كان يفضي إلى ممر آخر، أكثر اتساعاً، يَصعد إلى سطح الحصن؛ ثمّة أين تنتصب قطعُ المدفعية في فتحات السور، موجهة مواسيرَها نحوَ الغرب. ولكن كان على تاجرنا أن ينعطفَ يميناً باتجاه مدخلٍ عتم، أشبه بالقنطرة، يتسلل النورُ الهيّن من فتحات صغيرة، متتالية، في سقفه الحجريّ. ثمّ تابع السيرَ مع مرافقه خِلَلَ هذا الممشى، شبه المظلم، إلى أن أوقفهما حارسان شاكيّ السلاح، يخفران باباً خشبياً كبيراً، مقوّساً ومزخرفاً بعناية: " نحن سنقوده إلى سعادة الباشا، فعُدْ إلى مكانك "، خاطبَ أحدهما المرافقَ.
" كنتُ أظن أنّ الباشاوات لا وجودَ لهم خارجَ حدود الدولة العثمانية..! "
فكّرَ " جانكو " في غير قليلٍ من الدهشة. عندئذٍ، كان ذهنه يتمثل صورة الباشا الكرديّ، المنفيّ في جزيرة أخرى. لقد التقى معه آخر مرة قبل بدء رحلته هذه، المغربية. هذا الباشا، كان آخر أمراء كردستان العثمانية، ممن توارثوا الحكمَ جيلاً جيلاً مذ أن ختمَ " سليم الأول "، قبل عدّة قرون، وثيقة اعترافٍ بسلطة أجدادهم. بيْدَ أن الأميرَ، في نهاية المطاف، وجدَ نفسه منفياً مع أهله وبعض حاشيته إثرَ وقائع مهولة مع سلطان الآستانة؛ مع من أغرق تلك الوثيقة بالدم، معتمداً على دعم بعض الدول الأوروبية. الأمير، كان قد سبق له وقانَ الحديدَ، فجعل منه بنادق ومدافعَ وذخيرة. فأجفل ذلك دول الغرب، خصوصاً وأنّ تحالفاً وثيقاً قد حُبك آنذاك بين الحاكم الكرديّ والحاكم المصريّ، القويّ، الطامع في وراثة آل عثمان. هذا الأخير، أعيدَ إلى رشاده بالقوّة فاقتنعَ بحدود ولايته المصرية. في المقابل، فإنّ الآخرَ قد تمّ ابعاده إلى جزيرة " كريد "، النائية بنفسها في البحر المتوسط. وها هيَ أعوام خمسة مرّت، والباشا الكرديّ لا يفتأ يتوسّل للسلطان أن يعيده إلى وطنه، أو في أدنى حدّ إلى دمشق؛ عاصمة الأسلاف، الأيوبيين.
ولكن، ما لم يكن يخطرُ في بال تاجرنا، أنّ التباساً سيحصل لاحقاً بسبب كون ذلك الباشا الكرديّ يحملُ أيضاً صفة " الأمير ": إنّ الصندوقَ الصغير، الذي يخصّ " جانكو " وكان ضمن متاعه خلال السفر،احتوى على دفتر تمّ فيه ذكر هذه الصفة دونما تحديد اسم صاحبها. مما نجمَ عن ذلك شبهة كونه رسولاً للأمير الجزائريّ، " عبد القادر "، المنفيّ بدَوره ثمّة في الشام.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12
- سيرَة حارَة 11
- سيرَة حارَة 10
- سيرَة حارَة 9
- سيرَة حارَة 8
- من أجل عَظمة
- أحلام مشبوبة
- الشاطيء الشاهد
- النمر الزيتوني
- فكّة فلوس
- القضيّة
- الطوفان
- مسك الليل


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول