أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - أنا سأذكركَ دائماً.. وأنت؟















المزيد.....

أنا سأذكركَ دائماً.. وأنت؟


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4417 - 2014 / 4 / 7 - 14:49
المحور: الادب والفن
    


هواء أيلول ينساب بين أوراق الكينا على مهل فتحاكيه بحفيف ساحر بينما أتمدد على سرير حديدي صدئ قدمي اليمين أرخيتها على ظهر السرير والأخرى تركتها تداعب رمال البحر المجاور لمقري الذي اتخذته ببين تلك الأشجار طيلة الصيف وفيه غاز قديم وإبريق لم يعد ظاهراً من لونه الأصلي أي شيء فقد كساه الشحار الناجم عن النار وعدم غسله على الإطلاق بالإضافة إلى علبة من المتة وكأس كنت أضعهم على طاولة خشبية مهترئة وبين غصني شجرة الكينا المتفرعين بعد جذعها وضعت مسجلة كاسيت.
مع قدوم أيلول يبدأ المصطافون بالعودة إلى محافظاتهم، وفي البدروسية أغلب المصطافين هم من حلب الشهباء.. قلة قليلة تبقى.. وهم ناس أصحاب مزاج أو عائلات لا أولاد يذهبون إلى المدرسة عندها.. الازدحام الذي كان يشهده شهرا تموز وآب ينخفض كثيراً، الطقس يعتدل وماء البحر يبدأ باكتساب شيء من البرودة تمهيداً لأشهر الشتاء القادم.
توقفت أمامي سيارة فان كبيرة نزل منها رجلان يرتديان جلبابين أبيضين وبعد أن ألقيا السلام اعتدلت لأسمع ما يريدان فكان طلبهما (شاليه) فأخبرتهما أن الشاليه التي أؤجرها تتألف من ثلاث غرف وصالة وهي مزودة بمسخن للمياه وكافة أدوات المطبخ وأجارها في الاسبوع (...) فإن أعجبهما العرض سأريهما إياها.

تشاورا مع عائلتهما التي بقي أفرادها في السيارة ثم عادا وطلبا أن ترى العائلة الشاليه فرافقتهم جميعاً إليها ولم تكن إلا على بعد عشرة أمتار من مقري البحري ذي خيمة أوراق النخيل وأشجار الكينا، تركت العائلة تتنقل بين الغرف ورحت أصلي في قرارة قلبي أن يقبلوا العرض.. فهذه العائلة لديها أجمل فتاة قابلتها في حياتي.. ومن يدري إن بقيوا كيف يكون النصيب..
بعد معاينة الغرف قال أحد الرجلين موافقون.. سألته عن عدد الأيام التي يريد استئجار الشاليه فيها فأجاب بأسبوع.. أعطاني المبلغ المستحق فعدت أدراجي إلى السرير المشرف على البحر بعد أن أعددت لنفسي كأساً من المتة عقب هذا الجهد الذي بذلته خلال نصف ساعة فقط.. هذا أروع عمل على الإطلاق.. كم جميل لو كنت استطيع الاستمرار به دائمأً..
في تلك الفترة كنت مهووساً بعبد الحليم الحافظ.. ومع قدوم هذه الفتاة الساحرة زاد هوسي به.. يا الله ما أجملها.. الوجه المدور والعينان البنيتان الواسعتان مع الخدين الموردين والبشرة البيضاء النقية والشفتين الممتلئتين المزدانتين بأحمر بلون الشقائق.. الحجاب أثر على المشهد كله.. لا أعرف كيف هو شعرها.. ثم قلت لنفسي وكيف سيكون أيها الأخرق؟ لا بد أنها مسترسل ناعم إن لم يصل بطوله إلى خصرها فهو على أقل تقدير يغرد حين تخلع الحجاب عند منتصف ظهرها.. ورحت أتخيل منتصف ظهرها بدون أن تكون مرتدية ثيابها.. ارتشفت قليلاً من المتة وأشعلت سيجارة فنزلت كاميرا مخيلتي إلى ما بعد ما بعد منتصف ظهرها واستقرت العدسة على المؤخرة.
سحبت من سيجارتي سحبة كدت أختنق بها وأنا أتخيل مؤخرتها.. بيضاء مدورة ناعمة طرية عذبة شهية.. يا إلهي ما الذي سيحدث لو كنت أضع يدي عليها الآن بدلاً من أن أضعها على هذا الأبريق الأثري.. (صب يا غالي صب) قلت بصوت منخفض محدثاً نفسي ثم خرجت من المصاصة بعض الفقاعات.. في علم المتة عندما تخرج الفقاعات من المصاصة فإن أحدهم وقع في غرامك وهو يحبك.. تفاءلت خيراً وواصلت تخيلاتي بعد أن حل المساء وعبد الحليم حافظ يغني (تعالى.. تعالى.. خلّي الشمس مع ابتسامتنا تطلع وتنوّر دنيتنا.. خلّي الدنيا تشوف فرحتنا.. خلي الدنيا تقول حكايتنا).

سمعت خطوات أفراد العائلة وهي تنزل الدرج كي تذهب للجلوس على الشاطئ أمام البحر فاعتدلت في جلستي لأرى الفتاة الحسناء وهي تتمشى مع إخوتها ثم غابوا بشكل جزئي في الظلام قرب المياه على الرغم من كون أضواء الشاليهات تنير قسماً كبيراً من الشاطئ.. هل أذهب لأتمشى بقربهم؟ ماهذه الحماقة؟ أركن في مكانك ولا تتحامق قبل أن تعاين الأوضاع غداً وتعرف كيف ستتجاوب الفتاة معك.. من قال لك أنها ستقبل أن تكلمك أصلاً؟ فتاة بجمالها لا بد أن نصف حلب تركض وراءها من أجل نظرة.. (لا تكون مفكر حالك مارلون براندو) قلت لنفسي وأنا أعقد العزم على النوم بانتظار الصباح.. فالصباح رباح.
استيقظت وقمت بجولتي الاعتيادية في المياه الرائقة أبحث عن قطع الذهب والفضة التي من الممكن أن تكون قد ضاعت من أصحابها في المياه ثم أخرج الأقفاص الحديدة التي اصطاد بها السمك لأعيدها بعد إفراغ ما حملته من رزق وما أن تتجاوز الساعة العاشرة صباحأً أستسلم للجلوس تحت ظل الكينا والنخيل أشرب المتة وأدخن طول اليوم.
بينما كنت جالساً مرت الفتاة بقربي فالتقت عيوننا مباشرة.. شهقت من جمالها وانتصبت واقفاً لكنها لم تعرني انتباهاً وتابعت مسيرها برفقة شقيقتها فصادفهما أحد أصدقائي وهو قادم إلي وحين جلس لم يستطع إلا أن يبدي إعجابه الشديد بجمالها مؤكداً أن من ينال امرأة كهذه لا بد أن والدته قد استيقظت في ليلة القدر ودعت بالتوفيق له فاستجاب الإله.. هززت رأسي موافقاً هذا التحليل الاستراتيجي العميق دون أن يكون لدي الطاقة على الحديث فالتفكير بها استحوذ على مخيلتي كلياً.
في اليوم التالي وبينما كنت أتمرن بأثقال حديدية خلف خيمتي لمحتها وهي تنظر إلي.. فتركت ما بيدي وأشرت لها إن كان باستطاعتي الاقتراب منها للحديث فأشارت بإصبعها بحركة دائرية تعني بها فيما بعد... الله أكبر.. فيما بعد خير من النفي.. أشرت لها بيدي بما معناه متى؟ فوضعت كفيها حول فمها وهمست (مساء).. عدت لأهمس لها أنني سأنتظرها مساء في مكاني هذا خلف الخيمة فهو مستتر ولا يستطيع أحد رؤيته فهزت رأسها موافقة.
دقات قلبي كانت تقفز قفزاً بانتظار المساء.. لم أعرف كيف سأمضي النهار. وأحسب أن جسدي ازدادت حرارته فشعرت بتوهج يشع من وجهي.. هكذا مرت الساعات بطيئة.. قلقة إلى أن جاء المساء وجاءت هي.. بكل أنوثتها وجمالها.. حين سلمت لم أعرف بم أجيب.. فقلت (دخيل الله ما أحلاكي).. ابتسمت وشكرتني.. قلت: وأيضاً تشكريني!! أنا من يشكر الله والسماء والبحر وأيلول على قدومك.. أنا من يشكر القدر والصدفة والمواقيت وحركة الكواكب والنجوم التي تضافرت كي ألتقي بك ها هنا يا امرأة.. ما اسمك؟

قالت نورا.. فقلت عاشت الأسامي يا نورا.. أنا حازم وأنا أسعد رجل في العالم لأنك تقفين قربي وتكلمينني الآن.. قالت لا أستطيع أن أتأخر أكثر.. ثم أردفت بلهجتها الحلبية الجميلة ( أحببت أنك تستمع لعبد الحليم.. أنا أعشقه أيضاً.. وأحببت عينيك أيضاً) ثم عادت أدراجها بهدوء تاركة إياي غارقاً في دوامة من العطر والخصوبة العشتارية والتوهان.. قلت متى سأقابلك مجدداً فأجابت انها سترى كيف تكون الظروف وتعلمني بذلك.
كيف لدقائق معدودات أن يدخلوا إلى القلب والنفس هذا الكون من السعادة والرضا؟ كيف للحظات هاربة من مدارات الأبراج والأفلاك أن تقلب تاريخ الرجل رأساً على عقب وتحوله من كائن جلف قاس إلى طائر نورس؟ لا أدري.. ولا أحسب أن أحداً يدري.. استلقيت على سريري دون أن أقدر على النوم.. شيء بداخلي كان يقول عش هذه اللحظات يا حازم.. إياك والنوم.. وراح وجهها ذو الجمال والإشراق يسرح في دنا عالمي كيفما تقلبت.. إلى أن أشرقت شمس الصباح فنزلت إلى البحر وعدت كي أرقد قليلاً.
الوقت بدونها أصبح ثقيلاً.. كنت أنتظر خروجها لأستنشق الهواء المحمل بعطرها.. نتحاور بالعينين من بعيد لبعيد.. وحين أغمزها تبتسم... يا الله ما أجمل تلك الابتسامة الساحرة.. جاء المساء ولم تبلغني إن كان باستطاعتي رؤيتها وراح الشغف يفعل بأحشائي تقطيعاً وتوصيلاً.. أريد أن أقابلها قبل أن يحين موعد مغادرتهم.. أريد أن ألمس هذا القد.. أن أقبل هذه الشفاه.. أن أحصل على ذكرى منها ولا يمكن لي أن أقنع بالكلام فقط.. هي تعلم ذلك.. لذا راحت تتغنج وتماطل كلما قمت بإشارة لها تعني أريد أن ألقاها على انفراد.

غداً صباحاً سيرحلون.. ولم أحظ بجلسة خاصة معها.. يا لبؤسي وإحباطي.. كنت أدخن وأستمع لعبد الحليم الذي صرت أعشقه أكثر بينما الليل يخيم على الدنيا وأمواج البحر التي تغازل الشاطئ كما تفعل منذ ملايين السنين لم تبالي بمقدار التعاسة التي سكنت نفسي وبينما أشعلت سيجارة جديدة سمعت همساً خلف خيمتي فانتفضت والأمل ينفجر داخي كالبركان.. هل من المعقول أنها هي... هرعت إلى مكان لقائنا الأول فوجدتها.. وقفت قبالتها ورحت أنظر في عينيها دون أن أنطق بكلمة.. وبدون إرادة ضممتها إلى صدري.. فلم تمانع وراحت تمسح بيدها على وجهي.. قبلتها في عنقها وحين مدت يدي لأداعب نهدها عادت إلى الوراء لكني حظيت بكمشة منه.. ما أروع ملمسه حتى ولو من فوق الثياب.. قالت إن فعلت ذلك مجدداً سأذهب مباشرة.. قلت لن أفعل أعدك.. ثم اتخذنا من الأرض مجلساً دون أن أعرف ما الذي سأقوله.. ولا هي قالت.. فجأة اقتربت مني وتركت قبلة على شفتي.. وهمست: لا أعرف كيف أحببتك ولم ألتق بك إلا خلال هذا الاسبوع ومرة واحدة فقط.. لكن الحديث مع عينيك كان جميلاً.. أنا سأذكرك دائماً وأنـت؟ هل ستذكرني؟ حين فتحت فمي لأجيب وضعت يدها عليه وقالت لا أريدك أن تقول شيئاً.. فقط.. وأشارت بيدها كي أسمع عبد الحليم .. حاول تفتكرني.. دي ليالي عشناها.. أبداً مش حنساها



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايةُ محاربٍ سوري (1)
- نادين
- موعدٌ مع امرأتي
- رِيحُ الجُنون
- ازدواجية امرأة
- دربُ الهوى
- الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل
- الثورة الفرنسية السورية العرعورية
- ألف ليلة وليلة
- امتلاك الحقيقة
- راياتك بالعالي يا سوريا
- لمَ لستم سعداء؟
- طريق النحل
- عَزفٌ مٌنفَرد على أوتَارِ رُوح
- أنا حازم شحادة
- المُقَامِر
- دعوةٌ للاعتذار
- أشبَاح
- شَيءٌ مِنَ البحر
- جلجامش


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - أنا سأذكركَ دائماً.. وأنت؟