أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - -غراميات شارع الاعشى-: السعودية في السبعينات















المزيد.....

-غراميات شارع الاعشى-: السعودية في السبعينات


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4416 - 2014 / 4 / 6 - 20:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يأخذنا نص بدرية البشر الممتع وبلغته الأنيقة إلى حقبة السبعينات في السعودية ليرصد واقع التحولات الاجتماعية والدينية التي دكت بحدتها الكبيرة قلب التكوينات العفوية للعائلات وناسها وتعريفهم لذواتهم الجمعية او الفردية. ما يدور في عائلة عزيزة وعواطف, المراهقات الصغيرات, في تلك الفترة الزمنية الفاصلة هو ما يدور على الحدود: يدخل بشر ويخرج آخرون, تلقي وتصطدم رؤى وممارسات, تدخل "مستوردات" وتُحظر اخرى, وكل ذلك يؤثر ويربك ما تم توارثه من جيل إلى جيل. إحدى "الصدمات" الكبيرة للتكنولوجيا والعالم الحديث في البيت وفي بيوت الجيران كان وصول التلفون ذي القرص الدائري, والذي لم يكن يُرى إلا في الافلام. اربك هذا الواصل الجديد افراد العائلة ولم يكن من السهل التعامل معه: فيه صوت رجال لذا فالإستجابة لصوت رنينه والرد عليه (النادر بأي حال) مقصور على الرجال. ثم هو يحتل مكانا لائقا به في قلب المجلس, وينظر إليه بخليط من الاعجاب والرهبة والفضول. يمر الوقت ويتم اكتشاف العوالم التي يقدمها هذا التلفون لشبان وفتيات شارع الاعشى.
في العائلة الصغيرة يقوم احتفال كبير عندما يقوم رب البيت بمفاجأة كبيرة ويجلب تلفزيونا ملونا عوضا عن تلفزيون الابيض والاسود. عزيزة المبهورة اصلا بكل الممثلات والمملثين المصريين تصير اكثر انبهارا وهي ترى سعاد حسني ورشدي وهند رستم اباظة وشادية وحسين فهمي وهم يتمايلون ويرقصون في الافلام بملابسهم الملونة المُبهرة. لكن التلفزيون الملون يسبتطن رمزية اعمق بكثير عند مقارنته بثنائية الاسود والابيض: "الله, حلوة الالوان", "ما اجمل الالوان" (ص ١١) هذا ما تواصل تكراره الشقيقتان. هنا, الالوان هي الحياة بصخبها وتنوعها, ضد إكراهات الابيض والاسود. إبراهيم الشقيق المغترب للدراسة في مصر يأتي من حين لآخر ليلهب خيال المراهقتين بحكايات القاهرة, وصور حبيبته المصرية. الاب في العائلة دافء وهادىء بخلاف "الاب التقليدي" الذي نراه في كثير من الروايات: اللئيم, والشرس, والباطش في بناته. هو ايضا منتم إلى "الزمن الجميل" يحتضن راديو الترانزستور في معظم اوقات وجوده في البيت, يعشق ام كلثوم وعبد الحليم وفريد الاطرش ... والاخبار! الام ودودة هي الاخرى, موزعة بين الحرص على بناتها ورعاية العادات والتقاليد العفوية, وإدارة دفة البيت. فوق السطح, وفوق سطوح البيوت المجاورة, تنمو قصص حب المراهقين والمراهقات: اشارات متبادلة, رسائل, وهيام يتلظى تحت لهيب الشمس. لعواطف نظام اتصالاتها الخاص مع سعد, نظيرها في العمر والمراهقة, إذ عندما تلمح سجادة الصلاة الخضراء منشورة على جدارهم, تعلم انه صاعد للحديث معها. يناديه ابوه للصلاة, وبعد فرض الصلاة يأتي إلى سنة الحب فوق السطح مع عواطف: "... سمعا صوت والد سعد قادما من اسفل: يا سعد, الحق الصلاة. يهبط سعد عن جداره وينظر إلى عواطف مودعا: غدا القاك بعد صلاة العشاء" (ص ١٠). الشيء الرهيف في تصوير بدرية البشر لقصص الحب الصغيرة والمتناثرة في حي الاعشى تكمن في عفويتها الطاغية, وفي تصالحها غير المتفلسف مع العادات والدين والتقاليد, وفي مناوراتها الدائمة للتمرد على القيود و التعايش معها في الآن ذاته.
يتمطى الزمن الجميل بكسل وفضول الطفل الذي يكتشف الاشياء التي يتوالى قدومها حوله, فيتعرف عليها ويبدأ بنسج علاقاته معها واحتوائها لتتسلل إلى حياته وتحتل مكانا ما فيها. بيد أن جماع التكسل والفضول وعفوية الحياة, ومعها التوق للزمن الجميل القادم من مصر على شاشة التلفزيون, تلقى ضربة قادمة من مكان آخر, هي جماع ارتباك التدين المتطرف, الناقم على ما يحدث من "فساد" في المجتمع, والمؤمن بضرورة القيام بخطوة كبرى تردع الناس وتعيدهم إلى جادة الصواب. تحدث تلك الخطوة الكبرى وتنفجر اللحظة الإنعطافية التسونامية في قلب تحولات فردية عادية على هامش السرد الروائي وفي خلفية تطور شخوصه, وتتجسد في احتلال مجموعة جهيمان العتيبي للحرم المكي في اواخر ذلك العقد السبعيني, معلنة نهاية "الفساد" وممهدة لقدوم "الحق" واعوانه. الحمولة الدينية المتعصبة التي حركت جهيمان للقيام بما لم يكن يتخيله المجتمع السعودي العفوي القادم للتو من التقليد إلى بوابات الحداثة المرتبكة, قامت على فكرة ان المجتمع انحرف عن الدين وصار لا بد من قدوم المهدي المنتظر ليصوبه.
السعودية بعد جهيمان هي غير السعودية قبلها. فبعدها ارتبك الناس والمجتمع والمؤسسة الحاكمة والمؤسسة الدينية ووضع الجميع في في موقع الدفاع والمزايدة. صار "زمن الالوان" ينسحب تدريجيا تحت وطأة العودة الجبروتية ل "الابيض والاسود": "شيء ما تغير في بيتنا, وفي بيت ضحى, وفي كل البيوت. ما عاد ابي يسمع الراديو كثيرا كما في الماضي. اختفى صوت القاهرة وصوت لندن, وحلت محلهما إذاعتنا المحلية التي ترسل برامج منوعات محلية دون موسيقى ودون صوت إمرأة. صار أبي يسبح في هدوء وسكون, ويقرأ في كتب مغلفة بأغلفة فاخرة, أو يقرأ القرآن, وأخي فواز يقاوم أمي التي لاحقته بأشرطة الكاسيت الدينية" (٢٣٤). لكن التعبير الاشد في التحول الكبير تمثل في جيل الشباب الذي تقولب كسعد, عاشق عواطف الذي التحق بجهيمان وقتل في حادثة احتلال الحرم. نقرأ تداعيات عزيزة وهي ترى شابا يشبه سعد: "... لكن من قال إن سعدا قد مات؟ لقد صار كل الشباب في الشوارع مثل سعد بلحاهم الطليقة وثيابهم الصغيرة وغتراتهم الحمر دون عقال, ووجوههم المليئة بالحنق والغضب. ... انتظرني حتى أدرت وجهي ناحيته, نظر ناحيتي, ثم بصق بإتجاهي ومشى بسرعة" (٢٤٥).
في "زمن الالوان" تطوف علينا بدرية البشر في اسواق حياة الضنك والتي رغم سغبها تنتج نساءً كبيرات وصلبات مثل ام جزاع ووضحى وضحى وعطوى. كل واحدة منهم تصلح لأن تكون رواية بحد ذاتها. ضحايا القمع الذكوري لكنهن المنبعثات دوما, لا يستسلمن للتشاكي والتباكي, ويطوعن الحياة كي يعشن وتعيش لهن. .... عطوى: يتيمة الام الاب تربت في بيت زوج امها التي سرعان ما ماتت وتركتها مع رجل ليس ابيها ومع زوجة جديدة ليست امها. يجبرها الرجل الذي كان زوج امها على العمل القاسي معه في صناعة الفخار رغم صغر سنها, في التاسعة. يجلدها بالسوط إن لم تحسن العمل, فأبدعت وصارت افضل منه. صار عمله كلها يعتمد عليها, وخشي ان تكبر ثم تتزوج ويخسرها ويخسرما تعمله. البسها لبس صبي واسماها عطية, فضاعت انوثتها الغضة تحت ثوب الصبي الذي صارته. لكنها كبرت ولم تصبر على قسوة العمل, ثم جبروت وغيرة وبطش الزوجة الجديدة. هربت بثوب الصبي, تسلقت شاحنة تحمل اناسا كثيرين واندست بينهم, والقت بها الاقدار في سوق بعيدة عن البادية, في سوق النساء القريب من شارع الاعشى. هناك التقتها أم جزاع, كبيرة السوق, والمرأة القوية والمُهابة والتي صنعت اسمها ايضا بالعرق والمرارة. اكتشفت ان الصبي الغائب عن الوعي هو انثى اطاحت بها الطبيعة إذ فاجأتها الدورة الشهرية للمرة الاولى. علي يدي ام جزاع تخلع عطوى ثوب الصبي وتعود إلى انوثتها.
نساء "زمن الالوان" النسبي يختلفن عن نساء "الاسود والابيض" الذي سيهبط على المجتمع مع وفرة النفط ووفرة التدين المتعصب. التشدد ضد النساء مثلاً هو نتاج الوفرتين: "ضحكت مزنة من فورة دم ضاري (شقيقها), تعرف انه اصبح رجل مدينة, يشعر بالخجل من ظهورها امام اصدقائه, على عكس اخيها الكبير متعب الذي ينتمي لعالم وضحى (امها) البدوي, وفكرت لو انها ذهبت إليه الآن إلى محله لرحب بها وأجلسها بقربه وسكب لها شايا وفاخر بها عند من يدخل من معارفه الرجال قائلاً: هذي اختي مزنة فديتها" (ص ١٤١). لكن متعب ذاته وقف في وجهها عندما ارادت ان تتزوج الفلسطيني الذي احبته, رفض بشدة لأنه ينتمي ايضا الى عالم وضحى البدوي. عندما ساءلته إن كان زواجها ممن تحب "حرام في شرع الله يرد عليها مبررا رفضة: "لا يا ختي ما فيه ما يمنع, لكن في اشياء جات قبل الدين. هذا دم يختلط مع دم, وأنساب محفوظة من يوم ابونا آدم, واللي يضيع نسبة بين الناس لا احد يزوجه ولا ياخذ منه" (١٥١).



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحش بغداد
- الهند وديموقراطية موسيقارها العظيم بسم الله خان
- أردوغان: غطرسة السلطان تطيح به!
- عقاب مصر للشعب الفلسطيني
- سحب السفراء من قطر ... يعزز الدور الإيراني
- هاشم الشعباني: شاعر عربستان وشهيدها
- عنفنا الدموي لم يقطع رأس نعامتنا!
- الرواية العربية: “الفصاحة الجديدة”
- الإعلام العربي: بين الإنجاز وفقدان البوصلة (١ من £ ...
- الرواية العربية: بين الإبداع وكسر التابوهات
- تونس: عبقرية التوافق وروح خير الدين باشا
- المثقف العربي: تناسل المآزق, وأفول التأثير
- فلسطينيو سورية: مآس مزدوجة وخذلان عربي ودولي فاضح
- ساقان اصطناعيتان فلسطينيتان تتسلقان كليمنجارو
- ما هو تاريخ الحاضر؟
- هل الدم والحرب طريق العقلانية؟
- لماذا تغيب فلسطين عن الأجندة الإيرانية مع الغرب؟
- مكارثية العقل الأيديولوجي والكتابة الهوجاء
- لم يصل -نجم- امستردام ... تجازوها
- أنتهاك ثوابت الدين بمتغيرات السياسة


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - -غراميات شارع الاعشى-: السعودية في السبعينات