حميد كشكولي - الأديب والكاتب اليساري – فى حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الأدب و الاشتراكية و الثورة الرقمية


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 4416 - 2014 / 4 / 6 - 12:13
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -127 - سيكون مع الأستاذ حميد كشكولي - الأديب والكاتب اليساري – حول: الأدب و الاشتراكية و الثورة الرقمية .


 

هذا العصر يفتقر إلى نجوم متألقة من أمثال ديكارت ، توماس هوبز، عمانوئيل كانط ، هيجل ، كارل ماركس، ديفيد هيوم، جون ستيوارت مل، و فريدريك ويلهلم نيتشه ، وأمثالهم . فلو تأمل المرء متفكرا للحظات بحثا عمن يناظر في هذه الأيام أولئك القادة الفلاسفة المفكرين سيفيق خائبا و لن يلقى أي واحد مثلهم . هؤلاء العظام كانوا في عصر التنوير والنهضة الذي مضى ، عصر صعود البرجوازية، لكن عصرنا يتميز بتفسخ البرجوازية ، ولا استغراب في أنها لم تعد قادرة على تقديم فلاسفة و عمالقة إلى البشرية في أي مجال من مجالات العلم والمعرفة والفن والأدب.
لقد كان مفكرو البرجوازية متمثلين بفوكوياما على حق في مقولتهم بنهاية التاريخ ، إذ أنهم يقصدون تاريخ البرجوازية ، ولا يمكنهم أن يتصوروا أن للطبقة العاملة الصاعدة تاريخها في عصرنا هذا.
ونحن نعيش أواخر العقد الأول من الألفية الثانية عالما يفتقد إلى الأسماء بوزن و تأثير وألق فرسان عصر الحداثة، إذ أن العصر الذهبي لفلاسفة القرن العشرين قد مضى، ولم يعد حتى بمكنة اليساريين خلق مفكرين من أمثال آدورنو، و هوركهايمر، وماركيوزه، و لم يعد للبراليين ولا اليمينيون قادة مفكرون وفلاسفة من أمثال بوبر، و هايك، وروبز و برلين ، وربما يكون يورجن هابر ماس آخر مفكر من الجيل الذهبي البرجوازي . و اليوم بات حتى الما بعد الحداثيين يتحسرون إلى فوكو آخر.


وهل يتسم الفنانون اليوم بتلك العظمة الأسطورية التي اتصف بها أمثال موتسارت، وفاغنر و بيتهوفن الذين شرّبوا ألق الحداثة بالمثالية الألمانية ، وخلقوا روائعهم الخالدة؟
فقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بسنين ، كان هنري فورد يحصد المال الوفير بعد أن تم الاعتراف باختراعه سيارات فورد ،و كانت الطبقة الأرستقراطية الفرنسية غارقة في الموضات ، و تباهي برجوازية الأمم الأخرى المقيمة في الطرف الآخر من الأطلنطي بموديلات الألبسة الجديدة، و كان النبلاء الإنجليز أصحاب التقاليد و الأعراف الأصيلة يتابعون ، وفق الأسلوب التقليدي القديم ، عن معالم و معلومات في الخرائط إو عن طريق الرحلات بحثا عن جزر ليجعلوها مستعمرات لهم.
والانتلجينسيا الروسية كانوا منهمكين في العمل لإسقاط القيصر ، و اجلاس غيره على العرش. وكان العثمانيون يواجهون مؤامرات لورنس العرب، وحائرين في كيفية وضع حد للتمزق و النهيارات في امبراطوريتهم . في تلك الفترة شهدت الدنيا فترة جديدة ومختلفة عما كان في أوروبا ، عصر من التغير والتحول تم تدشينه في أمريكا، على يد مطربين و موسيقيين من أمثال بسي اسميت، وتوماس والر وديفيس ميلر ، الذين تبنوا أساليب جديدة في أداء موسيقى البلوز و الجاز والرجتايم.
أولئك تمكنوا بأساليبهم الموسيقية الخاصة من اجبار السكان البيض إلذين أصبحوا عنصريين بشدة بتأثير الكتب والصحافة وتعاليم دينية ، على مشاهدة أدائهم الموسيقي والفني، والاستماع بأغانيهم ، والتأثر بمعانيها.
هذا التأثير المتبادل ثقافيا بين البيض والسود ، في وضع يمتلك فيه البيض المؤيدين للعنصرية والتمييز العنصري أغلب وسائل الاعلام ، أضحى عاملا مهما مكن السود من أن يوصلوا صوتهم إلى مسؤولي الدولة والشعب الأمريكي بواسطة الأدوات الموسقية.
لقد جعلت الموسيقى تدريجيا من قضية العنصرية مسألة حساسة في أذهان الشباب الأمريكي، لكن المعارضين لهذا التيار الإنساني لم يقفوا ساكتين. فقد أبدى سياسيون كثر في خطبهم مناهضة شديدة لهذه الحركة الصاعدة. وكانت أمهات البيض يتنكرن لأولادهن، ويحرض القساوسة في مواعظهم الشباب البيض على عدم الالتحاق بهذه الحركة الوليدة وعدم التعاطف معها.
لكن كل هذه الأساليب لم تتمكن من التقليل من تأثير موسيقى السود على الشبان البيض. لقد كان هذا التحول انذارا إلى وسائل الاعلام الكبرى التي كانت كل المكانات والرأي العام تحت تصرفها، لكي تعيد النظر بأساليبها السابقة و نهجها .
وحقا ، تمكن بضعة من الشبان العازفين ، بقيثاراتهم من منافسة وسائل إعلام كبرى و متخصصة ، و استطاعوا توجيه الرأي العام بالاتجاه الذي أرادوه.

أيمكن للاعلام الديجيتال و الميديا العملاقة من تحقيق إنجاز إنساني يرقى لما حققه الموسيقيون الملونون في أمريكا في القرن الماضي؟ مثلما حققت روايات مثل كوخ العم توم و روايات ديكنز تأثيرات كبيرة على المجتمع و اضطرت الحكومات الى تغيير قوانين تخفف من معاناة الأطفال و السود و المحرومين؟
هذه الحقيقة تصح في محالات الرواية والأدب أيضا، فلو استثنيا ماركيز الذي أعلن تقاعده عن كتابة الروايات العظيمة لكنه كتب ذكرياته التي ترقى إلى رقي رواياته و جمالياتها ، و كونديرا الذين هما من بقايا جيل العظماء السابقين، سنكون في مواجهة شخصيات عادية يقامات ليست شامخة ، بل متوسطة ومألوفة ، رغم تحطيمهم للتقاليد و تبنيهم للفلسفة التفكيكية ، لا يشغلون أماكن شتاين بك ، وجيمس جويس ، و همينجواي ، و فرجينيا وولف ، و كافكا، وكامو وسارتر.
والحقيقة ثمة اليوم كثر من الروائيين البارعين، لكنهم لا يشمخون إلى قامات الروائيين العظماء المذكورين. و هناك كثير من الشعراء بنفس مستوى روائيي اليوم . نفتقد اليوم أيضا إلى شاعر بوزن و شموخ لوركا،و بريشت ، و هيوز و اوكتافيو باز. فهل قدم الأدب الانجليزي شاعرا آخر بمستوى اليوت؟


إن إحدى أهم مهمات الشيوعيين ، ومستلزمات نضالهم السياسي هي الاسهام الفعال في كل مجالات المعرفة و العلم والفن. و إن اليساريين لا بد ان يكونوا فعالين في نقد النتاجات الثقافية عموما ، وخصوصا الأدب والفن، والعمل على تقييم أعمال الأدباء والفنانين، وتحديد مكانتهم في المجتمع التاريخية و السياسية. ، سائرين على منهج ماركس وانجلز ولينين .
و لا اعرف قائدا شيوعيا و اشتراكيا لم يهتم بالأدب و الأدباء وقد عرفنا فيهم شعراء مرموقين مثل كارل ماركس و ماو . و قد كتبوا دراسات رصينة تشكل مصادر دراسية للأجيال في النقد الأدبي و علم الجمال . وكل ذلك كان نابعا من ادراكهم لدور الأدب والفن في دعم النضال الاشتراكي .
لكن ثمة حقيقة وهي أن نهج الشييوعيين يختلف عن نهج أي حزب سياسي برجوازي . فمواقف الشيوعيين هي جزء من النشاطات الثورية والعملية والانتقادية لهم كأفراد في المجتمع والجدال فيه اجتماعيا وأخلاقيا وإما الشيوعيين و الاشتراكيين كحزب وتنظيم سياسي فالدافع وراء مواقفهم من الأدب والأدباء اعطاء تصور ايديولوجي للمجتمع واعلان حقيقة فلسفية وتعميمها على الحياة الاجتماعية.
وباختصار كماركسيين و شيوعيين ، لا مناص لنا من التدخل في كل ما يعنى الانسان و يرتبط به و الحياة و مستقبله في سبيل تبيان الطريق الصحيح إلى مستقبل اشتراكي إنساني جميل.


الفن والتعبير الفني ادراك فردي ادراك انتزاعي وإن الفرد لا يعيش لوحده منعزلا في الكهوف و الصحارى. الفرد يعني الانسان الاجتماعي ، يعني الحياة والفعل ورد الفعل والكفاح اليومي في مجتمع وعالم موجودين وجودا موضوعيا ومستقلا عنا، بمعنى آخر إنه الفرد في مرحلة تاريخية معينة بأفكار سائدة وآراء وايديولوجيات الطبقة السائدة في اطار نظام سياسي واقتصادي واجتماعي معين و إن ن الفرد ليس بمعزل عن الزمان والمكان.
فالحزب الشيوعي كحزب سياسي في عالمنا الثالث ليس من مهامه لأأن يتخذ موقفا رسمي بخصوص الفن ومكانة الفن عند الافراد أي الشاعر الفلاني و الشاعر الفلاني و لا عليه أن يتبناهم كشعراء القبيلة و كتابها وألسنتها وقد كتب الكثيرون عن هذه القضية كثيرا إلى حد الملل . فالتحولات التي جرت على العالم في العقود الأخيرة أفقدت اليسار التقليدي و شيوعية الثكنات فرص تنبني الشعراء وألدباء و اتخاذ مواقف منهم و تقييمهم .
ويجب في هذا المجال أن لا نخلط بين أذواق و مواقف الأفراد و الاعضاء من الأدباء ونتاجاتهم و بين موقف حزبهم .. للفرد حق كامل أن يتذوق أدبا و شعرا مهما كان حتى لو كانت الرؤى المطروحة فيه تخالف ايديولوجة حزبه .

نحن في الحوار المتمدن كيساريين و تقدميين واشتراكيين لنا عادة على إيمان لا يحد بقدرات الإنسان على تحويل التراجيديا إلى ملهاة ، و اذلال أهل الظلم و العدوان. وقد عملنا على تنمية المواهب و توجيهها لخدمة الانسان و تقدمه و دفع مسيرة الانسانية الى أمام ..