أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة غانم - المثقف بين حلم التغيير والواقع المحبط















المزيد.....


المثقف بين حلم التغيير والواقع المحبط


أسامة غانم
ناقد

(Osama Ghanim)


الحوار المتمدن-العدد: 4414 - 2014 / 4 / 4 - 00:02
المحور: الادب والفن
    


تندرج رواية المخاض في عداد اعمال غائب طعمة فرمان الاكثر إثارة بالنسبة لي، لأنها تعبير صريح عن تجربة السيرة الذاتية للروائي، ضمن التجربة الفنية للشخصية الروائية، فالتناقض بين الالتزام السياسي للمؤلف وبين الرؤية الرومانسية للشخصية الفنية يبرز بوضوح الصراع الكامن بينهما فـ (الرواية تظل الشكل التعبيري الأمثل بين الذاتية الفردية والموضوعية الاجتماعية)(1)، أي بين النظرة الحالمة – الثورية لغائب والواقع الموضوعي للمجتمع.
علينا أن نضع في حساباتنا أن غائباً قام بكتابة هذه الرواية بعد ثورة 14 تموز بعدة سنوات، هذا الجانب يقودنا الى معرفة الارهاصات والازمات والنكوص لمثقفي العراق في مرحلة الستينات وشيوع وانتشار الصراعات الادبية الغربية ونظرياتها من شكلانية ووجودية وعبثية وسريالية … الخ، التي سبقت هزيمة حزيران 1967. ومن عدم استقرار سياسي في العراق، وخيم هذا الجو على رؤية المثقفين بصورة عامة وتأثرت هذه الرؤية بالهزيمة وبالتيارات الغربية، فانتجت روايات مغرقة في الذاتية قاتمة سوداوية و (هي في الاغلب رؤية البرجوازي الصغير البالغ القلق والتردد والاطلاق والتعميم)(2)، بينما نجد في الجانب الآخر تياراً نجا من هذه الرؤية وتبنى النهج الواقعي و (حاول أن يؤرخ لحقبة معينة أو وضع اجتماعي معين، منها روايات غائب طعمة فرمان (النخلة والجيران) و (خمسة أصوات) و (المخاض)(3).
ونلاحظ عند قراءتنا للرواية وجود أوجه تشابه بل احياناً تطابقاً بين الشخصية المحورية (كريم الغزال) ومؤلف الرواية (غائب طعمة فرمان) من حيث ان الاثنين قد درسا في القاهرة، وكانا يكتبان في الصحف ونتعرف على ذلك من مشهد التعارف الذي يتم بين كريم الغزال وأصدقاء محسن:
(كريم داؤود صحفي زميلي في الدراسة من ايام القاهرة) ص258.
وإذا عرفنا أن غائب قد اصدر كتابه الموسوم (الحكم الاسود في العراق)- استعراض صحفي لاحداث العراق لما قبل ثورة 14 تموز سنة 1958 في القاهرة- وان كريم الغزال كان (يكتب ضد نوري السعيد في مصر) ص259.
هذا يمنحنا متعة التساؤل عما اراده غائب/كريم من دلالة موحية ذات اشارات مبطنة من اقتلاع الثورة لمحلته القديمة التي تقترن بعمق بتسمية الرواية (المخاض)، فيقول غائب عن ذلك (الثورة … أنا اعتبرها مخاضاً) ص280.
وفي مكان آخر يقول ليزيد الصورة وضوحاً واقتراباً:
(الثورة صراع) ص174.
وهذا ايضاً يذكرنا بموقف بطل رواية (للحب وقت وللموت وقت) لاريك ماريا ريمارك حين يعود باجازة الى بيته ليجد الدمار والانقاض وليجد صديقته القديمة اليزابيث وسط الخرائب، والجندي (ارنست جريبر) يشبه (كريم الغزال) في العودة الى الوطن، وعدم العثور على اهله ولكن الاول يفقد أهله من جراء الحرب والثاني يفقدهم من جراء الثورة!.
وهذه الاحداث التي لم يشترك كريم داود في صنعها لانه كان بعيداً عنها لمدة ست سنوات في الغربة، أسقطها المؤلف عليه مما جعله يترنح تحت وطأتها الى نهاية الرواية، وهذه السنون التي حفرت اخاديدها في داخل روحه تعني له (أعوام ضائعة، تسكع، وذلك هو جرحي وعاري) ص69.
وفتحت عليه غربة لاحقة مزدوجة في الوطن الذي اضاع أهله مما اشعره ذلك (بالغربة اكثر من اشعرتني الغربة نفسها)ص42 و لم تكسبه هذه الغربة شيئاً ابداً رغم أن هذه:
(- الغربة …
- موت على قارعة الطريق)ص46.
بعض النقاد يعزون أن دافع الغربة هي قضيته، فهي التي غربته في الخارج وهي التي غربته في الداخل / الوطن، وهذا وإن كان ينطبق على الخارج فهو لاينطبق على الداخل لسبب بسيط هو أن الوطن قد حل فيه وهو حل في، ولنقرأ ما يقول الناقد باسم عبد الحميد حمودي: (رواية ((المخاض)) لفرمان التي تبدا بالفرد وهو يبحث عن الجسم الاجتماعي الذي ينتمي اليه إن الفرد في المخاض رجل له حيويته الخاصة وتوهجاته الذاتية بل مواقفه ايضاً، لكن قضية الشعب تهمه تماماً وتجذبه إليها وهي اساساً سر غربته عن الوطن / وعودته اليه)(4).
والبعض الآخر يصف هذا البحث باللاجدوى عن الغائب والوقوع في دائرة الرؤيا السوداء لنفق غير مُنتهٍ:
(البحث عن الغائب . . . انما يسقط في متاهة البحث عن مؤسسة او شخص مهدد وهو بحث يكتسب سمعة عبثية وكابوسية)(5).
لم يكن غائب طعمة فرمان يقصد هذا المفهوم السوداوي(6) كما في رواية ((القصر)) للبحث عن شيء ما لايدري ماهو؟.
بل كان يبحث عن شيء محدد مفهوم لديه هو البحث عن الثورة الصائبة للسير في الطريق الصحيح، وهذا ما افتقده عند عودته للوطن فبدأ البحث عن الثورة الضائعة في رواية المخاض.
(- الجمهورية كلها تسلم لغير اصحابها.
- هذه كتب فرانكلين.
- لاتسخر منها، بعض اساتذتك يقرأونها.
- دلني عليهم وسأعرف كيف أجعلهم يخجلون من أنفسهم.
- يقولون ان ذلك للتغطية.
- قبل ستة أشهر كانوا يتغطون بـ ((اتحاد الشعب)) والآن؟.
- ((بجريدة الثائر)) ص133.
وهذا لايعني أن كريم الغزال قد فقد ايمانه بعقيدته، وفقد التزامه السياسي حينما فقد أهله في الوطن(7)، فهذا التأويل ينحى منحى تعسفياً ومقحماً، وقد بينت في السطور السابقة انه كان يبحث عن الثورة / المفقودة فبيته وأهله هما الثورة المنحرفة عن طريقها.
وما يؤكد ذلك على أنها (رواية سياسية)(8)، وأنها (قدمت الفترة القاسمية الى نهايتها)(9).
وأنها تناولت (مرحلة مهمة ألا وهي مرحلة ما بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 وما تلاها من وضع حساس حتى نهاية عام 1961)(10). وهذا ما نستشفه بجلاء ووضوح عند قراءتنا للرواية، ولكن يحاصرنا سؤال هل رواية المخاض امتداد لرواية خمسة أصوات؟.
الجواب/ نعم.
ففي (خمسة أصوات) تنتهي الرواية بسفر شخصية (سعيد) الى الخارج، وفي (المخاض) تبدأ بعودة الشخصية المحورية كريم الغزال الى الوطن، فالبطل (سعيد) يسافر من أجل البحث عن ذاته، أما عودته الى الداخل / رغم اختلاف الأسماء فالبطل واحد / فمن اجل البحث والاكتشاف لحقيقة الواقع، رغم أننا لانعلم هل البطل في خمسة اصوات وجد ذاته ام لا؟ اما في المخاض فالبحث يكون ذا اتجاهات متعددة متسمة بدلالات رمزية او تأويلية رغم الدلالة الايديولوجية للنص، والبعد الاستراتيجي له، مما لايجعله يتحمل تأويلاً فلسفياً ميتافيزيقياً اضافياً كما فعل فاضل ثامر حين اراد أن يستبطن النص رمزياً على مستويين، فالشطر الاول ليس لدينا اعتراض عليه بل تقريبياً متفقون. اما الشطر الثاني فيكون خارج سلطة القراءة التي يمتلكها الناقد تجريدي، وما هي الحقيقة الفلسفية الكونية التي يبحث عنها كريم الغزال؟.
[أما على المستوى الرمزي فان بحث البطل عن أسرته، إنما يرمز الى البحث عن الحقيقة: حقيقة الواقع السياسي والاجتماعي من جهة، والبحث عن حقيقة فلسفية شاملة من جهة اخرى](11). رغم اننا نعرف دائماً ان دراسة بنية النص الداخلية لا تنفي اهمية النص في علاقاته الخارجية ، لانه توجد علاقة جدلية بينهما ، لا علاقة نفي ولا تعارض او ابعاد او تطويق وكل (سوسيولوجيا للفكر تقبل بوجود تأثير للحياة الاجتماعية على الابداع الادبي) (12).
في الرواية يوجد راويان الاول رئيسي هو كريم الغزال والثاني ثانوي هو نوري السائق ، وعليهما يشتغل المؤلف ، ومن خلالهما يبني احداث الرواية ووقائعها ، وهذا ما نلمسه منذ بداية الرواية حينما يبدأ بالبحث عن اهله وبدلاً منهم (لم اجد .. غير السائق الذي عرض علي خدماته) ص7 ، ويغيب نوري السائق في الفصل الثاني ليظهر فجأة في الفصل الثالث حينما يكون كريم داود ثملاً يتعته السكر ، ومنذ هذه اللحظة لا يفترقان الى النهاية ، لحين اصدار الحكم على نوري بأن (تسحب … اجازته لشيخوخته وضعف بصره) ص 361.
ان (الحدث الاساس والمهم الذي يقوم عليه البناء الروائي وتستمد الرواية من خلاله مضمونها النهائي انما يتمثل في اكتشاف الشخصية الروائية ازالة الثورة الجديدة دارهم القديمة وفقدان اسرتها من جراء هذا التغيير)(13) ، ورغم هيمنة هذا الحدث عليه ، توجد احداث موازية له ، تتضمن ذكريات وسيرة ذاتية ، عاشها المؤلف – الراوي واحياناً تطغى على البناء الروائي ، ورؤية (غائب) للتناقض الطبقي والصراع الاجتماعي تختلس منه اهتماماته الروائية ويجعله يشتط الى السيرة الذاتية ، وهذه الاحداث تنحصر بينها فكرتان ، فكرة الغربة لمغترب (يجد وطنه ممزقاً)(14) ، وفكرة التطور الذي يصيب البلد .
ويشكل المكان في رواية المخاض عنصراً مهماً في الرواية ، لكونه يشكل علاقة جدلية بين الاشخاص وبينه ، علاقة تتصاعد افقياً لتكشف لنا عما يحدث في الرواية ، علاقة قائمة لتحديد التوازن بينهما ، ومن (الروايات القليلة التي حاولت ، واقول نجحت كلها في خلق المكان كتجربة ، … روايات غائب طعمة فرمان)(15) ، وفي هذا تجري الاحداث في ثلاثة امكنة / الوكالة / الشركة / الدار ، ولكل مكان شخصياته ، ففي الوكالة يوجد داؤد الرجب ، وماجدة ، وامينة واسماعيل الفلسطيني وكريم غزال ، اما شخصيات الشركة فهما محسن وآمنة ، والدار نوري السائق وزوجته هدية .
هؤلاء جميعهم يمثلون شخصيات الرواية باستثناء شخصيات هامشية تطفو على سطح الرواية ، مثل شخصية مهدي الشيوعي صديق الدراسة الذي يعرض لنا من خلال تداخله جوانب من حياة كريم الغزال ، غير ان (هؤلاء الاشخاص الحقيقيين هم في الوقت نفسه اشخاص رمزيون ايضاً) (16) .
فهل الشركة ، الوكالة ، الدار نقاط تجمع شخصيات الرواية ؟ نجيب بتردد ان هذه الاماكن كلها تقع ضمن الفضاء الاوسع ، الفضاء الاثير هو مدينة بغداد – غائب ، فرواياته لم تحيد عن هذا المكان ، رغم انه عاش الشطر الاكبر من حياته خارج هذه المدينة الذهبية لكنه لم يستطيع الفكاك منها لتوغلها في ذاته العاشقة والمعشوقة بصوفية سحرية لاجواء بغداد التي تولد في كل مرة بشكل هندسي جذاب من ارحام رواياته لتطرز الاحداث التاريخية – السياسية – الاجتماعية لهذه المدينة بغداد – العراق .
فالفضاء / بغداد تجمع الشخصيات والاماكن والاحداث وعليه تتشكل وتنتظم الحياة الروائية فيها ، وليكوّن غائب بغداد جديدة مولودة من زواج بغداد – المخيلة وبغداد – الواقع لتصبح بغداد / الواقع – المخيلة في اعماله .
وهذه العلاقات بين الشخصيات والاشياء والامكنة محكومة بعلاقة عميقة جدلية تقوم برصد التفاعل بين الناس والاشياء ، ومدى قوته وضعفه ، وهذه العلاقة لاتنشأ خارج الواقع – الروائي لان (الرواية الواقعية هي الشكل الفني الاكثر ملاءمة في التعبير عن العلاقة بين كل من السياسة والتاريخ والحياة)(17).
بعض النقاد العراقيين اجتهد لكي يثبت بان رواية (المخاض) رواية ذات رؤيا وطرح برجوازي – ماركسي ، كالناقد مؤيد طلال فيقول : (ان الافكار الوجودية تتعايش مع الافكار الماركسية) (18) .
ثم يعود لينفي ما قاله ، وليضع نفسه في موقف لا يحسد عليه : (هموم ابطالها الروحية برجوازية المناخ)(19) .
انا متأكد ان الناقد مؤيد طلال قد قام بقراءة الرواية ، ولكن ليس بتمعن بل ليقوم بتأكيد وجهة نظر مبيتة على الرواية رغم تناقض أقواله.
ان عملية النقد للنص الابداعي هو ليس اشهار سيوفنا على طواحين دون كيشوت ، ولا الترصد وراء منعطف وبيدنا هراوة حتى متى ما القينا القبض على النص – الادبي نشبعه ضرباً ، لذا نحن (لابد ان ندخل الابداع من باب القراءة)(20) – التسويد من عندي – الموضوعية المفتوحة على كافة الاتجاهات النقدية الحديثة من اجل ابقاء شعلة الحقيقة تمخر عباب الذاكرة الحاضرة ، وان نضع جراحنا تحت الاصابع اللاتقليدية غير المستهلكة ، وان القراءة عملية جدلية بين النص والوعي الذاتي ، مهما كان ذلك الوعي واستجاباته المتعددة والمتنوعة والمختلفة ، فلابد ان تترك هذه العملية انطباعاً لدى القارئ – الناقد ، وفي اعادة خلق للذات القارئة ، بمعنى الولوج الى الممرات السرية جداً للنص وان نظرية القراءة (هي محاولة للاتفاق مع الحقيقة الوحيدة والاكثر بروزاً وارباكاً عن الادب الا وهي ان العمل الادبي يمكن ان يكون له صنف من المعاني ولكن ليس أي معنى … فإننا نتوقع ان يكون المعنى في العمل نفسه)(21) ، أي ان القراءة تقوم باستبطان المعاني الدالة واستخراجها من النص ، وان (النص قد يدرس بتحديد معناه)(22) كما يقول بارت وهنا تتحقق اللذة في القراءة فتكون قراءة لذة وكشف عن (مفاتن النص) .
وروايات غالب فرمان كمغارة (علي بابا) كلما توغلت داخلها اكتشفت اشياء ثمينة ونفيسة كرواية المخاض كلما سافرت داخلها عثرت على معان مع رموز محمولة على اسطورة الواقع اليومي ، فالكتابة بالنسبة له معناها السفر والسفر عنده يعني الحلم بانه يحلم كذا، كريم الغزال عاد من اجل حلمه الذي رآه مليئاً بالشروخ ورصاصات الرحمة وان القضية التي آمن بها وتغرب من اجلها (تحظى بقبول حسن) ص 74 عند الناس .
ولكن ما يؤخذ على بطل فرمان ، انه جعله منبوذاً وبلا جذور دون ان نعلم ومقذوفاً في الوجود كأبطال بكيت فهو عاد اصلاً للبحث عن اهله . فالاهل هم الجذور الحقيقية له وهم الوطن ويبقى البحث العقدة الروائية للرواية وتتشكل انكسارات البطل وهزائمه واخفاقاته المتلاحقة من خلال سير احداث الرواية فالبحث يستمر الى النهاية دون جدوى دون فسحة امل وهذا بدوره له وجه رمزي استعاري (تتمثل في بحث الفرد العراقي عن الحقيقة ضمن ظروف الواقع السياسي المتدهور بعد الستينات)(23) ، فعلى الرواية اسطرة الواقع لكي يصبح الواقع الروائي (واقعاً اسطورياً مشبعاً بالمعاني)(24) .
وسرده لتفاصيل حياة الشخصيات الثانوية وضعه في زاوية حرجة في بنائه الروائي وقلل من حجم الشخصية المحورية ((كريم غزال)) فعوضاً عما يخبرنا به عن الشخصية المحورية لكي يزيد هذه الشخصية وضوحاً وتوهجاً ، ولكي نتعرف على مساراته وافكاره وشخصيته قام بالحفر عليها من خلال الشخصيات الثانوية كـ (رجب داؤد) و (محسن) الخ ، كان عليه ان يكثف جهوده وتركيزه على الشخصية المحورية ويتناول الشخصيات الثانوية بما يخدم عمله الروائي في بنائه وتشكيله ، على رغم من هذا لا يمكن التقليل من (المخاض) كرواية ذات تقنية عالية ومعاصرة من روايتيه الاخريين ، وان قارئ الرواية المعاصرة عليه ان يكون اكثر ذكاء من قارئ الرواية التقليدية .
يبقى العم نوري في الرواية الصوت المسموع وأحداث قصته توازي احداث قصة كريم الغزال بل متداخلة معها من البداية حتى النهاية ، فهل نوري السائق يمثل التطور الذي اصاب البلد …؟
يقول فرمان : (وقد ابرزت فكرة التطور في قصة نوري " الحرفي " الذي اصبح سائقاً اجيراً )(25).
ان ابطال (المخاض) يعيشون جميعاً على هامش وسط اجتماعي ما ، باستثناء نوري السائق ، فمحسن برجوازي – وصولي انتهازي وداود الرجب برجوازي تسكنه ارواح القلق والانهزام والتأزم وآمنة وماجدة تعيشان تفتحاً لا واعياً رغم تحررهما مادياً فهما لا تستطيعان تحليل ما يجري حولهما وتفسيره ، لعدم امتلاكهما وعياً ورؤية طبقية ولم يعطها – أي المرأة- اية ابعاد او زوايا لتتوضح رؤية القارئ عنها واعطاءه صورة واضحة ، لذلك جاء وجودها من عدمه لا يشكل أي خلل في سبر احداث الرواية بالاضافة الى قصص الحب المبتورة التي تسود الرواية نوري السائق / العجمية ماجدة / اسماعيل ، ولكن لم نشاهد اقامة علاقات جنسية فيها مثلما شاهدنا في رواية (النخلة والجيران) و (خمسة اصوات) فالجنس فيها وعي مضاف الى البناء الروائي لتوظيفه كصراع والابتعاد عن الغلمة والشبقية .
فهل عودة كريم الغزال كرحلة السندباد التي تمخر عباب المغامرة والمقامرة ، وبكون الاكتشاف نسغ حياتها مهما تعاظم الخطر وصولاً الى نقطة ذات حدين الحياة / الموت وفي احيان كثيرة تتداخل الخطوط عنده بحيث يجعلنا لا نستطيع التفريق بين الخيوط من شدة المفاجأة والانبهار مع دهشة تعمل على احتوائنا وتتلاشى الحدود بين النور والظلال ليتعمد بنار المغامرة والاكتشاف .
اما رحلة كريم الغزال فاصبحت مجموعة رحلات رغم ان رحلته الاولى قد كانت للعثور على المنتظر الخاضع للتأويل الرمزي المجازي التي تحولت بدورها الى صراع بين اليسار واليمين ، بين التقدمية والرجعية ولتستكشف جزراً لم تكن موجودة في الذاكرة القبلية ليتعمد بنار التجربة والاكتشاف.


الهوامش والاحالات
1- جورج لوكاش – الرواية كملحمة برجوازية – ت جورج طرابيشي ص 7 / دار الطليعة بيروت 1979.
2- غالي شكري – العنقاء الجديدة / صراع الاجيال في الادب المعاصر ص 274 / دار الطليعة بيروت 1977 .
3- طراد الكبيسي – مشروع رؤية نقدية عربية للرواية العربية – ص 258- (الرواية العربية : واقع وآفاق) – دار ابن رشد ط1 ، بيروت 1981.
4- باسم عبد الحميد حمودي – رحلة مع القصة القصيرة ص24 ، دار الرشيد للنشر بغداد 1980.
5- فاضل ثامر – الصوت الاخر – ص 99 دار الشؤون الثقافية بغداد 1992.
6- المصدر السابق ص 99.
7- د. صالح هويدي – الترميز في الفن القصصي العراقي الحديث دار الشؤون الثقافية بغداد 1989 ، جاء في هامش الكتاب صفحة 244 ما يلي : يرى الدكتور مسلم صبري في فقدان كريم الغزال لبيته واهله فقداناً لركيزته الفكرية (العقيدة) – انظر مخطوطة صورة البطل في الرواية العراقية ص 97 .
8- د. نجم عبد الله كاظم- الرواية في العراق 1965-1980، ص64، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1987.
9- باسم عبد الحميد حمودي – رحلة مع القصة القصيرة، ص79.
10- مؤيد الطلال – الواقعية الاجتماعية في القصة القصيرة، ص101، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982.
11- فاضل ثامر- المخاض بين أزمة البطل وأزمة الواقع، ص113، مجلة الثقافة الجديدة العراقية، العدد 2 (70)، شباط، 1975.
12- لوسيان غولدمان – المادية الجدلية وتاريخ الادب، ت. محمد برادة، ص13- (البنيوية التكوينية والنقد الادبي) مؤسسة الابحاث العربي، بيروت، 1984.
13- د. صالح هويدي- الترميز في الفن القصصي العراقي الحديث، ص43.
14- حوار اجراه معه مسعود الناصري، جريدة طريق الشعب، ع430، 1975، ص4.
15- غالب هلسا- المكان في الرواية العربي – ص225، (الرواية العربية: واقع وآفاق)، دار ابن رشد، ط1، بيروت، 1981.
16- ر.م البيرس- تاريخ الرواية الحديثة، ت. جورج سالم، ص237، منشورات عويدات، ط2، بيروت، 1982.
17- جون هولبرن- نظرية الرواية/ علاقة التعبير بالواقع – ت. د. محسن الموسوي، ص74، منشورات مكتبة التحرير، بغداد، 1986.
18- مؤيد الطلال- الواقعية الاجتماعية، ص105.
19- مؤيد الطلال- الواقعية الاجتماعية، ص105.
20- احمد المديني- ثلاثة ازمنة في زمن واحد، ص186، (الرواية العربية: واقع وآفاق)، دار ابن رشد، ط1، بيروت، 1981 او كما قال بيرسي لوبوك في (صنعة الرواية): ان بداية النقد… هي القراءة السليمة.
21- جونتن كلر- مقدمة نقدية في نظرية القراءة ، ت.د نبراس عبد الهادي محمد، ص51، 52، مجلة الثقافة الاجنبية، العدد2، 1982، بغداد.
22- رولان بارت- نظرية النص، ت. منجي الشملي وعبد الله الصوملي ومحمد القاضي، ص75.
23- فاضل ثامر- المخاض بين ازمة البطل وازمة الواقع، ص112.
24- د. سامية احمد أسعد- الرواية الفرنسية المعاصرة، ص115، مجلة عالم الفكر، العدد 3/1972، الكويت.
25- د. نجم عبد الله كاظم- الرواية في العراق، ص97.



#أسامة_غانم (هاشتاغ)       Osama_Ghanim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة التحولات في الرواية العراقية مابعد التغيير ؟
- هذيانات المخيلة في اكتشاف الجسد
- هوية الجسد خارج حكاية زهرة / الانثى
- جدلية الرمز المحتجب والواقع المكشوف
- جدلية الذاكرة والوعي في مجموعة - اقاليم قصية - ل غازي العباد ...
- المثقف بين الانتماء والاغتراب
- القصةوالرواية : ايديولوجيا وجمالية
- جدلية الذاكرة في سرد السيرة
- حوار - في الملحق الثقافي لطريق الشعب
- النصْ المتشظي في السرد المتجانس
- سلطة الواقع في تحولات الانا / الضوء
- سردية الرمز الغرائبي في جدلية الأنثى والذكر
- رمزية الصورة الشعرية في تجربة معد الجبوري
- قراءة سوسيوثقافية للحلاج
- استراتيجية لعبة الاسطورة المعولمة
- بنية الوعي الطبقي في الصورتين الواقعية والحلمية
- ازمنة السيرة المتداخلة في ذاكرة النص والجسد
- التجربة الجمالية والمكان في الرواية العربية
- التجربة الجمالية والزمن في الرواية العربية
- ازدواجية الجسد وشفراته السرية


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة غانم - المثقف بين حلم التغيير والواقع المحبط