العزوزي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4408 - 2014 / 3 / 29 - 07:47
المحور:
الطب , والعلوم
لطالما نعتقد , و ما زلنا , أننا مميزون بوحدانيتنا في كل هذا الوجود , و أننا الوحيدون الواعون و القادرون على طرح أسئلة الوجود , فنحن لا نكتفي بميزة الفضول و التساؤل حول ما الذي يوجد خلف الطرف الآخر من الوادي , بل نتعداه إلى محاولات الوصول و الاستعمار و تطويع الأمكنة حسب حاجاتنا . هذا الشعور بالتفرد يجعلنا نعتقد ان كل شيء هو لنا و معد و مهيأ لعيشنا , شعور نجده متأصلا في اعتقادنا أننا درة الصانع , فنحن الوحيدون الذين – من بين كل المخلوقات – لهم الحق في الاختيار أمام امتحان الرب . فهل فعلا نحن الوحيدون في كل هذا الحجم الهائل من الكون ؟؟؟ فقد لا نكون الحالة الوحيدة "للحياة" بهذا الشكل المعروف أو بأي شكل آخر ما زلنا نجهله , فقريبا جدا قد نضع حالتنا بين آلاف أو حتى ملايير الحالات الممكنة و الغير ممكنة لما نسميه حياة .
قبل تقديم حجج عدم التفرد , لما لا نعقد مقارنات بين كرتنا الزرقاء و بين معظم الموجودات التي تحيط بنا . ففي الأخير لابد لنا من معرفة حجمنا الحقيقي . سنكتشف أننا لا شيء بالمقارنة مع اقرب الأجرام إلينا فما بالك بالذي هو أبعد في كون قطره الشعاعي يبلغ 45 مليار سنة ضوئية بحيث أن قيمتنا الوجودية وسطه تتجه نحو الاهمال وأقصى مسافة مرئية يمكننا رؤيتها تبلغ 13,8 مليار سنة ضوئية . مع معرفتنا التامة أننا قد لا نستطيع أن نعرف يوما حجم كوننا الحقيقي . نحن كائنات تعيش على كوكب صخري يبلغ متوسط قطره 6,371.0 كم تقريبا , بغلاف جوي و مكونات أخرى تجعل من الحياة تتطور منذ 3,5 مليار سنة دون توقف , بالرغم أننا لا نستطيع رؤيتها على مقياس زمننا البشري الضئيل . هذا الكوكب يحوم حول نجم يكبره وزناب 330 مرة تقريبا , لكن على مسافة تجعل من الماء يتكون بحالاته الثلاث , نقطتنا الزرقاء الصغيرة تمثل فقط الثلث من حجم الاعصار الأحمر الشهير للمشتري , أي أننا نحتاج إلى ثلاث كرات أرضية لحشرها في اعصار على كوكب آخر !!!!!
إننا بالتأكيد لسنا مميزين إلى هذه الدرجة بين 8 كواكب و مئات من الأقزام الثلجية ك"بلوتو" الخارج من تصنيفنا الكوكبي . وجدنا أن كوكبنا هو من بين عدد يتجه إلى اللانهاية من الكواكب المختلفة , فمجرة درب التبانة لوحدها و بعد دراسة و تحليل معطيات تتبع المرقاب كيبلر Kepler ل 150000 نجم , خلص الباحثان Erik Petigura و Geoffrey Marcy من جامعة هاواي إلى أن 22% منها تملك كوكبا بحجم الأرض أي أن درب التبانة لوحدها قد تكون تملك 9 مليار كوكب شبيه بالأرض و هو عدد ضخم جدا , فما المانع من وجود ملايير متعددة في كل أرجاء الكون ؟؟؟؟ احصائيا هناك 10000 مليار مليار كوكب حاضن للحياة في كل الكون "المرئي" , و قد بدأنا نراقب و نكتشف بعضا منها مثل : Kepler 22b – Gliese 667Cc – HB 85512b – Gliese 5P1b . هذا فقط أننا نبحث عن كواكب شبيهة و يمكنها أن تحتضن حياة بنفس مفهومنا الأرضي . لكن لماذا لم نستطع أن نر أي إشارة للحياة على واحد منها ؟؟؟؟ سؤال وجيه و جوابه من البساطة بمكان . نحن لا نملك بعد التقنية اللازمة لرصد سطوح الكواكب الخارجية أو حتى أجواءها , لكن هناك تقنيات رائدة تستعمل مرور ضوء النجم المركزي داخل أجواء الكوكب للحصول على تحليلات تقريبية لمكونات الجو , ثم هناك أكبر عائق ألا و هو المسافة الهائلة التي تفصلنا عن الكواكب من مجموعات أخرى . فلنفترض أن هناك حضارة في كوكب يوجد بمدار أقرب النجوم إلينا و هو ألفا سنطوريAlpha de centor الذي يبعد 4 سنوات ضوئية و استطاعت أن تراقب سطح كوكبنا الآن , فماذا سترى ؟؟؟؟؟ بالتأكيد ديناصورات و ليس نحن , فضوء حضارتنا لن يصلهم إلا بعد ملايين السنين من الآن , و أهم شيء أننا نفترض دائما أن الحياة لابد ان تكون بشكل متطور و قادرة على التجاوب معنا , لكن ننسى أن كوكبنا هيمنت عليه متعضيات ميكروبية بالغة الصغر لملايير السنين و نفترض أن الحياة لابد أن تتطور نحو شكل قادرين على رصده . لذلك لا غرابة أن مشروع JWST و هو المرقاب الخاص بتعقب و مراقبة النجوم و المجرات الأولى بين وكالتي NASA و ESA تبلغ كلفته 8 مليار أورو يهدف إلى اكتشاف المزيد و فهم أعمق بالرغم من الميزانية الضخمة .
أنظمة شمسية غريبة : مجموعتنا الشمسية التي كنا نعتقد أنها فريدة و أنها سمحت لحياة بالظهور على كوكبنا هي نمطية من بين 70% التي تشبهنا و نتشارك معها في وجود نجم مركزي مع كواكب في مدارات متباعدة , و حتى داخل هذه الانظمة سنجد ما لا نتوقعه من مثل كواكب تدور حول نجم نابض Pulsar , كالنجم الشهير 51 Pegasi b بثلاثة كواكب – الغرابة تكمن في أن النجم عالي الكثافة بحيث يمكن أن نضع شمسنا الهائلة في كرة قطرها 20 كلم - أو كواكب ما زالت تدور حول نجم انفجر منذ ملايين السنين مثل النظام Koi 55 . ال30% المتبقية هي لأنظمة غير نمطية , فنجد أنظمة تكون فيها كواكب تدور حول كوكب يحتل مكان النجم المركزي على غرار الأنظمة : WISE 1828 (2011) – PSO J318.5 -22 (2013) , أو أنظمة بنجوم تدور مع الكواكب حول نجم آخر مثل : Kappa Andromea b (2012) – Kelt 1b (2010) – 2MASS 0103 (AB)b (2013) , أو أنظمة أكثر غرابة على شكل كوكب يدور حول نظام رباعي من النجوم كالكوكب PH1 و المكتشف من طرف هواة فلكيين, أو أنظمة كوكبية حول انظمة نجمية ثنائية . ووجدنا كواكب تهيم في الفضاء لوحدها بدون نجوم مثل الكوكب CFBDSIR2149 على مسافة 100 سنة ضوئية و يبلغ حجمه من 4 إلى 7 مرات حجم المشتري !!!!! الخلاصة , أنه ليس هناك أي مانع من أن تظهر الحياة على أغلب النظم و الأساس أن نظامنا ليس بالشيء المميز في كل هذا التنوع الكوني , فنحن ننظر إلى الأمور فقط من منظور إنساني بحث مطعم كالعادة بنرجسيتنا و حبنا للتميز .
مبررات تدعم فرضية أننا لسنا وحدنا : هناك ثلاث ظروف فقط لتشكل الحياة كما نعرفها و هي , كوكب جيد (صخري , بجاذبية معقولة ) و مسافة ملائمة (تسمح بتباين الحرارة بين 0 و 100 درجة ) و نجم ملائم ( ساطع و غير متغير ) . في 9 من ديسمبر 2013 فريق مختبر المريخ العلمي نشروا نتائج مراقبتهم : " بدون أي شك , شكل الحجارة و تشكل الرسوبيات و تكوينات الصخور ...... و كل المعطيات المرسلة من طرف كوروزيتي تشير إلى ان الكوكب الأحمر كان يوما ملائما لتطور الحياة و قد تكون ظهرت عليه " و هي تصريحات تسير في اتجاه تأكيد شيوع الحياة في كل أرجاء الكون . فما هي هذه المبررات ؟؟؟ سنقدم 5 منها و هي تصريحات لعلماء في مجالات مختلفة .
1) – Purificacion Lopez-Garcia عالمة المكروبيولوجيا و باحثة في جامعة Pierre-et-Curie في باريس : " الحياة يمكن ان تستعمر اماكن لا نتصور انها قد تظهر فيها , حياة بجوار فوهات حرارية بدرجة تقترب من ال100 سلسيوس , أو في برودة شديدة تحت الصفر أو تحت ضغوط هائلة او حموضة مرتفعة .... " ظروف هي قاتلة لمعظم انماط الحياة المعروفة . و لنا في الكائنات المسمات بطيئات المشية أو دببة الماء خير مثال حيث نجت من الإنقراضات الخمس الكبرى على الأرض و تستطيع البقاء حية حتى في برودة الكون الخارجي !!!!.
2) - Jean-Charles Augereau فلكي فيزيائي في مرقاب Grenoble : " في الحقيقة نحن نجد الماء في كل أرجاء الكون " , لقد اكتشفنا أن نجما من مجموعة Beta Pictoris ملفوف بحلقة من أجسام صغيرة مكونة من السيليكات و 70% من ثلج الماء , أي تماما مثل حزام كويبر خاصتنا الذي يحيط بمجموعتنا .
3) – Pedro Figueira فلكي فيزيائي بجامعة Porto بالربتغال: " معظم الانظمة النجمية تشبه في النهاية نظامنا الكوكبي ". لقد اكتشفنا كواكب من خارج نظامنا و بدانا نستنتج ان مجموعتنا ليست متفردة .
4) – Nicolas Prantzos فلكي فيزيائي في معهد الفيزياء الفلكية في باريس : " النجوم المستعرة ليست ضارة بالشكل الذي نتصوره ." حسب حساباته فالحياة يمكن أن تظهر على بعد 10 سنوات ضوئية من مركز المجرات و هذا يؤدي إلى رفع أعداد المجموعات و الكواكب التابعة لها .
5) – Jack Lissauer عالم كواكب في الناسا : " الحياة لن تحتاج إلى قمر لكي تظهر ." لقد حسب أن أرضا بدون قمر لن يتغير محور دورانها سوى ببضع درجات ,20 على الأكثر, خلال المليار سنة الأخيرة , و هذا لن يمنع الحياة من التشكل .
هذه المبررات تستند إلى معطى خاص بنا و هو أننا نبحث عن أشكال الحياة شبيهة بالتي نعرفها حتى في أقصى الظروف التي يمكن تصورها هنا على الأرض , لكن هناك توجه آخر علمي في البحث عن الحياة يتجه نحو البحث في أشكال أخرى لما يسمى حياة , فكيف ستبدو الحياة بشكل غريب بيولوجيا أو كيميائيا عنا .
كف ستبدو الحياة هناك و أين يمكن البحث عنها ؟؟؟؟ تنوع الكواكب في أحجامها و مكوناتها الفيزيائية و الكيميائية و تنوع النجوم التي تحوم حولها و يعطي للعلماء فرصة تخمين على أساس الخصائص التي نستطيع كشفها أو تخيلها . فإذا :
- كان هناك كوكب قوي الجاذبية , فمن الأرجح أن النباتات ستكون مملوءة بالهيدروجين كالبالونات لتستطيع الترقي للأعلى نحو الضوء .
- كوكب يدور حول نجم بارد فمن المعقول أن تكون النباتات قاتمة اللون و ذلك لامتصاص أكبر كمية من الضوء .
- في كوكب ذو كثافة عالية , فمن المرجح أن الكائنات الضخمة يمكنها ان تطير بأقل مجهود كما تفعل الأسماك هنا في بحار الأرض .
البحث دائما ما يبدا من خلف حديقتنا الخلفية , فهناك بالفعل مشاريع فضائية للبدأ في البحث على جيراننا الكواكب أو حتى الأقمار التابعة لها .
- ففي أفق سنة 2020 سيتم إرسال روبوت إلى المريخ , لكن هذه المرة سيجمع عينات من التربة و الصخور ثم إعادتها إلى الأرض من اجل دراسات و تحليلات معمقة .
- هناك جهود حثيثة من اجل إقناع الوكالات الفضائية و الشركات الخاصة من أجل تمويل رحلات أكثر جرأة نحو قمر زحل : أونسلايد Encelade و ذلك عبر إرسال أقمار صناعية نحو مدار على القمر بهدف تصيد أية إشارة لحياة بدائية يمكن أن تتكون داخل الحساء الجزيئي المعقد الذي يخرج من أعماق القمر نحو ارتفاعات تبلغ عشرات الكيلومترات .
- هناك بالفعل حاليا مهمة نحو قمر المشتري أوروبا Europe بدون تحديد تاريخ مستقبلي , تتمثل في إرسال مسبار نووي من أجل ثقب الصفيحة الجليدية للقمر الممتدة على عمق عشرات الكيلومترات حتى الوصول إلى المحيط القابع تحت و من تم قذف غواصة داخله من أجل البحث عن آثار لحياة هناك , و قد جربت نماذج ناجحة في جليد القطبين هنا على الأرض.
- و لا ننسى القمر الشهير تيتان Titan , هذا القمر الأكبر من عطارد نفسه و المالك لغلاف جوي و بكثافة هي 4 أضعاف الكثافة الأرضية ,أن المميز فيه هي تضاريسه المكونة من جليد الماء القاسي جدا و دورة حالات الميثان شبيهة بدورة الماء هنا , أي أمطار و أنهار و غيوم و ثلوج و بحار لكن من الإيثان .و هو مرشح مثالي لتقديم أجوبة حول أنماط حياة مغايرة تعتمد على الأسترين بدل السكر و على الهيدروجين بدل الأوكسجين .لكن غير متوقع في القريب إرسال بعثات آلية إلى هناك .
الخلاصة : قريبا سنفقد مركزيتنا , كما فقدت الأرض مركزيتها في المجموعة الشمسية , فلسنوات طوال مات الكثيرون دفاعا عن فكرة مركزية الشمس بدل الأرض , و الآن نحن في خضم اكتشاف عوالم مجهولة و بعيدة عنا و طورنا أجهزة قادرة على سبر أغوار العوالم المجهرية كما العوالم الضخمة , لقد خطونا أول خطوة عندما أعلنا اكتشاف كوكب خارجي في تسعينيات القرن الماضي , و منذ ذلك الحين و نحن نتصيد الكثير منها في سباق محموم حول من له الأسبقية في وضع اليد على أول دليل لحياة خارجية . الأكيد أن الوقت قريب جدا بحيث يمكن أن نقول أننا بدأنا نستعد لوضع أنفسنا بين ملايير الحيوات بجميع الاشكال و النزول من عرش التميز و الوحدانية . حينها سوف نعيد تقييم أنفسنا . فالحياة في نهاية المطاف هي شائعة و بأشكال كثيرة هنا أصلا و الحد الفاصل بين شيء حي و جامد غير موجود قطعا , فما هي الحياة على أية حال ؟؟؟؟
#العزوزي_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
