أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو أبو يامن - فنارات على دروب التقدم 2















المزيد.....

فنارات على دروب التقدم 2


عبدو أبو يامن

الحوار المتمدن-العدد: 1252 - 2005 / 7 / 8 - 10:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من العقيدة إلى الفكر:
( الدوماغوجية ) أو ( الدوغمائية ) تصلب الفكر، جمود العقيدة، الموقف الحدي، النظرة اليقينية، والحتمية الضرورية، كلها مترادفات لمعنى بغيض وبائس، ومبيد ومعيق، وباعث على التناحر وسوء الفهم وانعدام التواصل.
وذلك أن الفكرة _ أية فكرة _ سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية، فكرة يمليها عقل مفكر، تنضجها جدلية الأفكار وتداولها وطرحها للنقاش والحوار، ويرجح بها البرهان والحجة، ويلدها عنصر بارد هادئ متزن متشكك مترو بعيدا عن الانفعال والانغلاق، وتصدقها التجربة الحية والواقع المادي المعاش، أقول إن الفكرة إذا انتزعت منها تلك الصفات والسمات تنتفي عنها صفة الفكرة وتصبح شيئا آخر لعله العقيدة.
ولكن هل هناك فرق بين الفكرة والعقيدة وكلتاهما أفكار؟ نعم هناك فرق، وفرق كبير جدا لا يستهان به، بل إن عدم التفريق بينهما هو من أسباب مآسينا وتخلفنا، وذلك حين جمدنا أفكارنا، وجعلنا ما ليس مقدسا مقدسا، وقضينا عليها بالموت حين قطعنا عنها عروق الحياة التي كانت تعيش بها، والتي تنفحها بنشاط جديد، وحيوية جديدة، وتقيها شر الجمود والموات والذبول. فالفكرة حين تجمد وتثبت وتنغلق على نفسها، ولا تتفاعل ولا تتلاقح مع أفكار أخرى في جدلية خلاقة هي لب الحياة ومعنى الإنسانية الأصيل الذي يتواصل مع الآخر ويأخذ ويعطي، ويصحح ويصوب، ويكمل ويحذف، ويفيد ويستفيد، وتخرج من نطاق المنطق البارد إلى نطاق العاطفة الحار، ومن أفق العقل المتشكك إلى بحر القلب المؤمن، تصبح عقيدة عمياء صماء، حارة في عاطفتها، مؤمنة في نهجها، ثابتة في مسيرتها، منغلقة مكتفية بذاتها، لا تقبل نقاشا ولا حوارا ولا تصحيحا ولا مراجعة؛ فهي اليقين كله، وهي الحق كله، وهي النهاية كلها، ينطوي عليها القلب فيحضنها، وتشتمل عليها العاطفة فتغرقها، تدفع صاحبها أو بالأصح معتنقها إلى التضحية في سبيلها والموت من أجلها، والدفاع عنها ليس بالحجة والدليل، وإنما بالصوت الجهير، والتشنج الأعمى، وإساءة النية.
وإذا اعتدنا أن نطلق على من صناعته الأفكار لفظ: المفكر فحقيق بنا أن نطلق على صاحب العقيدة: المؤمن.
وبين الفكر_ وليس الكفر !!_ وبين الإيمان بون شاسع، إن من حيث المصدر التي تستقى منه، أو من حيث المنهج التي تنتهجه؛ فالفكر إنساني أرضي جدلي ديناميكي متحرك منفتح متواصل، والإيمان غيبي ميتافيزيقي إستاتيكي حتمي منغلق. فالفكر ينتجه الإنسان بنشاطه وآماله وآلامه وتطلعاته تقلباته ومخاوفه وأطماعه وتجاربه الناجحة والمخفقة، والعقيدة تنسب إلى مصدر مفارق غيبي سمه إلها أو بوذا أو المخلص، سمه ماشئت، تعاليم نهائية وقطعية وجازمة وناجزة وملزمة لأتباعه.
وأنا في الحقيقة لست بصدد المفاضلة بين الفكر وبين العقيدة، و يكفيني إن استطعت التفرقة بينهما، أن أقول ما يلي:
الإنسان لا يستطيع أن يستغني عن النوعين، الأول أي الفكر لدنياه والعقيدة لأخراه، الأول يتحرك به في واقعه المتغير ويسايره ويطوره، والثاني يعطيه نوعا من الثبات واليقين والطمأنينة. وليس هناك عليه من بأس، ولكن الطامة الكبرى والسوس الناخر في جسد الإنسانية أنه حين استمسك بهذا المفارق، ولجأ إلى هذا الحصن الحصين الذي يقيه شر السيلان والهلامية وانعدام الوزن أضفى على كلامه وفكره وعمله البشري الإنساني صفات الصلابة واليقين والحتم والحقيقة المطلقة، فأضحى ما ليس بيقين أو يشبه اليقين يقينا، وما ليس بمستمسك أو شبه مستمسك مستمسكا، وأصبح ما ليس مقدسا في ذاته مقدسا، وعلى الضفة الأخرى من الإنسانية هب الآخر فصنع ذات الصنيع، وبذلك دقت الإنسانية إسفينا بينها وبين التفاهم والتواصل لا يتصور بعده أن يجتمعوا أو يتفاهموا، رغم أن الرب واحد والأصل واحد والكرة الأرضية واحدة!!
وسؤالي هو: هل هذا المفارق أراد لعباده هذا المصير، وهذه النهاية الفاجعة؟ وهل تنزلت تعاليم السماء لتجمع أو لتفرق، ولتعين على التفاهم أو لتبعث على سوء الفهم، ولتنشر المحبة أو لتشيع الكراهية، ولترفع بنود السلام أو لتدق طبول الحرب؟؟
ومن المسؤول؟
هل هو الروح الكلي، المفارق المتعالي، الأبدي الأزلي، المطلق الإرادة والحق والجمال والمحبة والرحمة؟
لا نستطيع أن نقول بذلك؟! لأننا إن قلنا به سنقع في التناقض، ونغالط أنفسنا ونكذبها ونكتشف أننا نعيش في وهم كبير وسراب خادع، ونطعن في أعمق أعماقنا.
من المسؤول إذن؟؟
إنه الإنسان، الإنسان بأهوائه وتخرصاته وكبريائه الأجوف هو المسؤول، وعلينا ألا نتصل من هذه المسؤولية فنصنع صنيع الأطفال أو المجانين غير المكلفين. وعلى نفسها جنت براقش، وستظل تجني عليها حتى تطامن من كبريائها وتخفف من غرورها وتحد من غلوائها وتتخلي عن أهوائها؛ فكيف يكون الحق شرا وهو الخير المطلق، وكيف يكون حربا وهو السلام الكلي، وكيف يكون كراهية وهو المحبة المطلقة، وإلا لما كان هناك معنى إلى التطلع نحو السماء؟؟
فتش في أركان المعمورة عن الصراعات والحروب، والقتل والتدمير، والطرد والتشريد، والإبادة والتجويع فلا شك أنك واقع على أس البلاء وجرثومة الداء؟ !! إنها العقيدة بلا مواربة، بقضها وقضيضها، وفصها ونصها، وظاهرها وباطنها.
فالعقيدة في أصل اللغة مأخوذة من الشد، نقيض الحل، وما يتفرع عنها من الضم والجمع والإحكام والإيثاق، ويكون محلها القلب. ونحن نقول في تعبيرنا الشائع: عقدت العزم أي بيت النية، ووطدت الإرادة على فعل كذا. والعقد: العهد والميثاق الذي يكون بين الطرفين. فهذه العقيدة التي هذه صفاتها هي السبب؛ لأنها لا تمر بالعقل إلا لماما، إن مرت، فالقلب عاطفة والعقل فكر، والقلب حار هائج، والعقل بارد فاتر، والقلب بركان متلهب والعقل نور مستبصر.. أفتظن المتقاتلين يتقاتلون وفي رؤوسهم ذرة من عقل؟!!
لا أظن ذلك؛ فالعقل يقول: إن الحرب بلاء ووبال، وموت وفناء، وهل يقدم الإنسان بعقله على الموت، وهل يختار الفناء على البقاء؟؟ لا يا صديقي، إن العاطفة أو القلب هو الذي يختار.
وما شأن اثنين لم يلتقيا قط، ولم تقع بينها خصومة أو عداوة قط، ما بالهما يتربص أحدهما بالآخر، ويتمنى له العدم؟؟
ربما قلت المطامع هي التي تحمله على العداوة والقتل والتدمير؛ عندها أقول إن المطامع الذي يفقد الإنسان في سبيلها حياته ليست مطامع، فاعلها ليس شجاعا وإنما أعمى متهور طائش أحمق، في سبيل المصالح يضحى بالروح!! أي منطق هذا؟؟!! بل هو الإيمان الأعمى الذي تلبسه حتى لا يستطيع أن يفكر في سواه، إنها العقيدة..
وعندما أتحدث عن العقيدة فإنما أعني مطلق العقيدة، سياسية كانت أم دينية أم اقتصادية أم فنية، جاءت من الجنوب أم من الشمال، من اليسار كانت أو من اليمين، فالعقيدة إذا خرجت من جنة العقل إلى جحيم القلب احترقت وأحرقت وعمت وأعمت، لا تقبل نقضا ولا ردا، فهي الشد والضم والعقد المتين، تبعث صاحبها على اجتراح المعجزات أو ما يعتقده كذلك، وإن كانت في أحايين كثيرة تحمله على ارتكاب الموبقات!!
وإلا قل لي بربك ما الذي جاء باليهود من شتى بقاع الأرض إلى فلسطين إلا عقيدة أرض الميعاد؟
وما الذي جاء بالإمبريالية في القرن التاسع عشر إلى العالم العربي وأفريقيا بجيوشها ورجالها إلا عقيدة الرجل الأبيض المتفوق المتحضر وهمجية شعوب العالم الثالث؟
وما الذي دعا المجنون( هتلر ) إلى اجتياح العالم وإشعال الحرب العالمية الثانية إلا عقيدة الجنس الآري المتفوق على غيره من الأجناس؟
وما الذي جاء بأمريكا وغطرستها وعضلاتها المفتولة وبلطجيتها إلا عقيدة اليمين المتطرف المتصهين؟
ومأساة الإنسان _ وما أكثر مآسيه _ أنه، ويا لسخرية القدر، في حاجة إلى الإيمان بعقيدة، وفي حاجة إلى قليل من الما وراء؛ فالحياة رحلة شاقة مضنية، ودروبها الوعرة مملوءة بالأشواك والحجارة، وآفاقها معتمة إلا من بصيص ضئيل.
فليست الحياة منطق وعقل وتوازن وبرود وأثرة وحساب للبقاء، وإنما هي إلى ذلك تهور وطيش ونزق واستهتار وإيثار وابتسام في وجه المجهول.
هذا المجهول، بل الحنين إلى المجهول واستكناه ما في الغيوب واستشراف الما وراء هو الذي قاد البشرية في دربها الطويل.
ولولا الإيمان_ وهو من لوازم العقيدة _ بغد أفضل وحياة أجمل ما كان سعي الإنسان ومكابدته، إذ هو يسعى والحياة تتمنع، تضحكه مرة وتبكيه مرات، وهكذا دواليك في ديالكتيك الوجود الغريب.
وإذا كان المناطقة قد عرفوا الإنسان بأنه: حيوان ناطق، وقال آخرون: بأنه حيوان عاقل، وقال أرسطو: بأنه حيوان اجتماعي، وقال آخرون بأنه: حيوان ضاحك؛ فأنا أقول بأنه: حيوان ملغز، هذا الجرم الصغير الذي انطوى فيه العالم الكبير هو سر الأسرار ولغز الألغاز.
ولأجل هذا قال الحق: (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )) وقال سقراط: اعرف نفسك؛ نفسك التي بين جنبيك تجهلها ولا تعرف منشأها ولا كنهها ولا مصيرها فما بالك بغيرها؟؟
ثم يقولون: الحقيقة المطلقة والحق الصراح واليقين الذي ليس بعده ولا قبله يقين؛ إله السموات كم في الناس من يستهين بالألفاظ ويحقر الأسماء فيلقيها وهي جوفاء خاوية بلا معنى ولا مسمى، ولا طعم ولا لون ولا رائحة، رحمة بنا يا سدنة الألفاظ!!
فإذن مجنون من يروم فهم الحياة؛ لأن فهمها هو المستحيل بعينه، وما محاولة إضفاء التعقل والحكمة عليها إلا ضرب من الخداع والأوهام نستند إليه كلما لعبت بنا رياحها العاتية وطوحت بنا عواصفها المدمرة.
ورحم الله فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة أبا العلاء المعري حين يقول:
أيها الغر إن خصصت بعقل فاتبعه، فكل عقل نبي
وحين يقول:
أما اليقين فلا يقين وإنما أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا
فإنه أتى على ما في النفس وفوق ما في النفس أيضا.
من لغة القوة إلى ثقافة الحوار:
(( وجادلهم بالتي هي أحسن)) آية قرآنية.
تلو باطلا وجلوا صارما وقالوا: صدقنا، فقلنا: نعم!! المعري
وإليك في البداية هذه الصورة الدرامية : رجلان أو شخصان يتجادلان أحدهما يحمل فكرا وحجة ومنطقا وأسلوبا في الحوار وهو مجرد من السلطة، والآخر يحمل ما يحمل صاحبه أو أقل منه إلا أنه يزيد عليه أنه صاحب سلطة أو قل يحمل سيفا وأمرا ونهيا، وأخذا يتجادلان ويتحاوران حول مسألة محددة هي: هل الأرض تدور أو لا تدور؟ أما الأول ولعل ثقافته عصرية فيقول بأن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، والآخر يقول بأنها لا تدور... واشتد النقاش وحمي الجدال حتى إذا أدلى كل منهما بحجته الأول أتى بحجج عقلية وعلمية، والآخر أتى بحجج نقلية، وركز بالتحديد على الآية القرآنية : (( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز الحكيم)) وقال هذا دليل قاطع وجازم بأن الشمس هي التي تدور، ولو كانت الأرض هي التي تدور لأشار الحق تبارك وتعالى إلى ذلك، ورد عليه صاحبه وقال : لنسلم معك بأن الشمس تدور فهذا لا يمنع من خلال الآية أن الأرض تدور أيضا! قال صاحب السلطة محتدا ومدلا بسلطانه: أتكذب الله؟!! ما ذا تراه فاعلا صاحب الرأي المسكين هذا المجرد من السلطة؟! هل في مستطاعه بعد الاتهام والتلويح بالتهديد أن يقول شيئا؟؟ هذا سؤال لا يبحث عن جواب!!
ولو كان الخصمان في ساحة الجدال والحوار متكافئين، بمعنى أن الاثنين يحملان مع الرأي سلطة لهان الخطب وتوضح الأمر وقلنا في حقهما: هذا ليس جدالا وحوارا وحجة تدحض أخرى وإنما هو صراع واقتتال وقوة تدحر الأضعف منها. ولكن الإشكال كل الإشكال أن يأتي صاحب سلطة ورأي ويحاور آخر صاحب رأي وليس معه سلطة، ونحكم عليه بأنه حوار متكافئ ثم نحكم عليه بأنه تغلب عليه بالحجة والدليل والبرهان، ثم نوهم أنفسنا بأنه اقتنع فهذا هو الظلم بعينه... وفي المثال الآنف ذكره لم يزد عليه بسلطة واحدة بل سلطتين، سلطة النص الديني الذي فهمه فهما خاصا به وهو ليس حجة على غيره، وسلطة سياسية بأنه كان صاحب أمر ونهي ونفع وضر.
وبعد، تلك صورة قاتمة تكررت في التاريخ الإسلامي كثيرا ومازالت تتكرر؛ ومن الأمثلة الساطعة المشهورة فتنة القول بخلق القرآن التي نشبت في عهد الخليفة المأمون وراح ضحيتها علماء وأصحاب رأي مشهورون أشهرهم الإمام أحمد بن حنبل، وخضعوا للتعذيب والعسف والتنكيل حتى أشرفوا على الموت، وبعضهم تراجع عن آرائه حفاظا على حياته أو خوفا من البطش، لا لشيء إلا لأنهم كانوا يرون رأيا يخالف الرأي الذي كان يراه الخليفة المأمون، والذي كان يرى رأي المعتزلة بأن القرآن مخلوق، وكان ابن حنبل ومن معه يرون أن القرآن كلام الله. وأصل القضية خلاف فكري بحت بين السنة والمعتزلة، خلاف يجري بين خصمين متكافئين، حوار أفقي كما يقال، إلا أنه من سوء حظ المعتزلة والسنة على حد سواء أن المأمون كان يميل إلى رأي المعتزلة، أقول من سوء حظهم وذلك أنهم لم يكتفوا بالحوار الفكري، بل لجأوا إلى السلطان يستعدونه على خصومهم، فسجل لهم التاريخ هذه الوصمة في أخبارهم، وهم أهل العدل والتوحيد، وهم الذين طالما نادوا إلى التمسك بالعقل فأين ذهبت عنهم عقولهم حين ذاك؟! هذا ومن المعلوم أن المأمون منشئ دار الحكمة في بغداد، وهو الذي شجع النقل من الثقافات الأجنبية يونانية وفارسية وهندية وسريانية، وهو صاحب الباع الطويل في الفلسفة والحكمة والنظر في علوم الأوائل!! فإن تعجب لشيء فأعجب لهذا الخليفة كيف انحدر إلى هذا الدرك في العسف والإكراه؟؟ ولكن لا عجب، فهي السلطة، السلطة قاتلها الله، التي يقول صاحبها في حق مخالفيه: بأنهم أهل جهالة بالله، وبأنهم رعاع وسفلة الرعية، وبأنهم حشوية!!
أقول: إن التاريخ وللأسف يعيد نفسه الآن، بعد ألف عام تقريبا؛ وذلك أن المتابع لمنتديات الإسلاميين ومواقعهم وكذلك منتديات خصومهم ومواقعهم من الليبراليين والعلمانيين والحداثيين يجد ذات الاستعداء وبنفس الصورة تقريبا، وكأن بني يعرب بعد ألف عام لم يتغيروا أو لم تغيرهم حضارة اليوم وثقافة العصر!! فهل نلتمس لكيلا الخصمين العذر، ونقول بأن كلا من الخصمين خاف من الآخر حين استعدى عليه صاحب السلطان، وبادل خصمه ذات الأسلوب وغرف له من نفس الإناء الذي اغترف له منه؟؟ أم نلومهم ونوبخهم على هذا الأسلوب الذي تتبرأ منه ثقافة الحوار براءة الذئب من دم يوسف، والذي يمكن أن تطلق عليه أي شيء إلا أن تقول في حقه أنه حوار؟؟ وذلك أن الحوار فكر في مواجهة فكر، ودليل في مقابل دليل، لا فكر في مواجهة سيف، أو دليل في مقابل اتهام بالتكفير والمروق من الدين.
والتاريخ يحدثنا ويقول: بأن الفكر لا يجابه إلا بالفكر، وأن الصارم المجلو متى تدخل في الأمر فسيحسم القضية لصالح حامله ولكن إلى حين، إذ إن هذا الخصم المقموع سيثأر لنفسه في يوم من الأيام، وسيعمل في الظلام وينقلب من بطن الأرض إلى ظهرها وسيلجأ إلى السر، وسيحمل في نفسه كل حقد الدنيا وكل سخط العالم وكل ظلمات الكون حتى يجد الفرصة التي ينفس فيها عن غضبه وحقده، ولا تظنن أن الأيام حين تدور دورتها وتبتسم له وتوليه الأمر أنه صافح أو عاف، كلا فالأحقاد لا تولد إلا الأحقاد، والثأر لا يولد إلا الثأر، واقرأ إن شئت تاريخ الحركات السرية في الإسلام وحول العالم.
والتاريخ يحدثنا أن من أعظم مزايا الإنسان، إن لم يكن أعظمها، هو العقل، فمتى ألغيت عقله الذي يصدق به ويكذب ويقتنع من خلاله ويرفض فقد ألغيت وجوده وماهيته، وحصلت لا على إنسان حقيقي، وإنما على صورة له أو شبيه به، أو، بمختصر العبارة، على شبح إنسان الحيوان أفضل منه في العمل وقوة التحمل والوفاء.
ثم ماذا أنت صانع إذا كانت ( سعادة الإنسان في صدور أفعاله الإنسانية بحسب تمييزه ورويته) كما يقول مسكوية في ( تهذيب الأخلاق 20) ؟
ثم، مرة أخرى، ماذا أنت صانع إذا حكم الحكماء على الإنسان بأنه ( لولا اللسان لكان بهيمة مهملة أو صورة متمثلة ) كما يقول الراغب الأصفهاني في ( الذريعة إلى مكارم الشريعة 86) ؟
والتاريخ بعد يحدثنا بأنه لا فخر لأي مخلوق كائنا من كان بأنه يسوس أو يرعى مجموعة من القطعان يعلفها ويسمنها ويأكل من لحمها ويشرب من ألبانها ويبيع منها، فهذا تاجر وليس بحاكم، وهذا راع وليس بحكيم.. وأعلم أنه متى ألغيت عقل الإنسان فإنك قد استلبت حريته وإنسانيته وحولته إلى أي شيء إلا أن تدعوه إنسانا، فإنك إن فعلت وأطلقت عليه إنسانا فإنك قد ظلمته فإنك قد قتلته، فلا تظلمه ولا تقتله وادعه بما يستحق أن يدعى به جزاء وفاقا على سوء عمله.!
وإلى لقاء



#عبدو_أبو_يامن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنارات على دروب التقدم
- إسلاميات
- تعرية الذات العربية
- باسم الشعب نبدأ


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو أبو يامن - فنارات على دروب التقدم 2