أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد رياض حمزة - مفردة -الثقافة - بين رفعة المعنى والإسفاف اللغوي















المزيد.....

مفردة -الثقافة - بين رفعة المعنى والإسفاف اللغوي


محمد رياض حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 10:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



منذ بضع سنين نقرأ ونسمع ما يتداوله كتّاب ومتحدثون عرب بإستخدام مفردة الثقافة في غير معناها أو دلالتها ، مما يُسيء لهذه المفردة العربية،التي إتسم إستخدامها بموسوعية المعرفة وسمو المعنى والدلالة على التهذيب ونبل شخصية من إتصف بها . ونسمع اليوم من يكتب ومن يتحدث مضيفا مفردة الثقافة إلى مفردات كثيرة ذات معاني حميدة أو سيئة لم تكن مستخدمة قبلا. ولعل إستخدامها نتج عن ما نقله المترجمون إلى اللغة العربية عن اللغة الإنجليزية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نقرأ أو نسمع : ( ثقافة الهمبرجر) ، ( ثقافة الإرهاب) ، ( ثقافة الفساد) ، ( ثقافة العنف) ، ( ثقافة التسيّب) ،(ثقافة الحرام) ، ( ثقافة التبرّج ) ، ( ثقافة الإستنكاف ) ، ( ثقافة التعصّب) ،( ثقافة الكسل) ، (ثقافة صناعة الموت) وغير الكثير مما ذكر من المفردات ذات المعاني السلبية. كما يمكن أن نقرأ و نسمع من يقول ( ثقافة العمل الحر) ، (ثقافة السلم ) ، ( ثقافة المحبة ) ، ( ثقافة التسامح) ، ( ثقافة التديّن) ...و.... وغيرها . بمعنى أن تُعَرّف مفردة الثقافة بإضافتها لأسماء الفعل ... فكثيرا ما نسمع ونقرا من يقول أو يكتب ( ثقافة الفساد) .. فهل أن سلوك المفسدين ثقافة أم أن الفساد سلوك .... وهنك الكثير والكثير من المفردات التي تضيف مفردة الثقافة لأسماء الأفعال ويقصد بها اسم فعل لحالة أو لسلوك.
ومن المفرقات المضحكة وفي برنامج تلفزيوني عن الطبيعة يعلق المذيع على قطيع من القرود فيقول بالنص" أن ثقافة هذا القطيع من القرود يختلف عن ثقافة قطيع آخر يعيش جاره" . ومثال آخر وفي برنامج تلفزيوني آخر يتحدث المذيع عن الحيتان المعروفة بالقتل ليقول " ... لا يعرف العلماء إلى إي ثقافة ينتمي هذا النوع من الحيتان "؟! ، ومن يقول " أن ثقافة الفساد شائعة..." فهل هناك من أدبيات ومؤلفات "تثقف الناس وتعلمهم الفساد؟ أم إنه سلوك إجرامي و إنحراف أخلاقي؟ إذن في كل ما تقدم من إضافة مفردة الثقافة إلى أسماء الأفعال يقصد بها السلوك و لا علاقة للثقافة بذلك الإسفاف اللغوي.
وبالعودة إلى مفردتي الثقافة والمثقف ، فإنهما حديثتا الاستخدام في اللغة العربية إذ لم ترد مفردة الثقافة في القران بمعانيهما المتداولة ، وما ورد في خمس آيات ما يلي: وردت مفردة " ثقفتموهم" مرّتان، و " تثقفنّهم" ،و " يثقفوكم" ،و " ثُقفوا" مرة واحدة لكل مفردة ، وإن معناها أينما وُجدوا أو حيث لقيتموهم .
وفي لغة العرب قبل الإسلام فإن مفردة المثقف هي إحدى أسماء الرمح. ففي معلقة عنترة العبسي نقرأ البيت التالي:
جادت يداي له بعاجل طعنة بمثقف صدق الكعوب مقوّم
والمثقف هو الرمح الذي كان أصلا عود شجرة شُذّب وصُقل فصُيّر مستقيما مثقفا من الشوائب. ومن هذا المعنى أخذت مفردة " المثقف" دلالتها لتعني أن المثقّف هو الإنسان الذي تعلّم وقرأ وتابع وتهذب واستقام سلوكا فصار مثقفا .
كما إرتبطت مفردة الثقافة بدلالات عدّة ، بالعلم والأدب والفلسفة والقراءة والتهذيب وسمو الخلق . ومن تأثير اللغة الإنجليزية على اللغة العربية الحديثة تداول إستخدام مفردة الثقافة لتعني ، إضافة إلى معناها المذكور، العادات والتقاليد والأعراف والمعتقدات التي ينشأ عليها الفرد فيقال بالإنجليزية:
( He is from a different culture) ( إنه من ثقافة مختلفة) . ومع ذلك فإن مفردة (culture) باللغة الإنجليزية إستُخدمت ودخلت قواميس اللغة الإنجليزية في القرن الخامس عشر الميلادي وأخذتها الإنجليزية عن اللغة الفرنسية الوسيطة التي أخذتها عن اللغة اللاتينية بلفظ (cultus) ومعناها : صفة للتطور المعرفي والأخلاقي والسلوكي عن طريق التعليم والقراءة الموسوعية ،كما أنها تطلق على الأنشطة والفكرية والأدبية والفنية .
ومن المسلمات ،عبر التأريخ البشري ، أن الأمم التي تتهيأ لها أسباب الهيمنة وتسود في حقبة ما من الزمن وتبسط نفوذها على غيرها من الأمم فأن فلسفتها وعاداتها وتقاليدها و موروثها الحضاري يُفرض على الأمم المتلقية أو ينتقل إلى شعوبها فتتأثر لغاتها بلغة القوى المسيطرة .
ومنذ سقوط بغداد الأول عام 1258 على يد المغول، وحتى قبل ذلك التأريخ، وقع العرب تحت تأثير غزوات وعادات وتقاليد ولغات أمم أخرى، لذلك فقد طغى استخدام لهجات عامية محلية متداولة في المجتمعات العربية على اللغة العربية الفصحى ، فنجد لهجات عربية تأثرت بالانجليزية أو الفرنسية أو الفارسية أو التركية. دخلت مفردات عدة وتداول العرب استخدامها غير التي عُرِّبت .
ويمكن الجزم أن من حفظ للعرب الكثير من عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم هو القرآن . ومع ذلك فإن التأثير والتأثّر في اللغة في العصر الحديث لم يكن مصدره الإحتلال الأجنبي للحواضر العربية فقط بل كان غزوا من نوع آخر ، ذلك هو الغزو الحضاري والمعرفي الذي يندرج تحت مفهومه أنواع عدّة من التأثيرات سواء في السلوك العام للناس والنظم المسيّرة للحياة ..... ووو وغيرها ولابد أن يأخذ سبيله إلى اللغة ، التي ترتبط بها معظم الفنون والآداب .
فأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، بما لديهما من القوة الحضارية في الاقتصاد والعلوم والصناعة والفنون والآداب ، التي صارت لهما منذ بضعة قرون ،وغدتا قوى عسكرية وإقتصادية مهيمنة ، أصبح من اليسير عليهما فرض قيمهما الحضارية والثقافية على الأمم المتلقية أو التابعة.
ومنذ قرون عجاف خلت وإلى يومنا هذا والعرب أمة متلقية غير منتجة ، والأمم المتلقية أمم تابعة ، و نتاج الأمم المتلقية ، في مرحلة التبعية ، نتاج غير أصيل ، ولغة متحدثينا وكتابنا أسيرة التقليد ، ويندرج تحت ذلك ضروب من "الحداثة " في الكتابة ومفرداتها وأساليبها في النثر والشعر. ونجد من يستخدم مفردة الثقافة ، متجاوزا رفعة معانيها ، مضيفها إلى أفعال أسماء ومفردات لا تؤكد معناها ، وهذه بعض من تلك الإستخدامات : ثقافة التسول ، ثقافة جلد الذات ، ثقافة البخل ، ثقافة الغش ، ثقافة اليأس ، ثقافة العيب ، ثقافة الكذب ..... وعشرات غيرها .
ويبين ابن منظور في لسان العرب أن معنى الفعل الماضي ( ثَقَفَ): جدّد وسوّى، ويربط بين التثقيف والحذق وسرعة التعليم. ويعرّف ( المعجم الوسيط) الثقافة بأنها:العلوم والمعارف والفنون التي يطلب فيها الحذق.
ووردت تعاريف غربية عديدة لمفردة الثقافة فهي :
• "ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع) تعريف كوينسي رايت(:
• و"هي النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب، يعيش في حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية" ).تعريف مالينوفسكي(.
• وهي "جهاز فعال ينتقل بالإنسان إلى وضع سلوكي أفضل، وضع يواكب المشاكل والطروح الخاصة التي تواجه الإنسان في هذا المجتمع أو ذاك في بيئته وفي سياق تلبيته لحاجاته الأساسية" .( جوستان فون جرونيوم)
وهناك تعريفات أخرى مثل (أن الثقافة تعني الجهد المبذول لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية في مجري حياتها، أي هي المواجهة المتكررة مع تلك القضايا الجذرية والأساسية التي تتم الإجابة عنها عبر مجموعة من الرموز، فتشكل بذلك مركباً كلياً متكامل المعنى، متماسك الوجود، قابلاً للحياة) ومن هذا القبيل تعريف جوستاف فون جرونيوم في مطلع كتابه (هوية الإسلام الثقافية )الصادر في باريس عام 1973 حيث يقول عن الثقافة انها (نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة، المتعلقة بالكون وبالسلوك الإنساني النبيل.)
ولرفعة مفردة الثقافة وجب أن تستخدم حسب دقة معانيها ، فيمكن تمييز فرد عن آخر بقدر ما تعلّم وتهذّب فقوّم منطقه و أصلح سلوكه وتعامله مع غيره ،وأتْسم بالأخلاق الفاضلة 0 وليس المثقف من قرأ وكتب و تحدّث وأستزاد بضروب المعرفة فقط ، ولا يكتسب الفرد صفة المثقف إلاّ أن يعزز إبداعه ومعرفته بالسلوك القويم والتهذيب الإنساني . فمفردة الثقافة أسمى من أن تستخدم بما يسيء لرفعتها. ويمكن ألقول أن ضعف معرفة الكتاب والمحدثين من العرب بلغتهم وتأثرهم بما يترجم أو يقرأ باللغات غبر العربية يتسبب بإستخدامات مسيئة للغة العربية ولمفرداتها .



#محمد_رياض_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبل الانتخابات البرلمانية ... وبعدها
- رؤية في تطلعات الكرد العراقيين
- مأساة اليسار العراقي
- هل تحول الإسلام إلى دين للقتل ؟


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد رياض حمزة - مفردة -الثقافة - بين رفعة المعنى والإسفاف اللغوي