الزحف إلى مدريد (1)

عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 00:53
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    

ْ«عندما تدخل البطالة إلى بيتك، وتتأثر أفراد عائلتك بالإقتطاعات الإجتماعية، ويدخل الغلاء إلى بيتك، وعندما تتأثر العائلات بالإخلاء من سكنها، هل يسألك الغلاء والبطالة والإفراغ عن من أي حزب انت؟؟ هل يسألك الجوع من أي حزب أنت؟ بالتأكيد لا، لا أحد منا صوت لأجل الإقتطاعاتالإجتماعية، لا أحد صوت لأجل دفع الديون التي لسنا مسؤولين عنها، لا أحد صوت لأجل البطالة... ومع ذلك كل الأحزاب إذا ماوصلت إلى الحكم تبدأ تماما في ترسيخ سياسة الترويكا والصندوق المركزي الأوربي والبنك الدولي... النظام السياسي يخدم فقط هذه المؤسسات.. هذه حكومات الترويكا وليست حكومات الشعب،، لذلك يجب أن يقول الشعب كلمته، أن ينتزع السلطة السياسية.. السلطة للجماهير...
« كل الأحزاب التي تحكم هي أحزاب يمينية بغض النظر عن تسمياتها، الحزب الإشتراكي عندما كان يحكم، اجتمع ساباتيرو وراخوي في حانة أو بار، غيرا وأجازا نصا دستوريا لإعطاء الأسبقية لتخليص الديون الإسبانية دون استشارة الشعب.. هل هذه سياسة يسارية؟؟ نحن من اليسار وليس عيبا أن نكون من اليسار لأننا من الشعب..
« ..قبل كل ذلك، الذين يحكموننا الآن بغض النظر عن كونهم من اليمين، هم من سلالة الذين قاموا بالإنقلاب على السلطة.. هم من سلالة فرانكو..
(ترفع الجماهير شعار: Franco no ha muerto...Franco esta en el parlamento فرانكو لم يمت... فرنكو في البرلمان)
«الكرامة هي الحد الفاصل بين الخوف والشجاعة، حين تمس الكرامة يسقط الخوف...» مقتضبات من خطاب المنسق العام لحركة 22M أو حركة 22 مارس
في الثمانينات عندما حاول أحد عمداء كلية الطلبة بفاس إلقاء كلمة موجهة للطلبة، تسلل أحد الطلبة من ورائه لينخر مؤخرته، فصاح من الفزع: أنا أيها الحثالات أمس في كرامتي... ، العميد أصبح وزيرا بعد ذلك في الحكومة المغربية.. هكذا ولا غرابة عندنا يصبح طيز الوزراء معيارا للكرامة، الكرامة عند الإسبان تتلخص ببساطة في أن يمسك المرء عن أخذ صدقة من أية جهة كانت حتى لو كانت حكومية..بينما في المغرب يتجه العام والخاص لتقبيل يد الملك لأجل صدقة ليخلق الشعب أسطورة وأعجوبة سميت فيما بعد: ملك الفقراء..
استعدت حركة 22 مارس منذ خمسة شهور للتحسيس بضرورة تحرك الشعب لأخذ المبادرة السياسية بيده..وهي تتكون من فعاليات اجتماعية نقابية سياسية يسارية بالتحديد كما يمكن اعتبارها امتداد لحركة 15 مارس وروحها حيث كانت حركة 15 ماركس تفتقد للأفق السياسي والإيديولوجي الذي يخرجها من الفوضى والتقوقع في الحياد السلبي وهو الشكل التناقضي الذي كانت تتخبط فيه. بينما تملك 22 مارس كل الوضوح الإيديولوجي والسياسي الذي يموقعها تماما: إسقاط حكومات الترويكا، ويعني الامر تماما أنها تقف موقف النقيض للنظام السياسي الذي تتحكم فيه المؤسسات البنكية والمالية (البنك المركزي الاوربي، صندوق النقد الدولي وكل ما يمثل الترويكا الأوربية) والشركات المتعددة الجنسية، تعتبر دستور 68 قد أقيم لخدمة هذه المؤسسات.. الحركة في مجموعها تمثل ما يسمى باليسار البديل، تضم جميع التيارات الماركسية بتشعبها، الحركات الأناركية مشكلة في النقابات CNT و CGT النقابات الجهوية، النقابات الباسكية والكاتالانية، والأندلسية وغيرها التي لها الطابع القومي، مع تسجيل بعض المشاركة للنقابات الكلاسيكية الكبيرة والتي تنتمي بدورها جهويا (النقابات الكبيرة عبرت عن دعمها للمسيرات يوما بعد مظاهرات مدريد وهو أمر مثير للدهشة).
تنقسم الحركة تنظيميا إلى عدة أعمدة (columnas) وهي بحسب الأقاليم الكبرى بإسبانيا : هيكلية الأندلس (عمود الأندلس، عمود كاتالونيا، غاليسيا، باي باسك، إستريمادورا، كاستييا دي لا مانتشا، إقليم مورسيا، أوستريا ومجموعة مدريد) مع اعتبار أن كل إقليم بذاته يشكل عمودا (أقصد الأقاليم التي بدورها تنتمي إلى المجموعات الكبرى) أفضل بهذا الخصوص تسمية هيكلية (بالعربية طبعا) على تسمية عمود بما هي تحيل إلى دينامية التحرك..
يمكن أيضا اعتبار 22 مارس إعادة لهيكلة حركة 15 مارس وهو قول مني يعبر عن وجهة نظري الخاصة، باعتبار الفراغ السياسي التي أطرت من داخله حركة 15 مارس التي من وجهة نظري الخاصة تأثرت بحركات الربيع العربي على الرغم من وجود تفاوتات تطورية فيما بينها(هذا بشكل عام يخضع لنقاش عام داخل الهيآت المجتمعية والسياسية في إسبانيا)، لكنها بقيت سجينة الحياد السياسي في عموميتها، وهو ما جعلها أي 15 مارس لا تمثل جدوى محددة (موقفها الحيادي في الإنتخابات التي سمحت للحزب الشعبي بالهيمنة السياسية، معروف أيضا أن الكثير من جماهير 15 مارس صوتت لهذا الحزب أثناء تخييمها بمدريد كشكل لإعلان الحياد السياسي للحركة، بمعنى أخذت موقف التخيم ببوابة الشمس كشكل نضالي ذاتي لكنها لا تمنع عناصرها من التصويت لأي حزب من أحزاب البيبارتيديزمو(bipartidismo) ـ الثنائية الحزبية المعروفة في الغرب بشكل عام). رفعت حركة 22 مارس شعار: PSOE, PP--;----;----;-- la misma mierda es الحزب الشعبي والحزب الإشتراكي هما من نفس الطينة (الغائظ)، الموقف من الحزبين هو نفسه الموقف من النظام السياسي بإسبانيا ولن ندخل في تفاصيل الكيف لأن العملية الإنتخابية برمتها تمثل الحظوظ الكبرى للحزبين وهو ما ينتقده حزب اليسار الموحد أيضا باعتبار وعيه التام بأنها (طريقة النسبة أو التناسب استنادا على حصاد الإنتخابات السابقة إضافة إلى التوزيع الجغرافي تعطي دوما تفوق الحزبين) وتستبعده عمليا كقوة سياسية ثالثة..
اعتمدت حركة 22 مارس مبدأ المرونة في التعامل مع كل الهيآت الإجتماعية والسياسية والنقابية، ترفض منطق البورتاكونيزم (أن يتزعم تيار معين الحركة باعتبارها حركة جماهيرية تعتمد مبدأ الديموقراطية التجمعية )، اعتمدت أيضا مبدأ الحد الأدنى حول القضايا المثارة وترك القضايا التي تشكل موقف الإختلاف بين الهيآة التي تشكل 22 مارس، لا شك أن سقف المطالب حددت في شعار "الخبز، العمل والسقف" إلا أن الأمر يطال العديد من القضايا الملحة والتي على رأسها الموقف من النظام السياسي المتبع في إسبانيا، الموقف من سياسة التقشف، الموقف من الديون الإسبانية وكذا الموقف من الفساد المالي الذي غرقت فيه حكومة راخوي أو احزاب سياسية أو نقابات معلومة، والموقف من السياسة الإجتماعية بشكل عام، بينما تركت المشاكل ذات البعد الإيديولوجي البحت، مسألة الجهات القومية المطالبة بالإستقلال، والمواقف التي تعرف جدلا داخليا يؤدي بالأساس إلى التفرقة: الحزازات اليسارية، والمسالة الأوربية وما إلى ذلك من الأمور التي لا تحظى بحسم طبيعي.
أثارت قضية الفضاءات الإفتراضية حيرة كبيرة في داخل الأوساط الإجتماعية، فالحقيقة ان شعلتها انطفأت بسرعة كبيرة ولم تعد كافية كوسيلة للتحريض النضالي، فإذا كانت حركة 15 مارس قامت في فورتها اعتمادا على هذه الفضاءات فإن نكصتها أيضا قامت على هذا الفضاء، والحقيقة أن الدعوات التحريضة غالبا ما ساقت إلى وهم التظاهرات الكبرى التي تعتمد طريق الفضاء الإفتراضي، فشلت في الآونات الأخيرة فشلا تاما قادت في دول أخرى إلى الإرتداد وليس الثورة وهذا لا يعني بالتمام تهميشها بل كان يعني في نظر حركة 22 مارس إعادة تقييمها، يجب القيام بشيء ما تجاه القضايا التي يتخبط فيها الشعب، لكن أيضا يجب أن يكون الحراك في هذا المضمار مؤطرا بشكل يمكن التحكم فيه وحين نستبق الأمر وننظر إلى نتائجه في مظاهرات مدريد نجد أن القائمين بأعمال شغب سواء من طرف الأمن السري أو الراديكاليين الفوضويين قد اختصو بشكل واضح ومميز جدا بالحضور في مؤخرة المظاهرة، أو في زوايا معزولة جدا وهو أمر يجب أن نشير إليه في حينه.. لكن هناك أمر غاية في الأهمية ولعب دورا أساسيا في الزحف على مدريد بشكل رائع وبشكل ساهم غاية في تلك العزلة أيضا هو قوة التنظيم الذي ارتكز على آليتين وعلى مرحلتين أيضا، آلية اعتمدت تنظيم مسيرات من كل جهات الدولة الإسبانية، على أساس الوصول إلى مدريد في الوقت المعلوم ثم آلية أخرى اعتمدت التنظيم المحلي وتدبير رحلات إلى مدريد عبر وسائل النقل العمومية (قطارات، حافلات ووسائل أخرى) قبل ذلك هناك آلية محلية للتحسيس أو للتحريض النضالي من خلال تنظيم حملات، وقفات احتجاجية حول موضوع معين (ضد الزيادات الأخيرة مثلا في الماء والكهرباء وما إلى ذلك)، مظاهرات تتم الدعوة فيها للتظاهر في 22 مارس إضافة إلى تنظيم عروض ومحاضرات تعرف بالحركة وبأهدافها يتم خلالها بيع تذاكر النقل للراغبين في المشاركة، لكن هذه الدينامية هي فقط حيوية في المجالات الحضرية التي تعرف وجود هيآت مدنية فعالة بديناميتها التعبوية وهو أمر معدوم في المدن الصغيرة والقرى التي تعرف تعششا ملحوظا للحزبين الرئيسيين والتي يصعب اختراقها بفضل الحصار والتدجين الإعلامي التابع لهذين الحزبين(صحيح أن أغلب بلديات إسبانيا لها قنواتها التلفزية والسمعية المحلية لكنها تخضع دائما للسياسة الإعلامية للحزب المسيطر فيها) وهو ما يتطلب نوعا من التحسيس يعتمد آلية أخرى هي تنظيم مسيرات احتجاجية تمر بكل هذه المدن والقرى النائية..

#عذري_مازغ (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات