أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم حنون - الشيوعيون والقضية الفلسطينية















المزيد.....


الشيوعيون والقضية الفلسطينية


قاسم حنون

الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 22:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



" وأحمل أرض كنعان التي اختلف الرواة
على مقابرها ، وما اختلف الغزاة
على الذي اختلف الرواة عليه .
من حجرٍ ستنشأ دولة الغيتو
ومن حجر ستنشأ دولة العشّاق "
محمود درويش
أثارت موجة التحريض والطعن ضدّ الشيوعيين في صيف 1978 التي بدأت على صفحات جريدة الراصد البغدادية الأسبوعية ، أثارت ردود فعل عميقة في أوساط الشيوعيين والديمقراطيين لتؤذن ببدء جملة منهجية لتفكيك البنية التنظيمية للحزب الشيوعي العراقي و (تصفيته) سياسياً والإجهاز على الجبهة الوطنية التي مضى عليها خمس سنوات ( 1973 – 1978 ).. صورت برقية مائير فلنر سكرتير حزب راكاح الى المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العراقي آيار 1976 على انه مظهر للتواطؤ مع العدو او صورة من صور التخابر معه . في جلسة استجواب قال لي ضابط كبير في مديرية الأمن في آب 1978 ان علاقتكم مع حزب راكاح تعبير عن خيانتكم لقضايا الأمة العربية وتنطبق عليكم صفة ( الخونة ) قلت / ان المجلس الوطني الفلسطيني وهو الأطار التمثيلي للشعب الفلسطيني أقرّ في الدورة ( آنذاك ) ضرورة التنسيق مع القوى الديمقراطية في داخل اسرائيل ومن بينها حزب راكاح علماُ ان الحزب المذكور يضم في عضويته مناضلين عرباً لا يتطرق الشك الى وطنيتهم وصدق انتمائهم للقضية الفلسطينية. لقد كان ذلك ذريعة توسلت بها الدكتاتورية للإساءة الى سياسة الحزب ومواقفه من القضايا الوطنية والقومية ، ولعل موقفه من القضية الفلسطينية وتصوره للصراع العربي الإسرائيلي _شأن غيره من الأحزاب الشيوعية والقوى التقدمية العربية _ظل عرضة للتشويه المتعمد والتعمية الأيديولوجية التي لجأت اليها معظم فصائل الحركة القومية العربية وفي مقدمتها البعث فضلا عن قوى اليمين والرجعية من أعداء الشيوعية التقليديين. لقد اقترن كفاح الحزب منذ بداية تأسيسه من اجل حل مسائل التحرر الوطني بمعاداته للمشروع الصهيوني في المنطقة فقد شارك المثقفون الماركسيون في التظاهرات التي حدثت في بغداد 1928 بمناسبة زيارة الصهيوني الفريد موند فأعقبت تلك التظاهرات اعتقالات طالت حسين الرحال وعزيز شريف وزكي خيري وعبدالفتاح ابراهيم الذي ينسب إليهم الدور الكبير في تأسيس الحزب الشيوعي العراقي منتصف الثلاثينيات وقد نبّه الحزب الى خطورة الصهيونية ، باعتبارها ايديولوجية عنصرية والى الترابط البنيوي بين الأمبريالية والصهيونية ، ولذا فإن قضية فلسطين بقدر ما هي قضية النضال من أجل الحقوق العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني فهي نضال ضد الامبريالية وقاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط اسرائيل ، ولا يمكن حلّها بمعزل عن تطلع شعوبنا نحو الأستقلال الوطني والتقدم الاجتمـاعي . لم تكن ( المسألة اليهودية ) وليدة ظروف وتحولات الشرق بقدر ما كانت نتاجاً غريباً سعت الدول الأوربية لتصديره الى الشرق والتخلص من موروث العلاقة الملتبسة مع اليهود في المجتمعات الغربية . لقد نوّه ماركس ببصيرة ثاقبة في كتابه (المسألة اليهودية) ان خلاص اليهودي ليس في العودة الى ( أرض الميعاد ) بحسب المقولات التوراتية والترويج الصهيوني لها بل في اندماجه في الواقع الاجتماعي والتاريخي المعين، فالمسألة اليهودية مسألة اجتماعية تاريخية بالتحديد ولا يمكن تقبل التفسير الميتافيزيقي للشخصية اليهودية أو النظر الى صيرورة التاريخ اليهودي بمعزل عن الشروط الاجتماعية والاقتصادية . منذ زوال حكم المور ( المسلمين ) في الأندلس شهد اليهود ألواناً من التمييز والكراهية وسوء المعاملة بما يؤسس لتاريخ من العداء للسامية بصوره ومراحله المختلفة وصولاً الى القرن التاسع عشر والجدل الذي استعر في الأوساط السياسية والثقافية حول الحاجة الى وطن لليهود مما مهد لظهور الصهيونية باعتبارها تعبيراً عن مصالح وفكر البرجوازية اليهودية العليا وان من مصلحتها تجنيد جماهيرية الشغيلة من اليهود لصالح برنامجها الاستيطاني الذي يتواءم الى حد كبير مع النهج الكونيالي للقوى الاستعمارية الكبرى آنذاك ، وكان لابدّ للصهيونية أن تحشد إمكاناتها وأساليبها المختلفة في تضليل المفكرين والساسة وقطاعات الرأي العام الأوربي للإيهام بمشروعية وطن قومي ينقذ اليهود من عناء الشتات والتمزق والغيتو مستعينة مرة بأسفار العهد القديم وأخرى بالأفكار الجديدة الليبرالية والأشتراكية وتصوير الصهيونية على أنها حركة تحرر قومي خاصة وان المرحلة التاريخية كانت تشهد نهوض القوميات وتأسيس الدول القومية ، كل ذلك جرى في سياق أيديولوجي مشبوه يتساوق مع المشروع الامبريالي للهيمنة على الشرق الأوسط ,على أن الدارس لأحوال القرن التاسع عشر في أوربا يتبين مدى التلاؤم الذي عبرت عنه البرجوازية اليهودية الجديدة مع النظام الرأسمالي واندماجها في المحيط البرجوازي الأوربي الغربي عن طريق ظواهر شتى :
أ‌- على الصعيد الاقتصادي اتجهت الشرائح العليا للبرجوازية اليهودية نحو أخذ حجمها الطبيعي داخل عالم البرجوازيات الأوربية المسيطرة فلم تعد بارزة بروزاً خاصاً في عالم المال كما كانت في السابق وبتوصيف ماركس" فإن الظروف الخاصة التي تتبلور مع تطور الرأسمال الصناعي لم تعد مسيطرة هنا ، بل العكس هو الصحيح اذ حيث مازال الرأسمال البضائعي مسيطراً نجد أوضاعاً متأخرة "
ب‌- وعلى الصعيد الاجتماعي ازداد عدد اليهود من أبناء البرجوازية الذين تخلوا عن دينهم واعتتنقوا المسيحية وبخاصة بين صفوف الأنتلجنسيا والعاملين في المهن الحرة التي دخلها اليهود بكثافة كبيرة "
ج-على الصعيد الثقافي والحضاري انتجت البرجوازية اليهودية الجديدة ثقافة جديدة تتفق مع عصر التنوير والعقلانية الأوربية اذ حاولت أن تحقق منجزات حديثة وليبرالية وثورية في المجالات الثقافية والحضارية شبيهة بالخطوات التي حققتها برجوازية اوربا الغربية .
د- على الصعيد السياسي اعطت البرجوازية اليهودية في بادئ الأمر ولاءها الكلي للحركات القومية في البلدان الموجودة فيها واعتبـرت ذلك جزءاً من عملـية اتمام تحررها الاجتماعي العام (1)
لقد تراكمت ثروة فكرية وخبرة سياسية عميقة في تحليل المسألة اليهودية والدور الخطير للصهيونية بدءً من كارل ماركس وروزا لوكسمبورغ وابراهام ليون واسحق دووينشر وآرنست فتشر واريك هوبزباوم ونعوم تشومسكي هم مفخرة الفكر الإنساني التقدمي وبوصلته في الطريق الذي تزرعه إسرائيل وحلفائها بالأباطيل والأوهام .
يقول أ. هوبزباوم :( ليس لديّ التزام عاطفي وجداني بممارسة دين سلفي ، ناهيك عن الالتزام بتأييد دولة ، امة صغيرة متشربة بالروح الحربية العسكرية مخيبة للآمال ثقافياً وعدوانية سياسياً تطالبني أن أتضامن معها على اسس عرقية عنصرية كما أنني لست حتى مضطراً للتكيف مع الذهنية السائدة الدارجة في بداية القرن الجديد والمتمثلة في التعاطف مع اليهودي – الضحية الذي يؤكد اعتماداً على قوة الهولوكوست مزاعم ودعاوى وحقوقاً على ضمير العالم ). وجاء في برنامج حزب التحرر الوطني 1946 وهي تسمية أخرى للحزب الشيوعي العراقي ( يرى حزبنا في النشاط الصهيوني الاستعماري خطراً لا يهدد فلسطين حسب بل البلاد العربية بأسرها لأنها عدا عن كونها حركة استعمارية عنصرية فاشية فهي في الوقت ذاته اداة رجعية بأيدي الدول الاستعمارية الكبرى وسلاح تشهره ضد الحركة التحررية العربية ) وعلى عكس هذا الوقف كانت الفئات القومية تتبنى خطاباً ساذجاً لا يميز بين فقراء اليهود وأغنيائهم ولا ينفذ الى حقيقة المشروع الصهيوني ودوافعه الاستعمارية التوسعية وقد ارتهنت الى مقولات ووقائع في التاريخ العربي الإسلامي عن غدر اليهود وخيانتهم للمواثيق والعهود دون تحليل كاف لأسس ومفاهيم الصهيونية ووسائلها المختلفة وأساليبها المبتكرة وعدم التمييز بين اليهودية والصهيونية . وكان أداؤها في أواخر الثلاثينات وبداية الأربعينات يثير الهلع في اوساط اليهود العراقيين ويوفر الذريعة للمخطط الصهيوني الذي عمل على انشاء مراكز استقطاب واستيطان لليهود وتشجيعهم للهجرة الى فلسطين وبينما تمسكت نسبة كبيرة من اليهود العراقيين بخيار البقاء داخل العراق فقد دفعت ممارسات نادي المثنى وحزب الأستقلال فضلاَ عن الممارسات الخاطئة ضد اليهود بعد أحداث حركة مايس 1941 ( حوادث الفرهود ) وتورط الحكومة العراقية آنذاك في تهجير اليهود وتنظيم رحلات نقل جوي لأعداد كبيرة منهم من بغداد الى اسرائيل وتغاضيها عن عمليات تهريب اليهود العراقيين الى ايران الى حد مطالبة الأعضاء القوميين في مجلس النواب بترحيل كافة اليهود من العراق ومصادرة أملاكهم والمناخ الهستيري الذي يتوعد اليهود بالويل والثبور ، كل ذلك يتفق مع أهداف الحركة الصهيونية في تعزيز نسبة اليهود وخلق واقع ديموغرافي جديد على حساب الفلسطينيين. وانه لمن المؤسف ان يتبنى التيار القومي الفلسطيني استناداً الى ايديولوجية محافظة منذ العشرينات مواقف تتسم بالتشنج والارتجال وضعف الحس التاريخي بجسامة المخطط الامبريالي والصهيوني وانسياقه وراء أوهام المساواة بين الشيوعية والصهيونية ومقاطعته للجان التحقيق الدولية للتعرف على حقائق الوضع السكاني في فلسطين فكانت تلك فرصة سانحة لقادة المنظمات الصهيونية أن يقدموا تصورهم المشبوه عن مشروعية المطالبة بوطن لليهود وتسويغ شعارهم المخادع ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) . كان لجوء الحاج أمين الحسيني الى بغداد والتنسيق مع قادة الجيش ورشيد عالي الكيلاني للقيام بحركة انقلابية لزحزحة النفوذ االبريطاني في سياق التواطؤ مع المانيا النازية التي كانت تخوض حربا كونية ضد الحلفاء يكشف عن غياب رؤية صحيحة للعلاقات الدولية ومكانة الصهيونية في منظومة المصالح الكبرى وقد الحقت تلك المواقف ضررا فادحا بالقضية الفلسطينية خاصة وان النازية تمثل هي الأخرى ايديولوجية عنصرية تقوم على عقدة تفوق الجنس الآري فيما تقوم الصهيونية على تفوق اليهود بوصفهم ( شعب الله المختار ) في منتصف الأربعينات تقدم رفاق يهود في الحزب الشيوعي العراقي هم ( يعقوب مصري ومسرور صالح قطان وابراهيم ناجي ) بطلب تشكيل عصبة لمكافحة الصهيونية ورغم ان عمر العصبة لم يدم الاّ ثلاثة أشهر من آذار الى حزيران 1946 فقد عبرت عن فهم عميق للمسألة فجاء في بيان العصبة ( ان حلّ المشكلة اليهودية يتم بحل مشكلات البلدان التي يعيش فيها اليهود ، أما حل فلسطين فهو فضلا عن انه لا يحل المشكلة اليهودية فهو اعتداء صريح غاشم على حقوق الشعب العربي لا يمكن أن يرضاه أي إنسان حرّ ، ونحن بصفتنا يهوداً نعلن استنكارنا لوعد بلفور واحتجاجنا عليه ، وندعو كل مواطن الى النضال من اجل استقلال فلسطين استقلالاً تاماً وتأليف حكومة ديمقراطية عربية فيها) وانشأت جريدة ( الأساس ) التي عبرت عن ميل سياسي وفكري تقدمي بين اليهود العراقيين هو احدى اللمحات المشرقة في نضال الحزب الشيوعي العراقي ,الذي ضم بين صفوفه مناضلين من مختلف الأديان والمذاهب بما يؤسس لهوية وطنية جامعة تقوم على التعايش والإحترام المتبادل والكفاح من أجل التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية والحريات , كما تمت مقاطعة لجنة التحقيق الأنكلو- امريكية والتأكيد على إالغاء الانتداب وتأليف حكومة وطنية ديمقراطية ونظمت تظاهرة في 28 حزيران 1946 ضد الأعمال الوحشية التي ترتكبها المنظمات الصهيونية في فلسطين بمؤازرة سلطة الانتداب البريطاني ضد الفلسطينيين وسقط في التظاهرة شهيداً الشيوعي شاؤول طويق وقد طالبت التظاهرة بعرض قضية فلسطين على مجلس الأمن وبحكومة وطنية ديمقراطية للعرب واليهود في فلسطين .
وهكذا صدر قرار التقسيم الشهير الذي مهّد لتمزيق الكيان الفلسطيني وتوطيد أسس الدولة الصهيونية ولم تكتف اسرائيل بحصتها من التقسيم بل ابتلعت الأراضي الفلسطينية تدريجياً ثم أراضي الدول العربية المجاورة ( مصر وسوريا) خلال حرب حزيران 1967 التي وضعت العرب أمام مأزق تاريخي وخسارة فادحة لم يستطيعوا التخلص من آثارها حتى اليوم . أن التاريخ لا تصنعه الخطابات المنمقة والأراجيز والنوايا الطيبة بل هو صراع إرادات ورؤى إستراتيجية ووسائل فعالة لصياغة المطامح الكبرى والحفاظ على المصالح الحيوية لشعوب المنطقة ازاء تحديات الهيمنة والاستحواذ التي تتبدى في أشكال وخطابات شتى يتبدل اللآعبون بينما يتواصل الحفاظ على قواعد اللعبة .
بنى الحزب الشيوعي العراقي رؤيته في تحليل مشروع التقسيم بحسب المؤرخ ( حنا بطاطو ) على اساس :
أ‌- ان الحركة الصهيونية حركة عنصرية دينية رجعية ومزيفة بالنسبة للجماهير اليهودية .
ب‌- ان الهجرة اليهودية لا تحل مشكلة اليهود المقتلعين من اوربا بل هي غزو منظم تديره الوكالة اليهودية واستمرارها بشكلها الحالي يهدد السكان الأصليين في حياتهم وحرياتهم .
ج‌- ان تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع امبريالي قديم يستند الى استحالة مفترضة للتعايش بين العرب واليهود .
د‌- ان شكل حكومة فلسطين لا يمكن أن يتحدد الاّ من قبل الشعب الفلسطيني الذي يعيش في فلسطين فعلاً وليس من قبل الأمم المتحدة أو أية منظمة أو دولة أو مجموعة دول . وهو ما يمثل رؤية مشتركة لحركة اليسار العربي بفصائلها المختلفة وتتفق مع ما سيردده المندوب السوفيتي اندريه غروميكو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة آيار 1947 ( ان إنشاء دولة عربية يهودية موحدة يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق متساوية يمكن اعتباره احد الحلول الممكنة للمسألة الفلسطينية لمصلحة الشعبين والأمن وسلام الشرق الأوسط ) لقد كانت الفجوة كبيرة بين مقومات ووسائل المشروع الصهيوني والأمكانات التي يحوز عليها وبين أداء النخب العربية الحاكمة التي كانت في معظمها ملكية ترتبط بعلائق راسخة مع بريطانيا والولايات المتحدة وتتسم اشتغالاتها بالتواطؤ والتبعية ، فبينما كانت المداولات تجري في أروقة مجلس الأمن لاستصدار قرار بصدد فلسطين تمنع المندوبون العرب عن إجراء اتصالات مع مندوبي الدول الأشتراكية والأتحاد السوفيتي وأصرّوا على التنسيق مع مندوبي بريطانية وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بينما إسرائيل والمؤتمر اليهودي العالمي تستثمر التعاطف الدولي مع معاناة اليهود في الحرب العالمية الثانية جراء حملات الإبادة التي ارتكبتها النازية ضد يهود اوربا الشرقية كما ارتكبت ضد شعوب أخرى ، الاّ أن الحركة الصهيونية وظفت معاناة اليهود في اطار ما يسمى بالهولوكست وابتزاز الراي العام الأوربي والأمريكي بكونهم تحملوا القسط الأكبر من فظاعات وآلام الحرب الكونية الثانية وتكريس التعاطف ليس مع آلام اليهود بل مع المشروع الصهيوني في إقامة وطن على حساب شعب آخر وليس غريبا اختراقها لكثير من الحركات الثورية والأحزاب الشيوعية في أوربا في الاقتناع بجدوى مطالبها في إقامة الوطن القومي لليهود باعتبار ذلك تعويضا عن آلام الشتات ومعاداة السامية وفظائع الحرب الكونية بل ان الصهيونية قدمت نفسها كحركة تحررية من أجل الاستقلال وبناء الدولة أزاء محيط من الأنظمة العربية المحافظة الحليفة للدول الاستعمارية ، وقد اثمرت تلك المزاعم .
هـ - ان التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد من الخصومات العرقية والدينية وسيؤثر جدياً على آمال السلام في الشرق الأوسط .
على ان أجواء التوتر والمماحكات بين أطراف الحركة الوطنية العراقية وحملة الرجعية الحاكمة ضد الاتحاد السوفيتي والشيوعية بتحميله مسؤولية اتخاذ قرار التقسيم ومع قرب تنفيذ المشروع والتهيئة الصاخبة لمشاركة الجيش العراقي في الحرب العربية الأولى في فلسطين في الوقت الذي كانت فيه قيادة الحزب الشيوعي رهينة السجن وبعيدة عن تطورات الأحداث غير ان المصادر تشير الى توجيه الرفيق فهد الى قيادة الميدان بضرورة التشاور مع قيادات الأحزاب الشقيقة في سوريا وفلسطين لتبني قرار موحد بشأن التقسيم الآّ ان ذلك لم يحدث كما يبدو ، وفي أعقاب اقدام السلطة الملكية على إعدام قادة الحزب 14 شباط 1949 وما رافقها من موجة التحريض والتشهير ضد الحزب الذي شاركت فيه القوى القومية الى جانب الرجعية الحاكمة ، ظهرت اتجاهات تتعاطى مع المؤثرات الجديدة في العلاقات الدولية وتشوش الرؤية لدى قطاعات من الرأي العام التقدمي في اوربا ونظرتها الى إسرائيل وتبرير وجودها في المنطقة وعجز القيادة الجديدة للحزب عن التنبؤ بمسار الأحداث ونظرتها التجريدية لقضايا النضال الوطني والارتهان الى نسق دوغمائي يقصر كفاح البرولتاريا الطبقي في مسار محدد لا يتخطاه الى المهام القومية الأخرى وقد كان صدور كراس ( ضوء على القضية الفلسطينية ) في آب 1948 رغم بعض مضامينه الإيجابية والواقعية في سياق التأثر بالخطاب الجديد الذي تبنته مجموعة من المثقفين اليساريين العرب ( اللجنة الوطنية الديمقراطية ) الذي حاول ان يقدم تصورا عن الصهيونية يخاطب من خلاله المواطن الأوربي ويتجاهل جرائم الصهاينة ضدّ الشعب الفلسطيني وما آلت إليه الأوضاع عقب الحرب العربية الأولى .
ان ما فعلته الصهيونية بالفلسطينيين بقدر ما يستوحي صفحات معتمة من تاريخ علاقة اليهود بالكنعانيين فإنه يعيد إنتاج ممارسات الفاتحين في أمريكا واستراليا وجنوب افريقيا ويؤرخ لأبشع عملية ترانسفير جماعي في العصر الحديث . لقد أدان الحزب في الكونفرنس الثاني 1956 ما جاء في الكراس المذكور على ( انه زيف حقائق الوضع في فلسطين وتستر على بشاعة الصهيونية وعدوانيتها وأساء الى فكر الماركسية اللينينية )
انّ التعرض لموقف اليسار العربي والأحزاب الشيوعية بالطعن والتشويه واتهامه بالخيانة والشعوبية والتواطؤ وتغييب حضوره لعقود طويلة هو من باب التبرؤ مما صنعته الحكومات العربية المتعاقبة عبر مراحل الصراع العربي الإسرائيلي ايّ لأكثر من ستة عقود ,والأفلاس النظري والسياسي للإتجاهات اليمينية في الحركة القومية العربية التي أهدرت طاقات وموارد هائلة في حروب عبثية ومعارك دونكيشوتية تسببت في تمزيق الصف العربي وتعطيل سبل المواجهة الحقيقية عسكريا وسياسيا وثقافيا, فلم يكن اليسار العربي المغيب والمقصي والمقموع هو من تسبب في ضباع فلسطين وتشريد أهلها وفي الهزائم المتكررة والفجائع وانهار الدم .



#قاسم_حنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى 45 لانتفاضة معسكر الرشيد
- البديل الديمقراطي في العراق -عقبات وتحديات-


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم حنون - الشيوعيون والقضية الفلسطينية