أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام الخفاجي - في رثاء الثورة السورية















المزيد.....

في رثاء الثورة السورية


عصام الخفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 14:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل يومين قال روبرت فورد، آخر سفير للولايات المتحدة إلى سوريا وممثلها لدى المعارضة حتى تقاعده مؤخرا، كلاما كان سيصدم كثيرين، لاسيما في أوساط من وقفوا إلى جانب الثورة السورية، لو قيل قبل بضعة أشهر. لم يصدمنا إعلان مسؤول أمريكي تحرر من التزاماته الدبلوماسية وصار بوسعه إبداء رأي لابد أن الإدارة الأمريكية تشاركه فيه بأنه لايرى أفقا لإزاحة الإسد من السلطة لا في المدى القريب ولا المتوسط. محزن أن تكون ردّة الفعل الضمنية على تصريحاته: "أعرف ذلك". محزن ألا يتحوّل رأيه إلى مانشيت صفحة أولى لأن المحررين يعرفون أن لاجديد ينقلونه لقرّائهم.
أكاد أجزم أن غالبية قد تكون ساحقة من مؤيدي الثورة ومن السوريين الصامتين أوالحائرين ومن الحكومات، وبالطبع، من أنصار الأسد تدرك أن الثورة تحتضر. بل أغامر بتعميم هذا الحكم ليشمل فصائل المعارضة مستثنيا من لم يروا فيها منذ البدء ثورة ضد نظام وحشي وإنما حربا أو جهادا لإقامة دولة الإسلام أو الخلافة.
أدرك أن إطلاق هذا الحكم موجع لكنه ضروري. فالوقائع التي يسكت الناس عنها تصير سموما، حسب نيتشه.
تجاوز الوقت الحديث عن تسليح نوعي للمعارضة "المعتدلة" يقلب موازين القوى. هو مطلوب، ومطلوب بشدّة لتعديل تلك الموازين بما قد يساعد على انتزاع تنازلات من نظام الأسد، وأؤكد هنا على كلمة "قد". فما كان كفيلا بتحقيق ذلك الإنقلاب وإلحاق الهزيمة به في العامين الأولين لم يعد اليوم غير أمل أخير بتفادي هزيمة كاملة تحيل الثورة إلى هامش في كتب التاريخ كما الحرب الأهلية الإسبانية بين نظام الدكتاتور فرانكو وأنصاره وبين الجمهوريين. ولن يغيّر موازين القوى تلوين صياغات النشرات الإخبارية: "يقول النظام السوري أنه سيطر على يبرود": زعم لاغير. ولكن "سيطرت قوات المعارضة على حاجز...": خبر قاطع الصحة.
تأخر الوقت على إسقاط الأسد لأن أطنانا من الأسلحة يمكن أن تمكّن المقاتلين من الدفاع عمّا تبّقى من المناطق المحررة وتضعف قدرة الطيران على إلحاق الدمار لكنها لن تكون كافية لتحويل الجيش الحر إلى ندّ لجبهة النصرة. فعديد الأول وفقا لتقديرات استخبارية غربية 11 ألف مقاتل يقابله 30 ألفا لجبهة النصرة فضلا عن آلاف داعش التي يصعب تقديرها لكنها تزيد عن خمسة آلاف بالتأكيد.
تأخر الوقت لأن الثورة انهزمت سياسيا. للضعف العسكري والمادي علاقة وثيقة بلا شك بالهزيمة السياسية لكنه ليس سببها الأساس.
المعارضة مدينة بالإعتذار للشعب السوري على تبنّيها خطابا ساذجا وتجهيليا لايختلف كثيرا عن خطاب النظام في تعبيره عن احتقاره.
المعارضة مدينة بالإعتذار عن خطاب قادتها المنتشي بانتصارات السنة الأولى. خطاب أثار الشك في كونهم رجال دولة يعرفون مايتحدثون عنه ويحسنون تقدير الأمور. كان مفهوما الحديث عن أن الأسد لن يبقى على رأس الحكم. ما كان مثيرا للسخرية أن يعلن رئيس المجلس الوطني السوري، الجسم القيادي للثورة قبل تشكيل الإئتلاف، بأن الأسد سيسقط قبل نهاية 2011. ومتى قال ذلك؟ قبل انتهاء السنة بإسبوعين!
المعارضة مدينة بالإعتذار للشعب السوري لأنها تخيّلت أن الإقرار بوجود قطاعات شعبية واسعة تؤيد النظام عن قناعة يضعف الصورة الشعبية للثورة. ظل حديثها، وأراهن أنها لم تكن مقتنعة به، يمارس أبوية الإعلام الأسدي مقلوبة: ثمة خائفون نشفق عليهم، ومضَلّلون سيكتشفون الحقيقة التي تجلّت لنا ومرتزقة نعاديهم. مثل هذا الإنكار الذي لازم تقاليد السياسة العربية هازم للذات إذ هو يعفي المعارضة من السعي لإيجاد قاسم مشترك بين برنامجها السياسي ورؤيتها المستقبلية من جهة وبين رؤى قطاعات قد تكره الدكتاتورية لكنها تخشى من ديمقراطية تهمّشها باسم حكم الأغلبية، كعراق اليوم ومصر الإخوان المسلمين، قد تعارض الأسد واحتكار عائلته للسلطة ولاتعارض الفكر البعثي. الثورة على النظم العقائدية، كما كتبت في "الحياة" في فترة مبكّرة من عمر الثورة، عملية تاريخية تختلف نوعيا عن الثورات ضد دكتاتوريات لاتتقنّع آيديولوجيا مثل نظامي مبارك وبن علي لأن النظم الأولى تعيد هندَسة مجتمعاتها وتفقر ثقافتها السياسية إلى حد يقارب العدم.
المعارضة مدينة بالإعتذار للشعب السوري لأنها إذ اضطرت إلى اللجوء للمقاومة العسكرية عسكَرَت سعيها لكسب الشعب. أنقل عن خبراء عسكريين غربيين ذهولهم من إصرار المعارضة على تحرير مدن تعرف أنها لن تستطيع حمايتها من بطش النظام ولا إعاشة سكّانها وأنقل تفسيرهم لعدم اللجوء إلى خوض حرب عصابات يرونها الوسيلة الفعّالة لمجابهة نظام كهذا بأنه عائد إلى كون الجسم الأساس للجيش الحر مكون من قوات نظامية منشقّة لاتعرف غير الحروب التقليدية. ويشيرون تأكيدا إلى أن الإعتماد على حزب الله والحرس الثوري والميليشيات العراقية لم يأت بالأساس سدّا لنقص في المقاتلين قدر ما كان توجيها إيرانيا بارعا باعتماد أساليب حرب عصابات يجهلها الجيش السوري كما مقاتلي الجيش الحر. أنقل هذا لا لأنني آخر من يحق له الحديث عن الحروب فقط، بل للتذكير بأن خوض حرب العصابات يتطلّب تكوينا عسكريا مختلفا بالتأكيد. التاريخ المعاصر (ولا أستند هنا أيضا إلى "خبرتي" في حروب العصابات) يقول أن مامن حرب عصابات انتصرت أو انهزمت لأسباب عسكرية. فمقاتلو حروب العصابات لايمتلكون قوات قادرة على قهر سكان المدن المحررة. هم ينتصرون سياسيا حين يمهّدون لمعاركهم بتعبئة السكان المحليين ضد نظام الحكم وينجحون في إقناعهم بأنهم يقدّمون بديلا سياسيا أكثر تجاوبا مع ما يحلمون به ويطمحون إليه.
المعارضة مدينة بالإعتذار للشعب السوري لأن أي متابع كان بوسعه معرفة أن من حرر حلب كان أبناء أريافها لا أبناء المدينة نفسها، ولأن أبناء حلب وأدلب والرقّة، حتى وإن كانوا كارهين للأسد ونظامه، لم يروا أنفسهم مديرين لشؤونهم بعد إزاحة الخصم بل كانوا شهودا سلبيين على تغيير في طاقم الحكم رافقته تغييرات في نظم تقرر ما يجب أو لاما يجب قوله، ما يخضع للعقاب ومالا يخضع. نظم تقرر قوانين العقاب وأشكاله وتحدد للناس أصدقاءهم وأعداءهم. نظم لم يختاروا سابقها ولا اختاروا لاحقها.
المعارضة مدينة بالإعتذار للشعب السوري لأنها رفضت ولاتزال ترفض إطلاق تسمية الحرب الأهلية على الثورة. الإعتذار مطلوب هنا لا لتصحيح خطأ أكاديمي، بل لأن إدارة الصراع في حرب أهلية تختلف نوعيا عن عملية قيادة انتفاضة جماهيرية على عظم الأخيرة. رفضت المعارضة التسمية إذ أرادت الإيحاء بأن غالبية الشعب تقف معها في المعركة ضد نظام استبدادي وحشي فيما يحيل مفهوم الحرب الأهلية إلى انقسام شعبي في الرؤى السياسية وربما القيمية. ورفضه النظام إذ يريد تصوير وحشيّته ضد الثورة والشعب حربا ضد إرهابيين متطرّفين. ولكن مامن ثورة كبرى في التاريخ لم تكن حربا أهلية في جوهرها. والثورات ضد النظم العقائدية، أيا كان حجم البلد الذي تندلع فيه، هي ثورات كبرى في رأيي. بل أن الإنقسامات المجتمعية التي حوّلت الثورات الكبرى إلى حروب أهلية كانت، كما هو حال سوريا، انقسامات مناطقية لامجرّد انقسامات بين أغنياء وفقراء أو بين حكام ومحكومين.
المعارضة مدينة بالإعتذار للشعب السوري لأنها، كما النظام الشمولي الحاكم ذو خطاب الإنسجام الإجتماعي الذي لايخرقه غير خائن، لم تناقش جدّيا ولم تنظّم (وأتمنى بكل صدق أن أكون مخطئا) مؤتمرا أو ندوة أو ورشة عمل عن أسباب استعصاء السويداء الدرزية عن الثورة برغم أن أبنائها لم يظهروا حماسا لدعم الأسد، أو عن كيفية جعل الجسم الكردي جزءا من الثورة السورية، أو عن كيفية تمكين تيار صلاح جديد من علويي قرداحة المعادين للأسد وضمان دوره في احتلال دور قيادي يستحقه في سوريا المستقبل. بعض معارضي اليوم مطالب بالإعتذار للشعب السوري ولحركات سياسية ومبدعين سبقوه بسنين، وربما بعقود، في الوقوف بوجه نظام الأسد فيما كانوا صامتين أو مصفقين له منطلقين من المنطق ذاته الذي يستخدمه مناصرو بشار اليوم: الدفاع عن جبهة الصمود والتصدّي (الإسم التجاري السابق لقوى الممانعة). مطالبون بالإعتذار للإخوان المسلمين، لتيار صلاح جديد، لرابطة العمل الشيوعي، لتيار رياض الترك، لسعد الله ونّوس ومئات آخرين.
المعارضة مدينة بالإعتذار للشعب السوري لأن إجابتها على تلك الأسئلة الحارقة، حتى وإن أنطلقت من أكثر النوايا إخلاصا، حملت نذر الخطر. طوال السنوات الثلاث الفائتة، كان مثال المعارضة العراقية لصدّام حسين دائم الحضور في ذهني وهو ما دفعني إلى كتابة مقال آخر في الحياة يقارن بين المعارضتين السورية والعراقية. حيثما سمعت مصريا يقول "لا فرق بيننا وبين أخواننا الإقباط"، وحيثما سمعت شيعيا عراقيا يقول "لافرق بيننا وبين أخواننا السنّة"، وحيثما سمعت سنّيا سوريا يقول " لافرق بيننا وبين أخواننا العلويين أو المسيحيين" عليك أن تستشعر الخطر. "أخواننا" هي كلمة السر. كلمة السر هذه ظلّت جزءا من الإكسير الذي تعد به المعارضة الشعب السوري بمستقبله الديمقراطي. ديمقراطية تعني حكم الأغلبية: أغلبية شيعية في العراق ولبنان، وأغلبية مسلمة في مصر وأغلبية سنّية في سوريا. وحكم الأغلبية ديمقراطيا هنا هو حكم قيمها الدينية.
المعارضة مدينة بالإعتذار للشعب السوري لأنها على حق في أن ما تشهده سوريا اليوم ليس حربا أهلية. انتهت الحرب الأهلية إذ لم يعد ثمة طرفان يمتلكان قاعدة جماهيرية تتكافأ بهذا القدر أو ذاك يتصارعان على كسب الغالبية لتأييد مشروعهما السياسي. ثمة عصابات تتصارع على نهب دولة منخورة: سلطة داعرة وجنين سلطة داعشة ونصرة. المعارضة تقول أن العدو يضخّم دور الإرهابيين. والأرقام تقول أن أعداد القتلى في المعارك بين النصرة وداعش بلغ 4500 خلال ثلاثة أشهر.
بحسبة بسيطة: المتوسط الشهري لضحايا النظام منذ اندلاع الثورة 2500 ومتوسط ضحايا قتال العصابات 1500 شهريا.
وكلّنا مدينون بالإعتذار للشعب الذي أطلق الثورة ولمقاتلين اندفعوا لمواجهة ماكنة وحشية بدوافع نبيلة. لا نمتلك إلا أن ننحني لهم إجلالا. كان بوسعنا أن نفعل المزيد.
على المعارضة أن تعتذر.
Twitter:
@isamalkhafaji



#عصام_الخفاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل نصّية عن سيرة العراق في ربع قرن
- عن روحاني وغورباتشوف وما بينهما
- تفويض الفريق
- عن مجابهة الظلم بالطغيان
- التآلف الطائفي: لمحة عن خطاب منافق
- عن دكتاتور الإعلام والثقافة عموما
- حديث الملموس - في مأسَسَة سلطة التحريم الثقافي
- في مأسَسَة سلطة التحريم الثقافي - حديث النظرية والتاريخ
- عن خيط فاصل بين الثورة والحرب الأهلية
- أنا مشبوه!
- عن جاذبية السلطوية في العراق
- عصام الخفاجي - مفكر أكاديمي وباحث في العلوم الاجتماعية - في ...
- سورية: لو انتصر الجلاد!
- إطروحات حول معنى اليسار ودوره في عصرنا
- هل ولّدت الثورة المصرية يسارا جديدا؟
- موضوعات حول مستقبل اليسار في العراق
- مأزق النظام السياسي العراقي: تأمّلات في خيارات الديمقراطيين
- ((حزب الله)) وسياق المنطقة: هل يتحرر لبنان من محرريه؟
- رسالة قصيرة من عراقي مفجوع: إصح يا أبا إسراء
- عاش التحالف الطائفي! يسقط العراق!


المزيد.....




- مصر.. الدولار يعاود الصعود أمام الجنيه وخبراء: بسبب التوترات ...
- من الخليج الى باكستان وأفغانستان.. مشاهد مروعة للدمار الذي أ ...
- هل أغلقت الجزائر -مطعم كنتاكي-؟
- دون معرفة متى وأين وكيف.. رد إسرائيلي مرتقب على الاستهداف ال ...
- إغلاق مطعم الشيف يوسف ابن الرقة بعد -فاحت ريحة البارود-
- -آلاف الأرواح فقدت في قذيفة واحدة-
- هل يمكن أن يؤدي الصراع بين إسرائيل وإيران إلى حرب عالمية ثال ...
- العام العالمي للإبل - مسيرة للجمال قرب برج إيفل تثير جدلا في ...
- واشنطن ولندن تفرضان عقوبات على إيران تطال مصنعي مسيرات
- الفصل السابع والخمسون - د?يد


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام الخفاجي - في رثاء الثورة السورية