أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - جدل التراث والحداثة في النقد العربي ... ادونيس نموذجا















المزيد.....

جدل التراث والحداثة في النقد العربي ... ادونيس نموذجا


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 4404 - 2014 / 3 / 25 - 12:21
المحور: الادب والفن
    


ان استحضار أدونيس في موضوعة جدل التراث والحداثة يأتي بوصفه ــ أي ادونيس ــ رائدا من رواد الحداثة النقدية والأدبية العربية ، وبوصفه كذلك اول ناقد عربي متسلح بعدة فكرية عميقة ، فالرجل فرض نفسه بقوة بوصفه مفكرا وناقدا وأديبا متميزا.وسنتعامل معه هنا بوصفه منظرا للنقد الأدبي الحديث .
يعد ادونيس نموذجا للشاعر الناقد الذي لم يكتف بالتنقيح الذاتي بل يسعى الى اقتحام فضاءات النقد والفكر ، ضمن ثقافة فلسفية تعكس الرغبة في تأسيس ريادة نقدية ، وهذا ما ميز ادونيس عن مجموعة من الشعراء الذين حاولوا ممارسة العملية النقدية لكنهم لم يفلحوا في تأسيس اتجاهات نقدية واضحة مثل : نازك الملائكة ونزار قباني وعبد الوهاب البياتي ويوسف الخال وعبدالله حمادي ومحمد بنيس وسميح القاسم وعز الدين المناصرة وخزعل الماجدي وغيرهم .
لكن الملاحظ على نتاج ادونيس الشعري والنقدي يجد ان الرجل يستمد من الثقافة الغربية مقومات شخصيته الثقافية أكثر من استمداده من التراث العربي ، فقد تأثر بالرمزية الفرنسية والمثالية الألمانية لاسيما فلسفة نيتشه الذي يرى ان العمل الفني يولّد نفسه ، أما الفنان فيحول الوجود الى عمل على صورته ، فالفن ليس أداة للحقيقة بل للوهم , ومن نيتشه انطلق ادونيس في شعره ونقده يبحث عن الإنسان المتفوق .. الإنسان العبقري المنبعث من ركام الانحطاط العربي ، على الرغم من ان ادونيس صرّح أكثر من مرة بأنه يستمد مقومات ثقافية من جذور عربية .
لقد فهم ادونيس من القرآن والتراث العربي المكتوب (الشعر ، الحديث) على انه لا يصلح إلّا بوصفه أساسا للتجاوز والتخطي ، لا للانسجام والخضوع , عن طريق مساءلته بغض النظر عن ثوابته ومقدساته فالتراث شيء نحن نصنعه ، لذلك يجب ان يخضع للاستعادة والابتكار.
تجسدت أفكار ادونيس في اغلب كتبه في الشعر والنقد ثم توجها في كتابه (الكتاب) الذي تجاوز 3400 صفحة وحاول فيه استنطاق التراث العربي وتحوير عدد من مسلماته في بناء شكلي وفني فريد في بابه وكأنه يمثل مرحلة لتجاوز كبار الشعراء مثل دانتي وغوته ونيتشه والمعري وجبران ، بل محاولة لتجاوز كل المسلمات الموضوعية والفنية .
لقد وصفت فلسفة أدونيس بأنها تمرد على الموروث وثورة هائجة مدمرة هادمة متفجرة بالعداء في وجه كل قوة او قيمة او عقيدة ترمز إلى الثبات والنظام وتحد من الحرية والانفلات , إذ يرى أدونيس ان النقد العربي القديم يدور كله حول معرفة مدى التطابق بين كلام الشاعر والحق أي بين الشعر والأخلاق والدين, لذلك فان معيار الصحة الشعرية ـ بحسب ذلك الموروث ـ كان معيارا إسلاميا أخلاقيا يحاول ان يدرك تماسك النظام الديني وتطابق الشعر معه , فالنقد بحسب تلك النظرة القديمة كما يرى ادونيس في الثابت والمتحول فن اكتشاف الوحدة بين الشعر والواجب الأخلاقي والاجتماعي , وأدونيس يضع هذا الكلام بوصفه نتيجة استقرائية مفروغ منها وخلاصة للمتن النقدي القديم كله , لذلك ـ فمن وجهة نظر أدونيس ـ يجب ان تتغير النظرة إلى النقد بالثورة عليه لتغيره جذريا , ولا يكون ذلك إلا بأن : يبدأ الفكر العربي يفكر في ما لم يفكر فيه ، في ذلك المكبوت التاريخي ، او ذلك المتعالي دينيا وفكريا وجسديا واجتماعيا وسياسيا كما يقول ادونيس , وهذا الكلام ـ مثلما يظهرـ لا يخلوا من الجـدة والجرأة , لكن المشكلة إن صاحبه يريدنا ان نجوس ساحة المكبوت التاريخي والديني والجسدي والاجتماعي والسياسي دون ان يوضح الكيفية , او يضع البديل وكأن دعوته هذه ثورة دون برامج , فقد اظهر عجزه او خوفه من اجتراح البديل , حتى انه اعترف بذلك صراحة بقوله في كلام البدايات : اكرر إنني شخصيا لا أجرؤ على أن أمارس مثل هذا الفكر وإنني لا أجد عربيا واحدا يمتلك هذه الجرأة .
ومما تقدم يمكن القول ان الحداثة عند أدونيس لا تخرج عن إطار التأملات التساؤلية دون ان تتحول تلك التأملات إلى تحقيق عملي ، بمعنى آخر ان الحداثة العربية ـ بحسب منظور أدونيس ـ يفترض ان تقوم على إحراق المراحل ضمن انتقال مفاجئ ومنفصل يناقض الوثوب المسير .
ويمكن لقارئ ادونيس ان يتساءل عن المنهجية النقدية لاسيما وإن الرجل قد اعلن صراحة انه ضد أي التزام منهجي .
ان المتصفح لكتب أدونيس يجد في اغلبها وبوضوح تلك النبرة النقدية اللاذعة للثقافة العربية بوصفها : ثقافة تحجب التاريخ والواقع فيما تحجب وتغيّب طاقة السؤال وتحل محله اليقين الدوغماتي (....) إنها ثقافة تقوم على المرجعيات المعصومة ولا تسائل المتعاليات التي تتحكم في إنتاج المعنى في الفضاء السوسيوتاريخي .
وليس من المبالغة القول ان طموح النقاد العرب ـ ومنهم ادونيس ـ لا سيما في سعيهم لتحقيق الريادة النقدية قد أدى إلى تهميش الخصوصية المعرفية والنقدية العربية من خلال محاولاتهم تفكيك أسس تلك الثقافة وتفريغها من محتواها بإدّعاء العالمية ، فأدونيس ـ مثلا ـ يفهم الواقع العربي من خلال الآخر الغربي , يقول وبلغته الشعرية المعهودة : حين اقرأ رامبو ومن يجري مجراه ، اقرأ شرقي العربي في صوت غربي : الهروب من نظام العقل والارتماء في حيوية الجسد وتفجير اللامنطقية كالسحر والحلم والرغبة والخيال وحين اقرأ ريلكه ومن يجري مجراه أقرأ التصوف العربي ..... وحين اقرأ دانتي او غوته او لوركا او غانا ايكلوف أرى اضواءا عربية تتلألأ في الدروب التي تسلكها كتاباتهم .
ويتضح الأمر أكثر في رؤية أدونيس للدين الإسلامي والثقافة العربية ربما أكثر من وضوحها من رؤيته للموروث الأدبي , اذ يرى أدونيس ان الثقافة العربية ترتكز على مسلمات رجعية لا يمكن الانعتاق منها إلا بإحداث شرخ في منظومة التفكير العربي , حتى ان كمال أبو ديب ـ على الرغم من حداثته وصداقته لادونيس ـ وصف حداثة أدونيس قائلا بأنها : ليست انقطاعا نسبيا فقط بل هي اعنف شرخ يضرب بالثقافة العربية في تاريخها الطويل ، ليس في هذه الثقافة في أي مرحلة من مراحلها ما يعادل هذا الانشراخ المعرفي والروحي والشعوري الذي يكاد يكون انبتاتا عن الجذر.
لقد جسد أدونيس طابع اللانتماء المنهجي ليس على صعيد ثقافته فحسب وإنما على المستوى الشخصي أيضا فقد ارتأى أن يعيش ذاتا في المنفى ، لا عربية ولا شرقية ولا غربية ، ذاتا حرة ، اذ يمحى فيها كل اتجاه ويمحى معه زمنه .
وفي كلام البدايات يتنصل أدونيس من أي خصوصية او منهجية بصراحة تامة اذ يقول : لا ازعم أني ناقد ولا أتبنى في تذوق الشعر وفهمه أي منهج ولئن صح لي ان احدد في أي مجال أنا ، فإنني أميل إلى ان اصف نفسي بـ (راء) يتجه نحو أفق غير مرئي وفي سيري ألاحظ واختبر واكتشف (.....) ثم ان المنهج قد يكون جيدا لمبتكره لكنه بالنسبة إلى غيره ليس الا مدرسة وأنا غير مدرسي ـ كل مدرسي باطل ـ ولا اكتم رأيي ان هذا المنهج او ذاك مما يفخر بإتباعه كثير من الأصدقاء وغير الأصدقاء لا يغريني أبدا .
وأدونيس في الحداثة التي يريدها يشرّع المصطلحات ويتداول المفاهيم ــ بحسب تعبير الغذامي ــ لغرض انتهاك اللغة والعالم وتحويل اللغة إلى خادمة تنصاع لمراد السيد الشاعر (.....) مع الرغبة في إذلال العالم وإخضاعه لنزوات الفحل, وبهذا فان أدونيس يضع القرّاء أمام خيارين لا ثالث لهما : اما ان يسلّموا معه بمقولة موت الخلفيات الفكرية والثقافية والدينية عموما ـ واما أن يسلموا بأنهم ضد الحداثة وان الزمان لا يتحرك منذ أكثر من ألف سنة . وواضح ان أدونيس قد اختار الوجهة الاولى وهو لا يجد أدنى غضاضة في الافصاح عنها حينما يقول في الثابت والمتحول : لابد إذن من إزالة الدين من المجتمع وإقامة العقل , والإزالة هنا لا تقتصر على الدولة او الدين العام ، بل يجب ان يزال الدين الخاص أيضا ، أي دين الفرد ذاته .
ونتيجة لما تقدم فان أفكار أدونيس واضحة في الدعوة الى التمرد على ماهو ثابت وقار , وتكشف عن قطيعة مع التراث , رغم انها عولت على منهجيات غربية إلى درجة انه قد اتهم على لسان كاظم جهاد بأنه يذهب إلى حد الانتحال المطلق , وقد ذهب احد الكتّاب العرب إلى القول انه : من سوء حظ المثقفين العرب ان كثيرا منهم وعلى رأسهم أدونيس ـ يؤسسون في خلطة عجيبة لمفاهيم حداثية وما بعد حداثية ـ مثلا ـ في وقت واحد ، وهذا ان دلّ على شيء فإنما يدلّ على انسحاق مكشوف تحت رؤية المركز.
ومهما يكن من شيء فان النقاد الحداثيين العرب ـ ومنهم أدونيس ـ حاولوا ممارسة النقد تكثر من محاولتهم الإصلاح او ايجاد البدائل انطلاقا من مقولة التغيير الجذري الذي يحاول ان يفكـك المسلَّمات بالانقطاع عن التراث .



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد العقل العربي التنظيري
- استقبال البنيوية عند المفكرين العرب ... قراءة في كتاب مشكلة ...
- الحداثة وما بعد الحداثة والتداخل المفاهيمي بينهما .
- الممارسة النقدية العربية ومشكلة التنظير
- من البحث عن النقد الى البحث عن الهوية المنهجية
- النقد والآيديولوجيا ... في النقد العربي المعاصر
- قراءة في كتاب نظرية البنائية في النقد الادبي
- في مصطلح الاجراء النقدي
- على حافة الحرف (نص)
- ادعاء (نص)
- فوكو بوصفه قارئا
- الحقيقة بين المنطق واللغة
- خصوصية التفكير الفلسفي
- فكرة الالوهية عند الفلاسفة
- في الادب المقارن ....اثر الإسراء والمعراج في المعري ودانتي
- في قصيدة النثر ... سؤال الهوية ..
- الطبيعة الإنسانية بين الفلسفة والأدب....... صورة الذات الشري ...
- النص ومستويات التحليل الاسلوبي
- مراحل الانتقال الكبرى في التاريخ الحضاري
- فعل المثاقفة بين السلب والايجاب


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - جدل التراث والحداثة في النقد العربي ... ادونيس نموذجا