أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الواحد مفتاح - قراءة في تجربة الشاعر محمد بنميلود















المزيد.....

قراءة في تجربة الشاعر محمد بنميلود


عبد الواحد مفتاح

الحوار المتمدن-العدد: 4403 - 2014 / 3 / 24 - 23:53
المحور: الادب والفن
    



ينطلق فعل الكتابة عند محمد بنميلود، من الخط الأقرب من ماء الشعر وغلواء سياقياته مع العادي والأكثر فطرية، في متن اللغة والذات معا، كشاعر يرفع اللغة أعلى منصة الإفصاح، ولا يدع حرفا من حروفها إلا عمده بحبر القلب ودفئه، لا ينقب عن الأحافير الرمزية للمجاز، ليشحذ بريقها ويبريه ويعرضه كماركة مدرسية ومعلبة وهذا كل شيء، بقدر ما يتورط في استعادة المنفلت والهارب، يطفئ البلاغة داخل اللغة ويشعلها خارج القصيدة، لهذا تجد أن نصه يانع يتدلى كزهرة أثقلتها السماء بالندى،
فالإلتصاق العضوي بقصيدة النثر، والحفر العميق داخلها إلى جانب اعتماد التجريب، كنسق معرفي /أسلوب به تجدد الكتابة لمعانها: عوارض إلى جانب أخرى هي السطور العريضة لهذه التجربة، التي ينظر لها كثيرون اليوم بانتباه كامل، فالشعر أو فانوس الدهشة عند بنميلود، ليس تبيانا لحالة بقدر ما هو منجنيق التمرد، نص بمسلكيات غير معتادة مجاريه البلاغية هي انفلات محض من إجماعات كثيرة، على أن قصيدة النثر في أزمة كبيرة، وأنها لم تنجب تجارب مهمة وهي إجماعات غائمة عموما من هنا يتبين شيء عن ذلك.
فالنص هنا المنحول عن الذات لا اللغة، والذي استطيع أن أقول أنه نص كبير في بساطة يسيل منها كل شيء، لكن لنلعب اللعبة، سأدعي ككل قراء يوم الأحد أنني ماهر- مع أني أقطر أخطاء إملائية ما يكفي لتقف اللغة طويلا أمام قبري لتتبول عليه –
سأجرب أن أنظر إلى الكتابة التصويرية في النص، كنوع لغوي تشكيلي أستطيع أن أصطلح عليه تفردا بالرشم، رشم القصيدة الرشم هنا كتعبير عن تداخل التصوير-الكتابة- مؤثرات كسر الإيقاع –الرسم- كوحدة عضوية غير أذاتية في النص، بل هي نفسه، في عملية تأخذ برقاب بعضها البعض، تنكتب بلغة الأشياء لا عنها، في التقاط وجداني هي كل بلاغة النص وكثافة دواله، وهو على ما فيه-النص- يرتهن لمقادير واسعة من طيش كاتبه، هذا الذي يكتب بصدقية بارعة داخل مرسمه اللغوي، يرتب الكلمات ويفضح أسرارهن قبل أن يفكوا أزراره ويصير عاريا .
إن التراكيب الاصطناعية لأي إنشائية، لا تليق هنا للرؤية إلى نص يرتب أجزاءه بالتفات وعناية كبيرين، أما لغته فنحيلة كضوء، تتماوج في ماء تلويناتها الداخلية، ما يهب سنابل الشعر غاية في التنوع، في صفاء نوعي وعلاقات مدهشة للجمالي وطازجة مع الموجودات/السؤال/الذات.. .
مثل جنرال بجمجمة ماكرة، يقتنص بنميلود اللحظة البارقة ذات الكيان المفتوح على الدلالة المجردة، بواو عطف على الخيالي الرحيم، لا يرضى أن ينوب عنه صف الكلمات التي رصها في نصه، بل يحضر ذاتا كمسودة لمتنه، الطافح عن حرارة اللغة /الحواس متن تزدحم داخله جماليات غفيرة، لا تُعمدُ ليونتها بمحسنات بديعية –مدرسية محفوظة على ظهر تكرار مر، فالنص هنا فتنة خاصة لا تبتغي أن تعري /ترى إلى نفسها إلا مترقرقة في عينيك.
ما يشدني في التحدت عن بنميلود، هي تلك الرؤية الصافية، والقدرة الرائعة على التحكم باللغة التعبيرية دون الحاجة إلى ذلك المجاز المستهلك سلفا، في تناغم بين المدلول والإيقاع بكيمياء ترابطية غير مكرسة، ناهيك على أنها كتابة مصابة بدلال فادح، لا يشبع لمعانها أي صيغة من صيغ البلاغة الجاهزة، والعجيب داخله أنه مُصمِم دائما على أن يِِصيبك بعدوى بياضه الدافئ كقبلة .
إنني هنا أكتب دون أن يحالفني أي حض في رسم بورتريه كاملة أو حتى نصف كاملة، لرجل أحدت أثرا واضحا إلى جانب عبدا الرحيم الصايل والخصار وجلال الأحمدي، في قصيدة النثر، كأنه قادم من بلاد الأخيلة، محمد بنميلود هو مهندس اللحظة الحارقة، في مشهدية عالية تؤثثها لغة طيّعَة حد المهارة، وهي لغة/أسلوب زجاجي عَلي أن أبَعتر كلمات كثيرة لعلي أعتر على توصيف ملائم له، استحضر رولان بارت ،لأرى إلى الأسلوب "كاللغة الغزيرة النابعة من الأحشاء والملتحمة بحميمنا السري" وهو هنا به من السخرية والبريق ما يضيء تَحتيات المعنى في تشاكلاته الشعرية والمعرفية، مربك لكل ما هو معروف ومقنن في ماركات نقدية ما بعدية أو ما ورائية –أصدقائي في الطفولة من كانوا يجدون تعريفات لكل شيء بسرعة- .
فهو نص يعيش في خيانة غير مُتهمَة، لكل ما هو معجمي ومحدود، طليق كهوية كتابية منفصلة عن دائرية النسقي وتوجيهاته، لذلك تجده لا يلملم تسمياته إلا داخل الكتابة، في هروب من الأشكال وسخرية من الأصفاد، ليتأتى لنا النص الكتابة، هذا النص الذي يجردك من كل أسلحة القراءة الأذواتية، فهو عاهل باللغة غير المستعملة، ويمكن تسميتها بالأسلوب المقابل لمصطلح الأثر في الحقل التشكيلي،
هذا الأسلوب الأثر الذي يطبع كل تجربة مثقف لذائدي ومتوازن، هو حاضر متغاير في متن بنميلود كتمرين على الصعود إلى الجمالي بكتابة ،لا تملك أي مجد أو تصفيق تقليدي لأنها ببساطة لا تحاكيه .
القارئ هنا عليه أن يقرأ النص ويلاحق امتداداته، لأنه نص يشتغل على فلاحة العالم لا المعنى كلوحة داخله ،
صحيح أن أي نص هو توليد مبتكر، يتعين مرة واحدة وترف القراءة أن تتعدد،
لكنه هنا لا يركب الكلام أتيا من موجة عالية وموجهة، وأيضا ليس مرجئا كرسالة في قنينة مرمية في البحر، بقدر ما هو كتابة تعترض ما يهددنا، مشحونة بما يعتمل في المشترك والجميع، فاللغة بكليتها تتعاقب وسط ذلك الدفق الإنساني التي تخونه براهين عديدة، يكفي أن نقول أنها عربية لينفتح القول ..
نص بنميلود تقرأه بكامل جسدك، رموزه البسيطة التي ترافق جولتك الرؤيوية داخل الكلمات، لتصير أمام مشهد بصري محكم ومحبوك بعلاقات غاية في الدقة، في غمرة لا أحتاج أن أسلط المديد من الضوء للوصول إليها، وهي فتنة لا تبتغي تحقق استماع جيد بل تتبعا.
إن العناصر المتفاعلة التي أعطت أن أتكلم عن هذا هي الخصيصة الشعرية ذاتها عنده والتي مع تداخلاتها التكوينية تبقى نحيلة للتعبير عن أخر نقطة في برج ما تصبو إليه .نزعته المزدنية بجمالية الولع بكسر أفق انتظار القارئ دائما .كلماته التي يصير لها أن لا تقنع بما قالت ثرثارة المعنى كلعبة طفل
إني وأنا أحاول الاستعارة عنه لأكتب منه يستوقفني بياضه غير المخدوع بتقنيات بصرية أو مفاهيمية في التصاق وتمسك بمعيار جمالي ينساب خارج مربع الإمتاع إلى الإبداع
كل هذا في محاولة دائبة لدى بنميلود لاستعادة طفولته داخل النص فهو يكتب بأدواتها كمحترف تحضر جدته داخله وخارجها ليس - كتيمة - أو رمز في انغماس إنساني تشحذ الجملة طاقتها وطاقة أخواتها للتعبير عنه واستعادة تلك البراءة الأولى التي أعقبها ذلك المصطلح الثاني الذي سمي فوقها ب(الشعر)فهو هنا يسوق طفولته كما يسوق الخطيب خطبته في نص ممتع ومناور بشكل شقي جدا ومتحرك وهو أسلوب/تيمات قليلة إلى نادرة في الكتابة المعاصرة ..مائز بالنظر إلى موضوعاته مثل شمس تسيل من الشفتين وتخبر عن أحواله الحرائقية لا العالية
الطفولة مهرجان شعري متكامل واستعارة تقنيات سينمائي لتركيب أجزائها في نص هو خيانة للغة المصطلحة كلغة لازمة في التجريب الشعري المعاصر الذي صار يجعل من القارئ فأر تجارب لتقلباته التي لا تنتهي القبل أو المابعد مدرسية في إعلاء من قيمة كل ما هو غامض وغائي بعيد ووحيد وهذا أكبر منزلقات التجريب كفعل معرفي أساسي في منظومة الكتابة الحديثة والحية
من كلام الناس العادي والحديث اليومي يأخذ الشاعر هنا مادته الغفل التي يشكلها على مرآى من ذاكرته وما لا يزال يعتمل داخله في شعرية مفتوحة تكون فيها اللغة خالقة لا مرتبة أو مصنوعة لنفق أمام مرجع توليدي وفهمي للكلام عن حياة اللغة وهو قلب الشاعر في هذه التجربة لا التوليف الذهني البارد
ذلك القلب معطف الحواس الذي لا يتكلف لا يشبه الروائيين في طقوسهم قدرته على تفجير خطاب الطفولة التي يصبح بها عاملا معرفيا للذات والجمعي داخل التاريخ وكله ليس غير مسودة واضحة وفاضحة للقصيدة
وبترتيب مرابط التحليل يتبين أن استنطاق العناصر الصغرى في هذه التجربة وصياغتها تركيبا لمستويات الرؤية كموقف جديد من العالم والأشياء وبحت عن الصفاء حيت الطفولة ونضارة هذه الطفولة تشرف على اللغة من مسافة قريبة كل هذا هو مناورة حية لذلك الحفر الصعب للكتابة وهي تقلم جماعها في اختبار لعلاقة الذات بما يعبر عنها و إعلان القول الشعري لأحقيته في الكلام باسم حقيقة أخرى للإنسان والأشياء فما لا يلاحظه كثيرون في نص بنميلود أن الشعري يوازي النص الروائي في تشريح وفهم حركة الواقع وصيرورة التاريخ أكثر من عديد الأبحاث الثقيلة والمملة فرؤية الشعري تبدي حقيقة البشري في أكثر من مستوى أما فاعلية متن النص ففي طرح بنية السؤال دون الحاجة لتلك المكملات البديعية الملحقة بأي ممارسة نصية لا تبري أدواتها من هنا أقول لقد جرؤ هذا النص على فعل هذا وهو ما تستطيع استقراءه في العلاقات المتكتمة /تقنيان كتابية/ أو الصريحة داخله
إن المحيط المتأزم للثقافي والعربي لا يمكن إغفاله في التأمل التحليلي والنظري للنص إلا إن حاولنا تلمس تعدد المركب فيه في تجزيء قد يجد أعذاره فالنقاد الذين تجدهم يتحولقُون كهنود حمر حول كل ما هو رسمي ومؤسساتي والتجمعات الثقافية الممولة التي صارت تشبه بيوت الكهنة بالإضافة إلى الفقر المعنوي الذي أصبح مجتمعنا بارع في إنتاجه ..أشياء إلى جانب أخرى تجعل المشهد الثقافي المغربي معتما هذه العتمة نفسها التي تجعل أي تجربة حقيقية وقوية تظهر صداحة ولماعة وسط هذا الظلام
فنص بنميلود الذي استطاع أن ينفذ إلى تجديد مهم سواء في الشعر أو القصة القصيرة وكل ما يحاوله وسط المنعرجات المتوثبة للممكن فهذا الممكن هنا قوي وليس بحاجة لأي سلطة للتقليد يسوق المهارة ومؤنث العبارة في قصيدة هي ذريعة قصوى للحياة وضدها الغامض معا،
إني هنا لا أنفرد بالتعميم الذي يسلب القراءة صرامتها، بقدر ما أنصت لندوب التجريب وإنجازاته، وهي ندوب ومنجز سيكون من مكرور القول أننا بحاجة للقليل من الفرح بهما نكاية بهذه المهرجانات من الرداءة ووجوه القصدير الذين يملئون الملاحق الثقافية الرخيصة ومزارع الفيسبوك ،
فهو منجز يتقدم بمفهوم محوري هو قصيدة النثر العصية على الاختزال والإنكتاب دون الإهتبال لذلك الوجع/التمدد المعرفي في نص بأضلاع لا نهائية لا يمكن استعمال-النص الواصف- كاصطباغ تعريفي لأذات تكون كله كما أنها كتابة لا يضبطها جفاف قواعد أو مشهد شعري عام يفعل كل شيء لا لشيء إلا لكي لا يموت
لا أحمل غير أن أتذكر محمد خير الدين حين قال "أنا ابن سلالة منسية لكني أحمل نارهم " وهنا أجد تماس رائع وخانق بين هذا القول وما تبتغيه حركة الحساسية الجديدة في القصيدة العربية المعاصرة
صحيح أنه من فم الشاعر تولد اللغة ومن اللغة تولد كل الأشياء ورؤيوية هذه اللغة وصفائها ما يثير الانتباه في تجربة بنميلود
لكن هل قدر الشاعر العربي أن يجد دائما عزاءا مناسبا؟أو هذا ديدنه؟
سؤالي نمطي أو ربما خطئي
الهارب وغير النهائي في العالم وضيفة الشعر أما العربي هذا مترامي الأوجاع والذي يوصف كلا بالكثرة لا بالتعدد فأسئلته ووجوده أكبر من أن يكون غرضا أو حتى ثلاثة للشعر بدوره الذي لم يعذ قادرا وحده أن يكون ديوان العرب
أما المثقف فهو الذي يحاول أن يفهم ليغير الأشياء فإلى جانب صلاح بوسريف وسعيد منتسب وأسماء أخرى عمل بنميلود عبر عديد مقالاته الإبداعية ترسيخ نمط الكتابة في مواجهة السواد وهي نوع من الكتابة المقالية الجمالية أو التحليلية التي تروم تشريح الواقع ورصد نقط الخلل بلغة طيعة وسلسة وهذا ما نادا به نقاد مهمون أمثال صبحي حديدي وشربل داغر أن المثقف عليه أن ينزل من نخبوية لغته وتصوراته إلى الناس كي لا تضل الساحة حكرا على التقليدانية وأخواتها فغلبة الطابع التجريدي على ما ينتجه المثقفون العرب يجعل جسور التواصل جد مرتبكة بينهم وبين أيها الناس
كأحد أسماء الحساسية الجديدة في المشهد الثقافي العربي خط بنميلود لنفسه مسارا ينهض من الحفر حثيثا بإزميل التجريب والتمرغ عميقا في أصالة بحته ونصه فالقصيدة كهجرة سرية إلى الأبدية هي هنا تلامس أطراف الأشياء وقوتها في حضور تبتغيه تلك اللمسة السريالية اللطيفة التي تبسط قبضتها على المسافة اللغوية كامل النص
كما أن الصور التأملية في علاقتها الوطيدة مع البلاغة الذكية لا تحضر هنا عبر وسيط اللغة الفلسفية مصبوغة على البياض بقدر ما هي اختراق –لا بد الانتباه إليه- لأفق الانتظار من النص / اللغة غير المحكية نفسه
وهذا ما يظهر لنا شاعر يكتب قصيدته بالتفات كامل وهو التفات متحرك لا يأبه لطواف كثيرين حول أنساق تعوي حنينا لغنائية ما قبل حمورابي – لا أعلم لمدا أذكر كل هذا الآن- لكن كثيرين يستفزوننا بالرداءة يكتبون ليملؤو مربعات مستفعلن فعولن أو يقلدوا قصيدة عارية بأدوات بناء يعمل طبقا للنموذج وان حاورت تجاربهم يدُجوا بك في صقيع أن الغموض تعدد وأن أي قصيدة كيفما كانت لا تستطيع أن تلعب دور عربة تجر وطنا مثقوب أبعد من الهاوية وهو نفسه منطق ذوو الاحتياجات الخاصة من دوي البراهين الجوفاء أن لا رؤيوي أو معرفي غير الفلسفي تاريخيا والسياسي راهنيا وهذا راجع أن مشروع الثقافة العربية في محاولة تجدده وتأصيل هذا التجدد ملئ بالمربعات الفارغة التي تتسرب إليها سلطة التقليد وكثرت التجريب الذي لا يطور مهاراته بقدر ما يبدلها بأخرى إلى لا نهاية ولا غاية
أما الشعر معقد الأهوال عند العرب ومدى قدرته على مواجهة الواقعي ضمنيا هو تفتيت له في هذه التجربة التي أنا بصددها وبناء عليه عبر وسيط سؤال وجواب الذات كرابط بين مرتهنه والحياة.
تماما كما كتب العزيز شربل داغر أنظر إلى بنميلود :
"هذا ما أكتبه عن الكتابة. هذا ما أتمنّاه لي معها. وهو أن تكون في متناولي، في عهدتي، بتصرّفي، تصرّف القادر والواثق والذي يحسن "العفو عن المقدرة". هذا ما أحلم به معها وهو أن تكون لي أمينة وعلى أهبة، مثل عدّاء قبل الصفارة الأخيرة، وأن تكون لي معها الخفّة التي لبهلوان فوق خيطه الدقيق بين بنايتين شاهقتين وبعيدتين".
إنه بيان أستعير جذوة قوله للارتياح قليلا والنظر إلى هذه التجربة الشعرية الممهورة بإمضاء يجاور بين أصالة البحت والنحت داخله والكتابة المنفلتة التي تصفي البلاغة الحسية من خارج الغابات التي شاخ شجرها
وهو إمضاء بعبارات شعرية شفافة كالماء وبيضاء كالغيوم تحرضك على فعل التأمل والحب وتظهر سلطة الشعر على مدى غوايته للذوق العام والمعرفة
فبنميلود يتجاوز مرتكن الشعر المبهر ولا يتخلى عن شساعة هذا البريق المفتوح إلى فعل الذات تتكلم عبر رصد شفاف للحواس وامتداداتها في الداخل الإنساني بتداخل واستبدال للثنائية المعروفة بالشكل والمضمون وهو شكل تشكله في الغالب تيمات بسيطة لا ينتبه لها كثيرون في الكتابة تضئ هنا الجوانب المتشابكة لرأس سلم الأولويات عنده وهذا يستعيد تلك الحدائق المهملة التي بها أخد الشعر تسمياته الأولى وطراوة ما يُتحَولقُ حوله الأن
إن عين الصقر التي يتحلى بها وعلوه والقدرة على السيطرة على تلافيف الاشتغال بلغة باردة أدهشة مجايليه من الشعراء والصقل المبرح لنصه مبتعدا عن التهويل والضجيج والإدعاءات الكبيرة ..كلها أشياء تجعلك تنظر إلى شاعر يخفي في جيبة بوصلة اللغة ولا يترفق بها يضع يده بيد الريح ولا يتلاشى
كتاباته تشبه جبنة القرية لا خاصية تجزيئية في النظر إليها ..لم أستطع أن ألاحق كل موضوعاتها أو تقنياتها أو حتى أضع نموذجا لأسائله نيابة ..فهو نص مليح كراقصة شعبية ..
تعودت دائما على الحذر من عتبات النصوص أما عند بنميلود فأغلبها بلا عتبات أو عناوين
لا شيء أحذر منه ادن
غير أن النص ذاته عتبة لنفسه خفيف كلهجة محكية وذو إيقاع هادئ حد السكينة لا يلقي بأثقاله حيت وصلت رحلته أما المعنى فهو تلك العلاقة الديناميكية بين سلسلة دلالاته لا يأب لأي تصفيف ميكانيكي أو زرع تيمات/بهارات فالمهم هي الكتابة دائما كما يقول ساراماغو هذه الطريقة التي تصبح بها الكلمات والجمل أهم من الحكاية، شيئا خالص يمنحك الإحساس بجمال مجرد هو نفسه الإحساس /البديل الجمالي الذي يعمل بنميلود على إبداعه كشيء لا كدعاية لشيء
إن ملكات بنميلود التي تستطيع اكتشافها بنظرة واحدة مهما كانت درجة مبالاتها
ليس تلك القدرة الفذة على جر اللغة أبعد من مسافتها أو تلك السخرية التاقبة التي تهب النص حسن التلقي السريع
إنها في صفاء روحه واشراقتها على اللغة وهو شيء قلما أجده لأعمد إلى رفع لغتي و القول انظروا لدينا هنا شاعر



#عبد_الواحد_مفتاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في تجربة عبد الرحيم الصايل
- قرائة في تجربة الشاعر رشيد الخديري
- باقة الزهور
- كلمة
- حوار مع حميد العقابي
- حوار مع الشاعر محمد اللغافي
- عن الكتابة عند عبد الله زريقة
- مطرزات شعرية / حول تجربة الكتابة الشعرية عند إيمان الخطابي
- ديوان تعب المسافر
- امرأتي الحبيبة
- ألليل
- حب
- قصيدة
- توقيعات
- ,مضات
- يوم
- الى اله ضائغ
- اشراقات
- حوار في شارع مغربي


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الواحد مفتاح - قراءة في تجربة الشاعر محمد بنميلود