أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - التشكيلي سعد علي في معرضه الجديد - ألف ليلة وليلة -: التشخيصية بين تشظيات التعبيرية والرومانسية وإثارة السؤال الفلسفي















المزيد.....

التشكيلي سعد علي في معرضه الجديد - ألف ليلة وليلة -: التشخيصية بين تشظيات التعبيرية والرومانسية وإثارة السؤال الفلسفي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1251 - 2005 / 7 / 7 - 09:34
المحور: الادب والفن
    


في مدينة سانتياغو دو كومبوستيلا التابعة لمقاطعة غاليسيا الأسبانية أقامت مؤسسة " Araguaney " معرضاً شخصياً للفنان التشكيلي سعد علي للفترة من 14 إلى 30 يونيو " حزيران " 2005. وقد ضمَّ المعرض " 45 " لوحة أغلبها منفذّة بالزيت على " ألواح الأبواب والشبابيك الجاهزة " كما هو دأبه دائماً، وبعضها الآخر منفذ بالزيت على الكانفاس أو الكارتون، أو الورق السميك. ومن أجل متابعة تطوّر المنجز الفني للفنان سعد علي فقد إرتأيت أن أتوقف عند خمسة محاور أساسية في هذا المعرض الذي ينتمي إلى المرحلة الأسبانية في تجربة سعد والتي تمتد منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، علماً بأن هذه المرحلة تشكّل امتداداً طبيعياً للمراحل الثلاث التي قضاها في كل من فرنسا، وهولندا، وإيطاليا، إضافة إلى مرحلة التشكل الجنيني، وتفتق الموهبة الفنية في العراق والتي احتضنتها مدينتي الديوانية وبغداد على وجه التحديد، مع الأخذ بنظر الاعتبار التطورات التقنية، والرؤيوية التي يمكن تلمسها في منجزه الفني بشكل عام. وبالرغم من غزارة هذا المعرض وتنوعه إلا أننا نستطيع أن نبوّب موضوعاته ضمن خمسة محاور أساسية وهي " الجنة السماوية " و " الجنة الأرضية " و " ذاكرة حوّاء الموزّعة بين الأرض والسماء " و " سفينة نوح " بوصفها رمزاً للخلاص، و " الفنان المبدع" الذي يتماهى في العشيق، تارة، وفي المفكر تارة أخرى، والباحث عن " باب الفرج " حيناً، والباحث عن مدينة المحبة التي تقيم فيها الحبيبة الأرضية التي تحمل ظلالاً ملائكية.
تنوّع الأساليب وتواشج الرؤى
قد لا يصيب بعض من النقاد حينما يضعون الفنان سعد علي في إطار المدرسة التشخيصية، أو الرومانسية، أو حينما يعيبون عليه نفَسَه التزييني أو الزخرفي. والناقد المتابع لتجربة هذا الفنان يكتشف أنه مجموعة من المدارس الفنية المتلاقحة في شخص واحد، فهو فنان تشخيصي بامتياز، وأكاديمي، ورومانسي، وتعبيري، وتعبيري تجريدي، وسريالي في كثير من الأحيان. المشكلة ليست في انتماء الفنان إلى مدرسة فنية ما، أو تبنّيه لأسلوب محدد، فهناك العديد من اللوحات الفنية التشخيصية المهمة التي استقرت في الذاكرة الجمعية للناس ولا حاجة لنا للإشارة إلى بعضها لأنها معروفة للجميع، وهناك أيضاً لوحات انطباعية، وأخرى رومانسية، وثالثة تعبيرية، ورابعة سريالية، وخامسة تجريدية وهلّم جرا، لكن هناك بالمقابل لوحات تجمع بين أكثر من مدرسة، ويتخللها أكثر من أسلوب، وسعد علي من هذا النوع، فهو فنان تشخيصي بامتياز، لكن عمله الفني لا يقتصر على التشخيص، وإن كان مهيمناً في لوحته، ففضلاً عن التشخيصية فهو فنان تعبيري حيناً، وواقعي حيناً آخر، ورمزي تارة، وسريالي تارة أخرى، بل هو في أحيان كثيرة كل هذه التيارات والمدارس مجتمعة في عمل فني واحد. ففي محور الجنة السماوية الذي أشرنا إليه قبل قليل سأتوقف عند لوحتين تنضويان تحت عنوان " باب الفرج 1 و 2 "، وباب الفرج هو المدخل الذي يفضي إلى الجنة، لذلك تتطلع إليه عين سومرية واحدة، لكنها كبيرة وكأنها تريد أن تلّم الدنيا بأسرها، عين طويلة متسعة تغطي مساحة الباب العلوية، وتحتها مباشرة، في النافذة العلوية للباب ثلاثة وجوه تنظر بعيون مدهوشة إلى فضاء الجنة المُتخيل. وفي التكوين الأساسي للباب ثمة أشخاص ثلاثة يحتضنون بعضهم البعض، وكأن مساحة الباب الطولانية الضيقة أجبرتهم على هذا التداخل الذي يصل إلى حد الاشتباك. في اللوحة الثانية المعنونة بـ " باب الفرج 2 " تنويع على الفكرة نفسها، ولكن من منظور مختلف هذه المرة، فبدلاً من الباب الطويلة الضيقة نرى في هذا العمل ما يشبه الجدارية التي أخذت شكل نافذة مستطيلة، وكأنه يريد أن يقدم لنا مشهداً عرضانياً يحيلنا إلى الشناشيل البغدادية أو البصرية مباشرة، وبالذات نصفه العلوي، حيث نرى الباب مزيناً بنافذة مستديرة، ومنقوش فوقه تماماً عبارة " باب الفرج " بينما نرى إلى يساره ويمينه نوافذ مزخرفة لا غير تؤثث المشهد العام للوحة، وربما يكون الفعل الدرامي الناطق للعمل الفني يتجسد برمته في النصف الثاني من اللوحة حيث تواجه المتلقي ثلاثة مستطيلات متصلة تشكل فيه الفيكرات مشهداً درامياً متحركاً، فالعيون مفتوحة عن آخرها، والأفواه تنادي أو تصرخ ربما، والأيادي مرفوعة أعلى الرؤوس. في هذا العمل لم يخرج سعد علي عن أطره السابقة، فالخلفية جاهزة، ولكن المقتربات والرؤى الفنية مختلفة، وترصد جوانب غير مطروقة من قبل. وفي مقابل " الجنة السماوية " هناك " جنة أرضية " والتي تشكل المحور الثاني في أعمال هذا المعرض، والتي يتسيّد فيها الفنان نفسه بوصفه ذاتاَ مبدعة، ومثيرة للتساؤل الفلسفي في آنٍ معاً. وهذا المحور هو من المحاور الواسعة، والعميقة في معارضة الشخصية والمشتركة، لأن الفنان يريد أن يصل إلى حقيقة دامغة مفادها أن لكل إنسان " جنته الخاصة " وربما ليست هناك جنة للجميع! في لوحة " فراش الحبيبة " ليس هناك ثمة رمز في المعنى، بل أن الرموز تنطوي في الشكل الأميبي المثير الذي يتداخل فيه العشيق بعشيقته، تطوقهما الأذرع المتشابكة المزخرفة والتي تنتهي بأكف وأصابع طويلة، ممطوطة، افعوانية، متمعجة. في هذا العمل تتلاقح المدرسة التشخيصية بالسريالية، وتندمج الواقعية بالرمزية، وتتشابك الرومانسية بالتعبيرية، هذا إذا ما وضعنا الزخرفة والديكور جانباً، وكلاهما يلعب دوراً بصرياً مهما على صعيد الدلالة واللون والإشارة الرمزية. في واحد من أفلامه التسجيلية أشار سعد علي إلى أهمية الفيكر " الإنسان " في لوحته فقال بالحرف الواحد "عندما أرسم الرجل والمرأة أعني الحب، وعندما أرسم الإنسان والفاكهة أعني الهدوء، وعندما أرسم الإنسان والحيوان أعني الألفة والتعايش. " وفي هذه اللوحة بالذات يتجسد الحب في ذروته على " فراش الحبيبة " كما تتجسد الألفة والتعايش بوجود القطتين المسترخيتين في نهاية السرير وكأنهما يشكلان المعادل الموضوعي للاسترخاء الإيروسي بعد تحقيق اللذة. في لوحة " مساء الخير حبيبتي " يتجلى المناخ الرومانسي الأنيق المشتق من الرغبة المتفجرة في هذا المكان الهادئ الذي تطرزه أوراق يانعة لأشجار تبدو وكأنها مُستعارة من أشجار الجنة، أما الآنية الممتلئة بالفاكهة فإنها تربك الناظر إلى درجة تجعله لا يفرق بين الثمار التي تثقل صدر العشيقة الحسناء، وبين التفاح المستدير الذي تكتظ به الآنية. وربما يكون إمعانه في الزخرفة هو الذي دفع الزميل الناقد موسى الخميسي للقول بأن سعد علي هو " فنان ديكور عذب تحمل لوحاته طابع النغمة السائدة " غير أن هذا الديكور لا يلعب طابعاً تزيينياً صرفاً، فلولا ديكور هذه اللوحة، وتزيين رأس الحبيب والحبيبة لبدا الفيكران عاديين ومألوفين، ولا يختلفان عن الأشكال الطبيعية السائدة. هذا الثيمة تتوسع، وتتنوع، وتختلف كي يستسيغها المشاهد، ولا يقع في خانق الرتابة والملل، فمن " فراش الحبيبة " إلى ذكرياتها، فهذه المرأة الغارقة في الترف واللذة تتذكر ما حدث لها ليلة أمس، وما حققته من متعة حسية إيروسية يكشف عنها الفنان من خلال تفاصيل العمل الفني الذي انضوى تحت عنوان " ذكرى لليلة ماضية " حيث تشتبك أربعة فيكرات في تكوين رومانسي واحد، إذ اجتمعت العناصر الثلاثة مرة واحدة، الإنسان وحبيبته، والقط، والفاكهة لتحقق الحب، والهدوء، والألفة في آن معاً. والغريب أن الرجل قد أخذ هنا شكل الأيقونة الثمينة، فالأول الذي يقف بمواجهتها يبدو وكأنه منحوتة خشبية جميلة أمضت العشيقة وقتاً طويلاً في نحتها، وصقلها، والثاني الذي تحمله بيدها يتوسد صدرها بهدوء وكأنه دمية صغيرة لا غير! والمشهد العام محاط بالزخرف النباتي الذي يكمل صورة المرأة الغارقة بذكرياتها السعيدة. في لوحة " ظل الحب " تتعرى العشيقة، وتبدو أكثر جرأة من ذي قبل، غير أن العري الذي يتقصده الفنان لا يسقط في الابتذال، بل يوحي، ويخز، ويستحث ذهن المتلقي لأن يشعل المخيلة، ويذهب إلى أسفار اللذة التي تتحقق أمامه همسة همسة، وكأن اللوحة برمتها قد تحولت إلى بساط ريح يحملها إلى برزخ الحب البعيد، بينما يطلان هما من نافذة الغرفة لا غير، مُحلقين فوق سماء مدينة شرقية مزدانة بالقبب والمآذن الإسلامية. في لوحة " شهر العسل " وهي ذروة ما يحدث في " الجنة الأرضية " حيث يسافر العشيقان ليس في جغرافية الجسد، بل في تضاعيف الروح. وفي أوج السعادة نرى العذال والرقباء يتحينون الفرص لنصب الفخاخ، وتقويض تماثيل المحبة، لكن العشيقين مستغرقان في عالمهما الدافئ، وغارقان في عسل المحبة والوجد المستديم. أما محور " ذاكرة حوّاء " المرأة التي تحيلنا إلى السماء تارة، وإلى الأرض تارة أخرى، ففي هذا المحور يتجسد البعد الفلسفي للفنان الذي يريد أن يقول بأن هذه المرأة المُحبة، العاشقة، التي تحمل قلبها بين السبابة والإبهام لتقدمه إلى آدم، المدهوش بسحرها، وجمالها، وسرها الداخلي الذي يشده، ويربكه على الدوام. هذه اللوحة أعتبرها من اللوحات الأيقونية التي تختصر علاقة الرجل بالمرأة، وتكشف عن ولعة بها، وذهوله بجمالها، وحاجته الأبدية إليها، غير أن ذاكرة حواء محتشدة بالكثير من الوقائع والأحداث التي تعيدنا بالضرورة إلى " الجنة السماوية " ولهفتنا، ككائنات بشرية للعودة إليها مجدداً على رغم المعاصي التي يرتكبها الإنسان المرشّح للسقوط في فخ الخطيئة دائماً. " ذاكرة حواء " وسلسلة أخرى من الأعمال الفنية التي تشكل امتداداً لهذا المناخ الذي تتجسد فيه ثنائية " الرجل والمرأة " اللذين يستجيران بقناع آدم وحواء، هذا العمل بالذات أعتبره من الأعمال الفنية المميزة التي تختصر الوجد في أقصى درجات صدقه عندما تقدّم المرأة قلبها لمن تحب من دون حسابات مسبقة أو خشية من نتائج لا تحمد عقباها. ربما تبدو حواء في لوحة " ذكريات حواء " مستوحدة، تلوم نفسها على ما فعلت لأن تناولت من الشجرة المحرمة، وقضمت التفاحة، لترتكب الخطيئة الأولى، تلك الخطيئة التي جسدها الفنان سعد علي في التفاحة المدلاة أمامها من شجرة دانية القطوف، ولكنها ستخرج من هذه العزلة، وستغادر هذه اللحظة التأملية، لأن الفنان يريد أن يكشف لنا عن السعادة البشرية وهي في ذروة توهجها، لذلك أتحفنا بعمل مجاور لعزلة حواء، وهو " سعادة امرأة " حيث نرى تكويناً فنياً غاية في الدلالة والجمال، فالمرأة عارية، مسترخية على أكثر من وسادة، موشاة الجسد، مطرزته، هادئة، قانعة، وغارقة في أحلام اليقظة لأنها لم تنتبه إلى الرجل المندس بين فخذيها وهو يقدّم لها ثمرة غير محرمة، لكنها ساهية عنه، وعن الوصيفة التي تتطلع إليها بانتباه شديد. وإذا كانت المرأة في لوحة " سعادة امرأة " منقطعة إلى عالمها الخاص، وسابحة في خيالاتها فإن لوحة " عيون في الليل " تعكس فكرة التوحد والاندماج في الآخر، هذه الفكرة التي اشتغل عليها سعد علي كثيراً، وطوّرها، واشتق منها العديد من الموضوعات والمضامين الجميلة، والغريبة، والمدهشة. فالرأسان اللذان يشكلان مركز اللوحة يبدوان وكأنهما نبتا من جذع واحد، تماماً كما يبدو التكوين الثاني المصغر للعشيقين النابتين من غصن رهيف واحد لا غير! أما المحور الرابع في هذا المعرض فهو " سفينة نوح " حيث قدّم لنا الفنان سعد علي عملين الأول " سفينة نوح 1 " بقياس " 50 × 90 سم " حيث أراد أن يجسّد البعد الأسطوري المُستقر في ذاكرته هو، وليس في ذاكرة الناس الجمعية، فهو لا يريد أن يضع فيها " من كل زوجين اثنين " فهذا ليس من شأنه، وإنما أراد أن يرسم الصورة المتخيلة التي استقرت في ذهنه عن هذه السفينة المبحرة في مناخ هادئ، فالأسماك تحف بالسفينة، وعلى متنها أربع فيكرات بشرية، الرجل يجلس في مؤخرة السفينة وكأنه امتداد لتكوينها الخشبي الناتئ ، وهناك أم مع ولديها تتطلع وهي واقفة إلى البعيد وكأنها تنتظر أن تصل إلى بر الأمان. هل أن المرأة أكثر قلقاً من الرجل في ظل الظروف العصيبة؟ وما الذي يدفعها لهذا القلق؟ في السفينة أقفاص وطيور ربما تذكرنا بالطيور التي أنقذها النبي، وتحيلنا إليها من دون أن يقصد الفنان ذلك. ثم يكتمل مشهد السفينة حينما نرى الأشرعة الزرقاء وهي مرفوعة تستقبل الريح، لكن المثير في سارية السفينة أن هناك " عيناً سومرية كبيرة " تحدق هي الأخرى إلى المدى النائي، تماماً كما العيون التي تدرأ الشر في الذاكرة العراقية، والأغرب من ذلك أن هناك كائنين يقفان بالمقلوب وكأنهما يحدقان بالسفينة والمبحرين. في " سفينة نوح 2 " يختصر لنا الفنان سعد علي أسطورته، ويختزل حكايتها، فبدلاً من الجموع البشرية والحيوانية نرى السفينة تحمل رجلاً وامرأة فقط " آدم وحواء " ربما أو " حبيباً وحبيبته "، ولكنه تلاعب بالتكوين بحيث جعله فنطازياً هذه المرة، وقد أشرنا إلى سرياليته في موضع سابق. هنا أراد الفنان أن يجعل الحبيبين جزءاً من التكوين العام لمتن السفينة، وهو تكوين إنشائي مقنع، إذ نحت المرأة في طرف من السفينة، ونحت الرجل في الطرف المقابل لها، وحكم على كل واحد منهما أن يحدق في وجه الآخر، ولا يحيد أو يغفل عنه لحظة واحدة. في هذا العمل الفني ثمة إطار ثانوي يكمل المشهد العام حيث رسم رجل وامرأة أخريان يحتضنان المشهد برمته ليؤكد لنا من جديد أنه مع ثنائية المركز والأطراف دائماً. أما المحور الخامس والأخير في هذا المعرض فهو الفنان الذي يجد نفسه في كل التفاصيل السابقة، فهو المُحتَفى به دائماً، ولعل لوحة " سعادتنا " وهي واحدة من لوحات كثيرات تكشف لنا بأن سعادة هذا الفنان تكمن في انغماسه الدائم بعمله، وانقطاعه للرسم، أو للخلق بكلمة أدق، فهو يصوّر لنا ما تجود به مخيلته التي وضعته في مصاف الملائكة التي تحتضن هذا الجمال الخارق، وتذوب فيه محاطاً بالشموع والفواكه والوصيفات.
الإحساس بالفجيعة
لا يشك المتلقي، وهو يتمعن في معرض سعد علي الموسوم بـ " ألف ليلة وليلة " بأن هناك هيمنة رومانسية موازية تماماً لهيمنة السؤال الوجودي الذي يؤرق الفنان، ويقوده إلى النهاية التي يترقبها، ويعرفها عن كثب، لكنه لا يريد أن يقر بها، غير أن يلمّح إليها بين حين وآخر من خلال الأبعاد الدرامية التي لا تستطيع أن تختبئ وراء هذه المتع الزائلة من طعام وشراب ولذة إيروسية، فثمة مخاطر، وثمة سفن تبحر من مرفأ، وتركب الأهوال، وقد تتحطم من منتصف الرحلة، وقد تصل إلى مرفأ آخر، لكن هذا الوصول قد يكون رمزاً لنهاية الرحلة الميتافيزيقة للكائن البشري. لا تتمثل رومانسية سعد علي في الموضوعات الحسية التي تناولها لأنها تؤرقه ليل نهار، فربما تذكرنا هذه الثيمات بما أنجزه فنانون رومانسيون معروفون أمثال جي أم دبليو تيرنر، كاسبر ديفيد فريدريتش، جون كونستابل، ووليم بليك، أو برموز " هودسون ريفير سكول " وبالذات في أعمالهم الفنية التي تنطوي على أبعاد درامية تؤجج الجانب الرومانسي الذي نتحدث عنه، غير أن سعداً يمتاز على أقرانه من الفنانين العالميين أنه " يهجّن " لوحته بأكثر من أسلوب، ففضلاً عن التشخيصية والرومانسية التي أشرنا إليهما هناك الرمزية، والسريالية، والتعبيرية، وما إلى ذلك من أساليب فنية مموهة بفن الديكور والزخرفة والطابع التزويقي الذي استثمره من الفن الفارسي والهندي. في المرحلة الأسبانية يمكننا القول إن التطور التقني البارز الذي يمكن أن يلمسه الناقد، ومتلقي لوحة سعد علي هو " الضوء " وطريقة استخدامه التي تذكرنا بالأسلوب النوراني الذي كان يستعمله ألبيرت بيرستاد وفردريك أدوارد جيرج، مع الإفادة من توظيف اللون الأحمر أو الأحمر البرتقالي الذي تسيّد على نتاجاته الأخيرة التي أنجزها في مدينة فالنسيا الأسبانية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - يوم الاثنين - شريط روائي قصير للمخرج تامر السعيد، حكاية مف ...
- خطورة البعد الرمزي حينما يرتدي حُلة الوعظ والإرشاد في - فستا ...
- الروائي العراقي برهان الخطيب لـ - الحوار المتمدن -: بوصلة ال ...
- الروائي برهان الخطيب لـ - الحوار المتمدن -: بعد وفاة غائب قي ...
- الروائي برهان الخطيب لـ - الحوار المتمدن -: وضعت حياتي كلها ...
- الروائي برهان الخطيب لـ - الحوار المتمدن -: نحن الكتاب عائلة ...
- الروائي برهان الخطيب لـ - الحوار المتمدن -: استقبلت -حب في م ...
- الروائي برهان الخطيب لـ - الحوار المتمدن -: أشعر أن الكون كل ...
- الروائي برهان الخطيب لـ - الحوار المتمدن -: لا أميّز بين لغة ...
- المخرج رسول الصغير لـ - الحوار المتمدن -: أنا مغرم بالحكايات ...
- - الذاكرة المعتقلة - للمخرج المغربي جيلالي فرحاتي: من يرّد ل ...
- التشكيلي حسام الدين كاكاي لـ - الحوار المتمدن -:البكتوغرافي ...
- المخرج أحمد رشوان في شريطه التسجيلي القصير - العراق، أبداً ل ...
- في مسابقة الدورة الخامسة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام: أ ...
- الشاعر موفق السواد لـ - الحوار المتمدن-: الكتابة في المتاهة ...
- اختتام فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الفيلم العربي في روترد ...
- مهرجان روتردام للفيلم العربي في دورته الخامسة: خمسون فيلماً ...
- ( 4 ) سلسلة أغلى اللوحات في العالم: سوسنات فان كوخ الجذلى وع ...
- مخاوف هولندية من تداعيات الرفض الشعبي للتصويت على الدستور ال ...
- المخرج المغربي حكيم نوري ل ( الحوار المتمدن ): أعوّل كثيراً ...


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - التشكيلي سعد علي في معرضه الجديد - ألف ليلة وليلة -: التشخيصية بين تشظيات التعبيرية والرومانسية وإثارة السؤال الفلسفي