أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - مهمة اعمار وإدارة قطاع النفط العراقي















المزيد.....



مهمة اعمار وإدارة قطاع النفط العراقي


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 1250 - 2005 / 7 / 6 - 12:04
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


بدأت مسيرة العراق للسيطرة على موارده النفطية في سياق سلسلة طويلة من الجهود الوطنية: القانون رقم 80/61، إنشاء شركة النفط الوطنية العراقية (1964) وتفعيل دورها (1967)، وأخيراً تأميم شركة نفط العراق (1972) وتصفية الامتيازات النفطية الأجنبية..
أن النجاح الذي حققته شركة النفط الوطنية العراقية في إدارة قطاع النفط العراقي، قدمت مثالاً رائداً على قدرة الشعوب في السيطرة على موارداها الوطنية واستغلالها بنجاح وإنهاء دور الشركات الاحتكارية. وهذا يمكن أن يفسر لماذا أقدمت سلطة الاحتلال كخطوة أولى في توجهها نحو إعادة السيطرة على الموارد النفطية العراقية إلغاء شركة النفط الوطنية العراقية- رمز الاستقلال الوطني العراقي..
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود في دراسة وتقييم أوضاعها النفطية، وإنتهت إلى حاجتها لضمان امداداتها النفطية لمائة سنة قادمة.. وهكذا جاء احتلال العراق بهف رئيس هو السيطرة على موارده النفطية لكونها يمكن أن تضمن الحاجة الأمريكية من النفط لأِكثر من قرن قادم. فعند الاكتفاء بالاحتياطي النفطي المؤكد وجوده (112 بليون برميل )، ووفق معدلات إنتاجه قبل المقاطعة الدولية (5ر2 م ب/ي)، تمتد فترة نفاد النفط العراقي إلى حدود 124 سنة. بينما عند أخذ توقعات بعض الخبراء بشأن المكامن النفطية العراقية (300-450 بليون برميل) وعلى افتراض إنتاج ستة ملايين برميل يومياً عندئذ تمتد فترة نفاد النفط العراقي، رغم مضاعفة الإنتاج، إلى حدود 139- 208 سنوات!!
بالإضافة إلى الحاجة الداخلية الأمريكية للنفط، هناك حاجة خارجية تنطلق من سياسة الولايات المتحدة محاولة السيطرة على منابع النفط العالمية لتحقيق، على الأقل، غرضين متكاملين:
أولهما- دعم اقتصاده المتراجع أمام قوته العسكرية المتصاعدة وخلق التوازن بينهما في سياق توسعه الأمبريالي والحفاظ على دوره كقوة أوحد في العالم.
ثانيهما- أن النفط هو المادة الرئيسة لتشغيل الماكنة الاقتصادية الدولية، بعامة، وللدول الكبرى بخاصة. وأن وضع منابعها تحت السيطرة الأمريكية يعني زيادة قوة الولايات المتحدة في السيطرة أو الضغط على تلك الدول لإعادة بناء النظام الدولي وفق مصالحها وعدم السماح بظهور دولة كبرى منافسة لها.
ربما تكفي هذه المؤشرات للاستنتاج أن العراق وهو قائم على أكبر بحيرة نفطية في العالم حسب المؤشرات المتوقعة حالياً، شكل الاهتمام الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على موارده النفطية وفق مخطط طويل الأمد بدأ تنفيذه منذ عقود وانتهى إلى احتلاله في 9/4/2003.
وفي الظروف غير الاعتيادية التي واجهها القطاع النفطي العراقي خلال الفترة 1980-2003 بسبب الحروب- المقاطعة- الاحتلال، وامتدت آثارها إلى الإضرار الشديد بالقدرات الإنتاجية للصناعة النفطية العراقية، ظهرت تقديرات متباينة لتكلفة إعادة إعمار القطاع النفطي. وإذا كانت تقديرات النظام العراقي السابق عام 2002 لتطوير مستوى إنتاج هذا القطاع بلغت 40 بليون دولار، فإن التقديرات التي صدرت بعد الاحتلال تعمدت المبالغة من جهات رسمية أمريكية لتصل أو تتجاوز 200 بليون دولار، بغية إظهار عجز العراق توفير تكلفة إعادة إعمار قطاعه النفطي واقتصاده الوطني، وكمبرر ضمن مبررات مزعومة عديدة انطلقت أساسا من مصادر الاحتلال لتبرير خصخصة القطاع العام العراقي، بعامة، والقطاع النفطي، بخاصة، لصالح الشركات الأجنبية، تتقدمها الاحتكارات الأمريكية.
أن دراسة بسيطة لمواصفات قطاع النفط العراقي، ربما توضح بشكل مقنع إمكانية إعادة بناء هذا القطاع وفق أحدث أشكال التكنولوجيا وبفترة زمنية قياسية وبمستوى من الإنتاج 6-10 مليون برميل يومياً دون أن يتطلب من العراق توفير موارد مالية ذاتية لإعمار قطاع النفط أو توفير جزء يسير فقط من التكاليف المطلوبة ذاتياً. وتفسير ذلك يكمن في المبررات التالية:
+ أن الكميات الضخمة من الاحتياطي النفطي المتاحة في العراق تعني أن أي تحسن في عمليات تكنولوجية الإنتاج سيقود إلى زيادة معدلات الاسترداد الحالي.
+ قرب النفط من سطح الأرض مقارنة بالدول النفطية عموماً.
+ ويرتبط بذلك أن تلكلفة إنتاج البرميل من النفط العراقي هي واحدة من أكثر التكاليف انخفاضاً في العالم.
+ تتواجد في العراق أكثر من 80 حقلاً مكتشفاً، في حين أن الإنتاج قاصر على 15 حقل فقط. والمعنى الاقتصادي لهذا الوضع من وجهة نظر التكاليف، غياب مخاطرة مرحلة الاستكشافات وانخفاض تكاليف تطوير الحقل النفطي، مقابل تصاعد عوائده في مرحلة الإنتاج.
+ وهذا يفسر تنافس شركات النفط الدولية الحصول على عقود نفطية في فترة المقاطعة وفي ظل النظام العراقي السابق.
+ وهذه المواصفات توفر فرص تأمين الاستثمارات المطلوبة بِإتباع أساليب معمول بها في دول نفطية أخرى في المنطقة وفي العالم، مثال ذلك، عقود الخدمات وعقود المشاركة مع شركات وبيوت تمويل أجنبية، على أن تطرح هذه العقود من قبل المفاوض العراقي للمنافسة بين الشركات النفطية الدولية، وتوزيعها بشكل مناسب بين أكبر عدد منها تحاشياً للاحتكار من جهة وتوفير سبل سرعة الإنجاز من جهة أخرى، علاوة على أن هذه الطريقة يمكن أن تضع مسؤولية توفير الموارد المالية الاستثمارية المطلوبة على عاتق الشركات المتعاقدة. ومن المتوقع في ظل هذه العقود المضمونة الربحية أن يكون التنافس حاداً لصالح العراق، سواء من حيث الشروط أو سرعة الإنجاز، طالما هي مربحة وبدرجة عالية للشركات المعنية أيضاً.
+ يضاف إلى ذلك أن ارتفاع سعر برميل النفط بين اكتوبر/ت1/2004 ولغاية حزيران/ يونيو 2005 من 50 إلى 60 دولاراً (MEES,Oct., 2004.., June, 2005)في أسواق النفط الدولية، يعني أن الشركات التي تحصل على عقود تطوير الحقول النفطية العراقية- والتي ستتمتع بغياب مخاطرة الخسارة التي تتركز في مرحلة الاستكشافات النفطية غير القائمة بالنسبة للحالة العراقية- ستتمتع كذلك بتوقعات العوائد العالية التي ستنجم من انخفاض تلكفة الإنتاج من جهة وتصاعد أسعار النفط من جهة أخرى.
+ وفوق ذلك فإن تصاعد أسعار النفط يعني تصاعد الدخل السنوي للنفط العراقي. فعلى فرض إنتاج العراق 2 مليون برميل (وهو دون مستوى إنتاج فترة ما قبل الاحتلال) وبيع هذا النفط بسعر 40 دولار للبرميل عندئذ سيتجاوز دخل العراق السنوي من النفط 29 بليون دولار. وهذا الدخل المرتفع يمكن أن يوفر جانباً هاماً من التمويل الذاتي، ويعزز موقف البلاد في توفير الاستثمارات لمختلف القطاعات، على فرض قدرة الاقتصاد العراقي استيعاب هذا القدر من الاستثمارات سنوياً. وكذلك على فرض قدرة العراق السيطرة على عوائده النفطية ومنع كافة أشكال التلاعب والتجاوزات، سواء بالعلاقة مع الاحتلال أو الفساد الإداري- العمولات والسرقات. من هنا يحق السؤال: هل بعد كل هذا يحتاج العراق إلى الخصخصة أو استجداء المعونات من الدول الأجنبية!؟.. ولكن هل أن العراق يسيطر على قطاعه النفطي وعوائده النفطية؟
منذ الاحتلال وحتى الوقت الحاضر تسربت أخبار من مصادر متباينة تتضمن:
+ قيام عدد من المسؤولين مع بدء احتلال العراق تشكيل شركات نفطية وهمية خارج العراق لتسهيل حصول الشركات الأجنبية على العقود النفطية العراقية لقاء عمولات..
+ تصدير النفط العراقي في غياب استخدام العدادات، مما يعني سهولة إمكانية التلاعب بالكميات المصدرة وعوائدها.
+ قيام سلطة الاحتلال برهن كميات من النفط الاحتياطي لسنوات قادمة، بما يعنيه من نهب ثروات البلاد.
+ اتفاقات سرية فرضتها سلطة المحتل على الحكومة العراقية التي خرجت من رحمها لضمان الامدادات النفطية العراقية للولايات المتحدة الأمريكية بشروط تفضيلية لعقود قادمة.
+ تزويد سلطة المحتل بالنفط العراقي بسعر منخفض ربما لا يتجاوز عشرة دولارات للبرميل الواحد.
وإذا كانت هذه الأخبار المنشورة في حينها من مصادر عديدة لا يمكن البرهان على نفيها أو قبولها، فإن سكوت الحكومة العراقية الدمية تولد الكثير من الشكوك باتجاه تصديقها بشكل كلي أو جزئي. يضاف إلى ذلك حقيقة قائمة وصادرة من المنظمة الدولية ومجلس أمنها، وهي وضع عوائد النفط العراقي تحت سيطرة الاحتلال..
إذن مشكلة إعادة تأهيل قطاع النفط العراقي، بل وإعادة بناء الدولة العراقية، هي مشكلة سياسية تتجسد في الاحتلال ومحاولة إعادة بناء الدولة العراقية وفق منظوره ومصالحه، حيث بدأت الخطوات الأولى بالانتقال من تنصيب حكومة دمية إلى أخرى مماثلة على أساس المحاصصة الطائفية، تمهيداً لإصدار دستور يوفر بناء كانتونات طائفية تسهل استمرار سيطرة المحتل على العراق. وهكذا فالحل واضح وهو إنهاء الاحتلال بممارسة كافة أشكال المقاومة، تمهيداً لإنهاء الاحتلال وانتخاب حكومة وطنية وبناء دستور حضاري يقوم على المواطنة بعيدا عن كافة أشكال التميز الديني والمذهبي والطائفي والعشائري.
يُقال أن اللجنة الدستورية في الحكومة الدمية الحالية تدرس ضمن خياراتها توزيع جزء من العوائد النفطية مباشرة على المواطنين. وهذه الدعوة انطلقت مع بداية الاحتلال من قبل ممثل الاحتلال- الحاكم الأمريكي. وهي لا تخدم مصلحة البلاد بقدر ما تهدف إلى إلغاء أو إضعاف التوجهات التنموية باتجاه بناء اقتصاد استهلاكي يتغذى على مورد النفط القابل للزوال.. أن طريقة التوزيع النقدي لجزء من العوائد النفطية قائمة في ولاية ألاسكا الأمريكية، لكن الفرق شديد التباين. فالاقتصاد الأمريكي يتمتع بقدرة إنتاجية عالية تحتاج باستمرار إلى توليد الطلب الفعال لامتصاص الكميات الكبيرة من إنتاج السلع والخدمات، بينما الاقتصاد العراقي يعاني من ضعف قدرته على تلبية الطلب المحلي المتاح، أي حاجته لبناء قدرته الإنتاجية أولاً عن طريق تسريع التنمية. عليه تكون نتيجة سحب جزء من عوائد النفط في صورة نقدية وتوزيعها للأفراد هي حرمان البلاد لجزء من قدراتها الاستثمارية وإضعاف حركة تنميتها لصالح المستوردات الخارجية. من هنا تعبر هذه الدعوات عن الجهل و/ أو التخريب الاقتصادي.
كما سبقت المناقشة في فقرة سابقة، أن النفط العراقي من الناحية الفعلية هو تحت سيطرة المحتل. وعموماً، وبعد إنهاء الاحتلال وبناء حكومة وطنية منتخبة عندئذ يمكن للعراق إدارة قطاعه النفطي، وذك في سياق تجربته الغنية في هذا المجال والتي بدأت منذ بداية إنتاج النفط عام 1931. فمع بداية إنتاج النفط العراقي تم تخصيص كامل العوائد النفطية للأغراض الاستثمارية ولغاية الثورة النفطية الأولى (1952/1953)- إتفاقات مناصفة الأرباح، حيث ازدادت الايرادات النفطية، أعيد النظر في توزيع عوائد النفط على أساس 30% للميزانية العامة- السلطة التنفيذية- و 70% للميزانية الاستثمارية (مجلس الإعمار) تحت إشراف السلطة التشريعية. استمر هذا التوزيع لغاية العهد الجمهوري الأول بإعادة توزيع هذه العوائد مناصفة (50%) بين الميزانية العامة وبين الميزانية الاستثمارية (مجلس التخطيط). وفي المراحل المتقدمة من العهد الجمهوري (النظام السابق) غاب هذا التوزيع من النشرات الرسمية الحكومية.
أما في الوقت الحاضر، وعلى افتراض حصول البلاد على استقلالها الفعلي وقيام حكومة وطنية دستورية، يمكن العودة مبدئياً إلى نفس الطريقة بتخيص جزء من العوائد النفطية تحت تصرف السلطة التنفيذية (الميزانية العامة) والجزء الثاني تحت إشراف السلطة التشريعية (الميزانية الاستثمارية). ولما كانت ظروف البلاد تتطلب زيادة الخدمات العامة للمواطنين، عليه يقترح في بداية المرحلة أن تكون نسبة التوزيع 40% للميزانية العامة و60% للميزانية الاستثمارية، على أن تكون هذه السياسة مرنة تتقلص حصة الميزانية العامة من العوائد النفطية لصالح ميزانية التنمية مع بلوغ الخدمات العامة مستوياتها الاعتيادية في ظروف تصاعد عوائد التنمية.
المصادر
1- لمزيد من الاطلاع على المسيرة التاريخية النفطية، أنظر: رمزي سلمان، "السياسةالنفطية"، ندوة احتلال العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2004، ص907-936.. وأيضاً التعقيبات والمناقشات بصددها، نفس المصدر، ص 937-958.
2-Ramzi Salman,”Oil for Reconstruction after Oil for Food”,MEES,No.43,25,August,2003.
3- Isaam,A.R.Al-Chalabi,”Prospects for Iraq s’ Oil Industry”, The Future of Iraq,p.43-53.
4-Issam al-Chalabi, “Oil in Post Saddam Iraq”,MEES,25-23.6.2003.
5- Bruce O.,Riedel O.,TheFuture of Iraq,p.127-131.
6- Saadalla al-Fathi,”Vision of the Future: What s` next for Iraq”,MEES,7,July,2003.
7- A F Alhajji,”Expansion of Iraq s` Oil Production Capacity: The Challenges Ahead”, MEES, No.27,7, August,20-03.
8-MEES,No.42-18,Oct.,2004.
9-Abas Alnasrawi,MEES,45,2003.
10-Sabri Zire al-Saadi,MEES,29,2003..,Issam al-Chalabi,MEES,25,2003.
11- موقع شبكة أخبار العراق للجميع، تواريخ متعددة.






مهمة إعمار وإدارةقطاع النفط العراقي
عبدالوهاب حميد رشيد
بدأت مسيرة العراق للسيطرة على موارده النفطية في سياق سلسلة طويلة من الجهود الوطنية: القانون رقم 80/61، إنشاء شركة النفط الوطنية العراقية (1964) وتفعيل دورها (1967)، وأخيراً تأميم شركة نفط العراق (1972) وتصفية الامتيازات النفطية الأجنبية..
أن النجاح الذي حققته شركة النفط الوطنية العراقية في إدارة قطاع النفط العراقي، قدمت مثالاً رائداً على قدرة الشعوب في السيطرة على موارداها الوطنية واستغلالها بنجاح وإنهاء دور الشركات الاحتكارية. وهذا يمكن أن يفسر لماذا أقدمت سلطة الاحتلال كخطوة أولى في توجهها نحو إعادة السيطرة على الموارد النفطية العراقية إلغاء شركة النفط الوطنية العراقية- رمز الاستقلال الوطني العراقي..
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود في دراسة وتقييم أوضاعها النفطية، وإنتهت إلى حاجتها لضمان امداداتها النفطية لمائة سنة قادمة.. وهكذا جاء احتلال العراق بهف رئيس هو السيطرة على موارده النفطية لكونها يمكن أن تضمن الحاجة الأمريكية من النفط لأِكثر من قرن قادم. فعند الاكتفاء بالاحتياطي النفطي المؤكد وجوده (112 بليون برميل )، ووفق معدلات إنتاجه قبل المقاطعة الدولية (5ر2 م ب/ي)، تمتد فترة نفاد النفط العراقي إلى حدود 124 سنة. بينما عند أخذ توقعات بعض الخبراء بشأن المكامن النفطية العراقية (300-450 بليون برميل) وعلى افتراض إنتاج ستة ملايين برميل يومياً عندئذ تمتد فترة نفاد النفط العراقي، رغم مضاعفة الإنتاج، إلى حدود 139- 208 سنوات!!
بالإضافة إلى الحاجة الداخلية الأمريكية للنفط، هناك حاجة خارجية تنطلق من سياسة الولايات المتحدة محاولة السيطرة على منابع النفط العالمية لتحقيق، على الأقل، غرضين متكاملين:
أولهما- دعم اقتصاده المتراجع أمام قوته العسكرية المتصاعدة وخلق التوازن بينهما في سياق توسعه الأمبريالي والحفاظ على دوره كقوة أوحد في العالم.
ثانيهما- أن النفط هو المادة الرئيسة لتشغيل الماكنة الاقتصادية الدولية، بعامة، وللدول الكبرى بخاصة. وأن وضع منابعها تحت السيطرة الأمريكية يعني زيادة قوة الولايات المتحدة في السيطرة أو الضغط على تلك الدول لإعادة بناء النظام الدولي وفق مصالحها وعدم السماح بظهور دولة كبرى منافسة لها.
ربما تكفي هذه المؤشرات للاستنتاج أن العراق وهو قائم على أكبر بحيرة نفطية في العالم حسب المؤشرات المتوقعة حالياً، شكل الاهتمام الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على موارده النفطية وفق مخطط طويل الأمد بدأ تنفيذه منذ عقود وانتهى إلى احتلاله في 9/4/2003.
وفي الظروف غير الاعتيادية التي واجهها القطاع النفطي العراقي خلال الفترة 1980-2003 بسبب الحروب- المقاطعة- الاحتلال، وامتدت آثارها إلى الإضرار الشديد بالقدرات الإنتاجية للصناعة النفطية العراقية، ظهرت تقديرات متباينة لتكلفة إعادة إعمار القطاع النفطي. وإذا كانت تقديرات النظام العراقي السابق عام 2002 لتطوير مستوى إنتاج هذا القطاع بلغت 40 بليون دولار، فإن التقديرات التي صدرت بعد الاحتلال تعمدت المبالغة من جهات رسمية أمريكية لتصل أو تتجاوز 200 بليون دولار، بغية إظهار عجز العراق توفير تكلفة إعادة إعمار قطاعه النفطي واقتصاده الوطني، وكمبرر ضمن مبررات مزعومة عديدة انطلقت أساسا من مصادر الاحتلال لتبرير خصخصة القطاع العام العراقي، بعامة، والقطاع النفطي، بخاصة، لصالح الشركات الأجنبية، تتقدمها الاحتكارات الأمريكية.
أن دراسة بسيطة لمواصفات قطاع النفط العراقي، ربما توضح بشكل مقنع إمكانية إعادة بناء هذا القطاع وفق أحدث أشكال التكنولوجيا وبفترة زمنية قياسية وبمستوى من الإنتاج 6-10 مليون برميل يومياً دون أن يتطلب من العراق توفير موارد مالية ذاتية لإعمار قطاع النفط أو توفير جزء يسير فقط من التكاليف المطلوبة ذاتياً. وتفسير ذلك يكمن في المبررات التالية:
+ أن الكميات الضخمة من الاحتياطي النفطي المتاحة في العراق تعني أن أي تحسن في عمليات تكنولوجية الإنتاج سيقود إلى زيادة معدلات الاسترداد الحالي.
+ قرب النفط من سطح الأرض مقارنة بالدول النفطية عموماً.
+ ويرتبط بذلك أن تلكلفة إنتاج البرميل من النفط العراقي هي واحدة من أكثر التكاليف انخفاضاً في العالم.
+ تتواجد في العراق أكثر من 80 حقلاً مكتشفاً، في حين أن الإنتاج قاصر على 15 حقل فقط. والمعنى الاقتصادي لهذا الوضع من وجهة نظر التكاليف، غياب مخاطرة مرحلة الاستكشافات وانخفاض تكاليف تطوير الحقل النفطي، مقابل تصاعد عوائده في مرحلة الإنتاج.
+ وهذا يفسر تنافس شركات النفط الدولية الحصول على عقود نفطية في فترة المقاطعة وفي ظل النظام العراقي السابق.
+ وهذه المواصفات توفر فرص تأمين الاستثمارات المطلوبة بِإتباع أساليب معمول بها في دول نفطية أخرى في المنطقة وفي العالم، مثال ذلك، عقود الخدمات وعقود المشاركة مع شركات وبيوت تمويل أجنبية، على أن تطرح هذه العقود من قبل المفاوض العراقي للمنافسة بين الشركات النفطية الدولية، وتوزيعها بشكل مناسب بين أكبر عدد منها تحاشياً للاحتكار من جهة وتوفير سبل سرعة الإنجاز من جهة أخرى، علاوة على أن هذه الطريقة يمكن أن تضع مسؤولية توفير الموارد المالية الاستثمارية المطلوبة على عاتق الشركات المتعاقدة. ومن المتوقع في ظل هذه العقود المضمونة الربحية أن يكون التنافس حاداً لصالح العراق، سواء من حيث الشروط أو سرعة الإنجاز، طالما هي مربحة وبدرجة عالية للشركات المعنية أيضاً.
+ يضاف إلى ذلك أن ارتفاع سعر برميل النفط بين اكتوبر/ت1/2004 ولغاية حزيران/ يونيو 2005 من 50 إلى 60 دولاراً (MEES,Oct., 2004.., June, 2005)في أسواق النفط الدولية، يعني أن الشركات التي تحصل على عقود تطوير الحقول النفطية العراقية- والتي ستتمتع بغياب مخاطرة الخسارة التي تتركز في مرحلة الاستكشافات النفطية غير القائمة بالنسبة للحالة العراقية- ستتمتع كذلك بتوقعات العوائد العالية التي ستنجم من انخفاض تلكفة الإنتاج من جهة وتصاعد أسعار النفط من جهة أخرى.
+ وفوق ذلك فإن تصاعد أسعار النفط يعني تصاعد الدخل السنوي للنفط العراقي. فعلى فرض إنتاج العراق 2 مليون برميل (وهو دون مستوى إنتاج فترة ما قبل الاحتلال) وبيع هذا النفط بسعر 40 دولار للبرميل عندئذ سيتجاوز دخل العراق السنوي من النفط 29 بليون دولار. وهذا الدخل المرتفع يمكن أن يوفر جانباً هاماً من التمويل الذاتي، ويعزز موقف البلاد في توفير الاستثمارات لمختلف القطاعات، على فرض قدرة الاقتصاد العراقي استيعاب هذا القدر من الاستثمارات سنوياً. وكذلك على فرض قدرة العراق السيطرة على عوائده النفطية ومنع كافة أشكال التلاعب والتجاوزات، سواء بالعلاقة مع الاحتلال أو الفساد الإداري- العمولات والسرقات. من هنا يحق السؤال: هل بعد كل هذا يحتاج العراق إلى الخصخصة أو استجداء المعونات من الدول الأجنبية!؟.. ولكن هل أن العراق يسيطر على قطاعه النفطي وعوائده النفطية؟
منذ الاحتلال وحتى الوقت الحاضر تسربت أخبار من مصادر متباينة تتضمن:
+ قيام عدد من المسؤولين مع بدء احتلال العراق تشكيل شركات نفطية وهمية خارج العراق لتسهيل حصول الشركات الأجنبية على العقود النفطية العراقية لقاء عمولات..
+ تصدير النفط العراقي في غياب استخدام العدادات، مما يعني سهولة إمكانية التلاعب بالكميات المصدرة وعوائدها.
+ قيام سلطة الاحتلال برهن كميات من النفط الاحتياطي لسنوات قادمة، بما يعنيه من نهب ثروات البلاد.
+ اتفاقات سرية فرضتها سلطة المحتل على الحكومة العراقية التي خرجت من رحمها لضمان الامدادات النفطية العراقية للولايات المتحدة الأمريكية بشروط تفضيلية لعقود قادمة.
+ تزويد سلطة المحتل بالنفط العراقي بسعر منخفض ربما لا يتجاوز عشرة دولارات للبرميل الواحد.
وإذا كانت هذه الأخبار المنشورة في حينها من مصادر عديدة لا يمكن البرهان على نفيها أو قبولها، فإن سكوت الحكومة العراقية الدمية تولد الكثير من الشكوك باتجاه تصديقها بشكل كلي أو جزئي. يضاف إلى ذلك حقيقة قائمة وصادرة من المنظمة الدولية ومجلس أمنها، وهي وضع عوائد النفط العراقي تحت سيطرة الاحتلال..
إذن مشكلة إعادة تأهيل قطاع النفط العراقي، بل وإعادة بناء الدولة العراقية، هي مشكلة سياسية تتجسد في الاحتلال ومحاولة إعادة بناء الدولة العراقية وفق منظوره ومصالحه، حيث بدأت الخطوات الأولى بالانتقال من تنصيب حكومة دمية إلى أخرى مماثلة على أساس المحاصصة الطائفية، تمهيداً لإصدار دستور يوفر بناء كانتونات طائفية تسهل استمرار سيطرة المحتل على العراق. وهكذا فالحل واضح وهو إنهاء الاحتلال بممارسة كافة أشكال المقاومة، تمهيداً لإنهاء الاحتلال وانتخاب حكومة وطنية وبناء دستور حضاري يقوم على المواطنة بعيدا عن كافة أشكال التميز الديني والمذهبي والطائفي والعشائري.
يُقال أن اللجنة الدستورية في الحكومة الدمية الحالية تدرس ضمن خياراتها توزيع جزء من العوائد النفطية مباشرة على المواطنين. وهذه الدعوة انطلقت مع بداية الاحتلال من قبل ممثل الاحتلال- الحاكم الأمريكي. وهي لا تخدم مصلحة البلاد بقدر ما تهدف إلى إلغاء أو إضعاف التوجهات التنموية باتجاه بناء اقتصاد استهلاكي يتغذى على مورد النفط القابل للزوال.. أن طريقة التوزيع النقدي لجزء من العوائد النفطية قائمة في ولاية ألاسكا الأمريكية، لكن الفرق شديد التباين. فالاقتصاد الأمريكي يتمتع بقدرة إنتاجية عالية تحتاج باستمرار إلى توليد الطلب الفعال لامتصاص الكميات الكبيرة من إنتاج السلع والخدمات، بينما الاقتصاد العراقي يعاني من ضعف قدرته على تلبية الطلب المحلي المتاح، أي حاجته لبناء قدرته الإنتاجية أولاً عن طريق تسريع التنمية. عليه تكون نتيجة سحب جزء من عوائد النفط في صورة نقدية وتوزيعها للأفراد هي حرمان البلاد لجزء من قدراتها الاستثمارية وإضعاف حركة تنميتها لصالح المستوردات الخارجية. من هنا تعبر هذه الدعوات عن الجهل و/ أو التخريب الاقتصادي.
كما سبقت المناقشة في فقرة سابقة، أن النفط العراقي من الناحية الفعلية هو تحت سيطرة المحتل. وعموماً، وبعد إنهاء الاحتلال وبناء حكومة وطنية منتخبة عندئذ يمكن للعراق إدارة قطاعه النفطي، وذك في سياق تجربته الغنية في هذا المجال والتي بدأت منذ بداية إنتاج النفط عام 1931. فمع بداية إنتاج النفط العراقي تم تخصيص كامل العوائد النفطية للأغراض الاستثمارية ولغاية الثورة النفطية الأولى (1952/1953)- إتفاقات مناصفة الأرباح، حيث ازدادت الايرادات النفطية، أعيد النظر في توزيع عوائد النفط على أساس 30% للميزانية العامة- السلطة التنفيذية- و 70% للميزانية الاستثمارية (مجلس الإعمار) تحت إشراف السلطة التشريعية. استمر هذا التوزيع لغاية العهد الجمهوري الأول بإعادة توزيع هذه العوائد مناصفة (50%) بين الميزانية العامة وبين الميزانية الاستثمارية (مجلس التخطيط). وفي المراحل المتقدمة من العهد الجمهوري (النظام السابق) غاب هذا التوزيع من النشرات الرسمية الحكومية.
أما في الوقت الحاضر، وعلى افتراض حصول البلاد على استقلالها الفعلي وقيام حكومة وطنية دستورية، يمكن العودة مبدئياً إلى نفس الطريقة بتخيص جزء من العوائد النفطية تحت تصرف السلطة التنفيذية (الميزانية العامة) والجزء الثاني تحت إشراف السلطة التشريعية (الميزانية الاستثمارية). ولما كانت ظروف البلاد تتطلب زيادة الخدمات العامة للمواطنين، عليه يقترح في بداية المرحلة أن تكون نسبة التوزيع 40% للميزانية العامة و60% للميزانية الاستثمارية، على أن تكون هذه السياسة مرنة تتقلص حصة الميزانية العامة من العوائد النفطية لصالح ميزانية التنمية مع بلوغ الخدمات العامة مستوياتها الاعتيادية في ظروف تصاعد عوائد التنمية.
المصادر
1- لمزيد من الاطلاع على المسيرة التاريخية النفطية، أنظر: رمزي سلمان، "السياسةالنفطية"، ندوة احتلال العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2004، ص907-936.. وأيضاً التعقيبات والمناقشات بصددها، نفس المصدر، ص 937-958.
2-Ramzi Salman,”Oil for Reconstruction after Oil for Food”,MEES,No.43,25,August,2003.
3- Isaam,A.R.Al-Chalabi,”Prospects for Iraq s’ Oil Industry”, The Future of Iraq,p.43-53.
4-Issam al-Chalabi, “Oil in Post Saddam Iraq”,MEES,25-23.6.2003.
5- Bruce O.,Riedel O.,TheFuture of Iraq,p.127-131.
6- Saadalla al-Fathi,”Vision of the Future: What s` next for Iraq”,MEES,7,July,2003.
7- A F Alhajji,”Expansion of Iraq s` Oil Production Capacity: The Challenges Ahead”, MEES, No.27,7, August,20-03.
8-MEES,No.42-18,Oct.,2004.
9-Abas Alnasrawi,MEES,45,2003.
10-Sabri Zire al-Saadi,MEES,29,2003..,Issam al-Chalabi,MEES,25,2003.
11- موقع شبكة أخبار العراق للجميع، تواريخ متعددة.






مهمة إعمار وإدارةقطاع النفط العراقي
عبدالوهاب حميد رشيد
بدأت مسيرة العراق للسيطرة على موارده النفطية في سياق سلسلة طويلة من الجهود الوطنية: القانون رقم 80/61، إنشاء شركة النفط الوطنية العراقية (1964) وتفعيل دورها (1967)، وأخيراً تأميم شركة نفط العراق (1972) وتصفية الامتيازات النفطية الأجنبية..
أن النجاح الذي حققته شركة النفط الوطنية العراقية في إدارة قطاع النفط العراقي، قدمت مثالاً رائداً على قدرة الشعوب في السيطرة على موارداها الوطنية واستغلالها بنجاح وإنهاء دور الشركات الاحتكارية. وهذا يمكن أن يفسر لماذا أقدمت سلطة الاحتلال كخطوة أولى في توجهها نحو إعادة السيطرة على الموارد النفطية العراقية إلغاء شركة النفط الوطنية العراقية- رمز الاستقلال الوطني العراقي..
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود في دراسة وتقييم أوضاعها النفطية، وإنتهت إلى حاجتها لضمان امداداتها النفطية لمائة سنة قادمة.. وهكذا جاء احتلال العراق بهف رئيس هو السيطرة على موارده النفطية لكونها يمكن أن تضمن الحاجة الأمريكية من النفط لأِكثر من قرن قادم. فعند الاكتفاء بالاحتياطي النفطي المؤكد وجوده (112 بليون برميل )، ووفق معدلات إنتاجه قبل المقاطعة الدولية (5ر2 م ب/ي)، تمتد فترة نفاد النفط العراقي إلى حدود 124 سنة. بينما عند أخذ توقعات بعض الخبراء بشأن المكامن النفطية العراقية (300-450 بليون برميل) وعلى افتراض إنتاج ستة ملايين برميل يومياً عندئذ تمتد فترة نفاد النفط العراقي، رغم مضاعفة الإنتاج، إلى حدود 139- 208 سنوات!!
بالإضافة إلى الحاجة الداخلية الأمريكية للنفط، هناك حاجة خارجية تنطلق من سياسة الولايات المتحدة محاولة السيطرة على منابع النفط العالمية لتحقيق، على الأقل، غرضين متكاملين:
أولهما- دعم اقتصاده المتراجع أمام قوته العسكرية المتصاعدة وخلق التوازن بينهما في سياق توسعه الأمبريالي والحفاظ على دوره كقوة أوحد في العالم.
ثانيهما- أن النفط هو المادة الرئيسة لتشغيل الماكنة الاقتصادية الدولية، بعامة، وللدول الكبرى بخاصة. وأن وضع منابعها تحت السيطرة الأمريكية يعني زيادة قوة الولايات المتحدة في السيطرة أو الضغط على تلك الدول لإعادة بناء النظام الدولي وفق مصالحها وعدم السماح بظهور دولة كبرى منافسة لها.
ربما تكفي هذه المؤشرات للاستنتاج أن العراق وهو قائم على أكبر بحيرة نفطية في العالم حسب المؤشرات المتوقعة حالياً، شكل الاهتمام الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على موارده النفطية وفق مخطط طويل الأمد بدأ تنفيذه منذ عقود وانتهى إلى احتلاله في 9/4/2003.
وفي الظروف غير الاعتيادية التي واجهها القطاع النفطي العراقي خلال الفترة 1980-2003 بسبب الحروب- المقاطعة- الاحتلال، وامتدت آثارها إلى الإضرار الشديد بالقدرات الإنتاجية للصناعة النفطية العراقية، ظهرت تقديرات متباينة لتكلفة إعادة إعمار القطاع النفطي. وإذا كانت تقديرات النظام العراقي السابق عام 2002 لتطوير مستوى إنتاج هذا القطاع بلغت 40 بليون دولار، فإن التقديرات التي صدرت بعد الاحتلال تعمدت المبالغة من جهات رسمية أمريكية لتصل أو تتجاوز 200 بليون دولار، بغية إظهار عجز العراق توفير تكلفة إعادة إعمار قطاعه النفطي واقتصاده الوطني، وكمبرر ضمن مبررات مزعومة عديدة انطلقت أساسا من مصادر الاحتلال لتبرير خصخصة القطاع العام العراقي، بعامة، والقطاع النفطي، بخاصة، لصالح الشركات الأجنبية، تتقدمها الاحتكارات الأمريكية.
أن دراسة بسيطة لمواصفات قطاع النفط العراقي، ربما توضح بشكل مقنع إمكانية إعادة بناء هذا القطاع وفق أحدث أشكال التكنولوجيا وبفترة زمنية قياسية وبمستوى من الإنتاج 6-10 مليون برميل يومياً دون أن يتطلب من العراق توفير موارد مالية ذاتية لإعمار قطاع النفط أو توفير جزء يسير فقط من التكاليف المطلوبة ذاتياً. وتفسير ذلك يكمن في المبررات التالية:
+ أن الكميات الضخمة من الاحتياطي النفطي المتاحة في العراق تعني أن أي تحسن في عمليات تكنولوجية الإنتاج سيقود إلى زيادة معدلات الاسترداد الحالي.
+ قرب النفط من سطح الأرض مقارنة بالدول النفطية عموماً.
+ ويرتبط بذلك أن تلكلفة إنتاج البرميل من النفط العراقي هي واحدة من أكثر التكاليف انخفاضاً في العالم.
+ تتواجد في العراق أكثر من 80 حقلاً مكتشفاً، في حين أن الإنتاج قاصر على 15 حقل فقط. والمعنى الاقتصادي لهذا الوضع من وجهة نظر التكاليف، غياب مخاطرة مرحلة الاستكشافات وانخفاض تكاليف تطوير الحقل النفطي، مقابل تصاعد عوائده في مرحلة الإنتاج.
+ وهذا يفسر تنافس شركات النفط الدولية الحصول على عقود نفطية في فترة المقاطعة وفي ظل النظام العراقي السابق.
+ وهذه المواصفات توفر فرص تأمين الاستثمارات المطلوبة بِإتباع أساليب معمول بها في دول نفطية أخرى في المنطقة وفي العالم، مثال ذلك، عقود الخدمات وعقود المشاركة مع شركات وبيوت تمويل أجنبية، على أن تطرح هذه العقود من قبل المفاوض العراقي للمنافسة بين الشركات النفطية الدولية، وتوزيعها بشكل مناسب بين أكبر عدد منها تحاشياً للاحتكار من جهة وتوفير سبل سرعة الإنجاز من جهة أخرى، علاوة على أن هذه الطريقة يمكن أن تضع مسؤولية توفير الموارد المالية الاستثمارية المطلوبة على عاتق الشركات المتعاقدة. ومن المتوقع في ظل هذه العقود المضمونة الربحية أن يكون التنافس حاداً لصالح العراق، سواء من حيث الشروط أو سرعة الإنجاز، طالما هي مربحة وبدرجة عالية للشركات المعنية أيضاً.
+ يضاف إلى ذلك أن ارتفاع سعر برميل النفط بين اكتوبر/ت1/2004 ولغاية حزيران/ يونيو 2005 من 50 إلى 60 دولاراً (MEES,Oct., 2004.., June, 2005)في أسواق النفط الدولية، يعني أن الشركات التي تحصل على عقود تطوير الحقول النفطية العراقية- والتي ستتمتع بغياب مخاطرة الخسارة التي تتركز في مرحلة الاستكشافات النفطية غير القائمة بالنسبة للحالة العراقية- ستتمتع كذلك بتوقعات العوائد العالية التي ستنجم من انخفاض تلكفة الإنتاج من جهة وتصاعد أسعار النفط من جهة أخرى.
+ وفوق ذلك فإن تصاعد أسعار النفط يعني تصاعد الدخل السنوي للنفط العراقي. فعلى فرض إنتاج العراق 2 مليون برميل (وهو دون مستوى إنتاج فترة ما قبل الاحتلال) وبيع هذا النفط بسعر 40 دولار للبرميل عندئذ سيتجاوز دخل العراق السنوي من النفط 29 بليون دولار. وهذا الدخل المرتفع يمكن أن يوفر جانباً هاماً من التمويل الذاتي، ويعزز موقف البلاد في توفير الاستثمارات لمختلف القطاعات، على فرض قدرة الاقتصاد العراقي استيعاب هذا القدر من الاستثمارات سنوياً. وكذلك على فرض قدرة العراق السيطرة على عوائده النفطية ومنع كافة أشكال التلاعب والتجاوزات، سواء بالعلاقة مع الاحتلال أو الفساد الإداري- العمولات والسرقات. من هنا يحق السؤال: هل بعد كل هذا يحتاج العراق إلى الخصخصة أو استجداء المعونات من الدول الأجنبية!؟.. ولكن هل أن العراق يسيطر على قطاعه النفطي وعوائده النفطية؟
منذ الاحتلال وحتى الوقت الحاضر تسربت أخبار من مصادر متباينة تتضمن:
+ قيام عدد من المسؤولين مع بدء احتلال العراق تشكيل شركات نفطية وهمية خارج العراق لتسهيل حصول الشركات الأجنبية على العقود النفطية العراقية لقاء عمولات..
+ تصدير النفط العراقي في غياب استخدام العدادات، مما يعني سهولة إمكانية التلاعب بالكميات المصدرة وعوائدها.
+ قيام سلطة الاحتلال برهن كميات من النفط الاحتياطي لسنوات قادمة، بما يعنيه من نهب ثروات البلاد.
+ اتفاقات سرية فرضتها سلطة المحتل على الحكومة العراقية التي خرجت من رحمها لضمان الامدادات النفطية العراقية للولايات المتحدة الأمريكية بشروط تفضيلية لعقود قادمة.
+ تزويد سلطة المحتل بالنفط العراقي بسعر منخفض ربما لا يتجاوز عشرة دولارات للبرميل الواحد.
وإذا كانت هذه الأخبار المنشورة في حينها من مصادر عديدة لا يمكن البرهان على نفيها أو قبولها، فإن سكوت الحكومة العراقية الدمية تولد الكثير من الشكوك باتجاه تصديقها بشكل كلي أو جزئي. يضاف إلى ذلك حقيقة قائمة وصادرة من المنظمة الدولية ومجلس أمنها، وهي وضع عوائد النفط العراقي تحت سيطرة الاحتلال..
إذن مشكلة إعادة تأهيل قطاع النفط العراقي، بل وإعادة بناء الدولة العراقية، هي مشكلة سياسية تتجسد في الاحتلال ومحاولة إعادة بناء الدولة العراقية وفق منظوره ومصالحه، حيث بدأت الخطوات الأولى بالانتقال من تنصيب حكومة دمية إلى أخرى مماثلة على أساس المحاصصة الطائفية، تمهيداً لإصدار دستور يوفر بناء كانتونات طائفية تسهل استمرار سيطرة المحتل على العراق. وهكذا فالحل واضح وهو إنهاء الاحتلال بممارسة كافة أشكال المقاومة، تمهيداً لإنهاء الاحتلال وانتخاب حكومة وطنية وبناء دستور حضاري يقوم على المواطنة بعيدا عن كافة أشكال التميز الديني والمذهبي والطائفي والعشائري.
يُقال أن اللجنة الدستورية في الحكومة الدمية الحالية تدرس ضمن خياراتها توزيع جزء من العوائد النفطية مباشرة على المواطنين. وهذه الدعوة انطلقت مع بداية الاحتلال من قبل ممثل الاحتلال- الحاكم الأمريكي. وهي لا تخدم مصلحة البلاد بقدر ما تهدف إلى إلغاء أو إضعاف التوجهات التنموية باتجاه بناء اقتصاد استهلاكي يتغذى على مورد النفط القابل للزوال.. أن طريقة التوزيع النقدي لجزء من العوائد النفطية قائمة في ولاية ألاسكا الأمريكية، لكن الفرق شديد التباين. فالاقتصاد الأمريكي يتمتع بقدرة إنتاجية عالية تحتاج باستمرار إلى توليد الطلب الفعال لامتصاص الكميات الكبيرة من إنتاج السلع والخدمات، بينما الاقتصاد العراقي يعاني من ضعف قدرته على تلبية الطلب المحلي المتاح، أي حاجته لبناء قدرته الإنتاجية أولاً عن طريق تسريع التنمية. عليه تكون نتيجة سحب جزء من عوائد النفط في صورة نقدية وتوزيعها للأفراد هي حرمان البلاد لجزء من قدراتها الاستثمارية وإضعاف حركة تنميتها لصالح المستوردات الخارجية. من هنا تعبر هذه الدعوات عن الجهل و/ أو التخريب الاقتصادي.
كما سبقت المناقشة في فقرة سابقة، أن النفط العراقي من الناحية الفعلية هو تحت سيطرة المحتل. وعموماً، وبعد إنهاء الاحتلال وبناء حكومة وطنية منتخبة عندئذ يمكن للعراق إدارة قطاعه النفطي، وذك في سياق تجربته الغنية في هذا المجال والتي بدأت منذ بداية إنتاج النفط عام 1931. فمع بداية إنتاج النفط العراقي تم تخصيص كامل العوائد النفطية للأغراض الاستثمارية ولغاية الثورة النفطية الأولى (1952/1953)- إتفاقات مناصفة الأرباح، حيث ازدادت الايرادات النفطية، أعيد النظر في توزيع عوائد النفط على أساس 30% للميزانية العامة- السلطة التنفيذية- و 70% للميزانية الاستثمارية (مجلس الإعمار) تحت إشراف السلطة التشريعية. استمر هذا التوزيع لغاية العهد الجمهوري الأول بإعادة توزيع هذه العوائد مناصفة (50%) بين الميزانية العامة وبين الميزانية الاستثمارية (مجلس التخطيط). وفي المراحل المتقدمة من العهد الجمهوري (النظام السابق) غاب هذا التوزيع من النشرات الرسمية الحكومية.
أما في الوقت الحاضر، وعلى افتراض حصول البلاد على استقلالها الفعلي وقيام حكومة وطنية دستورية، يمكن العودة مبدئياً إلى نفس الطريقة بتخيص جزء من العوائد النفطية تحت تصرف السلطة التنفيذية (الميزانية العامة) والجزء الثاني تحت إشراف السلطة التشريعية (الميزانية الاستثمارية). ولما كانت ظروف البلاد تتطلب زيادة الخدمات العامة للمواطنين، عليه يقترح في بداية المرحلة أن تكون نسبة التوزيع 40% للميزانية العامة و60% للميزانية الاستثمارية، على أن تكون هذه السياسة مرنة تتقلص حصة الميزانية العامة من العوائد النفطية لصالح ميزانية التنمية مع بلوغ الخدمات العامة مستوياتها الاعتيادية في ظروف تصاعد عوائد التنمية.
المصادر
1- لمزيد من الاطلاع على المسيرة التاريخية النفطية، أنظر: رمزي سلمان، "السياسةالنفطية"، ندوة احتلال العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2004، ص907-936.. وأيضاً التعقيبات والمناقشات بصددها، نفس المصدر، ص 937-958.
2-Ramzi Salman,”Oil for Reconstruction after Oil for Food”,MEES,No.43,25,August,2003.
3- Isaam,A.R.Al-Chalabi,”Prospects for Iraq s’ Oil Industry”, The Future of Iraq,p.43-53.
4-Issam al-Chalabi, “Oil in Post Saddam Iraq”,MEES,25-23.6.2003.
5- Bruce O.,Riedel O.,TheFuture of Iraq,p.127-131.
6- Saadalla al-Fathi,”Vision of the Future: What s` next for Iraq”,MEES,7,July,2003.
7- A F Alhajji,”Expansion of Iraq s` Oil Production Capacity: The Challenges Ahead”, MEES, No.27,7, August,20-03.
8-MEES,No.42-18,Oct.,2004.
9-Abas Alnasrawi,MEES,45,2003.
10-Sabri Zire al-Saadi,MEES,29,2003..,Issam al-Chalabi,MEES,25,2003.
11- موقع شبكة أخبار العراق للجميع، تواريخ متعددة.



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسألة معارضة الخصخصة -التخصيص
- صندوق النقد الدولي ومستقبل العراق
- الدستور والانتخابات في العراق المحتل
- المقاومة والأحزاب السياسية في العراق المحتل
- حضارة وادي الرافدين** -العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. ...
- التحول الديمقراطي والمجتمع المدني** -مناقشة فكرية وامثلة لتج ...
- مأزق المرأة العراقية وقانون الاحوال الشخصية
- جذور ازمة العنف السياسي في العراق - قراءة في المواريث التاري ...
- مقومات التحول الديمقراطي
- العراق المعاصر انظمة الحكم والاحزاب السياسية
- نقد العولمة
- الاقتصاد- النفط العراقي الى اين؟
- الاقتصاد العراقي الي اين؟
- الوضع السياسي في العراق


المزيد.....




- خد راحة واستمتع.. موعد إجازة عيد الفطر 2024 للقطاع العام وال ...
- دولة عربية تتصدر التصنيف.. كبار موردي الألماس إلى الهند
- مكتب مراقبة الميزانية الأمريكي يحذر من صدمة للسوق في البلاد ...
- أنقرة تنفي التقارير حول مرحلة صعبة سيعيشها اقتصاد البلاد
- ارتفاع أسعار النفط بعد انخفاضها لجلستين متتاليتين
- تنزيل واتس اب بلس “الذهبي + الاخضر” التحديث الاخير .. ميزة ج ...
- لينـك تنزيل يوتيوب الذهبي (بدون اعلانات) التحديث الاخير .. م ...
- هبوط في أسعار الذهب.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الخميس 28 م ...
- تحديث بدون حظر.. خطوات تحميل واتساب الذهبي 2024 وأهم مميزات ...
- السوداني: إصلاح الأجهزة الأمنية العراقية جزء من إصلاح القطاع ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - مهمة اعمار وإدارة قطاع النفط العراقي