علوم الاستعمار : الأنثروبولوجيا والاثنوغرافيا والاثنولوجيا ...

العربي عقون

الحوار المتمدن-العدد: 4401 - 2014 / 3 / 22 - 08:49
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    

كان الاستعمار الأوربي الذي أحكم سيطرته على العالم على امتداد التاريخ الحديث والمعاصر قد استثمر في العلوم الإنسانية هذه العلوم التي كثيرا ما يهزأ منها حمقى السياسة البائسة في العالم العربي اليوم ظنا منهم أن التطور يعني التكنولوجيا مع أنّهم فشلوا في نقلها إلى بلدانهم وسيظل الفشل يلاحقهم لأن العلوم الإنسانية هي التي توفر المناخ والبيئة الملائمة لازدهار الحياة االتكنولوجية والعلمية عموما . لقد جعلوا من الآداب بكائيات سخيفة ومن التاريخ مناسبات عزاء ومآتم وأخيرا أطلقوا أيدي فقهاء الظلامية في التعليم هؤلاء الذين حاربوا تعلّم اللغات الحيّة ووقفوا بالمرصاد لكل فكر نيّر وفرضوا ما يسمونه بأسلمة العلوم والمعارف .لينتجوا أجيالا من الدوغمائيين المتعصبين المعطّلة عقولهم المشلولة سواعدهم القاصرة أبصارهم المعتلّة نفوسهم ...
نعود إلى الموضوع ... لقد استثمر الاستعمار الاوربي في العلوم الإنسانية وعلى الخصوص فروعها التي نعتها البعض بالعلوم الاستعمارية وعلى رأسها الثالوث الخطير : الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا والإثنولوجيا ولم تقتحم جيوشه أسوار بلداننا حتى كانت فرق البحث في هذه العلوم قد أنجزت بحوثها ووضعت أمام كل ضابط في وزارات الداخلية والحربية نتاجها المعرفي في تلك العلوم الذي شرّحنا تشريحا عميقا ونفذ إلى عقولنا المعطّلة وذهنياتنا البالية وتديننا السطحي المليء بالطقوس الخالي من الفضائل وباختصار كل حماقاتنا وبذلك يسهل للآلة الحربية الاستعمارية العمل لإحكام السيطرة علينا وبأنفسنا بحماس منقطع النظير وبحماقة "باهرة" .
النزعة القبَلية والعدوانية وروح الانتقام واستخفاف بعضنا ببعض وحدّة الطبع والسذاجة القاتلة هي شريعتنا في تعاملنا في ما بيننا ... التغني بالأنساب "النبوية الشريفة" المنحولة ألغت الانتماء إلى الأوطان ... كل هذا دُرِس بدقّة متناهية وكان الاستعمار وهو يلملم بعضه إيذانا بالرحيل الظاهري يعرف جيّدا بأنّه تركنا لحماقات الحمقى منا ولتناقضاتنا وهشاشة نسيجنا الاجتماعي... لتلك الذهنيات التي مكّن لها وهو يعرف أنّ هذه الشعوب الساذجة مهما حاولت اللحاق بركب العصر ستظل عاهاتها المستديمة متحكمة فيها ولا تكاد تقوم حتّى تتعثّر ... عندما كان العالم يتحرر باسم الوطنية والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان لم يتسع عقلنا لاستيعاب تلك المثل لأننا لا نعرف من الحروب إلا الحروب الدينية والحروب القبَلية.
لقد نجم عن تلك الذهنيات وجود قواميس في أذهاننا من عبارات التنافر والتباغض والأحقاد والاستخفاف والتنابز بالألقاب إلى حدّ أنّ اسطيفان اقزال كبير دهاقنة الاستعمار كتب في أحد مؤلفاته أنّ الأهلي (L’Indigène) يتوقف نموه العقلي في سنّ العشرين ويظل طول حياته لا يتجاور ذلك السنّ وهو يتحدّث عن تلك المعارك التي يخوضها "الأهالي" ضدّ بعضهم في كلّ سوق أسبوعية بسبب كلمة نابية أو وصف جارح من صعلوك لكرامة قبيلة ما (وهو ما ينطبق على رئيس حكومة الجزائر الذي أهان بعبارات نابية قسما كبيرا من شعب بلَده)... فما أشبه اليوم بالبارحة... رؤساء ووزراء الاستقلال المغشوش لا يزالون بتلك الذهنيات إلى اليوم ولا يزال الاستعلاء الأخرق والأجوف يتملك تلك الذهنيات البالية وما حدث ويحدث في غرداية وفي الشاوية في الجزائر دليل ساطع على انحدار شنيع لنظام حكم يستوزر حاشية من الخدم والحشم مع أنّ العبارة السائدة تقول : إذا أسند الأمر لغير أهله فانتظروا قيام الساعة.
العلوم المشار إليها سلاح ذو حدّين فمثلما استعملها الاستعمار لإذكاء روح التنافر في ما بيننا يمكن أن نتخذها أداة تشخيص لأمراضنا وعلاج لعللنا لكن وبكلّ أسف سارت الأمور كما أراد لها مستعمر الأمس ويبدو أنّ الوضع سيطول ويطول لأنّ تغيير الذهنيات يتطلب حركة تنوير جادّة وقوية تمتدّ على أجيال.

#العربي_عقون (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات