أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العزيز الحيدر - سواحل لاتقر بالضياع















المزيد.....

سواحل لاتقر بالضياع


عبد العزيز الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 18:54
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
سواحل لاتقر بالضياع
عبد العزيز الحيدر


ليس هناك ما يفصل هذه الروح المتوثبة وبين البحر ( الذي كانت نغمات امواجه تهدر من بعيد بالرغم من تصاعد الضوضاء من الكورنيش ووسائط النقل وكتل البشر المتشابك الثرثرة, المنتشر على ارصفته) سوى خيط واحد متوتركما تشد الطائرة الورقية الى سماء متوترة هي الاخرى بين ان تكون نسيما او تباشير ريح.... وهي...الروح الهائمة تخطو فوق الرمل.... كانت تستثار بالموجودات المادية المتناثرة من حولها... الاجساد الملقاة هنا وهناك بعضها يفترش الرمل وبعضها المناشف الملونه والاخرى المصطبات الخشبية الطويلة المظلله بمظلات واسعة ملونه.... الكورنيش من اليسار بكل كتل الحياة الملونه والعربات السياحية.. الاف السيارات الصغيرة والكبيرة وبعشرات الالوان والاشكال تسرع ولا تلوي على شي ... الاف البشر ,,,السابلة والباعة ,الرجال, النساء الاطفال والصبايا ..وجوه واجساد بيضاء واخرى سمراء واخرى سوداء ولكن المميز بينها هو الشكل الفرعوني المتناثر بجيناته الاصيلة في الكثير من الملامح الدقيقة من الراس الى القدمين... في المياة المتموجة بخفة كان العشرات من الصبية والفتيات يلعبون ويتصارخون وتتصاعد ضحكاتهم وهم يتقلبون في الامواج الصاعدة والهابطة او المندفعة نحوهم او المنسحبة بغنج وهي ايضا تضحك من اللاعبين بين احضانها...
ما الذي تفعله جوار هذا البحر ؟؟ الناس غارقون في العابهم والساحل يمتدبهم الى الوهم.... والوهم هو البحر.. الوهم موانئ بلا ارصفة او سلالم او فنار .. غير الفنار الوحيد الذي يلوح من بعيد كخط هزيل في نهاية لسان هو الاخر من هنا يشكل خطا هزيلا غامقا... مواني عارية السقوف لا ملاجئ فيها ولاهياكل واخشاب متعفنة دائمة الرطوبة ورافعات صفراء او زرقاء ترفع اذرعها نحو فراغ السماء بانتظار حاوية صغيرة او كبيرة...
اشعر بوحشة... بوجع... بجوع شديد غريب..... بحسد بلا حدود للذين لديهم وطن .... الوطن ليس انا فقط... الوطن لكي يكون لابد ان يكون شيئا ملموسا خارجا عنك وجودا موضوعيا قبل ان يكون احساسا داخليا او شعورا بالذات وانا الذي اكل العبث والغثيان جدران وجوده كما العثة تنخر في الجدران والجذوع , وتاكلت اماله وسالت من فم حكاياته الدرداء دون ان تهضمها الايام غثيانا مرا ... احن الى وطن .. الى مادة تضم سوائلي وما تهشم من مادتي الصلبة من عظامي التي طحنتها السنون او عضلاتي التي تاكلت من الجري والهروب والتسلق العبثي مذ ادركت بان وطني الحقيقي سكانه منحدرون كلهم من صلب سيزيف... انهم الابديون في العذاب.... سرمديو التعب والحزن والركض وراء المستحيل...كأنهم لا يرون شيئا سوى السراب الابدي...
فهل لهذه المدينه وسواحلها ان تهبني حضنا ...وطنا موقتا لبضع ساعات اخرى مثلما وهبتني اطمئنان الاسبوعين الماضيين.... اليست الجزء الاقرب من ام الدنيا؟... انها زيارتي الاولى للاسكندرية... لشروق الشمس الذي لم احظ بمثله في العقود الطويلة لتطلعاتي وتمعني في جمال الكون وابداعات الفنون المختلفة.
ومن الطابق الرابع من الريجسي في ميامي امتلأت بالدهشة والسحر وفغرت فاهي تعجبا من قرص برتقالي كبير يرتفع من وراء الافق الازرق , بالفعل ان للشمس طقوس النوم والاستيقاظ وهو ما ادركته لاول مره من هنا , وما كان بالامكان الا ان التقط كامرتي لاحيي الموقف بلقطة تاملية مثيرة....
في الطابق الاول تناولت افطاري... لم امسك نفسي رغم القولون وعسر الهضم عن الطبق الصباحي من الفول والطعميه اذا لم اجد في داخلي من شهية لسواهما تحية لوجودي الزمكاني هذا, تناولت اكثر من كوب من الشاي وانا اتامل الساحل والكورنيش الخاليين من البشر في مثل هذه الساعة الا ما ندر من المغادرين الى ارزاقهم واماكن اعمالهم اليومية... حتما لم يكن هذا المكان ما كان ليلة امس حيث لم يكن هناك موطئ للقدم من كرنفالات البشر المندفع نحو الساحل او المتجول في الكورنيش او المندفع الى الشوارع الفرعية التي لم تعد غير اسواق وشغلت كل ارصفتها بالباعة والرواد في هذا الخميس القبل الاخير على العيد الكبير.... نزلت مفكرا بالسير على ا لقدمين الى محطة الرمل حيث اعتدت خلال الايام الاخيرة التي قضيتها ان اجلس في مقهى شعبي لاخذ انفاسا من دخان المعسل وشايا بالقرنفل مستكملا تاملاتي اليومية......
القلعة من اقصى اللسان الممتد باتجاه الفنار كانت توحي مع الزرقة المالحة الممتدة الى خارج حدود الرؤية والمكان توحي بجمال وجودها في عمق المكان هذا.... وفي عمق زمان المدينة (العروس) وهي العالية الحصينة في احضان الموج المتكسر على اسسها المحمية بجلاميد صخرية كبيرة مقطعة باشكال هندسية منتظمة تذكر حال رؤيتها بتلك التي بنيت بها الاهرامات... وهي التي بينها وبين الاهرامات قرون وقرون وهي التي بيننا وبينها من هذه اللحظة قرون وقرون ..ترى الم يمتد الزمن؟؟؟؟؟ وهل يستمر في عبث نهائي ام يتوقف عند شئ؟ عند بلورة بين يديك ؟؟؟ البلورة السحرية جاءت ولكن؟؟؟ بلا دهشة انها الان في كل جيب يمكن اقتناءها من أي مكان.... لم كانت تعتبر اعجوبة اذن؟؟؟
اشعر بوحشة... بوجع... بجوع شديد غريب..... بحسد بلا حدود للذين لديهم وطن .... الوطن ليس انا فقط ... وليس انت لوحدك ....الوطن ان يحس كل من حولي بانهم شركائي في الفرح وشركائي في الحزن... وان لنا اهداف ومشاريع وامال وحب مشترك..
اين تصرخ بكلماتك .... بالالم الذي في جوف كلماتك , بتشابك الاشياء والوجود واضطراباتها في كينونتك وفي كلماتك ايضا.... اين؟؟ عليها ان تدوي..... ان لم يكن في هذا الساحل الممتد المطل على اللانهاية من الماء... من الوجود العابث اللانهائي المخيف القادر على ابتلاع كل المدن... كل الجزر .... فاين اذن؟ كيف لاتستوعب كلماتك وانت امتداد لها في ترجفك كموجاته في غضبها المكتوم الدائم.
الارض الحبلى بروائح الجثث, الارض الوحل والسماء المدرار يتناغمان حزنا وخراباً في هذة المدن المنكوبة بالبربرية والحروب والارهاب العبثي بشرائع السماء والارض ... حتما يبقي الانسان الهمجي قائدالمسيرة التاريخ لهذه الشعوب ؟؟ التي ترفض استخدام العقل بعنف ووحشية...وكم شهدت حتى هذه السواحل المستكينه برمالها ومياهها المالحة..........
قاموس الصمت تتقلب اوراقه على عدم , وسواد , وخراب , وظما ,وصحارى ورمال محرقة قاموس الصمت انجيل للسائرين في طرق الظلام.... اين ضجيج الرغبات وتقافز الاوتار في الساحات اين شدو الصبايا اين انغام السنابل لم الضجيج غائب عن مشهد الوجود؟؟ لم الوجود هلامي وبلا مكان؟؟؟ من نزع المكان من الرؤوس ؟؟ من ؟ كنت وبلا أي وعي اتقدم موغلا وعلى حافات المياه موغلا الى ابعد من الارض الماهوله... كنت عطشانا يبحث عما يروي ظمأه ولو من وراء هذا البحر نفسه...
وعلى قطعة مهجورة من الساحل اخذت طريقا ممتدا...لا ادري اين؟ غير ان الساحل سيكون دليلي في العودة مهما اوغلت. كنت انظر الى الجانب الاخر, تلال رمال , وساحل ينفصل عن الوجود كلما اوغلت....كان الوقت هنا يهدر كما تهدر الامواج ثم تقبل الارض الرملية وتوشوش لها ... نعم تشعر هنا بوجود آلاف الساعات وبمختلف الاشكال والاحجام , باطارات وبدونها باطارات خشبية و واخرى معدنية برؤوس واجراس واخرى عارية الراس متناثرة على الساحل بعضها جالسة واخرى مستلقية واخري تضم عقاربهاالى صدرها قسم منها تفتح مابين عقاربها ....منها الهرمة المنحنيةالظهر المبيضة العقارب , ومنها الفتيه الضاحكة... وبدات اشعر بان دالي لابد قد وطأ هذه البقعة بالذات وانه قد شاهد هذا المنظر بالذات ولفترة تاملية كامله تركت في ذاكرته كل هذه الانطباعات عن الساعات المهمله ..... انها لم تكن الزمن الضائع كما نريد ان نسقط عليها فرضياتنا الذهنية المجردة بل هي وجود مادي ملموس ولكن لايمكن ادراكة بسهوله ونكون فية بحاجة ماسة للتوحد بمواد الوجود في هذه البقعة ,الامواج والصخور, والرمل , والاقدام واثارها خلفنا .
كنت اشعرباني استعيد شيئا كثيرا من وجودي بشعور الوطن الذي منحتني اياه هذه السواحل التي لا تعرف الضياع... اليست هذه سواحل على حدود ام الدنيا



#عبد_العزيز_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحانه
- السلالمُ الملتويةُ المتصدعهْ
- صورة انطباعية
- نقار الخشب
- البهجة
- المطارد
- نار
- اللغة
- الآلة
- الوجود والعدم في المدينة
- قصة قصيرة الفجيعة
- الشيطان في الاحتفال
- مدن الضفادع
- يوما ما
- الظلال الكثيفة
- هو الذي انشد
- وصل
- شباك
- الظلال
- صهيل متاخر


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العزيز الحيدر - سواحل لاتقر بالضياع