|
الهدهد
رياض كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 4399 - 2014 / 3 / 20 - 00:24
المحور:
الادب والفن
قال لي بنبرة تهكمية . - أنت لا تساوي شيئاً ، تاريخك الجهادي فكاهي ، ما تتحدث عنه هو مجرد قصص فكاهية بالنسبة لما رأيته وعملته بحياتي ، هل تظن كونك سجنت بضعة شهور في الأمن العامة ، وعلقوك بالسقف وضربوا عجيزتك بالعصا ، يعطيك الحق بالتحدث عن المعاناة والنضال والشرف . هل تظن كونك بقيت في خيمة في الصحراء خمس سنوات يعطيك الحق بالجهادية ؟ أنت واهم جداً ، قصصك الفكاهية لا تستحق أن أفتح لك من أجلها ملفاً يشبه ملف المناضل والمجاهد جمعة . نعم قرأت ملفك كاملاً ، استمتعت به رغم أني لا أطيق الأدب ولا التحذلق الفارغ ، أنت تكتب في معظم الأحيان كأبناء الشوارع ، لا كأبناء السجون . حينما أقارن بينك وبين جمعة ، أجد فرقاً كبيراً ، فهو لا يتحدث عن الظلم والقهر . انه يتحدث عن حرب العصابات وطرق التسلل والتخفي والقتل . هذا ما يجعله نموذجاً جيداً للمقارنة بينه وبين الآخرين .. إسمع هذا ؟ أخرج من الجارورة ملف جمعة وصورته . قال - سوف لن أقرأ ملفه كاملاً سأقتطف منه بضعة قصص .. إسمع . فتحت عيني على أبي وهو يعمل مصلح ساعات ، وأمي تبيع في السوق ، عندما يعود أبي من عمله يفرش منضدته فوق السطح ويشرب عرق ثم يأخذ بالسباب ، يسب اسم الجلالة . لم أتحمل سبابه للذات الالهية ، ولم أستطع منعه ، فعمدت على سرقة أدوات شغله ورميتها في بالوعة الخراء ، حتى يكف عن سبابه ، لكنه بفعلي ذاك وجد عذراً جديداً بعدم الذهاب الى العمل وشرب المزيد من العرق وكيل المزيد من السباب ، ليس لله فحسب بل لأهل البيت . لم أتحمل وضعه المزري فوضعت المسدس بفمه وأطلقت النار . ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه ، ابتسامة رضا . في السجن انتميت للحزب ، يقصد حزبنا ، وهناك تعرفت على ( الهدهد ) ، سأقول لك من هو الهدهد بعد أن أنتهي من هذا الملف . الهدهد كان هو جلادنا ، رئيس الجلادين ، لكنه كان يحبنا جداً ، بحيث ترك زوجته وأطفاله وبيته وأخذ ينام معنا بالزنزانة ، يأكل ويشرب وينام معنا ، يجلدنا بقسوة والدموع تتساقط من عينيه ، وعند إنتهاء حفلة الجلد ، يأتي لنا محملاً بالقطن والشاش النظيف ويعالج جروحنا وهو يغني . استطعنا تنظيمه للحزب بفضل الله تعالى ، فأصبح واحداً من أخلص الأعضاء للحزب وأنقذ حياة الكثيرين منا ، فهو حينما يجلدنا ، يجلدنا بحب . وبفضله هربنا من السجن الى الهور ، ومن هناك إشتغلنا بالتهريب والتسليب والأغتيالات ... أنا والهدهد من إستدرج ( الشعّار ) الشعبي الى مزرعة قصية ، كانت خطة الهدهد بالحقيقة ، فهو من كلّف زوجته بتمثيل دور الكاولية على الشاعر وجلبه للمزرعة ، قتلناه هناك وقطعنا عضوه ووضعناه بفمه . كانت أقوى ضربة للنظام الفاجر آنذاك ، وقد كرمنا الحزب ورفعنا درجة . عمليتنا الثانية كانت تفجير واحدة من السينمات التي تعرض الفجور ، كانت خطة الحزب مجرد إثارة الرعب بالنظام ، لكن الهدهد استطاع تفجيرها بالكامل وإثارة الرعب في العراق كله ، حتى أن الناس أخذت تتجنب دخول المسارح والسينمات والبارات . المناضلة الحاجة زوجة الهدهد ، كانت خير عون لنا في كل عملياتنا الجهادية ، فهي تستطيع عمل كل شيء ، شاطرة وذكية ولهلوبة وجميلة ، لم أكن أعرف انها تمتلك كل تلك المؤهلات ، فهي تعمل راقصة حينما يتطلب الدور ، وتعمل عميلة بنوك ، وقوادة وقابلة مأذونة وملاية ، بفضل ايمانها وصلابة عقيدتها أوقعنا الكثير من ضباط الأمن ورؤساء الشرطة بقبضتنا وقتلناهم . لكن يا للأسف ، هناك من وشى بها وأوقعها بأيديهم . يقول جمعة في هذه الورقة . أن الحاجة كانت صلبة وقوية ، لم تعترف عليّ وعلى الهدهد ، التزمت الصمت تحت سياط الهدهد الرحيمة ودموعه ، حتى استشهدت . خوفاً من انكشاف أمرنا ، قررت الإنفصال عن الهدهد مؤقتاً ، أنا تسللت الى ايران بينما بقي الهدهد يعمل جلاداً في مديرية الأمن ، وفي إجازته يمارس هوايته القديمة ، قتل خصومه وإخصائهم . كشّر بوجهي ورمى عليّ ملف التقاعد . - هل تعرف من هو الهدهد ؟ قلت - كلا . أسند ظهره على الكرسي وتنهد بعمق - إنه أنا .
#رياض_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البنات والتاجر
-
قصر القبجات
-
الشبكة والصياد
-
سلام وحب
-
طفل الله المشؤوم
-
حلم ليلة عيد الميلاد
-
الوصول الى جزيرة هاي
-
ساسون
-
اليوم الأخير والسعيد في حياة عباس أفندي
-
اوكسجين
-
امرأة ورجلان
-
حول غرابة الاشياء من حولنا
-
قطة على الجدار
-
المسافرون الخالدون
-
صميدع
-
بيت الشجعان
-
وداعاً يا راعي البقر
-
الجلوس في مدينة الذكريات
-
ليلة غريبة قصة قصيرة
-
مرآة الغرفة والجليس الصامت
المزيد.....
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
-
تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي
...
-
-حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين
...
-
-خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
-
موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي
...
-
التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
-
1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا
...
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|