أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (41)















المزيد.....

منزلنا الريفي (41)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4397 - 2014 / 3 / 18 - 08:48
المحور: الادب والفن
    


الكرويلة

كان الجو خريفا، يرتدي الطاهر لباسا أنيقا، يجيش صدره بعاصفة فرح مدمرة، لقد قال له والده البارحة :
- غدا ستذهب إلى السوق رفقة خالك بنداود .
وها هو يقتحم الغابة بأغصانها المتشابكة، وهو يسارع الخطى لكي لا تفوته كرويلة خاله التي ستنطلق عما قريب .
السوق حلم كل طفل قروي، إنه جنة مليئة بالأماني، فهو يفيض بالألعاب، والحلويات والفواكه والمقتنيات، لقد كان حلم الطاهر هو أن يشتري السوق بأسره لكي لا يتوق يوما بزيارته، لكن ظنه كان يخيب، ففي كل مرة كان يحاول، غير أن يد والده الباطشة لا تشتري له شيئا، فكم من مرة بكى، وكم من مرة تمرغ في التراب، فخنائنه كانت تتساقط كالبرد، وشعره يفيض غبارا، أووه لقد تحول السوق إلى جهنم .
يقترب الطاهر من خيمة خاله، تنبح الكلاب، تهاجمه، ينحني صوب الأرض، يأخذ " الكرت "، تطوقه، يرتعد في وجهها :
- و ت خش سيري .
ترد عليه :
- هاو هاو هاو
تتراجع زمرة الكلاب، يحس الطاهر بالأمان، يطمئن لحاله، يتيه في شروده، ومن حين لآخر ينادي :
- واااخالي
يتوقف، سرعان ما يتمم، إلا أن كلبة غدارة، رئيسة الزمرة عضته من جلاويله، فصرخ الطاهر :
- وها ناري وها ناري ...
تخرج الباتول بنت خاله، وتنادي عليه :
- تمالك الطويهر أجابك عدنا !
- والو البيتيل بنت خالي غير الكلبة عضتني هانتي شوفي .
تتأفف الباتول، تنظر إليه من بعيد، لقد مزقت الكلبة سرواله، لا يبالي الطاهر ؛ يسألها :
- خالي مشى للسوق ؟
*****************
على طريق متعرجة، يلفها الدوم لفا، ويطوقها السدر تطويقا ؛ تتطاير هبات غبار، ومن هناك تسير كرويلة بحجم سلحفاة، يقودها حصان بحجم نملة . تتطاير أصوات كأريج الزهور، ويتشظى ضحك كزخات المطر . من بعيد يتراءى طفلان ؛ هذا الطاهر، وهذه الباتول، وتدور عجلة الكرويلة كما يدور الزمن بانعرجاته المتلونة .
*****************
ينسى الطاهر عضة الكلبة، تضمد الباتول جراحه، وبينما هما يمتطيان الكرويلة يهمس الطاهر إلى الباتول دون أن يسمعه خاله :
- البيتيل عرفتي عطاني ب ربعد ريال
ترد عليه :
- وانا مالي . أنا ب معطاني والو .
يعقب عليها :
سأشتري لك فانيدتين عربونا على حبي لك .
ترمقه بنظرة خائبة :
- ب شوف علي هاد المروبل .
يحمر وجه الطاهر، يقول له خاله :
- مالك أ الطويهر ؟
*******************
حينما تكونين معي، يكون العالم بأسره معي، آه لو تعلمين يا بنت خالي الغالية ؛ إن الكرويلة التي كنا نمتطيها منذ ما ينيف على عشر سنوات كانت بمثابة سفينة الحياة، يؤسفني أنك تزوجت منذ سنتين، وأن خالي مات في تلك الحادثة الملغومة، وأنني كنت مازلت في الجامعة...لكن حبي لك مازال حيا، أخبرتك عن ذلك في طفولتي الغابرة، ولكن في الطفولة نتعلم الحب بدون شكور أو جزاء ؛ إن الكرويلة علمتني كيف أحبك، كيف لا يكون الأمر كذلك والأرض التي امتطتها الكرويلة كانت تفوح بالأقحوان والرياحين، أردت أن أهديك واحدة، ولكن خفت أن ينهرني خالي، فالحصان كان يعدو بسرعة، لعلك تتذكرين حينما أخبرتك أنني سأشتري لك فانيدتين عربونا على حبي لك...عزيزتي الباتول : أنظر إلى عينيك، فأكاد أغرق فيهما، أما ضحكاتك فقد كانت كمنسوب الوادي، لكن مطرقة الزمن كسرت كل شيء ؛ هل تذكرين ذلك اليوم الذي عضتني فيه الكلبة ؟ فإذا كنت قد نسيت ذلك، فأنا لن أنساه أبدا، فتضميدك لجراحي علمني كيف أحبك، حقا لقد أغلق الزمن باب الحب، ولكن ها أنا أطل عليك من النافذة ؛ أنظري إلي ولا تختفي وسط حلكة الظلام كما تتوارى الهوامات وسط الأجواء .
عزيزتي الباتول : أحبك ضدا على عوادي الزمن ...
أكتوبر 2013
*****************
السوق...جلبة واكتظاظ، حرارة مفرطة تسد الأنفاس، يصيح الباعة كما تصيح الخرفان، زوار بين الغدو والرواح، يسيرون بين الذهاب والإياب، من هناك تتصاعد الأدخنة إلى السماء، فيظهر رجل في الخمسين من عمره، يرتدي جلبابا بنية، بنيته الجسمانية نحيفة، ويعتمر على رأسه قبعة زرقاء، ويحيط به فتى في الثانية عشرة من عمره، وفتاة في عمر العاشرة ؛ يخاطب الفتى :
- الطويهر سير جيب الصينية .
يلتقطها الطاهر من صاحب المقهى، من بعيد ينهره خاله :
- شد مزيان غادي تكفح البراد .
يستمر الطاهر في فقدان توازنه ؛ يأمر الفتاة :
- البيتيل نوضي عاوني ولد عمتك .
تنهض من مكانها، فتأخذ البراد، وتترك له الصينية والكؤوس . يخاطبهما معا :
تهلاو في بعضياتكم
يطلق الطاهر ابتسامة، وينحدر بعينيه نحو الأسفل، أما الباتول فتحمر وجنتاها ...
غشت 2003
*******************
يعود الطاهر منتشيا إلى منزلهم . يدخل إلى الدار، لاشيء يبعث على الفرح، ينظر إلى أمه، تسود في وجهها كآبة كغمامة سوداء . ما الذي حصل ؟ يسأل الطاهر نفسه، يخاطب أمه :
- ألا تفرحين معي يا أمي ! لقد حصلت على مهنة، وها أنا جئت لأتزوج الباتول .
لا تبالي أمه، تستمر متسمرة في صمتها، وحزنها . لم يفهم الطاهر شيئا . لقد غادر قريته منذ ما ينيف على عشر سنوات ....
غشت 2013
*****************
تركب الباتول العمارية، تزغرد النساء، ترقص الفتيات، يهيج المغنون، تلبس الباتول أبهى حلة، لكنها تبدو كئيبة . يحضر جسدها في الحفل، بينما يغيب عقلها ؛ تقتحمها أمواج من الذكريات، في الهامش تجلس أم الطاهر الذي اختفى دون أن يعود . فشح العمل في قريته علمه كيف يكرهها ، بل كل ما فيها .
يوليوز 2006
******************
ذات صباح، انعرجت الكرويلة، فهاجت وماجت الكلاب، لم يبق إلا أثر وبعض الإطارات الحديدية، تجمع الناس، وكانوا يقرؤون اللطيف، جاءت دورية الدرك، فسجلت محضرا وأحرقت الدماء، تبخر السوق، وتبخرت معه الأحلام، وانصرمت الذكريات، وهاجت الأحداث كما يهيج العباب...ولما تفرق الناس جاءت مراهقة تنادي بصوت يمزق القلوب :
- واااااااااااااااهي ب فين مشيتي وخلتيني ...
تشظى صوتها، وابتلعه الزمن .
يونيو 2005
******************
عاد الطفل من السوق، سألته أمه :
- واش تهلا فك خالك ؟
رد عليها :
- تهلا فيا بزاف بزاف .
عقبت عليه، وهي تبتسم :
- راك عزيز عليه أ وليدي، ملي مات باك ونت عزيز عليه، كان كيكول ليا هاد هو راجل بنتي الباتول . واش غادة تلكا حسن منو ..
ينظر إليها، فيحمر وجهه، ثم تتمم :
- تقليدي علك أ وليدي . هاد وصية من عاد خالك لقراك . ها سخط ها رضا إلى مخضتيش بنت خالك الباتول .
2003
***************
يبلغ الطاهر أربعين عاما دون أن يتزوج، تزور منزلهم الباتول، تحمل فوق ظهرها طفلا، يذهبون إلى زيارة قبر أبيها، على باب المقبرة يجدون جماعة من الكلاب، يتذكر الطاهر العضة، تهاجمه رعشة تتخللها عاصفة بكاء، يريد أن ينتقم من الزمن، يعجز عن ذلك ؛ يتخلى عن كل شيء ؛ عن ماضيه وعلمه وأفكاره، ويهيم في موجة من الضباب كانت قد اقتحمت المقبرة ذلك اليوم...تتخلى الباتول عن كل شيء، وتترك طفلها في عهدة عمتها وتتبعه ....
****************
قرب فيلة أنيقة، يربض شيخ اسمه الطاهر رفقة زمرة من الكلاب، لا يحتفظ بأية ذاكرة غير تاريخ زمرته...وعلى رأس الزمرة كلبة اسمها الباتول ....
تمر بجواره كرويلة، فينادي :
- واااا الباتول . ه خالي ج هههههه

عبد الله عنتار / الأحد 16 مارس 2014 / بنسليمان – المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (40)
- منزلنا الريفي (39)
- منزلنا الريفي (38)
- منزلنا الريفي (37)
- عيد ميلادي
- منزلنا الريفي (36)
- المستنقعات
- منزلنا الريفي (35)
- المتاهة
- هزيمتي
- منزلنا الريفي (34)
- منزلنا الريفي (33)
- متاهات
- قبلة من الوادي
- منزلنا الريفي ( 32 )
- منزلنا الريفي (31)
- نحو رؤية هادئة للتملق
- منزلنا الريفي ( 30 )
- عائد إلى القرية
- حمى الاستسلام


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (41)