أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - تزوير مسيحية يسوع – 27















المزيد.....

تزوير مسيحية يسوع – 27


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4394 - 2014 / 3 / 15 - 17:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ملاحظة: هذه المقالة تُعتبر كتكملة لسلسلة المقالات السابقة تحت عنوان (تزوير مسيحية يسوع – 1 إلى 26)، ويجب أن تُقرأ المقالات السابقة كمقدمة أساسية وضرورية لهذه المقالة.


يُعتبر إنجيل مرقس، على عكس ما يعتقده العامة من المسيحيين، مِنْ أهم الأناجيل على الأطلاق ضمن مجموعة العهد الجديد. فدرجة أهميته للبحث النقدي يأتي ثانياً بعد رسائل بولس [على القارئ أن يعي هنا بأن هناك رسائل منحولة على بولس في العهد الجديد، وهو لم يكتبها قطعاً وبكل تأكيد وإنما نُسِبت إليه بعد موته، مثل الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي والرسالتين إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس، ولذلك حيثما يرد في البحوث النقدية الإشارة إلى رسائل بولس فإن المقصود هو (فقط وحصراً) الرسائل الثابتة قطعاً أنها منه مثل الرسالة إلى أهل رومية والرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي والرسالتين إلى أهل كورنثوس والرسالة إلى أهل غلاطية وإلى فيلبي، وكل الاستنتاجات التي تُقرأ في البحوث النقدية عن بولس إنما هي من تلك الرسائل الثابتة نسبتها إليه فقط، وربما يكون هذا موضوعاً لمقالة قادمة]. فكما ذكرت، فإن درجة أهمية إنجيل مرقس للبحث النقدي يأتي ثانياً بعد رسائل بولس. والسبب في هذه الأهمية القصوى للبحث النقدي هو أن هذا الإنجيل كان أحد المصادر الرئيسة لكاتبي إنجيلي متّى ولوقا. فهذين الكاتبين عندما قررا أن يكتبا إنجيليهما أخذا نسخة مكتوبة مِنْ الإنجيل المنسوب إلى مرقس ونقلا منه قصصها مع تعمد التعديل والحذف والإضافة والاختراع. هذا (التعمد في التحوير) على المصدر، أي على إنجيل مرقس، هو الذي كشف الكثير عن المناخ الفكري والعقائدي للقرن الأول الميلادي، وتطور المسيحية المبكرة من أول بولس ونهاية بكتابات الآباء الأوائل في نهاية القرن الثاني، وكشف ممارسات "قديسي" المسيحية الأوائل وتعمدهم (التزوير). وإنْ كان الجميع مِنْ دون استثناء في المسيحية المبكرة يخترع القصص ليسوع ويستلهمها من مصادر متنوعة، وثنية ويهودية، ويحورها ويُعدل عليها بالحذف والإضافة، إلا أن كاتب إنجيل متّى بالذات كان أكثرهم (حرية)، إن صح هذا التعبير، في هذه الممارسات. إذ يكفي فقط، من دون كل محتوى العهد الجديد، أن يملك الباحث إنجيل مرقس، أول إنجيل مكتوب بعد رسائل بولس، وإنجيل متّى لكي يُثبت حجم الاختراع والتزييف، والحذف والإضافة، والتزوير والتركيب على نصوص العهد القديم اليهودية التي مارسها المسيحيون الأوائل لإثبات مسيحية يسوع، إلههم الجديد. إلا أن كاتب إنجيل متّى كان يفعل ما يفعله (بوعي وبتعمد)، هذا إذا افترضنا جدلاً أن كاتب إنجيل مرقس لم يكن كذلك. هذه المقالة سوف تركز النظر على أمثلة لتعمُد كاتب إنجيل متّى تعديل وتحوير ما كان ينقله من إنجيل مرقس، مع دوافعه في ذلك.

في البداية يجب أن يعي القارئ الكريم أن ترتيب المحتوى، أي الأناجيل والرسائل، في كتاب العهد الجديد هو (ترتيب مخادع ولا يعكس الترتيب التاريخي الحقيقي) لكتابة هذه النصوص. ولذلك (يجب على الباحث) أن يُعيد ترتيب محتوى العهد الجديد على حسب تاريخ كتابتها حتى يرى مراحل تطور شخصية يسوع والعقيدة فيه وفي اللاهوت المسيحية، بل ويكتشف شخصيات كاتبيها ويستقرئ ظروفهم ودوافعهم. فمثلاً، يسوع في كتابات بولس (لا يوجد لديه معجزة واحدة إطلاقاً). بولس لم يكن يعرف ليسوع أية معجزة، (ولأنه كان يعيش في نفس جيل يسوع ومَنْ عاصروه كانوا لا يزالون أحياء لم يستطع أن يخترع له معجزة)، ولذلك أتت رسائله خالية منها. فيسوع عند بولس هو رجل يهودي، كان يرى فيه أنه المسيح الموعود وأنه مات على الصليب فداءً لذنوب البشر وقام في اليوم الثالث وارتفع عند أبيه الإله وأنه سيعود في (حياة بولس نفسه أو على أبعد الاحتمالات في جيله) ليُقيم مملكة الله [لاحظ هنا أن مملكة بولس التي يتكلم عنها هي مملكة دنيوية وليست سماوية أُخروية كما يُصر على ذلك اللاهوت المسيحي اللاحق الذي اصطدم بعدم تحقق قناعات بولس وما كان يكتبه في رسائله]. بعد موت بولس وتداول رسائله أتى كاتب إنجيل مرقس في حوالي سنة 70 مـ، أي بعد حوالي 40 سنة من قتل يسوع وبعد هدم المعبد اليهودي وتشتت اليهود، ليكتب إنجيله ولنرى عنده (أول ظهور لمعجزات يسوع). إلا أن يسوع في إنجيل مرقس (كان لا يزال يحتفظ ببشرية واضحة إلى الحد أننا نقرأ عنده أن تلاميذه، أي تلاميذ يسوع، كانوا يستهزؤون به، ويخضع أحياناً لمطالبهم، بل كان بعضهم (ينهره) ولا يدافع يسوع عن نفسه إلا عندما (التفت وأبصر تلاميذه) الآخرين، فكأنه شعر (بخجل من نوع ما) أنَ هذا حدث على مسمع ومرأى منهم فاضطر لرد الصاع: (فانتهر [أي يسوع] بطرس [الذي نهره أولاً] قائلاً اذهب عني يا شيطان) [لتفاصيل القصة انظر: إنجيل مرقس 8: 32-33]. يسوع في إنجيل مرقس كان لا يزال (كائن مختلف عن إله)، منفصل عنه ومتمايز، ولا يشكل (واحداً) مع (الأب) إطلاقاً، هو ليس (رب كامل) بعد، ولذلك نقرأ في هذا الإنجيل بالذات اعتراض يسوع عالي النبرة على الشخص الذي قال له (أيها المعلم الصالح) [مرقس 10: 17]، فقال له يسوع في الحال منتفضاً (لماذا تدعوني صالحاً؟! ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله) [مرقس 10: 18]، فيسوع ليس هو الله في إنجيل مرقس. وكذا هو الحال في (المرحلة الانتقالية)، مِنْ يسوع الذي لا يملك معجزات إطلاقاً كما عند بولس إلى يسوع الذي يملك (بعض) المعجزات كما في إنجيل مرقس، كان لابد له أن يحتفظ ببعض (الصفات البشرية المناقضة للتعالي الإلهي). بعد كتابة الإنجيل المنسوب إلى مرقس بحوالي خمسة عشر سنة أتى كاتب إنجيل متّى ليكتب إنجيله، ولنرى عند (أول ظهور لقصة الولادة العذرية ليسوع، ولسلسلة نسب لِمنْ قال لنا بأن أبوه هو الرب نفسه)، ونقرأ قصص جديدة لمعجزات، وتحوير وإلغاء وحذف وإضافة على قصص إنجيل مرقس، (وتعديل واضح ومتعمد على شخصية يسوع بحيث تم إلغاء كل ما يشير إلى استهزاء تلاميذ يسوع به، وتغيير كلمات إنجيل مرقس لصالح إنقاص بشرية يسوع وزيادة الجزء الإلهي فيه). إلا أن إنفصال يسوع عن البشرية لم يكن تاماً أيضاً، فلا يزال (النص المسيحي المقدس في مرحلة التطوير والتنقيح، وكذلك العقيدة في يسوع). بعد كاتب إنجيل متّى أتى كاتب إنجيل لوقا بحوالي عشر سنوات، وابتدأ بكتابة إنجيله مستخدماً نسخة من إنجيل مرقس. وإن كان هذا الكاتب (أكثر أمانة من كاتب إنجيل متّى) في تعامله مع مصدره، إلا أنه (اضطر أيضاً بدوره إلى التحوير والتعديل بسبب ظروف متعددة كانت تحيط به، منها ظاهرة (إنكار معجزات يسوع) التي واجهته بصورة شاملة وكاملة من قطاع عريض في مجتمعه وكان لابد له أن يتعامل معها في نصه الإنجيلي الجديد [لمثال على ذلك انظر مقال: تزوير مسيحية يسوع – 26]. وبسبب ذلك الحال الظرفي لكاتب إنجيل لوقا بقي يسوع (بشرياً) من دون تطوير خارج ما كان كتبه كاتب إنجيل متى، إلا أنه (اخترع ليسوع معجزات جديدة لم يكن يعرفها كاتب إنجيل مرقس ولا حتى كاتب إنجيل متّى، ولا توجد هذه المعجزات إلا في إنجيل لوقا)، انظر على سبيل المثال: [لوقا 5: 4-9] و [لوقا 13: 10-13]. فكلما ازددنا بُعداً عن زمان يسوع (زادت قصص معجزاته طردياً، ونقصت بشريته بصورة طردية أيضاً). ثم أتى أخيراً كتبة إنجيل يوحنا [لم يؤلفه كاتب واحد وإنما هو مجهود جماعي لاحتواءه على ثلاثة مستويات قصصية على الأقل تم دمجها في نص واحد] في بداية القرن الثاني للميلاد، أي على الأقل بعد سبعين إلى ثمانين سنة بعد قتل يسوع على الصليب، وليتحول يسوع تماماً في نصوص هذا الإنجيل إلى (إله)، بمعجزات وبتقريرات لاهوتية وبتعالي واضح ولتختفي معها حتى أمثلته الشهيرة التي خاطب بها الجموع في الأناجيل الثلاثة السابقة، فلا حاجة له فيها في إنجيل يوحنا، ولنرى يسوع جديد، صريح، مباشر في إلوهيته. وهكذا تطور يسوع، خلال سبعين أو ثمانين سنة، من رجل دين يهودي متطرف لا يأبه له المؤرخون اليهود ولا الرومان إلى (مسيح – مخلص - إله) للأمم.

(المرحلة الثالثة) في تطور العقيدة في يسوع، بعد بولس وبعد كاتب إنجيل مرقس، تولاها كاتب إنجيل متّى. فكان لابد أن يتم (تهذيب صورة يسوع) في نصه الإنجيلي حتى يرتقي به من الصورة التي قرأها في إنجيل مرقس. وسوف أضرب هنا مثال وهي القصة الشهيرة لإطعام يسوع الجموع المحتشدة خبزاً وسمكاً وهم في الصحراء. بالطبع، أصل هذه القصة هو من العهد القديم، من نصوص التوراة بالتحديد، حيث نرى موسى كواسطة لإطعام اليهود في الصحراء. ففي سفر الخروج نقرأ شكوى عشرات الآلاف من اليهود في صحراء سيناء بأنهم كانوا في مصر يأكلون الخبز وهم بجانب قدور اللحم [خروج 16: 3]، فتكفل إلههم (يهوه) بأن يُمطر عليهم خبزاً في الصباح ولحماً في المساء [خروج 16: 4 و 8 و 12]. فحقيقة قصة يسوع التي سنتطرق لها بالتحليل هو (اقتباس مع تحوير وتطوير) لقصة موسى في التوراة. ترد قصة معجزة يسوع هذه أول مرة في إنجيل مرقس على أن (جمعاً كثيراً) كان بانتظار يسوع في موضع خلاء، ثم:

(بعد ساعات كثيرة تقدم إليه تلاميذه قائلين: الموضع خلاء والوقت مضى، اصرفهم لكي يمضوا إلى الضياع والقرى حوالينا ويبتاعوا لهم خبزا، لأن ليس عندهم ما يأكلون. فأجاب [أي يسوع] وقال لهم: أعطوهم أنتم ليأكلوا. فقالوا له: أنمضي ونبتاع خبزا بمئتي دينار ونعطيهم ليأكلوا؟!! فقال لهم: كم رغيفا عندكم؟ اذهبوا وانظروا. ولما علموا قالوا: خمسة وسمكتان. فأمرهم أن يجعلوا الجميع يتكئون رفاقاً رفاقاً على العشب الأخضر. فاتكأوا صفوفاً صفوفاً : مئة مئة وخمسين خمسين. فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين، ورفع نظره نحو السماء، وبارك ثم كسر الأرغفة، وأعطى تلاميذه ليقدموا إليهم، وقسم السمكتين للجميع. فأكل الجميع وشبعوا. ثم رفعوا من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوة، ومن السمك. وكان الذين أكلوا من الأرغفة نحو خمسة آلاف رجل) [مرقس 6: 35-44]

أول ما نلاحظه هنا في هذه قصة إنجيل مرقس هو (نبرة الاستهزاء) عند تلاميذ يسوع في جوابهم على طلبه (أعطوهم أنتم ليأكلوا). إذ، نظراً لكثرة الجموع، أجابوه (أنمضي ونبتاع خبزاً بمئتي دينار ونعطيهم ليأكلوا؟!!). فهؤلاء التلاميذ ليسوا إلا صيادي سمك، فقراء أميين، اضطروا مرة بسبب جوعهم أن يدخلوا حقلاً من غير اسئذان ويقطفوا سنابله ويأكلوها نيئة [مرقس 2: 23] وهو يطلب منهم الآن أن يعطوا آلافاً من الناس ليأكلوا بما قيمته (مئتي دينار). وهي ليست المرة الأولى التي نقرأ فيها نبرة الاستهزاء بيسوع في خطاب تلاميذه له في إنجيل مرقس. إذ سبق لهم أن استهزأوا بسؤال له أيضاً. فقد ورد في إنجيل مرقس قصة المرأة التي كانت تعاني من نزف مزمن ولمست ثياب يسوع لتشفى، فإذا بيسوع يلتفت قائلاً لتلاميذه (مَن لمس ثيابي؟) [مرقس 5: 30]، فيجيبه تلاميذه بنبرة استهزاء وضيق واضحين: (فقال له تلاميذه: أنت تنظر الجمع يزحمك، وتقول: مَنْ لمسني؟!) [مرقس 5: 31]، فما كان من يسوع إلا أنْ تجاهل نبرة تلامذته في خطابهم له وبدأ (ينظر حوله ليرى التي فعلت هذا) [مرقس 5: 32]. والملاحظة الثانية في قصة إطعام الجموع هي أن يسوع كان (جاهلاً بكمية الطعام الموجودة مع تلامذته)، فاضطر أن يسألهم عن ذلك، بل أمرهم بقوله (اذهبوا وانظروا)، ولما عادوا أخبروه بأن الذي عندهم هو فقط خمسة أرغفة وسمكتان. هذا كله بالطبع (غير مقبول إطلاقاً عند كاتب إنجيل متّى)، فلا نبرة الاستهزاء مقبولة، ولا ليسوع أن يبدو جاهلاً بشيء مهما كان صغيراً كان مقبولاً عنده. (فكيف بإله يستهزئ به تلامذته؟ وكيف لإله أن يكون جاهلاً؟). هذا بالإضافة إلى أنه (مِنْ غير المعقول أن تكون هذه الجموع كلها، أي الخمسة آلاف، هُم كلهم من الرجال فقط)، فإنجيل مرقس يحدد الذين أكلوا هكذا: (وكان الذين أكلوا من الأرغفة نحو خمسة آلاف رجل)، ثم يسكت، وهذا غير منطقي إطلاقاً أن لا يكون مِن الذين خرجوا نساء وأطفال. ولذلك عندما ابتدأ كاتب إنجيل متّى بنقل القصة من إنجيل مرقس، (تدخّل متعمداً في سياقها وعدّل عليها) ولنقرأها الآن عنده هكذا:

(ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين: الموضع خلاء والوقت قد مضى. اصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاماً. فقال لهم يسوع: لا حاجة لهم أن يمضوا. أعطوهم أنتم ليأكلوا. فقالوا له: ليس عندنا ههنا إلا خمسة أرغفة وسمكتان. فقال: ائتوني بها إلى هنا. فأمر الجموع أن يتكئوا على العشب. ثم أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين، ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسر وأعطى الأرغفة للتلاميذ، والتلاميذ للجموع. فأكل الجميع وشبعوا . ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة. والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل، ما عدا النساء والأولاد) [متى 14: 15-21]

فأول ما فعله كاتب إنجيل متّى هو (إلغاء) السؤال الاستهزائي بيسوع من جانب تلامذته تماماً مِن قصته. فلا وجود لهذه العبارة في قصته: (أنمضي ونبتاع خبزا بمئتي دينار ونعطيهم ليأكلوا؟!!)، هو ألغاها من القصة تماماً مثلما ألغى عبارة (فقال له تلاميذه: أنت تنظر الجمع يزحمك، وتقول: من لمسني؟!) [مرقس 5: 31] عندما نقل تلك القصة في إنجيله. فيسوع الآن في إنجيل متّى، كـ (أنا) أو (كذات)، أكثر تحصيناً وثباتاً وقوة منه في إنجيل مرقس. فلا أحد يجب أن يتجرأ على (إله) بهذه النبرة الساخرة كما يعتقد كاتب إنجيل متّى. ثم بعد ذلك ألغى سؤال يسوع الذي نقرأه في قصة مرقس (فقال لهم: كم رغيفا عندكم؟ اذهبوا وانظروا)، تماماً كما فعل عندما ألغى سؤال يسوع (مَن لمس ثيابي؟) [مرقس 5: 30] عندما نقل القصة في إنجيله. فيسوع الآن في إنجيل متّى، كـ (إله) أو كـ (رب)، أكثر علماً ومعرفة منه في إنجيل مرقس، ولا يبدو إطلاقاً أنه كان جاهلٌ ابتداءً بكمية الطعام الموجودة مع تلامذته. فلا أحد يجب أن يشك في معرفة (الإله) المطلقة كما يعتقد كاتب إنجيل متّى. ثم بعد ذلك أضاف (كانوا نحو خمسة آلاف رجل، ما عدا النساء والأولاد) حتى يحل مشكلة (لا منطقية الظرف) في قصة إنجيل مرقس، فلابد أن نساء وأطفال كانوا متواجدين. وها هو يسوع، في (مرحلة تطوره الثالثة) في إنجيل متّى، أكثر تحصيناً كشخصية وأكثر علماً كإله، بل وأكثر معجزات وخوارق.

الخلاصة هي أن نصوص العهد الجديد ليست معزولة إطلاقاً عن شخصية كتبتها وعن أهداف موضوع إيمانهم وعن حقيقة أنهم في سبيل تلك الأهداف (استخدموا وسائل غير أمينة وغير نزيهة). فلا وجود حقيقي لـ (إلهام إلهي) كما يدعيه اللاهوت المسيحي في نصوص العهد الجديد، ولا وجود أصلاً لـ (كلام إلهي) في هذا السفر الذي يُسمى بـ (العهد الجديد). هو نص مخترع مزور، كذا هو وبكل بساطة. الدليل والبرهان يقولان ذلك. وشخصية يسوع تتطور وتختلف كلما تقادم الزمن وأتى كاتب جديد في نصوص العهد الجديد. (يسوع الحقيقي) صُلب ومات، كشخص مجهول لا أحد يأبه به، أما (يسوع الإنجيلي) فلا حقيقة لوجوده إطلاقاً وإنما هو نتيجة (اختراع وتزوير).


... يتبع



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يُنتحل اسمي في مقالة
- تزوير مسيحية يسوع – 26
- عندما تسحب السعودية والبحرين سفيريهما
- تزوير مسيحية يسوع – 25
- تزوير مسيحية يسوع – 24
- تزوير مسيحية يسوع – 23
- تزوير مسيحية يسوع – 22
- تزوير مسيحية يسوع – 21
- تزوير مسيحية يسوع – 20
- تزوير مسيحية يسوع – 19
- تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الثاني
- تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الأول
- تزوير مسيحية يسوع – 17 – الجزء الثاني
- تزوير مسيحية يسوع – 17 – الجزء الأول
- تزوير مسيحية يسوع - 16
- تزوير مسيحية يسوع - 15
- تزوير مسيحية يسوع - 14
- تزوير مسيحية يسوع - 13
- تزوير مسيحية يسوع - 12
- تزوير مسيحية يسوع - 11


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - تزوير مسيحية يسوع – 27