أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - اليسار الثوري في مصر - تأملات أولية في المسألة الرئاسية ومسار الثورة المصرية - كراس - من أرشيف اليسار الثوري















المزيد.....



تأملات أولية في المسألة الرئاسية ومسار الثورة المصرية - كراس - من أرشيف اليسار الثوري


اليسار الثوري في مصر

الحوار المتمدن-العدد: 4393 - 2014 / 3 / 14 - 07:51
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


اليسار الثوري - كراس - مارس 2012

تأملات أولية
في المسألة الرئاسية ومسار الثورة المصرية

1. استطاعت انتفاضة 25 يناير أن تجبر الدكتاتور مبارك على التخلي عن الحكم وكعادة الأنظمة فانها امام خطر ثورة جذرية تهدد النظام بأكمله تفتش عن أحد البدائل من داخلها لامتصاص اندفاع الثورة وايقاف خطر الاطاحة بالنظام ككل، أو أقرب بدائل المعارضة الى النظام إن اضطرت الى ذلك، أو خوض معركة دامية بلا حسابات في دفاع أخير عن سلطتها المهددة.

ويكون ذلك أسهل على الأنظمة إن لم تكن الجماهير منظمة ومستعدة للاستيلاء على السلطة مباشرة وبناء بديلها الخاص، بروفة "اللجان الشعبية" التي كانت تقريباً مسيطرة في كل أنحاء مصر اثبتت سلباً أن الجماهير لم تطرح بعد إنشاء سلطتها البديلة، واكتفت هذه اللجان بدور دفاعي في الاحياء ضد هجمات مرتزقة وأمن النظام دون ان تتطور إلى ادارة ذاتية قاعدية، فتفككت هذه اللجان تلقائياً بمجرد انخفاض الشعور بالخطر، وبدأت الأجهزة التقليدية للنظام في استعادة مقاليد الإدارة مجدداً دون عائق أو مزاحم، اكتفت الجماهير بالتحفظ على بعض الرموز ونجحت في تغييرها في أحيان كثيرة، لكن البدائل وتنصيبها ظل خارج الجماهير إلى حد بعيد.

2. تدخل الجيش وظهوره بمظهر المحايد أو المنحاز للثورة أعطاه مساحة مناسبة للمناورة فأصبح بديلاً مقبولاً (جماهيرياً) لجأ إليه النظام لإنقاذه من طوفان الثورة، وسلمه مبارك مقاليد الحكم في آخر قرار له قبل خلعه، ومن ثم أعطى النظام فرصة مناورة جديدة على الجماهير التي اتجهت بآمالها ومطالبها إلى المجلس العسكري الحاكم على أمل ان يستجيب إليها. كان صعود العسكر إلى الحكم سهلاً، صعدته انتفاضة جماهيرية بدون قصد، وتوافق عليه عناصر النظام كطوق نجاة، وداس على جثة الدستور في طريقه إلى كرسي الحكم، وبدأ مساره الخاص بالجمع ما بين المناورة والقمع العنيف - لكن المحدود نسبياً - بهدف تصفية الثورة واستعادة الهيمنة. ولن نتتبع في كتابتنا مسار المجلس العسكري عبر عام من الثورة فذلك ليس الهدف من كتابتنا وسنشير اليها في حدود متطلبات هذا المقال.

3. تكشف تدريجياً الهدف الرجعي للعسكريين ومحاولتهم وأد الثورة بكل السبل، ومن ثم صار الإطاحة بهم وإسقاط سلطتهم وتنصيب سلطة "مدنية" أحد أبرز الأهداف وأهمها على جدول أعمال القوى الثورية، وكان العسكريون مضطرون - تحت ضغط الحركة الثورية - إلى إعلان أنهم لن يستمروا في الحكم، وسيسلمون السلطة إلى رئيس مدني منتخب، هذا الاعلان كان مجرد مناورة ومحاولة لكسب الوقت لارهاق القوى الثورية وتشتيت قوتها وجعل الجماهير تتكيف مع وجود الحكم العسكري واستمراره مادام سيوفر لهم "الامن والاستقرار"، وكسب مزيد من الحلفاء والانصار لإستمراره. كان ذلك سهلاً مع اليمين البرجوازي الديني الذي إعتاد تقديم خدماته لأنظمة الحكم منذ العهد الملكي، وتوسع بقوة بتحالفه مع السادات وبدعم الأنظمة الخليجية، فقد كان بالنسبة لتلك الأنظمة صمام أمان شعبي ضد خطر الاشتراكية أو أي تغيير عمييق في بنية النظام، ولم تنجح المحاولة مع أغلب الليبراليين والقوى الجديدة من المعارضة التي كانت تريد دولة مدنية يكون لها نصيب من الحكم فيها دون عسكريين. هذه الدولة المدنية برئيسها المنتخب كانت تعكس مجرد الخوف لدى المطالبين بها من حكم أصولي أو عسكري، أو مزيج بينهما، مما يهدد نمط الحياة الحديثة الذي اعتادوه، وكذلك مصالح واستثمارات قطاع واسع من الرأسمالية المصرية، والأكثر أنه كان سيعيد انتاج الإستبداد الذي انتفضوا في مواجهته، مُقنعاً بالمصلحة الوطنية العليا وأمن حدود البلاد أو الإرادة الإلهية وأمن العقيدة.

لقد كان كل من حرس العقيد وحرس العقيدة شبحاً مخيفاً، وكانت "السلطة المدنية" التميمة التي رفعوها في وجهه، هذه المدنية كانت تساوي جوهر النظام السياسي الرأسمالي مطهراً من شوائب الاستبداد وشبح العسكر ليس اكثر، ولم تكن تنطوي على أي مساس بالرأسمالية المصرية أو بالتبادل التجاري والمصالح المشتركة مع أمريكا أو الاستعمار الصهيوني.

4. بالنسبة للرأسمالية ومصالحها التاريخية ككل، تمثل الدولة المدنية الشكل الأمثل للاستثمارات وحرية رأس المال والتبادل، لكن التشكيلة الاجتماعية والسياسية في مصر انطوت على تناقضات مصالح بين قطاعات الرأسمالية المصرية، عبرت عن نفسها في توجهات و مشاريع سياسية مختلفة، كبار العسكريين في مصر يمثلون قطاع كبير من الرأسمالية المصرية، ويستحوذون على أراضي واستثمارات تصل - في بعض التقديرات - إلى ما يزيد عن ثلث اقتصاد مصر، غير المصالح المشتركة خارج النطاق العسكري، ويعتبر الاقتصاد العسكري اقتصاد محصن وذو إمتيازات، فلا يخضع إلى أي رقابة، ولا تفرض عليه أي رسوم أو ضرائب، وضرب حوله سياج ضخم من السرية والحصانة، ومصلحة جنرالات الجيش مهددة اذا فتح هذا الملف وحاول أحد تجريدهم من تلك الأموال أو الامتيازات، لذلك أسرعوا بالتخلص من مبارك - مستندين للانتفاضة الشعبية الثورية - ليتخلصوا معه من شبح التوريث والمنافسين الجدد، واستولوا على الحكم بهدف إقامة سلطتهم - حماية لثرواتهم - أو ضمان أن تكون السلطة الجديدة خاضعة أو تابعة لهم وتحفظ لهم موقعهم المالي والوظيفي المميز والمحصن.

5. الاسلاميون يتوزعون إلى فرق أهمها الآن الإخوان والسلفيين، الأولى تمثل قطاع ضخم من الاستثمارات والمستثمرين، وتطرح تصورها الخاص لحماية وإدارة النظام الرأسمالي، وهو تصور يهدد منافسيها بإسم الاخلاق والدين، ويسعون الى طمأنة باقي القطاعات الرأسمالية أنهم لن يضاروا، وأن مشروعهم يضمن استثمارات بلا فساد ترضى عنها السماء، ولديهم مشاريع إحسان للفقراء تؤخذ من الزكاة والصدقات ودون مساس بجيوب المستثمرين، ويسعى الإخوان أيضا لإرضاء العسكر وتقديم الضمانات اللازمة لهم، والتحالف معهم والدفاع عنهم في صفوف الجماهير وعلى منصات البرلمان. أما السلفيون فهم قطاع شعبوي محافظ على رأسه مداهنين ومستثمرين وأثرياء وعملاء أمنين، ويساندهم أشد الأنظمة رجعية وعمالة للغرب الاستعماري وأكثرها محافظة؛ أنظمة الخليج المتربعة على عروش وسلطنات تجاوزها التاريخ، ونفط وثروات هائلة، فأي تطور ديموقراطي أو ثوري في المنطقة سيهدد ملوك وشيوخ الجاز بثورات وضغوط تطيح بعروشهم البالية. لذلك يدعمون الجماعات الدينية الأشد رجعية ومحافظة وجمود ليقفوا عائقاً ضد أي تطور في مجتمعات الجوار الجغرافي على الأقل.

ويعتبر السلفيون الظهير الشعبي للسلطة، سواء تحت حكم مبارك أو تحت حكم العسكر. لذلك تفسح لهم الأنظمة مساحة واسعة للتحرك والتأثير في الجماهير دون أدنى مضايقة، ومشاركتهمم في البرلمان هي أحد صمامات الأمان للنظام العسكري، وليس لديهم أي مشروع سياسي خاص.

هذا الحلف الثلاثي (العسكر، الإخوان، السلفيين) يقف على قمته المجلس العسكري الحاكم، ولا يمثل حلفاؤه الإسلاميون سوى أدوات مؤقتة، فرضت عليه تعقيدات المشهد الثوري التحالف معهم ضد الثورة ومخاطرها الجذرية، وبوجه خاص ضد الليبراليين واليساريين والمعارضة الجديدة الذين يحاولون صب الزيت في مشاعل الثورة .

6. بإستثناء قوى يسارية وبعض ائتلافات المعارضة الجديدة وبعض الحلقات الشبابية، يمثل كل ماعدا هؤلاء مصالح الرأسمالية المصرية، ويسعون إلى تجديد الشكل السياسي لحكمها - ليبراليا أو أصوليا أو عسكريا - و هم حتى الآن أصحاب الخطابات الأكثر انتشاراً وهيمنة بين صفوف الجماهير، حكم العقيد أو حكم العقيدة أو الحكم المدني/ الليبرالي، التي تمثل جميعها حلولاً - رجعية أو تقليدية - من داخل الطبقة المسيطرة، ولا يحمل أي منها في جعبته بشارة تطور إجتماعي أو سياسي أو حتى اقتصادي، وتتداخل مصالحهم إلى حد كبير برغم تنافسهم على من منهم يهيمن ويدير النظام ككل بطريقته الخاصة.

7. المشهد الاجتماعي/ الجماهيري رغم حيوية ودينامية نضالاته على مدار أكثر من عام، نضالات ثورية وانتفاضات ومواجهات عنيفة مع قوات النظام العسكري، إلا أن أي مراقب سوف يلاحظ تفاوتات وتقطعات وتعرجات عديدة في مسار النضال الجماهيري.
ولنحاول ايجاز سمات هذا المشهد فيما يلي :

- القطاعات التي تمثل رأس حربة النضال الجماهيري حتى الآن هي خليط من البرجوازية الصغيرة المدينية وفقراء المدن في الأحياء الشعبية، ويناضلون في شكل جسد كبير بلا رأس أو تصور برنامجي متبلور، يحركهم بجانب أزمة البرجوازية الصغيرة المتمثلة في ارتفاع معدل البطالة وغياب فرص الصعود الاجتماعي ووطأة الاستبداد السياسي، منطق رد الفعل والمطالب السياسية المباشرة، فالانتفاضات التي شهدها عام من الثورة جاء أغلبها كرد فعل على أعمال قمع ارتكبها النظام ضد الجماهي، سواء في الانتفاضة الأولى يناير 2011 أو ما تلاها، ووقف سقف مطالبها عند حدود اسقاط القامعين، مبارك أو المجلس، ومحاكمتهم بالإضافة إلى مطلب تسليم السلطة إلى رئيس - أو مجلس - مدني منتخب، والقوى شبه المنظمة بينها بعض الجماعات والإئتلافات أغلبها حديث النشأة، ويغلب عليها طابع النخب البرجوازية الصغيرة.

- لعبت النضالات العمالية دوراً بارزاً في كل مراحل الثورة، وشهدت البلاد مئات الإضرابات المطلبية والاحتجاجية، كما ولد من رحم المشهد الثوري مئات النقابات المستقلة الحديثة، وتشكل اتحاد عام - مستقل - للعمال عقد مؤتمره التأسيسي في قلب الاحداث الجارية .

رغم زخم واتساع هذه النضالات العمالية لازالوا في مؤخرة المشهد الثوري حتى الآن، فحضورهم في الانتفاضات والاحتجاجات السياسية الواسعة ضعيف للغاية، وبالكاد شبه ملحوظ، كما أن مطالبهم حتى الآن لم ترتقي من النقابي والاقتصادي بالمعنى الضيق إلى المطالب السياسية أو العامة، ولم نشهد خروج ضخم لعمال مصنع واحد برايات ومطالب في قلب الانتفاضات التي جرت عبر عام مليئ بالاحتجاجات الكبيرة والانتفاضات، اقتصر النضال العمالي على الإضرابات والاعتصامات المطلبية الضيقة وحتى دون ترابط فيما بينها. ولا يزال العمال المصريين محرومين من حزب سياسي يمثلهم أو ينظم نضالاتهم، وتيارات اليسار التقليدي - أو الحديث - لا تزال ضعيفة التأثير في صفوف الجماهير والعمال ورغم شبح الفاشية الذي يحلق في الأجواء، إلا أن فرق اليسار عجزت - حتى الآن - عن أن تشكل تحالفاً فيما بينها لمواجهته أو قطع الطريق عليه، رغم كونه أشد الأخطار التي تواجه تقدم الثورة، وقد يكون وسيلة الثورة المضادة لإجهاض الثورة، مهدرين بذلك حتى الخبرة التاريخية للاشتراكية إبان الثورة الروسية أو الثورة الاسبانية أو في أوروبا ثلاثينات القرن الماضي. وحتى في نضال الميادين لم ينجح اليسار في تنظيمها أو قيادتها والتأثير في أداءها وتوجهاتها وبإستثناء الأثر غير المقصود الذي أحدثته حملة الإخوان والإعلام العميل ضد الاشتراكيين الثوريين لم يكن وجود اليسار ملحوظاً شعبياً.

8. هذا التركيب الخاص بقوى الثورة واتسامه بالدينامية والعفوية في ذات الوقت، وتعرج مساراته صعوداً هبوطاً كان يقابله تصاعد نفوذ السلفيين، وزيادة القمع، وسيطرة العسكر، ومخطط عسكرة المؤسسات والمرافق العامة والمدن … بكلمة ... عسكرة الدولة، ولد مناخاً سياسياً متأزماً، إرهاق الجماهير وتأزم أوضاعها الاقتصادية، رغبتها في انهاء الاضطرابات والصراعات وعودة "الاستقرار"، ومن ثم البحث عن مخلص، أو التشبث بأهداف أي تيار ذو نفوذ على أمل أن ينهي هذا المشهد المتأزم.
من رحم دولة مفككة ومؤسسات حكم مترنحة بدت الانتخابات أمل جماهيري، يحل لها تأزم الوضع المعقد وتضحياته الجسيمة. بالنسبة لهؤلاء فالانتخابات بدءاً بالبرلمان ستعيد بناء السلطة التشريعية وتقرب من فرص بناء حكومة جديدة، مستقرة نسبياً، بسياسات جديدة قد تلبي بعض مطالب الجماهير، فضلاً عن الأمل الاخير والأكبر الذي قد تنتهي به حالة الحكم العسكري، وهو وجود رئيس مدني منتخب تختاره الجماهير بحق لأول مرة.

تلك هي آمال الجماهير في اللحظة الراهنة أو أوهامها، لا فرق في التسمية، فالأمر الجوهري هنا هو أن هذا هو منطق تفكيرها وهذا هو المسار الراهن الذي تتحلق حوله وتتعلق به وتفكر فيه. هنا الوردة ... فلترقص هنا … كما قال ماركس سابقاً هنا الحلبة فلتلعب هنا.


الانتخابات و الموقف منها

ميزة الماركسية الجوهرية هي مرونتها العملية فهي في المقام الأول نظرية ممارسة وفلسفة عمل وليست مجرد أفكار عظيمة مجردة، لذلك تتسم بالحساسية الشديدة لكل متغير على الأرض، لا تتشبث بفكرة جامدة أو تكتيك ثابت، فما كان صحيحاً بالأمس يجب إعادة النظر فيه على ضوء متغيرات اليوم وقد يعود ملائماً في الغد، كل تكتيك أو برنامج عمل لدى الماركسيين يتحدد على ضوء موازين القوى بين الطبقات، حالة النضال ودرجتها، درجة هجوم أو تراجع النضال الجماهيري، حالة المزاج الجماهيري واتجاهه الحالة الفكرية والتنظيمية للجماهير، فضلاً عن قياس درجة قوة أو ضعف الخصوم السياسيين والأعداء الطبقيين.

قياس هذه العوامل ومظاهرها المجسدة - سلباً او ايجاباً - هي التي تحدد لدى الاشتراكيين نوع المهمة المطلوبة وطبيعتها (هجومية، دعائية، تحرضية … الخ) حتى لو أدى ذلك للتخلي عن توجهات عمل أو تكتيكات كانت صحيحة في ضوء معطيات الواقع في لحظة سابقة.

من ثم لا يجب - في منظورنا - أن ننظر للثورة المصرية على أنها عملية واحدة بسيطة، صعود وهجوم دائم بلا تعرجات أو انحناءات أو حتى تراجعات مؤقتة، إن الزخم الذي شهدته الانتفاضة الأولى (يناير - فبراير 2011) وطابعه الهجومي الكاسح والقوي استطاع الإطاحة بالديكتاتور وحزبه وبرلمانه وحكومته ودستوره، وفرض على الأرض أوسع حريات عامة بجميع صورها في جميع المحافظات، خلق ديموقراطية شعبية لا تستند إلى مؤسسات أو قوانين النظام، وتخرقها دون تردد وتفرض قانونها وإرادتها على النظام ذاته، لم يكن ينقص الجماهير سوى فرض سلطتها المباشرة - فعلت ذلك جزئياً - في صورة اللجان الشعبية التي سيطرت على المدن والأحياء، إلا أن أسباباً عديدة أدت إلى تفكك وانهيار هذه السلطة الشعبية المؤقتة، واستطاع المجلس العسكري دون أدنى صراع من اللجان أن يستعيد كامل السيطرة "الشرعية" وبدأ مخططه لاجهاض الثورة.

في تلك المرحلة الهجومية من الثورة كان تحدي مؤسسات الحكم البرجوازي ممكناً، وحتى فرض البدائل كان ممكناً، ومن ثم كان التكتيك الملائم هو دفع هذا الهجوم الجماهيري الى أقصاه. عدم استيلاء الجماهير على السلطة، وتراجعها افتتح مرحلة جديدة من الصراع كانت اهم سماته:

1. جر الجماهير من الميادين إلى صناديق الاقتراع ورغم أن الهدف من ذلك هو انهاء الثورة، إلا أنه يشير إلى تراجع الاستعداد الجماهيري للهجوم، والتنقيب في جعبة العسكري والمرشحين عن خلاص وحلول، ولا يغير من ذلك محاولات قطاع من الجماهير والنخب الراديكالية الاستمرار في هجوم شبه يائس على النظام،

2. ارهاق المقاتلين إلى أبعد مدى و قمعهم بوحشية،

3. ادراك السلطة العسكرية أن مرحلة الهجوم الجماهيري الثوري تراجعت وتقلصت إلى قطاع صغير منها،

4. تبادل الاتهامات بين الثوريين و الشعب،

5. تفجر انتفاضات محدودة قصير النفس في بعض الاحيان كرد فعل على القمع العنيف، ثم انتهاءها دون توسع.

هكذا أظهرت مظاهرات و انتفاضات ما بعد فبراير تغييراً في موازين القوى وفي الاستعداد الثوري الهجومي للجماهير، وتراجعاً مؤقتاً - أو تقلصاً - في الحالة الراديكالية، وأتاح ذلك للنظام العسكري مساحة واسعة للمناورة والهجوم المضاد والتراجع المحسوب وكسب تحالفات بين صفوف قوى المعارضة وضمان ولاء قوى منظمة بين الإسلاميين. لا يمنع ذلك أن بعض الانتفاضات اللاحقة على فبراير أجبرت المجلس العسكري على تقديم بعض التنازلات أمام القوى الثورية دون أن يمس ذلك سيطرته أو يهددها.
في هذا المناخ تدافع الملايين طواعيةً إلى صناديق الاقتراع حول الإستفتاء الدستوري، مجرد تعديل في دستور السلطة صنعه النظام العسكري هو ما جذبهم، وليست متاريس الميادين أو حتى شكل الحكم.

الانهزاميون وحدهم الذين يجرءون على القول أن ذلك كان بداية هزيمة الثورة، أثبتت الانتفاضات اللاحقة والاحتجاجات المتزايدة أن نهر الثورة مازال متدفقاً، هو فقط يمر بمضيق عابر، إلا أن النهر المتدفق على اتساعه وبقوة موجاته، يختلف عنه في حالة المرور الضعيف بممر ضيق، لم تنتهي الثورة كما أنها ليست في حالة الاندفاع الجماهيري الهجومي الحاشد المصمم على اسقاط وفك مؤسسات الحكم، والقادر على فرض إرادته في اسقاطها، ومن ثم لا يمكن بناء تكتيك عملي كما لو كانت الثورة لا تمر بمضيق أو بتعرجات، لكل ظرف ملموس تكتيك يتلائم معه والهدف منه هو دفع الجماهير لاستعادة قدرتها ورغبتها في الهجوم الثوري مجدداً، ولا يكون ذلك ممكناً بدعوة الجماهير إلى النزول والعصيان العام في ظرف التراجع النسبي، لقد بينت التجربة أن دعوات من هذا النوع هي مجرد رغبة من القوى الثورية، غير مبنية على قياس صحيح لميزان القوى وحالة الجماهير ومدى استعدادها، لذلك تتحول إلى دعوات في الفراغ، ولا تلقى أي استجابة من الجماهير وتؤدي إلى قدر من الاحباط وفقدان الثقة لدى مطلقيها، كان اخر هذه الدعوات "الارادية والنخبوية" هو دعوة الجماهير إلى العصيان المدني والاضراب العام في 11 فبراير، وبالطبع في ظل الشروط الراهنة، كانت النتيجة مؤسفة.

وقبلها كانت دعوات مقاطعة الجماهير لانتخابات البرلمان، ورفع في مواجهة الانتخابات شعار عاطفي "حق الشهداء"، نحن بالتأكيد نقف بكل قوة مع محاكمة القتلة وعلى رأسهم جنرالات المجلس العسكري، لكن لا يجب أن ننسى أننا نطالب السلطة بمحاكمة نفسها .. نطالب، ولنلاحظ ... هذا التعبير ... نطالب، لقد احتاجت محاكمة الديكتاتور إلى ثورة أطاحت به، وفرضت على المجلس العسكري تقديمه هو ورموز حكمه إلى المحاكمة، ولن يحاكم الجنرالات أنفسهم حباً في العدالة والقانون، لقد تسلموا الحكم بانتهاك صارخ للدستور، ولن يحاكمهم إلا إنتفاضة ثورية تالية تطيح بسلطتهم، أو تطور في سير الاحداث يضع سلطة جديدة في مواجتهم، في كل الاحوال ليس قبل تجريدهم من سلطتهم، وهو الأمر الذي لا تطرحه الجماهير على جدول أعمالها المباشر الآن، تعلقت الجماهير بفكرة انتخابات مجلس تشريعي وإختيار ممثلين جدد لهم، ورغم مذبحة شارع محمد محمود استكملت الانتخابات سيرها العادي، كان هذا تعرجاً في مسار الثورة وليس استمرار لإندفاعها الهجومي على السلطة ولم تنجح الدعوة للمقاطعة وساد قدر من الشعور بالاحباط في صفوف الثوريين.

لا تنجح الدعوة الى المقاطعة إلا في وجود حالة هجوم جماهيري ثوري موجه - على الأقل - إلى المؤسسة التي يدعى إلى مقاطعتها، سواء كانت مؤسسة الحكم ذاتها أو أحد مؤسساتها التمثيلية، وهي دعوة مرتبطة بحالة ايجابية مؤداها تصميم الجماهير العملي على إنهاء - أو قطع الطريق - على تلك المؤسسة أو النظام وتنصيب بديل ترضاه الجماهير، وفي حالة وجود مستوى معين من الوعي والتظيم لا تكتفي الجماهير بمنع هذه المؤسسة من الوجود أو اسقاط السلطة، وإنما تباشر هي صنع البديل من وراء المتاريس، أما لو كان عنصر العفوية هو سمة الاندفاع الجماهيري الغالبة تكتفي بالاسقاط و المنع، تاركة للنظام فرصة المساومة واختيار بديل تقوم بمراقبة أداءه.

هذا - على سبيل المثال - ما حدث مع حكومات مابعد فبراير جميعها، مساومة حكومة شرف ومراقبة ادائها، ومناورة حكومة الجنزوري وفرضها من قبل المجلس.

إن بناء دعوات المقاطعة على أساس مجرد الرغبة ودون قياس اتجاهات الجماهير وميزان القوى أثبت اخفاقه التام، أما بناء دعوة المقاطعة استناداً لقياس عدم اقبال الجماهير على انتخابات مجلس الشورى هو قياس اكثر خطئاً، وذلك من جهتين:

1. أن مجلس الشورى هو مجرد مجلس استشاري غير ملزم، فهو ليس سلطة تنفيذية، ولا سلطة تشريعية، ولا يمثل أي نوع من الأمل للجماهير، فكل وظيفته تنحصر في تقديم الاستشارة الفنية حول القانون قبل اصداره، وسواء وافق على القانون أو طلب تعديله أو رفضه فلا قيمة لرأيه، لأنه مجرد رأي غير ملزم لأي سلطة، وطالبت الجماهير أثناء انتفاضتها الثورية بإلغاؤه، فلا يمكن اعتبار مقاطعة الجماهير - السلبية - لانتخاباته مؤشراً على رفضها العملية الانتخابية بوجه عام، وانتخابات الرئاسة بوجه خاص. فتاريخياً لم تشهد انتخابات الشورى إقبالاً ملحوظ من الناخبين.

2. إن مجرد مقاطعة الجماهير لانتخابات معينة لا يعني مطلقاً وجود مزاج أو استعداد ثوري لديها، خاصة إن قسناها على مجلس الشورى. المقاطعة السلبية دليل على وجود حالة سلبية لدى الجماهير نفسها وكأنها تقول ضمناً (لا أمل في هذه المؤسسة، ولا يوجد بديل لها، ولسنا مهتمين بأمر المؤسسة أو طرح بديل ثوري، وغير مستعدين لعمل أي شئ الآن)، ولا يمكن استنتاج ظرف ثوري من حالة سلبية، أو وضع تكتيك يناسب حالة ثورية في ظرف تتراجع فيه الاستعدادات الثورية للجماهير.
المقاطعة التي تعد جزء من عملية ثورية هي المقاطعة الايجابية الناشئة من ظرف هجوم حقيقي ثوري للجماهير وتستهدف منع أو اسقاط المؤسسة المدعو لمقاطعتها، أما المقاطعة المبنية على سلبية وعزوف الجماهير فهو مؤشر مباشر على لحظة تراجع، مضيق، تعرج في المسار،وصنع وهم بأن سلبية الجماهير هي موقف ثوري، من شأنه أن يغرقها أكثر في السلبية وتراجع الاهتمام والاستعداد.

نحن بلا شك مع المقاطعة الايجابية التي تقطع الطريق على وجود مؤسسات رجعية أو تسقطها، إلا أننا لا يمكن أن ندعو إليها إلا في شروط ثورية ملائمة.

ومن ثم يمكن أن تتبدل فوراً دعوتنا إلى المشاركة إلى دعوة للمقاطعة إذا تبدلت الشروط الراهنة إلى موجة تالية هجومية جماههيرية وقوية قادرة على المنع أو الاسقاط ومستعده لتنفيذه فعلياً. وقتها يكون أي قبول بمساومة مع السلطة انتهازية وحتى خيانة، أما قبل توفر شروط كتلك تكون الدعوة إلى المقاطعة بمثابة خطأ نخبوي جسيم، واستبدال القياس الواقعي لحالة الصراع بالرغبة الذاتية المنفصمة عن الواقع.

هناك من يثير تناقضاً مزعوماً بين أن نشارك في الانتخابات، وأن نقوم بالعمل بين الجماهير لتجهيزها لمرحلة نضال تالية.

الواقع أننا كنا نعمل في أوساط العمال في فترات الهدوء النسبي خلال هذا العام الثوري، اتسم عملنا بالتركيز على خلق منظمات نقابية حديثة (مستقلة) سواء في مواقع عمل يوجد بها نقابات صفراء، أو بين عمال محرومين كلياً من تنظيم نقابي يمثلهم، هؤلاء العمال كثيرون منهم حديثو العهد بالنضال والمعارك الطبقية، وغالباً بلا أي خبرة نضالية أو حتى وعي نقاب، ومن ثم كان محتوى خطابنا الموجه إليهم يتضمن تعريفات أولية بماهية النقابة ودورها وتشكيلها التنظيمي، ومساعدتهم في اتخاذ الاجراءات (الرسمية) لإشهار النقابة من الناحية القانونية.

هذا العمل كان ضرورياً إلا أنه كان متخلفاً بالقياس لحالة الاندفاع الثوري الذي ولده، وأيضاً كان تكتيكاً متخلفاً من جانبنا، أنه في اللحظة التي كان يمكن فيها الدعوة إلى تشكيل لجان ثورة داخل المصانع تتخذ خطوات هجومية ضد الرأسمالية، عملنا على انشاء منظمات أبرز وظائفها هو التفاوض مع أصحاب العمل، وحتى هذا التفاوض كان - بالنسبة لنقابات حديثة الولادة - يتسم بتردد شديد وضعف.

وفي الحالات التي كان يتسع فيها الخطاب، كان يدور حول المشاكل والمطالب المهنية/ المحلية المحدودة، دون أن يرتقي إلى مستوى التحريض السياسي أو التعبئة على مطالب عامة، قد يكون انشاء هذه النقابات هام جداً للمستقبل، إلا أنه بالنسبة إلى الظروف الثورية التي أحاطت بنشأتها وما يمليه الظرف الثوري من مهام وتكتيكات، كان عمل شديد التواضع وقبل ثوري.

إننا لا نضع برامج عمل لمستقبل مجرد ولكن لواقع راهن محدد، الاستراتيجيات فقط هي التي تدور حول المستقبل في صورته المجردة، أما برامج العمل تتصدى لحالة راهنة قد يتغير بها المسار الذي تصورناه للمستقبل.

إن تبني فكرة الدعاية المجردة بعين الجماهير في الوقت الذي تتحلق فيه حول حلول مجسدة في أشخاص وبرامج وأحزاب يجعلنا خارج دائرة الجماهير، ليس لدينا سوى بدائل لفظية، نظريون فقط وهم يبحثون عن حلول عملية، الماركسية لا ترفض الاصلاح في مسار ثوري، وكناتج عرضي للظرف الثوري دون تخلي عن فكرة الثورة.

إن انتزاع تشريع اصلاحي أو تعديل مناسب للأجور أو تولي حكومة برجوازية أقل استبداداً من سلطة ديكتاتورية، أو دستور يقر حريات أو نجاح مرشحين ثوريين في البرلمان البرجوازي، كل هذا لا ينهي الاستغلال أو يغير من طبيعة النظام البرجوازي، لكن تحقق أي شئ منه يعطي الجماهير ثقة أكبر في قدرتها على التقدم إلى الأمام خطوات أكبر والضغط على الرأسمالية أكثر فأكثر، وتوفير شروط أنسب للنضال .. إلى آخره، هكذا ترى الماركسية الإصلاح والثورية، إن انتزاع الجماهير لأي مكسب اصلاحي، يعد خطوة على طريق الثورة وليس عائقاً أمامها أو بديلاً عنها، وفي هذا تتمايز الماركسية عن الاتجاهات الاصلاحية الخالصة التي ترفض دفع الجماهير إلى الثورة أو حتى مجرد التحدث عنها وتحصر عملها في مجرد الحصول على اصلاحات من وقت لآخر، على أمل أن تصل الاصلاحات إلى درجة التخلص من التناقضات والصراعات الطبقية بلا ثورة أو صراع.

الانتخابات هي بلا شك أفق اصلاحي، ليست بديلاً عن الثورة ولكن ترديد ذلك للدعوة إلى مقاطعتها في لحظة تراجع في الاندفاع الثوري يتحول إلى لغو أجوف لا طائل من ورائه، ومعارضتها بدعاية مجردة يكون سبباً في عزلة الثوريين وعزلة خطابهم وضيق تأثيير دعايتهم وذلك لأنه، ببساطة، لعب خارج الحلبة. فقد يقول قائل أن تلك الحلبة أقامها النظام، وبشروط رجعية ومن ثم علينا مقاطعتها وعد اضفاء شرعية عليها، يجب عدم اعطاءها أو اعطاء النظام أي شرعية، الشرعية للثورة فقط، وفي حالات أكثر بؤساً سيردد .. الشرعية لميدان التحرير.

لا يمكن انكار أن هذه الحلبة أقامها النظام، وأنها تتم بشروط رجعية، وأن هدفها هو انهاء الحالة الثورية، كل هذا بسيط وحقيقي إلى درجة البداهة. فمادامت الجماهير ليست في حالة هجوم ثوري واسع وفعال على هذه المؤسسات بهدف قطع الطريق عليها أو بناء بديل لها، مادامت المقاطعة غير منبثقة من حالة ثورية متفجرة وقادرة، يظل النظام هو صانع حلبة المباراة وليست الثورة، مثلها مثل شروط العمل، مادمنا لم نستولى على المصانع بعد أو ننتفض بقوة ضد شروط العمل بهدف تغييرها بعد، لن يمكننا لا مقاطعة العمل ولا تغيير شروطه، وسنضطر إلى نضال أدنى لتحقيق مكاسب أدنى إلى أن تتوفر شروط هجوم ثوري واسع على تلك الشروط.

ليس الأمر رهن الرغبة الذاتية ولكنه مشروط بالموازين الراهنة للصراع، سنضطر إلى خوض نضال فعلي أدنى ومع ذلك ستتوجه دعايتنا إلى علاقات العمل وشروطه دون أن نتصور أن دعوة إلى هدمها الآن وبناء تكتيكنا على هذا الأساس يمكن أن يكون له أي معنى عملي، وسنرى دعايتنا هذه بوصفها تجهيز للمستقبل، ونحن نخوض نضالاً محدوداً حول مطالب متواضعة في ظل شروط اللحظة الراهنة.

رجعية القوانين أو صناعة النظام لشروط اللعبة ليس مبرراً لعدم خوض المباراة، أو مقاطعة العمل. مادامت الموازين الراهنة لا تسمح بهدم تلك الشروط، أو مقاطعتها ايجابياً، سيكون علينا خوض المباراة بهدف تغيير تلك الشروط، وبهدف انتزاع أقصى مكاسب ممكنة منها، وبهدف شن أوسع تحريض ممكن ضدها، وربط وجودها بالنظام الذي صنعها، ودفع الجماهير إلى خرقها وإلى تجاوزها.

هذا الأمر لن يكون ممكناً، ولن تصغي لنا الجماهير ونحن نشن دعاية مجردة، ونلعب خارج الحلبة، ونكتفي بالتحفظ الثوري على شروطها بينما تتدافع ملايين الجماهير على صناديق الاقتراع، بحثاً عن أمل، في حدود ما هو مطروح عليها من برامج ودعاية ممن يقوم بخداعها ولا يكشف أمامها حقائق الوضع ويتواطأ مع النظام عليها، هل هذا هو التكتيك الثوري حقاً؟ أن نتخلى عن فرصة شن هجوم سياسيى واسع وملموس، وكشف الحقائق وجذب الجماهير إلى الالتفاف حول مطالب وبرامج جذرية، ودفعها إلى مواصلة النضال من أجلها، وذلك من أجل تحفظ ثوري، نقاء مجرد لا يليق سوى بمثقف مكتبي وليس بمناضل سياسي ثوري لا يترفع عن أدنى المهام إن كانت هي (المعبر) في لحظة معينة لتنظيم الجماهير وتعبئتها وجذبها خلفنا.

بالطبع لا، سنخوض وحل الانتخابات (الرجعية) ونعمل على تعبئة الجماهير من خلالها، وعلى تقديم دعايتنا أمامها داخل تلك الحلبة (الرجعية) وكشف حدود ما يقدم لها من الخصوم والأعداء الطبقيين وتقديم ما يرتبط فعلاً بمصالحها العميقة، ودفعها لخرق وتجاوز حدود اللعبة الرجعية، وافساد محاولة أن تكون الانتخابات عائقاً أمام تقدم الثورة ووسيلة لخداع الجماهير، نعم سنفعل.


المرشح التوافقي والمرشح الأكثر تقدماً

إن ضعف المنظمات والأحزاب الثورية قد يدفعها في شروط معينة إلى خوض معركتها الانتخابية خلف مرشح معين لديه فرص واستعداد ملائم لخوض المعركة، إلا أن هذا مشروط لدى الثوريين بشروط معينة وهي:

1. أن يكون متاحاً لهم تقديم دعايتهم الخاصة، داخل ومن خلال الحملات الانتخابية للمرشح وأن لا يقفوا عند حدود دعايته العامة أو يتذيلوها، إذ أن ذلك هو المكسب الرئيسي للقوى التي تساند هذاالمرشح.

2. أن لا تكون لدى هذا المرشح دعاية أو مواقف متناقضة مع مبادئ دعاية القوى الثورية، على سبيل المثال أن تكون دعاية القوى الثورية موجهة إلى دعم المقاومة ضد الاستعمار الصهيوني، وأن تكون دعايته تتضمن الدعوة إلى الاعتراف بوجود وشرعية هذا النظام الاستعماري، أو أن تدعو القوى الثورية إلى مناهضة مشاريع الخصخصة والعولمة، ودعاية المرشح تدعو إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية دون قيود، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

3. أنه في حالة عدم وجود تطابق بين دعايته وبرنامجه ودعاي وبرنامج القوى الثورية، أن ينطوي برنامجه على إجراءات ودعاية تحمل طابع راديكالي وفي صالح الجماهير الشعبية.
هنا فقط يمكن قبول الدفع بمرشح أو العمل معه.

في الشروط الخاصة بوضع مصر يوجد أيضاً معطى إضافي شديد الأهمية، وهو وجود حكم عسكري متحالف مع الأشد رجعية في الطبقة الحاكمة، الإخوان والسلفيين، هذا الظرف صنع مناخاً في صفوف قوى الثورة - وفي ظل هذه الشروط - جعلهم يفكرون - في حالة المشاركة – في دعم مرشح من خارج النظام، بشروط مبسطة وهي؛ 1- رفض وجود حكم عسكري، 2- وجود فرص جيدة أمامه في المباراة الانتخابية، ثم التفاوض على جميع الشروط الأخرى.

هذا النوع من التفكير يلائم أكثر ذهنية برجوازي صغير – أو كبير – ليبرالي لا أكثر، ولا يناسب على الاطلاق منظور يساري أو تقدمي بأي درجة، وكأننا فقط نكنس الطريق أمام بديل برجوازي عادي من بدائل الطبقة الحاكمة وفقط لأنه خارج دوائر الحكمن ويعارض وجود الحكم العسكري. ونتنازل أمام دعايته المتعارضة معنا في جميع المسال الجوهرية الأساسية؛ سواء في تعبئة الجماهير على مطالب جذرية، أو استخدام حملته لتوضيح موقفنا من الطبيعة الطبقية للنظام، والموقف الثوري من الاستعمار الصهيوني والهيمنة الأمريكية، أو التحريض الثوري تجهيزاً للمستقبل.

سيظل فقراء الفلاحين والمدن، والطبقة العاملة، والسياسات الاقتصادية، خارج الحسبان، بكلمة سنتحول إلى رافعة سياسية - برجوازية صغيرة - لأحد مرشحي الطبقة الحاكمة المغامرين، وفي سبيل نجاحه سنتخلى عن كل ما هو جوهري.
هذا النظر خاطئ كلياً من جهتين :-

1. أن التخلص من الحكم العسكري وهيمنة كبار الجنرالات على السلطة مباشرة - أو بطريقة غير مباشرة - غير مرهون بالأشخاص فقط، حتى لو كانو معارضين للحكم العسكري بصلابة، لكن مرهون بتغيير حقيقي في ميزان القوى يؤدي إلى أن تفرض قوى الثورة إرادتها في مواجهة العسكريين، أن تكون قادرة على اسقاط تلك الهيمنة واحداث تعديل بنيوي في المؤسسة العسكرية برمتها، وذلك بالطبع مشروط بتقدم قوى الثورة وتعبئة الجماهير لموجة ثورية تالية عارمة قادرة على احداث هذه الاطاحة، لن يترك الجنرالات - الذين لم يجردوا من قوتهم وسيطرتهم على أقوى مؤسسات الدولة (الجيش) - امتيازاتهم وثرواتهم أو يعرضوها للخطر لمجرد انتخاب الشعب رئيساً مدنياً جديداً، عند اللزوم يستطيع الجنرالات فرض إرادتهم على هذا الرئيس أو حتى التخلص منه.
ومن ثم يحتاج التخلص من هيمنة كبار العسكريين إلى تعبئة ثورية واسعة وانتفاضة لاحقة بقوة انتفاضة يناير 2011 على الأقل، ولإحداث هذه التعبئة يجب خوض معارك كثيرة على الجانبين، السياسيى والاقتصادي، تكشف أكثر فأكثر أمام الجماهير حقيقة الوضع، وتصوب اندفاعها التالي في الاتجاه الصحيح، وبدون برنامج عمل يمس المصالح العمالية العميقة للجماهير، ويحفزها، ويساعد في تنظيمها ودفعها للأمام، لن يكون هذا ممكناً. ومن ثم فالتنازل لمرشح ليبرالي أو اسلامي معتدل يساوي ببساطة التخلي عن أكثر أسلحتنا فعالية، وانحراف عن أشد أهدافنا أولوية، ودخول في مغامرة نتائجها معروفة سلفاً إلى حد كبير. مساومة أو أخرى مع العسكريين، مناورات خادعة للجماهير، وجود روابط مشتركة بين بعضهم البعض - رغم الخلاف الراهن - أكبر بكثير من الخلافات، وأكبر بكثير مما بينه وبين الجماهير العبية والأهداف الجذرية للثورة. ومن ثم سيسخر كل مهاراته لإيقاف (فوضى) الجماهير، والانتظار مجدداًلتنفيذ وعود في المستقبل، بكلمة .. محاولة خنق الثورة وحبسها في هذا المضيق.

حتى أن المؤشرات على صحة منظورنا بدأت في الظهور حتى قبل أن تبدأ المعركة الانتخابية، لقد حرصوا جميعاً على تقديم أوراق اعتماد لإدارة الأمريكية، كلهم أكدوا أنهم لن يمسوا الوضع الاستعماري الصهيوني بأي سوء، من القومي الناصري إلى الاسلامي المعتدل، وأغلبهم بدأ في ابداء تفهمات مع العسكر، وطمأنتهم، وذهب بعضهم إلى مشاركة العسكر في وضعما يمكن وضعه من قيود على الحريات التي انتزعتها الجماهير وتكتيفها بهدف إركاعها واخضاعها مجدداً. جميع (المعتدلين) توالى سقوطهم سريعاً عند أول اختبار جدي، صف الجماهير وإكمال الثورة، أو صف الحكم وبدائله. و ايضاً يتوالى ظهور، وسقوط، المعارضين المعتدلين من الاسلاميين إلى قاة الاستقلال، من حازم إلى الخضيري، فضلاً عن انتهازية المجلس الاستشاري المهين الذي يستخدمه العسكر اسفنجة لمص التواترات، يسهل عصرها وتفريغ ما بداخلها بسهولة شديدة.

2. فضلاً عن تناقضات البرامج والتوجهات، وليس هذا أمراً ثانوياً بل جوهرياً وشديد الأهمية، إذ أنه يوضح ما إذا كنا نفكر في انتخابات الرئاسة كمعبر تمر به الثورة، إذا ما كنا نجهزها لهجوم تالي، أو ندفع بها إلى شرك وسدود وأفق أعداء مصالحها، إذا ما كنا نسعى لتهيئة الانتفاضة أو لتكريس سلطة رأس المال والعسكر بوجوه جديدة.

هذا هو الخيار في حقيقته، وفي ضوء الشروط الموجودة بالفعل لا بديل أمام الثوريين سوى السير بجانب مرشح تقدمي لا تتعارض دعايته مع دعايتها، ويحول الانتخابات إلى فرصة لفضح وكشف الوضع الراهن برمته، ويستخدمها لتقديم دعاية تخدم بدرجة أو بأخرى عملية تجهيز وتعبئة الجماهير ودفعها في الاتجاه الصحيح، أو على الأقل، أقرب النقاط الممكنة من هذا الاتجاه.

ومن ثم فإن خيارنا، انطلاقاً من هذا المنظور هو، رفض السير - وراء - مرشح توافق معتدل، واختيار السير - بجانب - مرشح تقدمي يتكامل مع دعايتنا ومع أهدافنا، التمسك بالراية مرفوعة، وليس تنكيسها أو خفضها أثناء السير - وراء - التوافقيين والمعتدلين.

في هذا السياق أيضاً يجب النظر إلى مخاوف تبدو مبررة لكنها تعكس كلياً ذهنية البرجوازي الصغير الديموقراطي، ولا صلة لها بمنطق النضال الاجتماعي/ الطبقي. وهي أن يؤدي ظهور مرشح تقدمي إلى تفتيت الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها معارضوا الحكم العسكري، ومن ثم يتيح ذلك لمرشح المجلس العسكري - المباشر او غير المباشر - الفوز.

رأينا ان المرشح التوافقي يساوي خفض رايات الثورة واضطراب، إن لم يكن غياب، التعبئة الثورية على برنامج مطالب ثورية أو تقدمية. والتهافت والسقوط المتتابع لمن بدوا لوهلة مشروع مرشح توافقي، وأن التوافق حوله هو توافق ينطوي على تنازلات جوهرية، ومن الهام أيضاً مسألة أخرى شديدة الأهمية بينتها التجربة العملية ودروس الانتفاضة الأولى.

كان مبارك رمز استبداد وفساد أضحى معه حتى شروط عمل الكثير من الرأسماليين الكبار صعباً ومتعثراً، فضلاً عن سوء أحوال الجماهير المتفاقم، ومن ثم صبت الانتفاضة الينايرية نيران غضبها على مبارك ورموز حكومته، شارك في الانتفاضة ألوان طيف طبقية واجتماعيةوفكرية عديدة، من الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرةوالرأسمالية الكبيرة حتى الجماهير الشعبية، من الشيوعيين حتى الجماعة الإسلامية والسلفيين، مروراً بالليبراليين والقوميين، تمحور الجميع حول هدف الإطاحة دون التقدم بمشروعه الفكري أو السياسي، وبالطبع كانت القوة الرئيسية لهذه المعركة هي جيش شعبي قوامه فقراء الأحياء في المدن والمحافظات، هؤلاء الذين أنجزوا - جنبأ إلى جنب مع اضرابات العمال - المعركة الفاصلة في الانتفاضة 28 يناير، ولأنه لا يوجد لديهم مطالب عامة متبلورة وكانت مطالبهم من الثورة - فضلاً عن اسقاط مبارك - جزئية ومتقطعة (شروط عمل، توظيف، سكن .. وما شابه)، عادوا إلى مواقعهم ومعاركهم الصغيرةتاركين خلفهم أجزاء من الانتلجينسيا الشبابية وبعض الكتل الشعبية المحدودة في الميادين.

هكذا لم تشهد المرحلة الأولى من الثورة استقطاباً طبقياً واجتماعياً من أي نوع، كانت "توافقية" بامتياز، فلم تجد فيها الجماهير الشعبية الفقيرة ما يدعوها إلى مواصلة النضال بقوة، إذ أن التوافق دائماً يدور حول مطالب ديموقراطية عامة، دستور، قانون رئاسة، انتخابات أو ما شابه، النقطة الأدق التي تتلاقى عندها الاتجاهات من أجل احداث توافق هي الأرضية الفكرية للبرجوازية المتوسطة أو الصغيرة المضارة من أعلى والغير راغبة في تطوير نضالها من أسفل إلى حد يتجاوز أفق النظام الاجتماعي القائم، لم يكن صدفة أن يتفقوا - أو يتوافقوا - بعد فبرراير على إدانة أو استهجان الاضرابات العمالية أو المهنية باعتبارها (فئوية)، أما نضالهم هم، أفكارهم هم، توافقية لا تعطل سير المجتمع البرجوازي ونظام الاستغلال الطبقي، إنها أفكار أو مطالب عامة، لا تنطوي على خصوصية أو انحياز، سلمية، لا تفكر في هجوم ثوري على الحكم الاستبدادي، ديموقراطية ودمتم، توافقية بلا شك.

بعد الاطاحة - التوافقية - بحكم مبارك بدأت التمايزات الفكرية في الظهور بقوةووضح عند الأحزاب والقوى الرأسمالية، الاسلامية منها أو الليبرالية، كل يطرح مشروعه بقوة ويسعى للف الجماهير حوله، ولكن المثقفون ذوي الأصول البرجوازية الصغيرة - خاصة بين صفوف اليسار - ظلوا وحدهم شديدي الكرم، بالغي التضحين، متجردين من أفكارهم وبرامجهم، ورافعين لواء التوافقية في لحظة استقطاب طبقي وسياسي حادة. رغم أن مجمل الظروف الواقعية، وحالة الجماهير الشعبية، تمهد الأرض بقوة لاستقطاب طبقي واجتماعي ثوري ولف الجماهير حول برامج اجتماعيةتقدمية وحتى ثورية، إلا أن رافعوا شعار التوافقية يهدرون مجدداً فرص نادرة للتقدم للأمام برياتهم الطبقية الخاصة وانحيازهم الاجتماعي الواضح. بل ويخونون الجماهير الشعبية والفقراء والعمال بدفعهم للسير وراء أحد بدلاء الطبقة الحاكمة، بتغييب الأهداف والرايات الطبقية والاجتماعية الخاصة، بخطاب تسيس ديموقراطي توافقي.

الشرعية الثورية وشرعية العسكر

يرفع بعض الثوريين شعاراً جذاباً لتدعيم فكرة المقاطعة الآن، هو الشرعية الثورية، وأحياناً للتحرير تحديداً، قائلين أن المشاركة في الانتخابات الرئاسية من شأنها أن تعطي شرعية للنظام العسكريوللقوانين الرجعية التي سيجري في ظلها الانتخابات.

هذا التصور وإن بدا جذاباً وثورياً، ينم أيضاً عن فهم محدود للأسس التي تعطي لهذا النظام أو ذاك شرعية معينة، أو تخلع عنهمشروعية وجودخ، وحتى فهم محدود لفكرة الشرعية نفسها.

للشرعية وجهان نعتقد أن لا ثالث لهما، إما القانون والاعتراف الدولي، أو قبول الجماهير. ويمكن للشرعية أن تأتي عن طريق القوة والسيطرة إذا توفر شرط القبول أو الاعتراف، الشرعية الثورية هي انقلاب عنيف وقوي على شرعية قائمة، إذا قررت الجماهير تشكيل قيادة ثورية لها وسارت ورائها وتوقفت عن اعتبار النظام القائم شرعياً أو مقبولاً. إنها - مثلها مثل المقاطعة الايجابية - تتوقف على حالة الصراع الدائر على الأرض، قوة واتجاه الموجة الثورية، قدرة أو ضعف النظام القائم على السيطرة، ليس فقط انتهاك قوانين النظام ولكن أيضاً ولادة قانون آخر تسير خلفه وتلتزم به الجماهير.

إن شعارات الانتفاضة الأولى وقوتها استطاعت فعلاً نزع شرعية نظام مبارك وانتهاك قوانينه واستقطاب الجماهير إلى موقفها رغم وجود مبارك في الحكم، وبذلك قدمت نموذجاً لما يكون عليه نزع الشرعية فعلاً لا قولاً، في شروط تجعل لهذا الشعار معنى عملي وليس مجرد نوعاً من الدعاية المجردة، وبسبب شروط عديدة لا محل لتكرارها استطاع المجلس العسكري المولود من رحم انتهاك الشرعية الدوس على الدستور السابق أن يفرض شرعية وجده، بغض النظر عن الدستور والقانون، وأن تصير كلمته هي الدستور وإرادته هي القانون ولذلك لأنه أولاً .. استطاع خداع الشعب وحتى معظم النخب السياسية، ومن ثم صار وجوده شرعياً .. أي مقبول جماهيرياً .. إلى حين بالطبع ..

فمنذ الاستفتاء على تعديل الدستور أصبح - بالنسبة للجماهير - السلطتين معاً - التشريعية والتنفيذية - وتلى ذلك سلسلة من التشريعات وانتخاب مجلس الشعب والشورى، نعم .. نظرياً العسكر غير شرعيون ويجب علينا قول ذلك وايضاحه للجماهير، إلا أنه من الناحية العملية لا زال حكمهم مقبول من السواد الأعظم من الجماهير. حتى الذين لا يقبلون استمرار الحكم العسكري، غير مستعدين لنزع شرعيته بالقوة، ومن ثم يراهنون على انتخاب رئيس (مدني) يتسلم السلطة من العسكر ليعودوا إلى ثكناتهم.

إذاً عدم شرعية النظام العسكري تصلح مادة دعائية ثورية بامتياز لتجهيز الجماهير لمعركة تالية، أما تصور أنه في الشروط الموجودة سنساهم في اضفاء شرعية، أو نزعها، عن الحكم العسكري، بدعوتنا إلى المشاركة أو المقاطعة ، هو أمر لا يضع في اعتباره حالة الجماهير واستعدادها، أو أسس قيام شرعية ما وشروط نزعها، موقف يضعنا جانباً وليس في قلب الصراع، فلن تمس شرعية العسكر أو تزول الآن لمقاطعتنا، ولن نقول في دعايتنا أنهم شرعيون أو أن قوانينهم مقبولة أو عادلة إذا شاركنا، بل سنعمل بالعكس تماماً في دعايتنا.

ولسنا حتى في الشروط الراهنة قوة سياسية مؤثرة في كتل كبيرة من الجماهير، يمكننا بتعبئتها أن نعاكس شرعية العسكر - القائمة على انتهاك الشرعية - ومن ثم لن تحدث مشاركتنا أو مقاطعتنا للانتخابات أي أثر يذكر على مسألة اضفاء أو نزع الشرعية عن السلطة العسكرية الحاكمة، إن معاكسة سير العجلة يكون بالدخول بين قضبانها وليس بمجرد الدعاية المجردة تجاهها.

لن نكرر ما قلناه عن المكاسب السياسية والثورية التي يمكن تحقيقها بالمشاركة، ستكون أذان وأفئدة ومشاعر وعقول الجماهير موجهة بكل اهتمام إلى كل كلمة يقولها أحد مرشحي الرئاسة في أثناء المباراة، وكل قول - ثوري - دعائي مجرد خارجها لن يجد أذاناً صاغية، لانشغال الجماهير واانصرافها كلياً، في تلك اللحظة، لمتابعة المرشحين وبرامجهم وأقوالهم، قدمت انتخابات مجلس الشعب - أيضاً في ظل الشروط الراهنة - مثالاً جزئياً، ولكن شديد الدلالة على اتجاه الاستعداد الجماهيري الآن، وستزيد وتتركز أكثر فأكثر هذه الحالة أثناء انتخابات الرئاسة، هذه الحلبة القومية للمباراة السياسية في حضور الشعب الآن، سنكسب كثيراً بصعود لاعب اجتماعي وسياسي خاص يمثلنا - بقدر أو بآخر - لطرح ما يخصنا، على جمهور لم نقدم له بالفعل طرحنا من قبل، ولا تتاح فرصة مثل هذه لعرض السياسات والبرامج أمام الأمة ككل والجماهير الشعبية الفقيرة بشكل خاص إلا في انتخابات رئاسية يشعر كل فرد أنها تتعلق به مباشرة وليس بجمهور هذه الدائرة أو تلك، هذا المعرض السياسي القومي نريد أن نقدم فيه بضاعتنا ودعايتنا على جمهورنا الذي نعتقد أنه يريد بضاعتناالاجتماعية أكثر من غيرها من البرامج والأفكار.

هل نثق فيما لدينا وفي قدرتنا على خوض المبارة به وكسب الجماهير أم أم نسير وراء بضاعة لا تخصنا يحملها مرشح توافقي هو في التحليل الأخير أحد بدائل الطبقة المسيطرة، حتى لو لم يكن ضمن رموز النخبة الحاكمة السابقة. هل نعي أهمية وحالية الاستقطاب السياسي والاجتماعي، هل نخوض وحل الرجعي للمرور إلى شواطئ نظيفة، أم نتعفف ونستنكف تحت شعارات لا معنى لها في الظروف الراهنة .. تلك هي المسألة.



#اليسار_الثوري_في_مصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نضال الطلاب بين فبراير 46 واليوم - مقال
- دولة دستورية أم دولة قمعية؟ -
- الحد الأدنى للأجور .. مكسب للحركة أم مناورة من السلطة - مقال
- الثورة المصرية وسياسة عصر الليمون .. أزمة البديل الغائب - مق ...
- حول ما حدث في ذكري 25 يناير - مقال
- عودة الدولة البوليسية والسيطرة على قوى الثورة
- الثورة المصرية .. حدود وآفاق - من أرشيف مواقف اليسار الثوري
- في معايير الحكم على الأوهام الدستورية … قراءة ماركسية في مسأ ...
- علامات على طريق الثورة المصرية في ذكرى شهداء يناير
- -دستورهم- بين أهداف الثورة ومناورات الثورة المضادة


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - اليسار الثوري في مصر - تأملات أولية في المسألة الرئاسية ومسار الثورة المصرية - كراس - من أرشيف اليسار الثوري